رغم الضغوط التي تتعرض لها روسيا، بسبب غزوها للأراضي الأوكرانية، والتوتر مع الغرب، يبدو أن موسكو ستواصل ابتزاز الغرب والمجتمع الدولي في ملف المساعدات الإنسانية العابرة للحدود شمال غربي سوريا، وذلك عبر محاولة عرقلة تمديد الآلية، التي تسمح بإيصال المساعدات بواسطة معبر “باب الهوى” على الحدود السورية التركية.

الفيتو الروسي

ستكون الدول المانحة للمساعدات على موعد بداية العام المقبل، مع مواجهة روسيا، فيما إذا أصرت على استخدام الفيتو، لمنع قرار في مجلس الأمن من شأنه تمديد آلية دخول المساعدات إلى سوريا، ما يهدد حياة ملايين السوريين الذي يحصلون على المساعدات شمالي البلاد. ما يعني أن الدول المانحة بحاجة إلى خيارات بديلة في حال اصطدامها بالفيتو الروسي المحتمل داخل مجلس الأمن مطلع الشهر المقبل.

تسعى روسيا إلى إنهاء آلية تمرير المساعدات الإنسانية، وجعل العملية مركزية وذلك عبر تمريرها من خلال دمشق، وذلك في إطار سعي موسكو لإخراج حكومة دمشق من العزلة الدولية التي تعاني منها منذ سنوات. 

إلا أن بحثا صدر مؤخرا يشير إلى أن هذا التحول قد يحد من قدرة المساعدات على الوصول إلى ملايين الناس في المناطق التي يصعب الوصول إليها في سوريا، بحسب ما نقلت صحيفة “واشنطن بوست”.

قد يهمك: كتلة سورية جديدة بمواجهة مسار “أستانا” برعاية واشنطن.. ما الاحتمالات؟

الباحث السياسي زكريا ملاحفجي، يشير إلى أن روسيا تربط ملف المساعدات وهو ملف إنساني بحت، بملفات أخرى سياسية وعسكرية مع المجتمع الدولي، مؤكدا بأن هذا الملف يفترض أن يتم تحييده عن باقي القضايا التي تختلف فيها روسيا مع العالم.

ويقول ملاحفجي في حديث خاص مع “الحل نت”:” روسيا تقحم ملف المساعدات في ملفات أخرى، كالحرب في أوكرانيا، والقضية السياسية في سوريا، وغيرها من القضايا مع المجتمع الدولي”.

لا يستبعد ملاحفجي أن تعيق روسيا تمديد آلية دخول المساعدات إلى سوريا، بعد انتهاء الفترة الحالية الممتدة ستة أشهر حتى بداية العام المقبل 2023.

وحول ذلك يضيف: “متوقع من الروس كل شيء، لكن الروس يعلمون أن المجتمع الدولي لن يقبل أن تكون دمشق هي مركز توزيع المساعدات، في هذه الحالة قد يتجه المجتمع الدولي، إلى إطلاق منح للمنظمات المحلية، فتقوم بمشاريع داخلية شمالي سوريا، أو التواصل مع المنظمات التركية للمساعدة في إيصال المساعدات للمستفيدين”.

خلال السنوات القليلة الماضية وفي منتصف كل عام، يستأنف مجلس الأمن الدولي المفاوضات لتجديد قراره بالسماح لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا والتي أنشئت عام 2014، وكانت عبر تركيا والعراق  والأردن، لتقلص لاحقا إلى معبر “باب الهوى” في شمال البلاد، إذ تعتمد وكالات الأمم المتحدة على هذا التفويض للعمل في سوريا، وإدخال المساعدات من خلال المعابر الحدودية دون أن تقيدها الحكومة السورية، التي نادرا ما تسمح بوصول المساعدات إلى مناطق المعارضة بحسب تقارير حقوقية، بعد أن حصرت روسيا (حليفة دمشق) إدخال المساعدات عبر “باب الهوى” فقط بينما تدخل نسبة المساعدات الباقية “عبر الخطوط” أي من دمشق.

المفاوضات بحسب العضو السابق بإدارة التواصل العالمي في الأمم المتحدة، الدكتور عمر الهواري، أصبحت “نقطة متكررة في دراما الحرب السورية، في حين أن أعضاء المجلس يدعمون التفويض بشكل عام، فقد استخدمت روسيا بانتظام حق النقض الفيتو لتقليل عدد المعابر الحدودية التي يمكن لوكالات الأمم المتحدة استخدامها، لدرجة أن واحدا فقط، بات اليوم مفتوح حتى الآن وقبل التصويت”.

روسيا في مواجهة العالم

سيؤدي الرفض الروسي لآلية إدخال المساعدات إلى مزيد من التوتر بين روسيا والعالم، وتحديدا مع تركيا التي لا تريد بالطبع إغلاق معبر “باب الهوى” أمام تدفق المساعدات الخارجية إلى مناطق نفوذها بالشمال.

واعتبر تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، أن الإغلاق المحتمل لآخر معبر متبق لمرور المساعدات إلى سوريا “باب الهوى” خلال تصويت لمجلس الأمن الدولي المقبل، يُعد “ضحية أخرى” لانهيار العلاقات بين الغرب وروسيا.

وأكّد التقرير على أن أي “عرقلة إنسانية وخيمة” في حال عرقلة تمديد القرار، ستشمل تعطيلا فوريا لعمليات الأمم المتحدة الإغاثية المنقذة للحياة، وإغراق الناس بشمال غرب سوريا في “بؤس أعمق“.

من ناحية أخرى، يُعد نظام إيصال المساعدات الذي استخدمته الأمم المتحدة منذ عام 2011 من أكبر الأنظمة وأكثرها تطورا، إذ تشرف الأمم المتحدة على مساعدات تتراوح بين 2 و4 مليارات دولار لسوريا كل عام، والتي تمر عبر مئات الوكالات الإنسانية والمنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلا من مانحين غربيين في الغالب. ويعد هذا العمل أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث زاد عدد السوريين المحتاجين بنسبة 20 بالمئة منذ عام 2021، ليصبح المجموع الآن 14 مليون شخص.

وبحسب حديث سابق لـ الهواري مع ”الحل نت”، فإنه وبدون قرار من الأمم المتحدة، سيخسر مقدمو المساعدات التمويل، وسيضطر الكثيرون إلى الإغلاق، لأن قنوات الأمم المتحدة هي التمويل الضروري للمنظمات غير الحكومية السورية الأصغر، وتساعدهم أيضا على تجاوز بيروقراطية المنظمات المانحة. وتلعب الأمم المتحدة أيضا دورا مهما في النقل من خلال تسهيل شاحنات الإغاثة، وتتمتع بوصول فريد إلى البضائع بكميات كبيرة، “ما تسعى له روسيا، هو تحويل هذه المنظومة المتكاملة للعمل من خلالها، تنشيط اقتصادها من بوابة الدعم الإنساني في سوريا”.

الجدير ذكره، أن المساعدات الأممية تصل منذ عام 2014 للسوريين إما عبر الحدود من المعابر مع دول الجوار، أو عبر آلية “المساعدات عبر خطوط التماس”، وذلك بوصول المساعدات للمحتاجين من منطقة سيطرة إلى أخرى، وهي الآلية التي حاولت فيها الأمم المتحدة إيصال المساعدات للمناطق التي خرجت عن سيطرة دمشق، والتي فشلت في كل مرة بسبب رفض دمشق ووضعها للعراقيل.

قد يهمك: المطالبة بمسارات جديدة للحل في سوريا.. اللجنة الدستورية “باي باي“؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.