توتر بين الجزائر وإسبانيا.. ما تأثيره على تدفق الغاز نحو أوروبا؟

العلاقة بين الجزائر وإسبانيا كانت منذ عام 2002 في أفضل حالاتها مع توقيع اتفاقية الصداقة بين الجانبين، وكانت العلاقة الثنائية في طريقها للتطور تزامنا مع الرغبة الأوروبية في زيادة وارداتها من الغاز الطبيعي من الدول الإفريقية وخصوصا الجزائر.

لكن أزمة الصحراء المغربية، كانت سببا بدخول العلاقات الثنائية إلى نفق غير معروف النهاية، وذلك بعد أن دعم الموقف الإسباني وجهة النظر المغربية بما يتعلق بالصحراء المتنازع عليها، فما تأثير وقوف الحكومة الإسبانية مع المغرب على مشاريع الطاقة وتصدير الغاز الجزائري نحو أوروبا.

معاهدة الصداقة

ستة أشهر مضت على تعليق الجزائر العمل بمعاهدة الصداقة مع إسبانيا، بسبب موقف الأخيرة من الصراع الدائر بشأن الصحراء المغربية، ذلك ما انعكس على انخفاض وتيرة المبادلات الاقتصادية بين الجانبين، ما انعكس سلبا على الشركات التجارية المتضررة.

رئيس شركة “ايكوميل” الإسبانية المتخصصة في تصنيع آلات الأشغال العامة جوليو ليبريرو، أكد في تصريحات نقلها موقع “القدس العربي“، أن جميع عمليات الاستيراد والتصدير معلّقة منذ شهر حزيران/يونيو الماضي.

هذه التوترات دفعت بالبعض للتنبؤ حول مصير تصدير الغاز الجزائري إلى إسبانيا والدول الأوروبية، بسبب موقف مدريد من قضية الصحراء، لا سيما في ظل اشتداد وتيرة أزمة الطاقة في أوروبا، وتوجه الدول الأوروبية إلى إفريقيا لتغطية النقص.

قد يهمك: الإرهاب الإشعاعي والنووي.. لماذا تراجعت روسيا عن تهديداتها المتنامية؟

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن العامل التاريخي يُلقي بظلاله على تطورات التحليل السياسي والاقتصادي للعلاقات بين الجزائر وإسبانيا، مشيرا إلى أن ميل إسبانيا للمغرب يعود لأسباب جيوسياسية واستراتيجية.

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “تاريخ الصراع بين البلدين يؤثر على التطورات الحالية، كانت الحملات الإسبانية سابقا تتجه للجزائر بسبب موقعها الاستراتيجي، فهناك تاريخ شائك هو من بين أسباب العداء بينهما“.

تميل إسبانيا للمغرب، بسبب أن المغرب تمتلك عمق استراتيجي يخدم إسبانيا أكثر، إضافة للمواقع الاستراتيجية المغربية التي تخدم إسبانيا في قضايا عدة، كقضية وقف تدفق المهاجرين مثلا وغيرها، إذا فالمغرب أهم لإسبانيا من الجزائر، وهذا يفسّر الموقف الإسباني من قضية الصحراء.

التأثير على الاقتصاد

حول تأثير التوترات السياسية على الاقتصاد والتبادلات التجارية، استبعد مشرف تأثير كبير على التبادلات التجارية وتصدير الغاز من الجزائر، وذلك لأن العديد من الاتفاقيات المتعلقة بالاقتصاد هي اتفاقيات مُلزمة.

حول ذلك أضاف، “الاقتصاد يحرك السياسة، هناك اتفاقيات مُلزمة للطرفين وعقود غاز مُلزمة، من الممكن أن تنتهي بعد انتهاء مدة هذه العقود، ولعل أيضا هناك تغير في اتجاه مصادر الطاقة من الخليج إلى إفريقيا نلاحظ اتجاه أوروبا إلى الجزائر ودول إفريقيا، بالتالي ليس هناك شلل رغم تضرر بعض الشركات، تحاول الجزائر الضغط على إسبانيا لما تمتلكه من مصادر طاقة خاصة مع اشتداد وتيرة أزمة الطاقة في أوروبا الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. الجزائر بحاجة لأوروبا من أجل القطع الأجنبي وأوروبا بحاجة للجزائر بسبب مصادر الطاقة“.

التوتر السياسي بين الجانبين، بدأ في آذار/مارس الماضي، عندما أرسل رئيس الحكومة الإسبانية يبرو سانشيز، رسالة إلى المغرب دعمت من خلالها المقترح المغربي لإعطاء الحكم الذاتي للصحراء المغربية، إذ اعتبرت الرسالة أن هذا هو الحل الأمثل للصحراء المتنازع عليها بين جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر من جهة والمغرب من جهة أخرى.

بعدها قررت الحكومة الجزائرية تعليق اتفاقية الصداقة وحسن الجوار مع إسبانيا منذ عام 2002، التي تقضي باحترام سيادة البلدين وحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية، وعدم التدخل بالشؤون الداخلية ودعم الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي

الجزائر نددت بما سمته “الاستدارة المفاجئة” وتخليها عن الحياد في هذا النزاع، وسحبت سفيرها من مدريد ثم استثنت إسبانيا من برنامج الرحلات الجوية قبل بضعة أسابيع لكن لماذا قررت الجزائر.

هذا التجميد الذي أعلنته “الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية” في الجزائر أثر بشدة على التجارة بين البلدين كما يؤكد ألفونسو تابيا المدير التنفيذي لشركة “أومنيكريا كونسلتوريا”، وهي شركة استشارية متخصصة في السوق الجزائرية.

أسباب التوتر

العلاقات بين الجانبين، تشهد توترا منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

التوتر زاد عندما أعلنت الجزائر في آب/أغسطس الماضي قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط متهمة إياها بارتكاب أعمال عدائية، منذ استقلال الجزائر في 1962.

من جانبها، دعت الجزائر قبل أسابيع إلى استئناف المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة “البوليساريو“، لحل نزاع الصحراء الغربية. وجاءت الدعوة خلال لقاء المبعوث الأممي الخاص للصحراء ستيفان دي ميستورا، مع وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بالجزائر، حسبما ذكر بيان لوزارة الخارجية.

ازمة الطاقة في أوروبا دفعت العديد من دول إفريقيا إلى البحث عن فرصها للحصول على صحة، أو زيادة الكميات المصدرة إلى الدول الأوروبية، وأبرز هذه الدول هي الجزائر التي لها شراكة قديمة مع دول أوروبا.

يُشار إلى أن الجزائر تُصدّر 24 بالمئة من إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي البالغ نحو مليون ونصف قدم مكعب في 2015.

ويبلغ الاستهلاك الداخلي 1،4 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويا اعتبارا من عام 2017. لتكون في المرتبة 26 في العالم من حيث استهلاكه بنسبة 1.1 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العالمي البالغ نحو 132 مليون قدم مكعب.

الدول الأوروبية تسعى لزيادة إمداد الغاز الجزائري، وهي التي تربطها مع الجزائر شراكة تجارية منذ عام 2002، كما تزوّد الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطي أنابيب، الأول يصل إيطاليا مرورا بتونس، بطاقة تصل نقل تقدر بـ 32 مليار متر مكعب سنويا، والثاني “ميدغاز”، يمر من الساحل الغربي للبلاد إلى جنوب إسبانيا، وينقل 10 مليارات متر مكعب سنويا.

الجزائر أعلنت كذلك قبل أسابيع، بدء إنتاج الغاز في حقلين جديدين، وذلك في إطار مشواره لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا في المرحلة المقبلة، حيث أشارت شركة “سوناطراك” الجزائرية، إلى أن تعزيز إنتاج الغاز يأتي في إطار العقد الموقّع مع شركة الغاز الإيطالية “إيني“.

بحسب ما أعلنت الشركة الجزائرية، فإن توسيع الإنتاج، سمح بتوسيع كمية الإنتاج إلى مليون متر مكعب من الغاز.

تنتج الجزائر نحو مئة وعشرة مليارات متر مكعب من الغاز، تذهب نصفها إلى الاستخدام الداخلي وإنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن “الجزائر بحاجة إلى تحول طاقوي بمساعدة أوروبا، لتوفير الغاز الذي يتم استخدامه في إنتاج الكهرباء، ليتم تحويله للتصدير نحو أوروبا”، بحسب حديث سليمان.

لا يبدو أن هناك مؤشرات على تضرر صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا، على الأقل حتى الآن وقبل انتهاء فترة الاتفاقيات الجارية حاليا، في حين تبقى قضية الصحراء المغربية عالقة رغم الجهود الرامية إلى حلها بين الجزائر والمغرب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.