الاستدارة التركية الأخيرة تجاه الملف السوري، جعلت هيئات المعارضة السورية في تخبط فيما بينها بشكل كبير، وتصريحات تركيا بشأن إعادة العلاقات مع الحكومة السورية، خاصة وأن تركيا أعلنت بوضوح وصراحة أن هدف تركيا، ليس إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد عن الحكم في سوريا، شكّل نقطة فارقة بينها وبين كيانات المعارضة السورية، لا سيما أن تركيا انخرطت في الأزمة السورية، منذ عام 2011. وقد عمدت، على نحو مباشر، إلى تقديم الدعم السياسي والعسكري للمعارضة السورية، حتى باتت تركيا مركز تواجد الكيانات السياسية المعارضة، أو التي تصدّر نفسها كـمعارضة سورية، في حين تخضع عدة مناطق في الشمال السوري لسيطرة ونفوذ القوات التركية، وكذلك فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من أنقرة.

رد الولايات المتحدة الأميركية جاء متأخرا بعض الشيء، حيث راقبت التصريحات التركية ببطء، حتى جاء الرد قبل أيام رافضة أي خطوة تركية في التقارب مع دمشق، حيث أكدت التزامها بـ “5 لاءات”، وموقف وحيد إزاء ما حصل وسيحصل، حيث شددت واشنطن على أنها لن تعرب عن أي دعم لجهود التطبيع مع بشار الأسد، أو إعادة تعويمه، والولايات المتحدة لا تنوي رفع مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع الأسد، ولن تؤيد تطبيع علاقات دمشق مع الدول الأخرى أيضا.

اللافت، إن الخارجية الأميركية خلال اليومين الحاليين قالت، إن مندوبيها استضافوا في جنيف اجتماعا للمبعوثيين الخاصيين من عدة دول إلى سوريا، وبدأ الاجتماع يوم الثلاثاء، ومن المقرر أن يستمر حتى اليوم الأربعاء، حيث يناقش 13 ممثلا، الجهود للدفع نحو حل سياسي للنزاع في سوريا، وفقا للقرار الدولي 2254 ورفع مستوى وصول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، وفق ما نقلت قناة “الحرة” عن الخارجية الأميركية.

من هذا المنطلق، يجدر التساؤل الأهم في خضم هذه التحولات على الساحة السورية، حول إمكانية ظهور هيئة، أو كتلة معارضة جديدة موازية، أو في مواجهة مع مسار “أستانا”، وبرعاية الولايات المتحدة، وأسباب لجوء كيانات المعارضة السورية إلى الاحتماء بواشنطن، وأخيرا، مدى احتمال ضم واشنطن، المعارضة السورية لـ “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا.

ممكن في حال تخلي تركيا؟

الخارجية الأميركية، صرحت بأن إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، استضاف في جنيف اجتماعا للمبعوثيين الخاصيين من عدة دول إلى سوريا.

ويوم أمس الثلاثاء، التقى رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، بدر جاموس بالمبعوث الأميركي، على هامش الاجتماعات الدولية حول سوريا في جنيف.

اجتماع “هيئة التفاوض السورية” مع مبعوثي الدول للملف السوري في جنيف، 31 آب/أغسطس 2022 “تويتر”

وبدوره صرح جاموس، إن الهيئة بحثت خلال اللقاء مع المبعوث الأميركي، طرق إحياء العملية السياسية في سوريا، ودفع العملية السياسية إلى الأمام وتفعيل القرار الأممي 2254، بما فيها ملف الانتقال السياسي العادل، ووجود آلية واضحة لتطبيق القرار ومنع الحكومة السورية من الاستمرار في عرقلة العملية السياسية.

فيما جدد غولدريتش، دعم الولايات المتحدة لحقوق الشعب السوري وأكد أن بلاده ضد عمليات التطبيع مع الحكومة السورية بدمشق، وأنها تبذل جهدا من أجل تفعيل القرار 2254، ودفع العملية السياسية بخطوات جدية وصولا إلى الحل السياسي المبني على القرارات الدولية.

في حين نقل مواقع إعلامية عن مصادر خاصة قولها، إن هيئة التفاوض السورية، ترى الاجتماع الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأميركية للدول المعنية بالملف السوري في جنيف، هو “محور في مواجهة محور أستانا”.

وفي هذا السياق يرى الصحفي والمحلل السياسي، فراس علاوي، أن تشكيل جسم أو كتلة معارضة جديدة غير ممكن في الوقت الحاضر، إلا إذا تخلت تركيا عن “الائتلاف السوري المعارض”، حيث أنه لا يمكن استبدال “الائتلاف” بجسم معارض جديد، لأن الولايات المتحدة الأميركية، ترى فيه ممثلا للمعارضة السورية، وهناك أيضا اعتراف عدة دول به، لذا من الصعب أن يتم تغير هذا “الائتلاف” لجسم آخر، إلا في حال تخلي الأتراك عنه، وبالتالي فشل “الائتلاف السوري” تلقائيا.

والأمر الآخر أن هذا الاجتماع الذي عقد في جنيف صحيح أنه موجه ضد مسار “أستانا”، حتى وفي حضور تركيا، أحد أطراف “أستانا”. ولكن، هذه اللقاءات وفق اعتقاد علاوي، “موجهة بشكل أساسي ضد دعوات روسيا لتعويم الأسد أكثر منه على مسار أستانا”، وفق حديثه لـ”الحل نت”.

بحسب تقدير علاوي، فإن “واشنطن أرادت إخبار المنخرطين أو المهتمين بالشأن السوري أن موضوع تعويم النظام السوري أمر يجب تعطيله، وهذا ما تصر عليه واشنطن وتقوله خلال هذه الاجتماعات”.

وفي حال تشكيل كتلة أو هيئة معارضة سورية جديدة، فإنها لن تكون في المستقبل القريب، بل لاحقا، والمعارضة السورية لم تلجأ إلى الولايات المتحدة، لأنها دُعيت من قبل الأخيرة بغية وضعها في صورة ما يحدث، وبالتالي يكون هناك تصور لدى مسؤولي هيئات المعارضة السورية الثلاث، “اللجنة الدستورية”، و”هيئة التفاوض”، و”الائتلاف السوري”، حول ما قررته الولايات المتحدة، أو ما ستتبناه هي، وحلفاؤها بما يخص الملف السوري، وفق رأي علاوي.

قد يهمك: المطالبة بمسارات جديدة للحل في سوريا.. اللجنة الدستورية “باي باي“؟

احتمالات انخراط المعارضة مع “قسد”

نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، قال في وقت سابق، “لن نرفع العقوبات عن النظام، ولن نغير موقفنا المعارض لإعادة إعمار سوريا، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي”.

وفد من “الائتلاف السوري المعارض” يلتقي نائبان أميركيان، 2021، صفحة الخارجية الأميركية على “تويتر”.

وزاد: “نحث الدول في المنطقة على النظر بعناية شديدة في الفظائع التي ارتكبها النظام، ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، وكذلك جهود النظام المستمرة لمنع وصول الكثير من البلاد إلى المساعدات الإنسانية المتكاملة والأمن”.

وفي حين تأتي خطوات تركيا في خضم المتغيرات الإقليمية والتطورات الداخلية في تركيا تجاه إعادة العلاقات مع دمشق، تبدي “الإدارة الذاتية”، لشمال شرقي سوريا مخاوف جمة حيال هذا التقارب التركي-السوري، فقد أعرب عدد من المسؤولين الأكراد، عن خشيتهم من صفقة سورية-تركية في الشمال.

وفيما إذا كانت الولايات المتحدة، ستتخذ في الفترة المقبلة خطوات لجمع كيانات المعارضة السورية مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي، فراس علاوي، حدوث هذا الأمر خلال الوقت الحاضر على الأقل، لكن، إذا كان تم الحديث عن تفكيك “قسد”، عن الملف التركي، فمن المحتمل أن يتم تشكيل هيئة مشتركة لهما، أو بالأحرى يحدث مفاوضات بين الطرفين لتأسيس هيئة معارضة تضم كيانات من المعارضة السورية، و”قسد”.

وأضاف علاوي: “لكننا نرى بأنه هناك أصلا مفاوضات كردية ـ كردية لم تسفر عن كيان كردي موحّد، لذا فإن دمج هاتين القوتين يبدو صعبا، وربما تكون الخطوة التالية التي ستتخذها الولايات المتحدة هي دمج الأحزاب والقوى الكردية مع بعضها، ومن ثم دمجها مع هيئات المعارضة، وذلك في حال تفكيك الائتلاف السوري المعارض وتخلي تركيا عنه”.

هذه الاستدارة التركية حتما كان متوقع أن يصطدم مع قناعات الأطراف الأخرى، خاصة وأن الولايات المتحدة، لم تعد تربط نفوذها في سوريا بالنفوذ التركي، كما كانت قبل معركة كوباني/عين العرب، كما أنها لم تشارك في المغامرات التركية مع روسيا، وإيران في مساري “سوتشي”، و”أستانا”.

وبالتالي، فإن واشنطن غير معنية بالاتفاقات التركية مع أي جهة كانت، لا بوصفها حليفا ولا حتى بوصفها ذات توجه سياسي مماثل. وفي هذا الحال، فإن تخلي تركيا عن نفوذها في سوريا، يعني أن الطرفين الوحيدين اللذين سيبقيان على الساحة هما الحكومة السورية، مدعوما ببعض كيانات المعارضة السورية التابعة لتركيا، و ”الإدارة الذاتية”، لشمال شرقي سوريا مدعومة بالمنشقين عن المعارضة السورية الحالية.

قد يهمك: عوائق تهدد احتمالية التقارب بين أنقرة ودمشق.. هذه أبرزها

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.