امتدادٌ من القارة الإفريقية إلى القارة الآسيوية، تفتتح الصين المزيد من ورش التدريب المهني الفني في بلدان مختلفة، والمعروفة باسم ورش “لوبان“، التي سُمّيت تيمنا بنجار قديم باعتباره الأب الراعي لعمال البناء. تدعي بكين ظاهريا، أن هذه الورش قد صُممت للمساعدة على توفير العمالة للمشروعات التي تنتشر حول العالم كجزء من مشروع الصين الهائل للبنية التحتية المعروف بمبادرة “الحزام والطريق“، غير أنه وعلى ما يبدو؛ أن هناك مطامح أخرى يسعى لها الحزب “الشيوعي” الصيني بقيادة الرئيس شي جين بينغ، من خلال هذا المشروع.. فما هي.

الصين تقول إنها تريد إكساب العمال المحليين في تلك البلدان مهارات فنية احترافية، غير أن هناك دراسات تتبعت وحللت أهداف المشروع ومناطق انتشاره، وأشارت إلى أن هذه الورش تدخل في إطار القوى الناعمة الصينية، إذ تريد بكين التمدد في تلك المناطق عن طريق تدريب عمّالها ومن ثم توظيفهم في مشروعات صينية محلية، التي غالبا ما تُعد جزءا من مشروعات مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى من خلالها الصين لتحقيق مجموعة أهداف.

منذ عام 2016 افتُتِحت ورش “لوبان” في 19 بلدا، معظمها في النصف الجنوبي من العالم، وكانت أول ورشة “لوبان” قد افتُتحت في تايلاند قبل 6 سنوات، بعد ذلك وسعت الصين ورشها إلى أكثر من 10 ورش في دول مثل بريطانيا والهند والبرتغال وجنوب إفريقيا وباكستان، وفي عام 2018، اتفقت الصين وإفريقيا على إنشاء 10 من ورش “لوبان” في القارة الإفريقية وتعزيز التدريبات المهنية للشباب الأفارقة، ليليها افتتاح ورشة “لوبان” بجيبوتي في آذار/مارس 2019، وبعد ذلك تم إنشاء ورش في كينيا وأوغندا ونيجيريا ومالي ومصر، وأخيرا في طاجاكستان.

على ماذا تشتمل ورش “لوبان“؟

الورش التي تطلقها بكين ضمن برنامج “لوبان“، تركز على أنشطة مثل التخصص في التحول الرقمي وعِلم الروبوتات، وتكنولوجيا القطارات فائقة السرعة، فضلا عن التخصص في تقنية الأتمتة الكهربائية وتكنولوجيا هندسة السكك الحديدية، وتشغيل وإدارة حركة السكك الحديدية، والتجارة، والخدمات اللوجستية، وهي مشاريع كلها تندرج في خلق قاعدة عمالية في الدول التي تحاول الصين استهدافها في مبادرة “الحزام والطريق“، وفرض نفوذها داخل تلك الدول خدمةً للمصلحة الاقتصادية، التي يطمح لها الحزب “الشيوعي” الحاكم.

في سياق ذا صلة، لا يخفي مسؤولو الحزب “الشيوعي” الصيني، اعجابهم باستمرار فكرة ورش “لوبان” وهو ما يؤكدون عليه في اجتماعاتهم مع المسؤولين في آسيا الوسطى. وتأكيدا على ذاك الاهتمام السلطوي، تحدث الرئيس الصيني العام الماضي، علنا مرتين عن هذه الفُرص، موجها حديثه إلى رؤساء المنطقة، فيما قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أثناء استقباله نظراءه من دول آسيا الوسطى في أيار/مايو 2021، إن الصين ستنشئ 5 ورش “لوبان” في منطقتهم لتوفير التدريب عالي التقنية.

وللتعليق على طبيعة تلك المشاريع وأهدافها، تواصل موقع “الحل نت“، مع محمد الفهداوي، المسؤول في إحدى منظمات المجتمع المدني، والمتخصص بعلوم الحاسبات، والذي قال إن الأمر واضح للعيان، فالصين تحاول من خلال هذه المشروعات مزاحمة الجانب الغربي في مناطق نفوذ في الشرق الأوسط، ولا سيما أميركا التي تطلق سنويا أكبر المشاريع الدراسية العلمية، وتليها بريطانيا، وذلك لغرض أجندات سياسية واقتصادية.

اقرأ/ي أيضا: رسائل استباقية لحكومة نتنياهو.. إلى أين يتجه مسار الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

الهدف من ورش “لوبان”

تلك الأجندة تتضمن، بحسب الفهداوي، خلق طبقة عاملة تحاول الصين تحضيرها أملا في تنفيذ مبادرة “الحزام والطريق“، بالتالي أن تنفيذ هذا المشروع يحتاج إلى طبقة عاملة ومشرفة على بعض المشاريع التي يتضمنها، والتي تستهدف ورش “لوبان” تطويرها لدى الشباب في البلدان الموجودة ضمن مسار خط المشروع، مشيرا إلى أنه لو تم التركيز في التخصصات التي تشتملها الورش، فلن نجد غير تلك التي تتعلق بمبادرة “الحزام والطريق“.

الفهداوي وفي حديثه لـ “الحل نت“، أشار إلى أن المشروعات الصينية لا يمكن الوثوق بها، كما أن سياسيات الحزب “الشيوعي” الصيني في الأساس لا تخدم سوى مصالحه، وطالما تقوم على حساب الطبقات العاملة، مؤكدا أن الورش لا تركز على خلق قادة للمشاريع بل أن تعمل على خلق طبقة يمكنها التعامل مع مخططات قادة المشاريع.

وسبق وأن توسعت الصين عبر التبادلات التجارية في عدد من الدولة الإفريقية، غير أن جميع المشاريع فشلت، ولم تعمل في أي من مشاريعها على تمكين المجتمعات بقدر ما تركز في استثمار الموارد، ولعل ما حدث في كينيا مؤخرا من احتجاجات جماهيرية واسعة أدت إلى خلع الرئيس الكيني، بسبب الازمة الاقتصادية، دليلا على النفوذ الصيني، مبينا أن الصين تعمل بمبدأ إغراق السوق وعملائها في المشاريع الركيكة والديون الكبيرة، لإبقاء مستقبل الحكومات مرهون بها.

اقرأ/ي أيضا: ترقب لـ“الاتفاق الإطاري“.. عودة الحكم المدني السوداني؟

الفهداوي اختتم حديثه إلى “الحل نت” بالإشارة إلى أن ورش “لوبان” لن تحقق الهدف المطلوب، ولربما لن تقدم للصين أكثر من خسارتها لتمويل البرنامج، لسبب أن مبادرة “الحزام والطريق“، لا يزال طريقها طويل، وغالبا لن ترى النور في ظل الهيمنة الأميركية والأوروبية على أغلب البقع الجغرافية التي تطمح بكين في تمرير مشروعها منها.

ما هي مبادرة “الحزام والطريق“؟

مبادرة “الحزام والطرق“، هي مشروع للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، ويبدو أن هدفها هو بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية تربط آسيا بأوروبا وإفريقيا وما وراء ذلك، وتسعى هذه المبادرة للتنمية والاستثمار بشكل كبير إلى تعزيز النفوذ العالمي للصين من شرق آسيا إلى أوروبا من خلال جعل الدول في جميع أنحاء العالم تعتمد بشكل متزايد على الصين.

في إطار ذلك، وفي الوقت الذي تروّج فيه الصين لمبادرة “الحزام والطريق“، كان تقرير لـ “البنك الدولي” قد كشف عن مخاطر تنطوي عليها المبادرة، والتي تتسم بها في العادة مشروعات البنية التحتية الكبيرة، مبيّنا أن هذه المخاطر قد تتفاقم بسبب نقص الشفافية، وانفتاح المبادرة، وضعف العوامل الاقتصادية الأساسية ومستويات الحوكمة في العديد من البلدان المشاركة.

إضافة إلى ذلك، هنالك مخاطر تتعلق بالقدرة على الاستمرار في تحمل أعباء الدَّين، إذ سيشهد 12 بلدا من البلدان الثلاثة والأربعين المنخفضة والمتوسطة الدخل التي أُتيحت عنها بيانات مفصلة، تدهور آفاق قدرتها على تحمل أعباء الدّين في الأمد المتوسط، فضلا عن المخاطر المتصلة بالحوكمة، إذ أن من شأن التوجه نحو اعتماد الممارسات العالمية الجيدة مثل المناقصات العامة المفتوحة والشفافة أن يؤدي إلى زيادة احتمال أن يتم تخصيص مشروعات “الحزام والطريق” للشركات الأقدر على تنفيذها.

كما أن المخاطر البيئية، والتي خلُص التحليل إلى أن مشروعات البنية التحتية للنقل في إطار المبادرة قد تؤدي إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 0.3 بالمئة على مستوى العالم، وبما يصل إلى 7 بالمئة أو أكثر في بعض البلدان مع زيادة الإنتاج في القطاعات ذات المستويات المرتفعة من الانبعاثات، وكل ذلك إلى جانب المخاطر الاجتماعية التي قد يخلق تدفق العمال فيما يتصل بمشروع للبنية التحتية خطر وقوع عنف ضد المرأة، والأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي، والتوترات الاجتماعية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.