احتمالات التقارب بين أنقرة ودمشق تهددها عوامل عدة قد تنسف أي إمكانات للتقارب قبل حتى أن تحصل أي خطوات ملموسة وحقيقية بخصوص إعلانات أي تقاربات سياسية بين حكومتي أنقرة ودمشق.

فيتو أميركي

العائق الأبرز قد يتجلى في الرفض الأميركي لأي خطوة تركية في التقارب مع دمشق، علّقت واشنطن على الخطاب التركي الأخير بشأن سورية والعلاقة مع دمشق، مؤكدة التزامها بـ”5 لاءات” وموقف وحيد إزاء ما حصل وسيحصل.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل للصحفيين، اليوم الجمعة إن “تركيا حليفا مهما في الناتو ولعبت دورا أساسيا في الاستمرار في تحميل روسيا المسؤولية عن أعمالها الوحشية في أوكرانيا”.

وأضاف: “لكن لكي نكون واضحين، لن تعرب الإدارة الأميركية عن أي دعم لجهود تطبيع بشار الأسد أو إعادة تأهيله، ولا تنوي الولايات المتحدة رفع مستوى علاقاتنا الدبلوماسية مع الأسد ولا ندعم تطبيع العلاقات بين الدول الأخرى أيضا”.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، يرى أن الولايات المتحدة ستستمر في عدم دعم أي جهود لعودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، لا سيما وأن الأخيرة تهدف للتعاون مع دمشق، في ملف قوات سوريا الديمقراطية شمال شرقي سوريا.

ويقول علوش في حديث خاص مع “الحل نت”: “تركيا لا تتحدث عن رغبتها في إعادة العلاقات مع دمشق بشكل طبيعي، بل الدخول في حوار سياسي مع النظام من أجل معالجة هواجسها الأمنية على الحدود السورية التركية، ودفع عملية التسوية السياسية”.

ويعتقد علوش أن تقاربا لا يمكن أن يحصل بين أنقرة ودمشق في المدى المنظور، وذلك بالنظر إلى الإشكاليات الكبيرة والمعقدة، التي تواجه إحداث تحوّل ملموس وفعلي في العلاقة بين أنقرة ودمشق.

وحول ذلك يضيف: “لكل طرف دوافع وأهداف وأولويات مختلفة في أي تغيير في العلاقات، ويحرص على تحقيقها قبل منح ما يُريده الطرف الآخر، لكن هذا الاختلاف يُديره مسار تفاوضي، سواء كان هذا المسار بعد إعادة التواصل السياسي بين أنقرة ودمشق أو من خلال القنوات الخلفية والوسطاء”. 

حديث المسؤول الأميركي باتيل، جاء في رده على سؤال عما إذا كان لدى واشنطن ردة فعل على التعليقات الأخيرة التي أدلى بها مسؤولون أتراك، والتي تلمح إلى “مصالحة” مع دمشق.

وتابع نائب المتحدث باسم الخارجية: “لن نرفع العقوبات عن النظام، ولن نغير موقفنا المعارض لإعادة إعمار سوريا، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي”.

وتعتقد الولايات المتحدة، حسب باتيل أن “التقدم السياسي الحقيقي والدائم ضروري وحيوي لإعادة الإعمار. لم نشهد تقدما على هذه الجبهة”.

وزاد: “نحث الدول في المنطقة على النظر بعناية شديدة في الفظائع التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي، وكذلك جهود النظام المستمرة لمنع وصول الكثير من البلاد إلى المساعدات الإنسانية المتكاملة والأمن”.

اقرأ أيضا: ما رسائل حكومة دمشق من قصف الباب شرقي حلب؟

ملف إدلب

في حين يتمثل العائق الثاني بالتواجد العسكري التركي في الشمال السوري، وكذلك شكل النفوذ في إدلب في ظل وجود قوى جهادية مصنفة  على قوائم الإرهاب.

وحول مصير التهدئة في إدلب واحتمالية استمرارها أو انهيارها، نشر “مركز جسور للدراسات” يوم الثلاثاء الماضي، تقدير موقف ناقش فيه محددات مواقف الدول الضامنة لمسار أستانا في إدلب، والعوامل المؤثرة في انهيار هذه التهدئة.

وأشار المركز إلى استحضار سيناريو انهيار التهدئة في إدلب يرتبط بشكل كبير بعودة التصعيد على نحو غير معتاد، من نشاط سلاح الجو، وحملات القصف الصاروخي العنيف والكثيف بين القوات الحكومية والمعارضة، وعودة نشاط التنظيمات الجهادية.

وكذلك نوه بأن ذلك يحصل بين فترة وأخرى، وغالبا ما يتزامن أو يرتبط إما مع خفض التزام أحد الضامنين بالتعهدات حول التفاهمات المشتركة، أو مع انعقاد مباحثات دبلوماسية حول المنطقة، كارتفاع حدة التصعيد أواخر أيار/مايو الماضي بعد إعلان تركيا نيتها شن عملية عسكرية جديدة في سوريا.

ويشير المركز إلى أن “تركيا وروسيا وإيران تمتلك محددات خاصة ترسم مواقف كل دولة على حدة في ملف إدلب، ونتيجة لاختلاف المصالح تحولت المنطقة إلى إحدى عقد المشهد السوري المستعصية”.

ووفق محمود علوش، فإن “محافظة إدلب إحدى المسائل الشائكة في أي تقارب محتمل بين أنقرة ودمشق والوجود التركي في إدلب لا يزال ضرورياً على المدى المنظور بالنسبة لأنقرة بغض النظر عن تحقيق انفراجة في العلاقة مع النظام أو بدونها”.

ويختم الباحث السياسي حديثه بالقول: “من المؤكّد أن كل تفصيل في هذه القضايا معقد بما يكفي لفشل هذا المسار. ومن المؤكد أيضا أن النظام السوري، الذي رفض تقديم تنازلات للمعارضة عندما كان يواجه خطر الانهيار، سيقاوم أي تغيير سياسي حقيقي بعدما استعاد قوته. لذلك سيكون لروسيا، كراع رئيسي لهذا المسار، دور رئيسي في الضغط على دمشق لتدوير الزوايا مع أنقرة والتوصّل إلى تسويات وسطية في بعض المسائل”.

تركيا لديها 3 محددات فيما يخص إدلب، هي إرساء الاستقرار لمنع حدوث موجات هجرة جديدة نحوها أو باتجاه الشريط الحدودي، وضمان أمن الحدود بالحفاظ على عمق يتراوح بين 30 و60 كم بين مناطق سيطرة حكومة دمشق، إضافة إلى التأثير في العملية السياسية عبر ضمان استمرار انتشار القوات التركية لمنع دمشق من السيطرة على مزيد من مناطق المعارضة.

كذلك تمتلك روسيا 3 محددات، أولها تأمين قاعدة حميميم بتقويض سيطرة وقدرة المعارضة في إدلب، عبر توسيع سيطرة حكومة دمشق، وإعادة سيادة الحكومة على المنطقة بفتح الطرق الدولية واستعادة إدارته لمعبر “باب الهوى” وعودة عمل مؤسسات الدولة الرسمية في مركز المحافظ، وأما الأمر الثالث فهو التأثير على سياسات تركيا باستخدام إدلب كمساحة جغرافية للضغط على أنقرة عسكريا وسياسيا.

وبالنسبة لإيران، يشير المركز إلى أن سياستها في إدلب تنطلق من أمرين، أولهما تأمين مدينة حلب عبر دعم استعادة سيطرة دمشق على مناطق إدلب، وثانيهما التأثير على سياسات تركيا برفض أو عرقلة أي حل لا يقود إلى استعادة سيطرة حكومة دمشق على كامل إدلب، وذلك بقصد الضغط على أنقرة ودفعها للاستجابة إلى مطالب طهران وعدم تخطِّي مصالحها داخل وخارج سوريا.

وأما عن العوامل المؤثرة في انهيار التهدئة بإدلب، فيوضح المركز أن استدامة التهدئة أو انهيارها مرتبط بعدة عوامل، من بينها المفاوضات “الروسية- التركية”، والصراع في أوكرانيا، وموقف إيران، وموقف الولايات المتحدة.

وشرح المركز أن الاستقرار في محافظة إدلب يتأثر بشكل مباشر بالعلاقة بين الدول الضامنة للتهدئة، حيث يزداد التصعيد عند توتر العلاقات بينها، ويسود الهدوء مجددا مع حل النقاط الخلافية بين الضامنين، وتحديدا تركيا وروسيا.

ولفت إلى أن الدول الضامنة تخوض مؤخرا مفاوضات على مستقبل النفوذ وحدود السيطرة، فتبحث تركيا عن توسيع عملياتها العسكرية ضد “قسد” لتقويض سيطرتها قرب المنطقة الحدودية، بالمقابل فإن روسيا تطالب بتنفيذ مذكرات التفاهم المتعلقة بإدلب، بالإضافة إلى مطالبة تركيا بالتعاون مع دمشق.

وأضاف: “إن التوصل إلى توافقات مرضية للأطراف حول مناطق النفوذ، ومصير قسد، وتنفيذ التفاهمات المتبادلة المتعلقة بشمال شرق وشمال غرب سوريا، سيعني استدامة التهدئة، أما تصاعد الخلافات وتمسك كل طرف بمقاربته فسيقود إلى تصعيد قد يصل إلى انهيار واسع للتهدئة، خاصة إذا اتجه أي طرف لمحاولة فرض رؤيته كأمر واقع على باقي الضامنين”.

العودة غير ممكنة؟

مع وضوح التصريحات التركية، يبدو أن أنقرة ماضية في ملف إعادة فتح قنوات التواصل مع دمشق بأسرع وقت ممكن، وذلك لإنجاز هذا الملف قبل موعد الانتخابات التركية العام القادم، فيما يبدو أنه محاولة لقطع الطريق على أحزاب المعارضة التي بدأت بطرح هذا الأمر، لتقديمه للناخب التركي، في ظل احتقان الشارع التركي إزاء وجود اللاجئين السوريين، حيث تركز أنقرة على أن الهدف الرئيسي من التواصل مع دمشق هو تأمين عودة سريعة للسوريين إلى بلادهم.

محللون يرون بالجهة المقابلة أن عودة العلاقات، قد تصطدم بصعوبات عديدة، وإن حصلت ستكون محدودة، لا سيما مع وضع دمشق لشروط وُصفت بـ“التعجيزية“، فضلا عن معارضة الولايات المتحدة الأميركية لأي عمليات تطبيع مع الحكومة السورية.

بدوره يرى الباحث السياسي، صدام الجاسر، أنه لا سبيل لعودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، فيما يستثنى من ذلك التواصل الاستخباراتي الموجود بين كافة الدول.

وحول ذلك أضاف الجاسر في حديث سابق مع “الحل نت”: “لا يوجد عودة للعلاقات، كلام وزارة الخارجية الأميركية واضح بهذا الشأن، أن أي إعادة علاقات لأي دولة مع النظام السوري، سيعرضها لعقوبات، وبالتالي تركيا لا ترغب بزيادة سوء الوضع الاقتصادي لديها”.

قد يهمك: العودة للتمثيل الدبلوماسي الكامل بين تركيا وإسرائيل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.