وسائل التواصل الاجتماعي، تشهد انتشارا واسعا لمنشورات تتضمن حوارات منسوخة من مسلسلات وأفلام قديمة تحمل نقاشات عميقة بين أبطالها، بعضها يكسر حدودا مجتمعية ودينية وسياسية كذلك.

لا يتوقف الأمر على كسر التابوهات أو الحدود السياسية والدينية، بل هناك أيضا انتشار واسع للحوارات العاطفية والاجتماعية البسيطة الخالية من التعقيدات، وسرعان ما يتحول النقاش بين المتابعين إلى المقارنة بين الأعمال الفنية القديمة والحديثة، على صعيد الأدوات الفنية والقصة والحوار وشكل المجتمع المختلف بين فترتين زمنيتين لكل منهما خصوصيتها الفنية والسياسية والاجتماعية، كذلك نجد الكثير من هذه النقاشات تأتي على حوارات مقتبسة من فيلمي “الرقص مع الشيطان” و”الأخوة الأعداء”.

هذه المنشورات تشهد تفاعلا واسعا بين متابعي الصفحات الفنية، وتذهب بعض التعليقات إلى “الترحم” على أيام الفن الجميل، الذي شهد أعمالا فنية مُصنّفة بالفعل ضمن أفضل الأعمال السينمائية والدرامية في تاريخ المنطقة العربية، كأفلام “الكيف” و”العار” و”سواق الأتوبيس” وغيرها.

هذه النقاشات والحوارات المنشورة تفتح الباب لعدد من الأسئلة حول أسباب تغير شكل الحوار الدرامي بين الماضي والحاضر، وهل تفتقد الأعمال السينمائية والدرامية إلى “العمق” في حواراتها.

أسباب زمنية للتغيير

الأسئلة السابقة طرحُها لا يعني بطبيعة الحال “اختفاء الحوار” من الأعمال الجديدة، إذ أن مضمون الحوار يختلف تبعا لتغير ظروف وشكل هذه المجتمعات التي تتحدث عنها الأعمال الفنية، بالإضافة إلى تطور علم السينما، والسينما والحوار بين الزمن الذي أنتجت فيه الأفلام القديمة والزمن الحالي.

المخرج المصري باهي مصطفى يرى خلال حديثه لـ”الحل نت” أن “الحوار الدرامي كأي عنصر في المعادلة الفنية يتأثر بفترته الزمنية ويؤثر فيها”، ويعتقد مصطفى أن أسباب تغير شكل الحوار هي أسباب “بديهية تتعلق بتغير العصر واللغة والمصطلحات والمفردات الشعبية نفسها”.

من جهته يشير الأستاذ الدكتور في النقد الفني نادر رفاعي لـ”الحل نت” إلى “فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين، شهدت نقلا للأعمال الأدبية إلى السينما، وبالتالي شهدت الكثير من التجارب لكتابة الحوار بشكل منفصل عن السيناريو عبر كاتب آخر، قد يكون الأديب نفسه، وهذا ما أدى إلى وجود جمل حوارية عميقة وتخدم الفيلم بشكل أفضل”.

قد يهمك: استنساخ الأعمال التركية وتأثيرها على الإنتاجات العربية

رفاعي يضيف أيضا، بأن “توزيع المهام داخل السيناريو نفسه، تجعل كل كاتب يركز على عمله بشكل أكبر، ورغم اختلاف الزمن الحالي إلا أنه يوجد بالفعل كتُّاب سيناريو ممتازينَ، لكن طريقة العمل اختلفت مع الأخذ بعين الاعتبار أن لكل زمن ثقافته المختلفة” وفق تعبيره.

حول الحديث المتكرر وتذكر الأعمال القديمة، يرى باهي مصطفى أن هذا التذكر “لا علاقة له بالتغيير”.

“دائما هناك أعمال درامية تنضم لبند الكلاسيكيات حتى لو واجهت مشاكل في الوصول للمتلقي أثناء عرضها”، يقول مصطفى، على سبيل المثال فيلم “الكيف المليء بالمصطلحات والمفردات التي من المؤكد أنها بدت في عصرها فجة وخارجة عن الحدود، ولكن يضرب به المثل الآن في جودة الحوار وثراءه”.

اختلاف الجرأة بين الماضي والحاضر

إحدى أهم النقاط التي تطرحها المنشورات المقتبسة لحوارات الأفلام والمسلسلات القديمة هي “جرأة” طرح مواضيع اجتماعية وسياسية، بل ودينية، إذ نجد اقتباسات من فيلمي “الرقص مع الشيطان” و”الأخوة الأعداء” وغيرها، وهي حوارات ناقشت بشكل مباشر مفاهيم وقناعات دينية ربما يُعدّ الخوض فيها اليوم نوعا من الانتحار، فيما نجد أفلاما طرحت وناقشت مشاكل سياسية في أفلام “الكرنك” و”سواق الأتوبيس” و”وراء الشمس”، وهو ما تغيّر اليوم، إذ تغيّرت المواضيع المطروحة وباتت أقل جرأة بحسب رأي البعض.

الأنظمة السياسية تغيّرها بشكل شامل وعميق كما في المنطقة العربية، يؤثر بشكل مباشر على تغير شكل المجتمع، وبالتالي تحدث تغييرات فنية أيضا.

باهي مصطفى، يصف الحوار بأنه “لسان الدراما وفترتها التاريخية وظروفها المجتمعية وحتى الاقتصادية، ويؤثر على جودة العمل الدرامي، خاصة فيما يتعلق بكشفه للواقع المحيط”.

أسباب افتقاد الأعمال الدرامية والسينمائية الجديدة للجرأة والعمق كثيرة، وفق مصطفى، منها تغير الوسيط بدرجة كبيرة مع عزوف المشاهدين عن ارتياد السينما وظهور المنصات الإلكترونية، ونوعية الأعمال التي تمزج بين السينما والدراما التلفزيونية لمواكبة هذا التغير، بالإضافة لملف الحريات الذي لا يمكن إغفاله” بحسب رأيه.

تغّير المجتمعات يفرض تغيّر شكل الجرأة المطروحة في الأفلام، إذ أنها بشكل ما تأخذ طابع النسبية، وما هو جريء في الأمس ليس بالضرورة أن يكون كذلك اليوم أو الغد بناء على الأفكار التي تتبناها المجتمعات، وتغيّر وجهات نظرها تجاه القضايا السياسية والاجتماعية.

لا تزال موجودة

أستاذ النقد الفني في أكاديمية الفنون في مصر نادر رفاعي يقول لـ”الحل نت” إن “الجرأة لم تختفي بشكل كامل في السينما، وأن العديد من الأفلام حملت جرأة في طرح المواضيع الاجتماعية كأفلام عمارة يعقوبيان ونوارة وغيرها من الأفلام”.

فيلم “نوارة” يحكي عن فتاة من حيّ شعبي تعيش قصة حب في الفترة التي شهدت اندلاع ثورة “25 يناير” بالتزامن مع عملها في بيت أحد الوزراء، فيما ناقش “عمارة يعقوبيان” التغيرات الاجتماعية الطويلة في مصر وأثرها على المجتمع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.

“بالتالي الجرأة ليست أقل لكن الفارق في حجم الإنتاج نفسه بين الخمسينات والستينات وبين اليوم في تلك الفترة كان عدد الأفلام المنتجة أكبر، وهو ما يعطي صورة بوجود وفرة في الجرأة نفسها، ولكن في الحقيقة علينا التركيز على الكيف وليس الكمّ” بحسب رفاعي.

اقرأ أيضا: ما بين السطور.. ورشات التدريب المسرحية وهم أم حقيقة؟

رفاعي يشير إلى ما يصفه بالـ”مأساة الكبرى” على السوشال ميديا والمتمثلة بـ”نسب حوارات مغلوطة للأفلام، عبر كتابة مجموعة من الجمل ونسبها لفيلم معين من الأفلام الكلاسيكية الهامة مع إرفاقها بصور لأبطال هذه الأفلام”.

الأمر نفسه سبق وأشار إليه السيناريست المصري عبد الرحيم كمال في نطاق آخر، إذ كتب على صفحته الشخصية في فيسبوك “خلال المتابعة السريعة لوسائل التواصل الاجتماعي، تلاحظ توثيق فني عشوائي مرعب، تم خلال السنوات الثلاث الماضية، قصص لا أصل لها على وقائع، نصفها حقيقي ونصفها الآخر خيال، منها ما بني على شائعات وتحولت لقصص، مثل أسرار ليلى مراد وعبد الوهاب وأم كلثوم، وفيديوهات تحكي أدق أسرار بديعة مصابني وعلي الكسار وعلي حميدة. حالة سطو تاريخي عجيبة على تاريخ وحياة الفانيين في مصر، لا نعرف إلى أين ستصل، أو كيف تنعكس على الناس والحياة الفنية المعاصرة، لكن مما لا شك فيه إنه غير مريح وغير أخلاقي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.