مع تراجع وتيرة التهديدات من قِبل الحزب “الشيوعي” الصيني، يواصل الأخير اتخاذ خطوات لإعادة تذكير العالم بالخطر الصيني على تايوان، إلا أن جميع المؤشرات العالمية ما تزال لا تدعم التهديدات المتمثلة باحتمالية شن عمل عسكري ضد تايوان.

رغم التحركات العسكرية التي يجريها “الجيش الشعبي” الصيني، في المنطقة، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم، فضلا عن التوجهات الاقتصادية لبكين حول العالم، تجعل من التوجه للخيار العسكري أمرا مستبعدا، لكن ما هو حجم الخطر الصيني على تايوان في المرحلة الراهنة.

مناورات عسكرية

الحزب “الشيوعي” الصيني، أرسل عددا قياسيا من القاذفات ذات القدرات النووية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية، وفق ما أعلنت تايبيه الثلاثاء، بعد أيام على حظر بكين دخول أي واردات تايوانية إضافية في مؤشر جديد على تدهور العلاقات بين الطرفين.

وزارة الدفاع التايوانية أعلنت صباح الثلاثاء، أن 21 طائرة دخلت “منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي” خلال الساعات الأخيرة، وتشمل 18 قاذفة من طراز “إتش 6”، ذات القدرات النووية.

بحسب تقرير لموقع “الحرة” فإن هذه العملية التي نفذتها القوات الصينية، تمثّل أكبر طلعات جوية لقاذفات “إتش 6”، منذ أن بدأت تايبيه إصدار بيانات التوغلات اليومية في أيلول/سبتمبر 2020، استنادا لقاعدة بيانات تحتفظ بها “فرانس برس“.

الباحث السياسي الدكتور محمد نعناع، استبعد فكرة أن يعود الحزب “الشيوعي” الحاكم في الصين لتهديداته بشن عملية عسكرية لغزو تايوان وذلك لعوامل عدة، في حين أن الصين تسعى فقط لتأمين مجالها الحيوي والجوي.

قد يهمك: قمة “كوب 28”.. تحديات التحوّل للطاقة النظيفة و“العدالة المناخية“؟

نعناع قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “أقصى ما ستفعله الصين في مسألة تايوان، هو تأمين المجال الحيوي لها، في محاولة لمنع تكوين نفوذ لدول عظمى كبرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية حتى لا تدفع ثمنا باهظا في المستقبل وتواجه مسألة المجال الحيوي والأمن القومي فيما بعد“.

نعناع أوضح أن فكرة القيام بغزو عسكري على غرار ما حصل في أوكرانيا من قِبل روسيا مستبعدة حاليا، وأضاف، “من المستبعد تجاوز مسألة الأمن الحيوي لسببين. الأول، أن الصين طامحة اقتصاديا وغزوها لتايوان سوف يعقّد كثيرا من حساباتها الاقتصادية. والمسألة الثانية، أن الصين الآن في محور دولي يضم روسيا وإيران ودول أخرى، وهو ليس محورا استراتيجيا متفقا على كل التفاصيل، ولكن يشكل مظلة للتوجهات الأميركية في العالم أجمع، لذلك عندما تريد أن تقوم بعملية غزو أو توغل عسكري يجب أن تحسب حسابات حلفائها كروسيا، المشتبكة في الغزو الأوكراني“.

مصير كارثي للصين

تقرير سابق لـ“الحل نت“، أشار إلى أن الصين لن تشنَّ هجوما على تايوان، لمجرد أن الصين لا تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، لأنها ستواجه أيضا عقوبات أميركية وغربية مثلما فُرضت على روسيا أثناء غزوها لأوكرانيا، حسبما أوضح الكاتب والمحلل السياسي ميّار شحادة، خلال حديثه لـ“الحل نت“.

وبحسب تقدير شحادة، فإن الصين ستواجه مصيرا كارثيا في حال غزت تايوان، لا سيما أن الصين لديها استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في أميركا، وبالتالي إذا عوقبت الصين، مثلما عوقبت روسيا، فإنه من الممكن إعادة الصين إلى فترة ما قبل السبعينيات، لذا تدرس الصين التاريخ جيدا، خاصة فترة الاتحاد السوفيتي الذي كان يهدد سابقا بنقل الصواريخ إلى كوبا، قبالة الساحل الأميركي، وتحديدا فلوريدا، ومن ثم هددت بنقل الأسلحة النووية إلى بحر الصين الجنوبي، حيث كان هناك العديد من الإشكاليات حينذاك، ولكن في النهاية انهار الاتحاد السوفيتي، وانتصرت الولايات المتحدة، الآن الصين تقرأ كل هذا، ووفق اعتقاد شحادة، أنه لن يكون للصين رد فعل غوغائي أو عسكري، فهي الآن بحسب تقديره تدرس خطواتها بعناية، وتعلم أن أدواتها ليست قوية أو قادرة على مواجهة الولايات المتحدة.

وعليه، فإن هناك شرطا لاحتمالية أن تغزو الصين تايوان، والذي يتمثل بسحب التمويل والاستثمارات الصينية في أميركا، وقد لا يحدث هذا في الفترة المتوقعة لأنها تُقدّر بالتريليونات، فضلا عن وجود تداخلات استثمارية بين الصين وأوروبا، وبالتالي فإن الصين تعلم جيدا أنه إذا ما سحبت استثماراتها، فسوف يسحب الغرب استثماراته تِباعا، ومن هنا يمكن القول إن الصين ستكون منهكة اقتصاديا إذا ما غزت تايوان، وبالتالي لا يمكن للصين أن تتحدى الولايات المتحدة، وفق تعبير شحادة.

وأيضا كان الرئيس جو بايدن، أكد التزام واشنطن تجاه تايوان في مطلع العام الحالي، وفي أيار/مايو الماضي اعتبر الرئيس الأميركي أن الصين، “تلعب بالنار” في مسألة تايوان، وتعهّد بالتدخل عسكريا لحماية الجزيرة، إذا تعرضت لهجوم.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها أثناء زيارته لليابان. بدا بايدن، على خلاف مع سياسة الولايات المتحدة المتّبعة على مدى عقود في هذا الشأن، على الرغم من إصرار “البيت الأبيض” على عدم وجود أي تغيير؛ إذ شبّه الرئيس الأميركي أي غزو صيني لتايوان، بغزو روسيا لأوكرانيا، الأمر الذي أثار انتقادات غاضبة من بكين.

من الواضح أن التهديدات الصينية لتايوان، ستأتي بنتائج عكسية وسلبية على الصين، حتى قبل أن تُقدم الصين على أي تحرك عسكري من غير المتوقع أن يحدث، خاصة إذا ما نظرت الصين إلى نتائج الغزو الروسي لأوكرانيا، وما جلبه على روسيا من تدهور اقتصادي وقطيعة في العلاقات الدولية، ما سيجعلها تنظر في إعادة تفكيرها الاستراتيجي بالتعامل مع ملف تايوان، وغيره من الملفات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.