العالم أكثر جفافا.. ظاهرة “إل نينيا” مستمرة ومواجهتها تتطلب تحركات دولية

من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون عدم كفاية فرص الحصول على المياه لمدة شهر واحد على الأقل في السنة، إلى أكثر من 5 مليارات بحلول عام 2050″، هكذا نبه الأمين العام للأم المتحدة أنطونيو غوتيريش، العالم من أزمة نقص مياه تستفحل سنويا، بسبب تغير المناخ وظاهرة “إل نينيا”.

 حديث غوتيريش جاء على خلفية دق ناقوس الخطر من قبل المنظمة الأممية، بسبب نقص المياه في العام 2021، حيث عرفت مناطق كبيرة من العالم جفافا زاد عن الظروف الطبيعية، بسبب تغير المناخ وظاهرة “إل نينيا” الجوية.

 في تقريرها السنوي عن حالة موارد المياه العالمية، قالت “المنظمة العالمية للأرصاد الجوية” إن “74 بالمئة من جميع الكوارث الطبيعية، كانت مرتبطة بالمياه بين عامي 2001 و2018، وإنه تم تسجيل في مناطق شاسعة من الكرة الأرضية، ظروفا أكثر جفافا من المعتاد في عام 2021، مقارنة بمتوسط فترة الأساس الهيدرولوجية البالغة 30 عاما”.

من هذه المناطق، ريو دي لا بلاتا في أميركا الجنوبية، وجنوب نهر “الأمازون” وجنوب شرق نهر “الأمازون”، وأحواض الأنهار في أميركا الشمالية، بما في ذلك أحواض أنهار “كولورادو” و”ميزوري” وميسيسبي”، أما في إفريقيا كان التصريف في أنهار مثل “النيجر” و”فولتا” و”النيل” و”الكونغو”، أقل من المعدل الطبيعي في عام 2021، كذلك، كان معدل التصريف في أنهار في أجزاء من روسيا وغرب سيبيريا وآسيا الوسطى، أقل من المتوسط في عام 2021.

بالتوازي شهدت إثيوبيا وكينيا والصومال سنوات عدة متتالية من هطول الأمطار بمعدل أقل من المتوسط، مما تسبب في حدوث جفاف إقليمي، وفق التقرير الذي أشار إلى الإبلاغ عن ظواهر فيضانات كبيرة أسفرت عن الكثير من الضحايا في مناطق عدة منها الصين وشمال الهند وأوروبا الغربية، والبلدان المتضررة من الأعاصير المدارية مثل موزمبيق والفلبين وإندونيسيا.

 “إل نينيا”

 ظاهرة “إل نينيا” واحدة من الظواهر المناخية التي تحدث نتيجة برودة غير عادية لسطح المياه في المحيطات والمنطقة الاستوائية في المحيط الهادي، وتحدث عادة كل سنتين إلى سبع سنوات وتظهر في خريف نصف الكرة الأرضية الشمالي، حيث تتسبب بمنع كتل الهواء الأطلسي من الوصول لمناطق شرق المحيط، مما يتسبب بضعف التساقطات المطرية.

 عن تأثيراتها، يقول الباحث الجغرافي فضل الراشد، لـ”الحل نت” إن “ظاهرة تغير المناخ هي عبارة عن تحولات طويلة الأجل في الحرارة والطقس، وهذه التحولات أنواع، منها الطبيعية المرتبطة بالنمط الشمسي، أو التغير بالدورة الشمسية، وكذلك البشرية التي يتسبب بها الإنسان، نتيجة استخدام الوقود الأحفوري، الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري، وتغير المناخ”.

 “إل نينيا”، تؤثر بالدرجة الأولى على مياه الشرب، وفق الراشد، ويوضح أن الظواهر المتعددة لـ”إل نينيا” تتسبب بتلوث الهواء، وتغير في نسبة توزع المياه، أي بعبارة أخرى تواجه بعض المناطق ندرة في المياه، وخاصة المناطق الفقيرة بالمياه.

قد يهمك: التغير المناخي.. تحديات قادمة ومقترحات دولية للحل

 الراشد يوضح أن نقص المخزون المائي، وانحباس الأمطار في بعض مناطق العالم، مع ارتفاع درجات الحرارة، يؤدي إلى حلول الجفاف، وخاصة أن كل ذلك يترافق مع تراجع نسبة الرطوبة في الهواء، وينجم عن ذلك زيادة في المواسم الجافة، وصولا إلى التصحر.

 أكثر المناطق عرضة

 تأثيرات ظاهرة “أل نينيا” تضرب أكثر من منطقة في العالم، إلا أن أكثر المناطق عرضه لها، هي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

 بهذا الخصوص، تؤكد منظمة “يونيسف” الأممية، أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، عانت من تحديات نقص المياه منذ آلاف السنين، وتستدرك في تقرير نشرته في آب/أغسطس 2022 بقولها، “حجم وتأثير الأزمة اليوم باتا غير مسبوقين”، وتعتبر أن “بقاء الأطفال على قيد الحياة صار على المحك، حيث يفتقر حوالي 41 مليون شخص إلى إمكانية الوصول إلى خدمات مياه الشرب المدارة بأمان، و66 مليون شخص إلى خدمات الصرف الصحي الأساسية، مما يؤدي إلى المزيد من المرض والهشاشة”.

 “شح المياه يؤثر على الزراعة، مما يتسبب في انعدام الأمن الغذائي ويدفع باتجاه النزاع والنزوح والهجرة في أنحاء المنطقة، كما أن ارتفاع الطلب على الغذاء وزيادة التحضر وسوء إدارة المياه، بالإضافة إلى تغير المناخ، أدت مجتمعة إلى تهديد الأطفال والفقراء والمهمشين”.

 العديد من دول المنطقة تعاني من الإجهاد المائي، وبات نقص المياه يشكل تهديدا للمجتمعات، ويبدو أن الصراع على المياه سيكون واحدا من العناوين الرئيسية للحروب القادمة في المنطقة، بحسب حديث المختص بشؤون البيئة عبد الله البشير، لـ”الحل نت”.

 وفق البشير، المنطقة يميّزها الظهور السريع والمتواتر لمؤشرات تغير المناخ، حيث يشهد نهر الفرات على سبيل المثال تراجعا كبيرا في منسوب الجريان، وكذلك الحال بالنسبة لدجلة، أما نهر النيل فبات واحدا من أبرز الملفات الخلافية التي تهدد باندلاع مواجهات عسكرية بين الدول التي تقع على مجراه.

 بالفعل، أدى تراجع مستوى مياه نهري دجلة والفرات، في العراق إلى نزوح نحو نصف مليون عراقي، في الوقت الذي تعزو فيه السلطات ذلك إلى سدود تبنيها إيران وتركيا، علاوة على شح الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة، ما يجعل العراق من بين أكثر خمس دول في العالم، عرضة لتأثيرات التغير المناخي، وفقا للأمم المتحدة.

تحذيرات متزايدة

موقع “طقس العرب” أكد في العام 2016، أن تغير المناخ يؤثر على المنطقة العربية غالبا، بارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار في مناطق المشرق العربي، ولكن يحدث العكس في مناطق المغرب العربي، حيث تزداد الأمطار وتنخفض الحرارة عن معدلاتها، وتزداد فرصة حدوث الفيضانات والسيول في مناطق المغرب العربي، فيما تزداد فرصة الجفاف في مناطق المشرق العربي.

نائب مدير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو”، زيتوني ولد دادا، كان قد حذر من تزايد حدة أزمة الجوع التي تمر بها بعض البلدان الضعيفة، ومن بينها السودان، خصوصا مع ظاهرة تغير المناخ.

 وكالة “فرانس برس” نقلت عن ولد دادا قوله إن “من الممكن أن تزيد حدة الأزمة، إذا لم يتم اتخاذ قرارات عاجلة وكبيرة، معربا عن قلقه بسبب تداعيات التغير المناخي”، يتابع “الوضع مقلق كثيرا، لأن تأثير تغير المناخ يظهر في كل مناطق العالم، وخصوصا المناطق الضعيفة والأكثر تضررا، مثل السودان”.

 بجانب مناطق الشرق الأوسط، سجلت بعض أنهار أوروبا انخفاضا في منسوب المياه، مثل نهر “الراين” الذي يعد أهم طرق النقل المائي في ألمانيا، بفعل ارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار، وهذا ما يمكن أن يضر الصناعة والمستهلكين بشدة، لا سيما أنه تنقل عبر مجرى النهر سلع مثل الحبوب والمواد الكيميائية والمعادن والفحم ومشتقات الطاقة النفطية.

 موقع “العربي الجديد” أكد نقلا عن تقارير أن “منسوب المياه في الجزء الجنوبي من النهر، ينخفض إلى مستوى لم يعد يجعل الملاحة الداخلية مجدية اقتصاديا بين الولايات الفيدرالية مع نقص قدرة الشحن، وبالأخص السفن الكبيرة منها، والسبب في ذلك الجفاف المستمر الذي يخلق خطراً على الاقتصاد”.

 “إل نينيا” مستمرة حتى العام 2023

 بعض التنبؤات ترجح استمرار ظاهرة “إل نينيا” حتى عام 2023، وعن ذلك يقول فضل الراشد إن “كل ذلك يجري وسط ضعف الإجراءات الهادفة إلى معالجة هذه الظاهرة، وهي الإجراءات التي يجب على الدول والحكومات اتخاذها”.

 من المقترحات الواجب اتخاذها، وفق الراشد، الحد من انبعاث الغازات الناجمة عن احتراق الوقود الأحفوري والنفط في الهواء، وكذلك بناء المدن المرنة منخفضة الانبعاث الكربوني، والاعتماد أكثر على الطاقة المتجددة، وتطبيق ممارسات الزراعة المراعية للمناخ، مع الحرص على التوسع في مساحة الغابات.

اقرأ أيضا: آثار اقتصادية لتغير المناخ.. هل يتجاوزها “كوب 27″؟

الواضح أن ظاهرة تغير المناخ لن تقتصر على منطقة دون أخرى، ومن المتوقع أن تشمل تأثيراتها العديد من الدول، ما يستدعي تحركا دوليا عاجلا، على أمل إنقاذ البشرية من خطر محدق يهدد مستقبلها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.