تساؤلات عدة أثارها قرار الحكومة العراقية الأخير، بنقل مهام إدارة الملف الأمني في بعض المدن، من وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية، بأن هذا القرار قد اتخذ تحت تأثيرات سياسية، حيث غادرت وحدات من الجيش العراقي عددا من مناطق العاصمة بغداد وبعض المدن العراقية الأخرى خلال الأيام القليلة الماضية، عائدة إلى معسكراتها. في خطوة هي الأولى منذ 17 عاما، كان للجيش أثنائها دور رئيس في حفظ الأمن داخل المدن، ضمن قيادات العمليات التي تشكلت منذ مطلع عام 2007.

وزارة الداخلية العراقية، تسلّمت إدارة الملف الأمني في محافظات المثنى والديوانية جنوب العراق، ومحافظة واسط، بعد مغادرة الجيش منها ضمن خطة حكومية أوسع ستشمل مدن البلاد الأخرى في المستقبل.

الجيش العراقي ومنذ إعادة تأسيسه بعد عام 2003، نشر فرق وألوية ووحدات داخل المدن العراقية، باستثناء مدن إقليم كردستان، للمشاركة في إدارة الملف الأمني، بل إن مدن بغداد والموصل وكركوك والبصرة وميسان والأنبار وصلاح الدين، كان يُدار الملف الأمني فيها قبل عام 2014 حصريا من قِبل الجيش وبدعم من بقية الأجهزة الأمنية.

تعزيز لدور المؤسسات الأمنية؟

سحب الجيش من المدن يُعدّ مبدأ صحيحا في السياقات الأمنية والعسكرية والمدنية، بحسب حديث الخبير الاستراتيجي علاء النشوع، لـ”الحل نت”، مضيفا أن “عملية الانسحاب هذه تعزز قيام المؤسسات الأمنية الأخرى من الشرطة والأمن الوطني، القيام بواجباتها في ظل استراتيجيات الأمن الصحيحة، التي تتيح لها المسح الشامل والدقيق لكل الثغرات الأمنية الداخلية بمهنية التعامل مع كل شرائح المجتمع، والذي تفتقر له المؤسسة العسكرية التي تختص في معالجة الخروقات الخارجية” وفق تعبيره.

“نظرية وجود الجيش في المدن خاطئة جدا”، بحسب النشوع، نظرا لتداعيات كثيرة منها خلق الإزعاجات والفوضى الكبيرة في مفهوم التعامل ما بين قطعات الجيش والمواطنين من ناحية، إضافة إلى المحددات التي تفرضها القيادات العسكرية في المنطقة، مثل حماية مقارها الأمنية من الخروقات، وهو ما يتطلب مساحات كبيرة من العمل الذي قد يشمل الشوارع والممرات والتقاطعات في المدن، مما ينعكس على حركة المواطنين، ويفرض قيودا عليهم من ناحية أخرى.

“الأمن الداخلي ليس من واجبات الجيش في زمن السلم والحرب”، يقول النشوع، لأن واجبات المؤسسة العسكرية قتالية، تتركز فيها القيم الكتلوية والحجمية التي تعمل ضمن نظرية الحرب، أي المتجهة نحو وجود أهداف لقوتين متحاربتين في ساحات الميدان، على حد تعبيره.

قد يهمك: بين 140 دولة.. العراق في المرتبة 34 عسكريا

البرنامج الحكومي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كان قد تضمن بندا ينص على سحب جميع وحدات الجيش من المدن، وتسليم الملف الأمني فيها لوزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية بالتنسيق مع بقية الأجهزة الأمنية؛ مثل الأمن الوطني وجهاز الاستخبارات.

انسحاب الجيش العراقي من داخل المدن العراقية، من شأنه أن يفسح المجال له لاستعادة قوته وتأهيل أفراده بعد سنوات من الانشغال بالمعارك العسكرية وضبط الأمن الداخلي، خاصة وأن الكثير من الفرق والألوية العسكرية تضررت جرّاء اجتياح تنظيم “داعش” الإرهابي، مناطق عدة في العراق صيف عام 2014، ما تسبّب بتلف الآليات والمدرعات والتجهيزات الأخرى، فضلا عن الخسائر البشرية.

الجيش العراقي يتكون من 14 فرقة عسكرية وقيادات القوة الجوية والبحرية والبرية والدفاع الجوي ومديرية الاستخبارات العسكرية ودوائر أخرى، إذ يبلغ عدد منتسبيه 350 ألفا بين جندي وضابط.

إخراج الفصائل المسلحة

قرار إخراج الجيش من المدن سيصبّ في مصلحة المواطنين، حتى وإن كانت هناك أبعاد سياسية في الأمر، ولكن مع ضرورة أن يشمل القرار الفصائل المسلحة، التي أصبحت تشكّل عقدة أمنية وسياسية واجتماعية كبيرة، وعلى رأسهم “الحشد الشعبي”، لأن خروجه من المدن، وفقا لنشوع، هو ضرورة أمنيه وسياسية وعسكرية وحتى اجتماعية وديمغرافية، ويجب أن يكون خروجه حتميا وقبل خروج الجيش من المدن حتى.

“الحشد اليوم يعمل على تقوية وجوده على الأرض”، يقول النشوع، ويركز هذا الوجود بفعاليات وسلوك تنتهك من حقوق الدولة والمواطن، سواء كان ضمن حقوق الحريات المدنية والشخصية، التي أصبحت اليوم تحت مقدرات وقدرات قوى “الحشد” الذي يمتلك صلاحيات أكبر من كل المؤسسات الأمنية والعسكرية، في ظل عجز الحكومة عن وقف تلك الانتهاكات.

من جهته يقول، الخبير العسكري ربيع الجواري، لـ”الحل نت”، بإن “الفصائل المسلحة والميليشيات الموالية لإيران، لا تلتزم بقرار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، ولديها مصالح عديدة خاصة في المدن المحررة منها نينوى وصلاح الدين والأنبار وحتى العاصمة بغداد، هي تسيطر على ساحات وقوف السيارات ولديها مصالح تجارية، وتفرض الضرائب والإتاوات على التجار والمقاولين ورجال الأعمال وأصحاب الأسواق والمحال”.

انسحاب الجيش العراقي من المدن هو خطوة مهمة وإيجابية ويعزز من ثقة المواطن بالحكومة، وفق الجواري، كون الجهة المكلّفة بحماية مراكز المدن، يجب أن تكون هي الاستخبارات والأمن الوطني، وعسكرة المدن أضرت بها كثيرا، وقللت من الحيوية والنشاط، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا: عودة التجنيد الالزامي في العراق.. بادرة لصناعة “جيش وطني“؟

قرار سحب الجيش من داخل المدن العراقية لن يشمل الفصائل المسلحة، باعتقاد الجواري، و”حتى وإن انسحبت فسيكون ذلك شكليا، وتبقى عناصرها المسلحة بزي مدني تجوب داخل مراكز المدن لكي تبقى متحكمة بالقرار الأمني، وخاصة في المناطق المحررة”، فهذه المناطق تعتبر المورد الاقتصادي الأول لها، ومن الصعب التخلي عنها بسهولة، والسوداني لن يستطيع فرض قراراته على تلك الفصائل، بحسب تعبيره.

توثيق العلاقة مع المواطنين

سحب الجيش من المدن سيمثّل رسالة اطمئنان لأبناء المحافظات المحررة أو الجنوبية، وفق حديث المحلل السياسي كتاب الميزان، لـ”الحل نت”، لكن يجب ألّا تقتصر العملية على استبدال العسكريين فقط، بل الحاجة أصبحت مُلحّة وضرورية لتطمين الشارع، وبناء علاقة ثقة جديدة مع المواطنين، ما يستدعي البدء بحملات موازية تعيد تعريف مفهوم الشرطة المحلية و دورها، وتوثّق العلاقة مع المواطنين في جميع المناطق.

“تنفيذ هذا القرار بحاجة لجدّية كبيرة من قِبل رئيس الوزراء؛ كي لا يتم تسويفه كما حصل مع رؤساء الحكومات السابقة”، بحسب حديث الميزان، وينبه إلى ضرورة دعم القوى السياسية الأخرى للمُضي في هذا المشروع، على حدّ تعبيره.

المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، قال في تصريحات صحفية، إن “عملية تسلّم الملف الأمني من قبل قوات وزارة الدفاع، سيتم في المناطق التي تنتشر فيها هذه القوات بنسبة 90 بالمئة، إذ إن بعض القطعات استبدلت القواطع المسؤولة عنها قوات الجيش من قبل قوات الشرطة الاتحادية، والعمل ما زال يسير بوتيرة متصاعدة، وهذا الأمر يتم تنفيذا للبرنامج الحكومي، الذي أكد ضرورة أن يكون تسليم الملف الأمني إلى أجهزة وزارة الداخلية”.

العمل حاليا بحسب المحنا، هو لتسلّم الملف الأمني وأن ظروفا في السابق استدعت وجود الأجهزة الأمنية كافة في المدن لدحض التهديدات، ولكن هذه التهديدات تبددت.

القوات المسلحة العراقية نجحت في خفض معدلات هجمات تنظيم “داعش” الإرهابي، منذ شهر أيار/مايو الماضي في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين عبر سلسلة من العمليات العسكرية، إلا أن هذه العمليات لم تمنع التنظيم من شن هجمات بين الحين والآخر، تستهدف مناطق معينة، بحسب موقع “اندبندنت عربية”.

التنظيم موجود أيضا في بعض أطراف محافظة نينوى، لكن عملياته محدودة قياسا بما سبق، وكانت آخرها الاشتباكات العنيفة بين الأجهزة الأمنية وعناصر “داعش” في منطقة الحضر، التي أسفرت عن مقتل عدد من عناصر التنظيم.

قرار سحب الجيش من داخل المدن العراقية وإحلال قوى أمنية بدلا منه، يراه مراقبون قرارا صائبا، إذا ما تم التعامل معه بشكل جدي من قِبل القائمين عليه، وألا يقتصر الموضوع على وحدات الجيش فقط، بل يجب أن يشمل القرار الفصائل المسلحة وخاصة الميليشيات الموالية لإيران، لأن بقاء وجودها داخل المدن العراقية يزعزع أمنها ويهدد سلامة أبنائها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.