“ماتَت أُم كلثوم”! هكذا وبلا مقدّمات اعتلى هذا العنوان ترويسة صحيفة (الأخبار) المصرية بهذا اليوم من عام 1975، وهو شيء يندر أن تفعله أي صحيفة بتقديم العنوان على اسمها.

فعلتها (الأخبار) حينها؛ لأن مثل “الست” لا تتكرّر! وما جنازتها “الأسطورية” التي شيّعها /5/ مليون مصري وطافوا بها شوارع #القاهرة إلا بالدليل الأوضح على قيمة “السومَة”.

هي #أم_كلثوم التي رحلَت – جسَداً – هذا اليوم قبل /46/ سنة، وبقيت روحاً وصوتاً وصورَةً عند جمهورها السابق والحاضر الأسير بحبّها، وكَذا اللاحق الذي سيُؤسَر بها.

الحديث عن “الست” لا حدّ له، حياتها لوحدها تحتاج لكتاب، وكذا الحال مع أغنياتها، ناهيك عن حياتها مع من وقَعوا بحبّها من المقرّبين منها، وليس انتهاءً بأفلامها وألقابها وجوائزها.

“صوت مصر”، و”الست”، و”كوكَب الشرق”، و”سومَة”، و”هرَم مصر الرابع”، و”عملاقة الغناء”، و”مُطربة القرن”، و”سيّدَة الغناء العربي”، هي كل تلكم الألقاب وأكثر منها بذات العدد.

«في الساعة العاشرة من ليلة كل يوم خميس من أول شهر يحدث شيء غريب في الشرق الأوسط. يهدأ الضجيج في شوارع القاهرة فجأة»، هذه بداية لمقالة كتبها صحفي أميركي.

https://youtu.be/C83O1-H7M8w

«كذلك ذات الأمر يُصار في #الدار_البيضاء (المغرب العربي) التي تبعد نحو /4000/ كم إلى الغرب من القاهرة، حيث يكف الرجال عن لعب طاولة النرد»، أردف الصحفي بمقالته.

«يحدث الشيء نفسه في #بغداد التي تبعد /1200/ كم إلى الشرق. بين هذين الحدّين الجغرافيين، وبينهما بقية البلدان العربية يأوي الناس لبيوتهم ينتظرون برنامجاً خاصاً يذيعه راديو القاهرة».

«مدة هذا البرنامج خمس ساعات لثماني مرات في السنة، ونجمته مغنّية اسمها “أم كلثوم “». هكذا يقول الصحفي في مقالته التي نشرها بمجلة (Life) الأميركية في (يونيو 1962).

لم يكن هذا إلا بأبسط ما كتب عن “الست” التي ولدت في ليلة رأس السنة عام 1898 لترى النهار الأول لها في صبيحة (1 يناير) 1899، فالأكبر من هذا جاء في “إدمان الوحيد” لـ “درويش”.

«أستمع إلى أم كلثوم كل ليلة، منذ كان الخميس جوهرتها النادرة، وسائر الأيام كالعقد الفريد»، هكذا يصفها الشاعر الكبير #محمود_درويش في آخر دواوينه ”أثر الفراشة”.

«هي إدمان الوحيد وإيقاظ البعيد على صهيل فرس لا تروض بسرج ولجام (…) نسمعها معاً فنطرب واقفين، وعلى حدة فنظل واقفين. إلى أن تومئ لنا الملكة بالجلوس فنجلس على متر من ريح».

https://youtu.be/GPIMzKIMZOk

غنّت “أم كلثوم” التي وصف “درويش” صوتها بذات ديوانه بأنه: «في حنجرتها جوقة إنشاد وأوركسترا كاملة وسر من أسرار الله» الكثير من أغاني الحُب، لكن قلبها لم يكن طرياً مع من أحبّوها.

فـ “أسطورة الغناء العربي” أحرقَت قلب شاعرها المفضّل #أحمد_رامي مثلما فعلَت مع مُلحّنها #محمد_القصبجي الذي هام بها لدرجة الجنون، كما ذات الأمر مع الملحّن #زكريا_أحمد.

هذا القلب القاسي مع عُشّاقها، وهي التي غنّت “أنت عُمري”، و”سيرة الحُب”، و”لسّه فاكر”، و”حُب إيه”، و”الأطلال”، و”الحُب كلّه”، لم يغب عن ديوان “درويش” فلمّح له جيّداً.

«منديلها ضابط إيقاعها، بيرق لفيلق من عشاق يتنافسون على حب من لا يعرفون»، ليُردف “درويش” بهذه الجملة: «أما قلبها فلا شأن لنا به، من فرط ما هو قاس ومغلق كحبة جوز يابسة».

هذه الرسالة البريديّة لـ “القصبجي” التي أرسلها لـ “أم كلثوم” من بين الشواهد على حبه لها، رغم أنه ختمها بعبارة “الصديق المُخلص”، وما تضحيته بمستقبله التلحيني لأجل قربه منها إلا أكثر إيضاحاً.

“القصبجي” هو صاحب انطلاقتها الكُبرى وأول الملحّنين لها، وعند تجاهلها له، ترك التلحين وعمل عازفاً للعود بفرقتها ليظل جالساً خلفها وبالقرب منها حتى بعد زواجها، وحتى وفاته.

أمّا “رامي” فيُقال إنّ أهم ما يؤكّد لوعة قلبه عندما قابلها ذات مرّة على سلّم الإذاعة: «هي طالعة السلّم وهو نازل، لمّا شافها وقف، قالت: وقفت ليه يا أحمد؟ قال: «عشان روحي طالعة».

يقول الصحفي #طارق_الشناوي في كتابه “أنا والعذاب وأم كلثوم” إن: «كوكب الشرق عندما قرِرت إعلان خبر زواجها من الموسيقار #محمود_الشريف نزل الخبر كالصاعقة على رأس عشاقها».

«فقد خرج الشاعر “أحمد رامي” من منزله بـ “البيجامة” هائماً على وجهه في الشوارع» حسب “الشناوي” الذي أضاف: «وذهب إليها “زكريا أحمد” في منزلها وشتمها».

«أما “القصبجي” فقد اقتحم منزلها حاملاً خلف ظهره مسدّساً ليجبر “الشريف” على إنهاء علاقته بـ “أم كلثوم”، لكن “سيِدة الغناء العربي” احتوت الأمر وقدّرت مشاعر “القصبجي”».

قلب “الست” القاسي مع عُشّاقها لم يكن ذات الحال مع جمهورها، تحبّهم فهم كنزها الأول، وهُم أحبّوها لدرجة أنهم عالَجوا صورة من صورها بـ “الأسود والأبيض” بالتليون، فلماذا؟

أرادوا عبر معالجة الصورة أن يَعيشوا اللحظة وأن يتصوُروها بينهم في عالم اليوم الملوّن، طالما أنهم لم يولَدوا في زمانها، زمن “الأسوَد والأبيض”، فظهرَت “أم كلثوم” بهذا الشكل عند التلوين.

عند التعريج على مسيرتها الفنيّة، فيكفي أن: «العلم حاول أكثر من مرة فهم فردية صوت “أم كلثوم” وتقديم إجابات علمية مجردة»، حسبما يقول “ونّاس بن نيّة” بإحدى مقالاته.

إذ حسب “بن نيّة”: «كانت البداية في سنة 1975 – العام الذي رحلت به الست – عندما أجريت تجارب علمية لقياس نسبة النشاز بين الأصوات المصرية المعروفة».

«أثبتت التجربة أن نسبة النشاز في صوت “أم كلثوم” لا تتعدى الواحد في الألف من البعد الطنيني الكامل، وهي درجة لم يسبق لأي مطرب أو فنان أن بلغها حتى هذه اللحظة».

«ثم بعدها بسنوات أكدت تجربة أخرى أن صوت “أم كلثوم” هو أكثر الأصوات العربية انطباقا على السلم الموسيقي في معادلاته الرياضية»، يُضيف “بن نيّة”.

يُردف “بن نيّة” بالقول: «لقد أثبتت هذه التجربة أن أعلى ذبذبة بلغها صوت إنساني هو صوت “أم كلثوم” عندما وصل إلى /3966/ ونصف الذبذبة في الثانية الواحدة».

https://youtu.be/DrJ4DUP1oss

“أم كلثوم” حتى أهل السياسّة أُعجبوا بها جداً، فقد قال عنها الرئيس الفرنسي الأسبق “شارل ديغول” ذات مرّة: «لقد لمست أحاسيس قلبي و قلوب الفرنسيين جميعا».

في عالَم الأُدَباء، قال عنها الأديب “عباس محمود العقاد” واصفاً: «لقد أثبتت أن الغناء هو فن عقول وقلوب، وليس فن حناجر وأفواه فحسب»، على حد تعبيره.

https://youtu.be/PzsM0sjkOsE

في عالم التمثيل، فإن أجمل ما قيل عنها هو ذاك الذي قاله “فكري أباظة”: «هي تحفة العصر ومعجزة الدهر، قد تمر قرون أجيال، فلا تلد القرون والأجيال مثل هذا الكمال».

كيف لا وهي التي نالت أرفعَ الأوسمَة من #العراق و #لبنان و #سوريا و #تونس و #باكستان و #المغرب و #الأردن، ناهيك عن عدّة أوسمة من #مصر في حقبتي الملكية والجمهوريّة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.