بعد الجمود في مساعي التقارب بين السعودية وإيران، على الرغم من الوساطة العراقية التي بدأت فعليا قبل أكثر من عام بين الجانبين لإعادة العلاقات المنقطعة منذ العام 2016، وذلك من خلال عقد عدة مباحثات مباشرة في بغداد، برعاية رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي، عادت الأنظار لتتجه نحو مسار التقارب بين البلدين مجددا، وذلك بعد أن جددت طهران ترحيبها بالمفاوضات مع الرياض.

جاء ذلك بعد أن أطلقت الخارجية الإيرانية أمس الإثنين، تصريحات جديدة في مضمونها وتوقيتها والتي اعتبرها سياسيون أنها بادرة جيدة لعودة المفاوضات بين الجانبين، وذلك بعد توقفها في آخر محطة بينهما في نيسان/أبريل الماضي، وهو ما عزز تصريح الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، خلال حديث له على هامش القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في الجزائر الشهر الماضي، بأن الوساطة العراقية بين إيران والسعودية لا تزال مستمرة رغم تغير الحكومة.

لماذا تسعى إيران لإعادة إحياء المفاوضات مع السعودية؟

بالعودة إلى ما تقدم، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن طهران ترحب بالمفاوضات مع السعودية بشأن إعادة العلاقات بين البلدين، لافتا إلى أن الأرضية ممهدة لتحسين العلاقات مع الرياض، كما رحب كنعاني بأي وساطة لاستئناف المفاوضات بين إيران والسعودية، مشيرا إلى أن، الحكومة العراقية بذلت جهودا صادقة في الوساطة بين طهران والرياض، وأن بغداد أعلنت أنها مستعدة لاستكمال الوساطة بين البلدين.

اقرأ/ي أيضا: من إفريقيا إلى آسيا.. كيف تستقطب الصين الشباب لخدمة مشروعها التوسعي؟

وحول ملف العلاقات مع إيران، ثمة كثير من الشكوك حول مصيرها، وفي الوقت الذي كانت لا تبدو فيه أي مؤشرات تمضي نحو تقدمها أعادت الخارجية الإيرانية الأمل في ذلك، خصوصا في ظل تصعيد التصريحات الإيرانية ضد السعودية مع اندلاع الاحتجاجات الإيرانية، وهو ما أثار حالة من الترقب بعد تصريحات الخارجية الإيرانية، فيما إذا كانت ستدفع بعودة المفاوضات، وعن ماذا يمكن أن تنتج على مستوى المنطقة التي تعيش حالة من الحذر، مقابل مخاوف من أن تفشل أي محاولات للتقريب بين الجانبين اللذين يعيشان صراعا هو الأسوأ في الشرق الأوسط.

إلى ذلك، يقول المحلل السياسي هادي الأنصاري، إن ظروف تجدد المفاوضات فعليا قائمة، وذلك بالنظر إلى ما يشهده العالم والمنطقة من إعادة رسم للخارطة الدولية، وهو ما ينعكس على المجال الإقليمي ويحرك المياه الراكدة بين الأطراف، ويعد ترتيب الأوليات، مبيّنا أن توقف مفاوضات الاتفاق النووي واستمرار الاحتجاجات في الداخل الإيراني كلها عوامل تدفع النظام الإيراني إلى التقرب من السعودية.

الأنصاري وفي حديث لموقع “الحل نت“، بيّن أن “الضغوطات الغربية قد تسببت بضرر كبير للنظام الإيراني ووضعته في حرج أمام الشعب الذي بات يعاني من ظروف الحياة المعيشية، في مقابل تضيق الساحة العراقية أمامه والتي كانت طهران تتخذها منفذا للتخفيف عن ضغوطاتها لا سيما الاقتصادية منها، وهو ما أجج مشاكل كبيرة وكشف عن عورات النظام أمام شعبه الذي لا زال مستمرا في التعبير عن رفضه له“، مشيرا إلى أن ذلك دفع بطهران بالبحث عن تنفيس لها من خلال وقف التصعيد مع السعودية.

ما علاقة اليمن بعلاقة إيران والسعودية؟

المحلل السياسي أوضح كذلك، أن لجوء إيران إلى خيار إعادة العلاقات مع السعودية، هو لسبب استمرار الحرب في اليمن والتي تتطلب من طهران دعما اقتصاديا كبيرا لاستدامة قوة وكلاءها هناك، بالتالي أن فشل السعودية في حسم الحرب مع الحوثين وتحولهم إلى تهديد إقليمي، أرهق النظام السعودي الذي بات يبحث عن الاستقرار أمام انتهاء هذه الحرب، ولذلك أن السعودية وإيران تعيان جيدا أن عودة العلاقات والاتفاق على النقاط الخلافية يعني أنه سيعود على البلدين باستقرار نسبي، يجنب الطرفين حرب استنزافية ويعطي لكلّ منهما مساحة للانشغال في قضايا أخرى.

إيران، وبحسب الأنصاري، تعاني من مشكلات اقتصادية كبيرة لا تسمح لها في استدامة دعم وكلاءها في المنطقة، بالتالي هي تبحث في الوقت الحالي عن أي هدنة يمكن من خلالها أن تحافظ على مواضعها التي استحوذت عليها خلال السنوات العشر الأخيرة في سوريا واليمن، مقابل تعزيز حضورها في العراق، وهذا كله يتطلب منها أن تبادر لحل خلافاتها مع خصومها الذين يعيشون وضعا أمنيا واقتصاديا مستقرا، لافتا إلى أن ذلك سيعود على المنطقة كلها بالهدوء والاستقرار.

تقرأ/ي أيضا: بوتين يفقد دعم الشعب الروسي في غزوه لأوكرانيا.. الأسباب والمآلات

السلام بين السعودية وإيران، هما الدولتان اللتان تمتلكان وكلاء يحاربون نيابة عنهما في عدد من دول المنطقة، مثل العراق وسوريا واليمن ولبنان، وحتى البحرين، إذا ما توصلا إلى هدنة، هذا يعني أن الاقتتال سيتوقف والتدافع السياسي ضمن الإطار المتشنج كله سيتوقف، وهو ما سينعكس على عودة الاستقرار والحياة والمشاريع سواء المتوقفة، أو التي تطلق لإصلاح كل ما افسدته الحروب السابقة.

الكاظمي، كان يرعى منذ اللحظة الأولى لتسلمه منصب رئاسة الوزراء عام 2020، مباحثات استراتيجية بين إيران والسعودية، ويسعى من خلالها إعادة تفعيل العلاقة التي انقطعت منذ العام 2016 بين البلدين، وخفض التوتر في المنطقة، واضفاء حالة من الاستقرار لبلاده.

سياق المفاوضات الإيرانية السعودية

في إطار تلك المحاولات سيق وكشف وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في شهر نيسان/أبريل الماضي، عن استضافة بغداد للجولة الخامسة من المحادثات الاستكشافية بين إيران والسعودية، مشيرا إلى أن الأجواء كانت إيجابية.

الجولة الخامسة من المباحثات انتهت بين السعودية وإيران في بغداد بأجواء إيجابية، كما قال حينها، وتركزت على النقاط الخلافية، وأبرزها الحرب في اليمن والبرنامج النووي الإيراني.

طهران والرياض استأنفتا جولات الحوار الاستكشافية في العاصمة العراقية بغداد، بعد تعليقها من قبل إيران في آذار/ مارس الماضي، دون إبداء أسباب للقرار الذي جاء في وقت كان من المقرر أن تبدأ فيه جولة جديدة من المفاوضات.

انتهاء الجولة الخامسة من المباحثات بأجواء إيجابية دفع بالتوقعات إلى أن تجديد إيران في الوقت الحالي لترحيبها في إعادة تفعيل المفاوضات سيعزز حظوظ عودة المفاوضات وانتهاءها على صيغة ترضي الجانبين.

يُذكر أن الجانبين عقدا جولة المحادثات الخامسة بمشاركة مسؤولين عراقيين وعمانيين رفيعي المستوى، لعبوا دورا مهما في ترتيب اجتماعات مشتركة بين الطرفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة