اتجهت الأوضاع السياسية والأمنية في العراق نحو التصعيد خلال الأيام الماضية، بسبب تظاهرات أنصار الصدر، خاصة بعد اقتحامهم للمنطقة الخضراء المحصّنة في قلب بغداد، ومبنى البرلمان العراقي، للمرة الثانية على التوالي.

ويواصل أنصار الصدر تظاهراتهم في المنطقة الخضراء والمحافظات العراقية المختلفة، احتجاجا على إعلان الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى الموالية لإيران، ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، وهو من المقربين لرئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، خصم الصدر اللدود.

وأعلن نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان، عن مبادرة للخروج من الأزمة، وإطلاق حوار من أربيل، يجمع القوى السياسية المختلفة، وتحديدا الإطار التنسيقي والتيار الصدري.

إلا أن تظاهرات أنصار التيار الصدري لا تميل على ما يبدو نحو التهدئة، فهل ستنجح جهود الوساطة؟ وما موقف طهران والمرجعية الشيعية من احتمال اندلاع حرب أهلية بين شيعة العراق؟

“التظاهرات ستفجّر الأوضاع ما لم يتدخّل أحد”

الكاتب والمحلل السياسي هشام الشمري يقول إن “استمرار الأوضاع على ماهي عليه، دون تدخل الأطراف الوسيطة، سيؤدي إلى صدامٍ، يصل إلى حد الاقتتال بين أنصار الصدر والفصائل المسلحة الموالية لإيران”.

مبينا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “كل طرف يبدو مصرا على رأيه، فالتيار الصدري لن يسمح للإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة الجديدة، ويرى بأن هذه الخطوة هي اختطاف لجهوده بتشكيل حكومة الأغلبية، التي كان يطمح لها. وهذا هو سبب استمرار تظاهرات أنصار الصدر؛ فيما يرى الإطار التنسيقي والفصائل المسلحة أن الفرصة المتاحة حاليا لتشكيل حكومة جديدة، حتى ولو كانت مؤقتة، ستعزز من حضورهم بالمشهد العراقي، وتعيد تثبيت أوضاعهم مجددا، ما يسمح لهم بالعودة إلى المشهد السياسي، وتعويض خسارتهم في الانتخابات الأخيرة”.

وتلقت الفصائل المسلحة المقربة من إيران ضربة في الانتخابات الأخيرة، التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، ولم تحصل سوى  على سبعة عشر مقعدا، فيما حصل الصدر على ثلاثة وسبعين مقعدا، وجاء بالمرتبة الأولى.

ومع أن الصدر حصل على المرتبة الأولى، لكنه لم ينجح بتشكيل حكومة الأغلبية التي كان ينادي بها، رغم تشكيله لتحالف، يضم إلى جانبه كلا من تحالف السيادة بزعامة محمد الحلبوسي، والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني.

الحل الوحيد لإنهاء تظاهرات أنصار الصدر

المحلل السياسي علي البيدر يرى أن “خطوة إعطاء الإطار التنسيقي فرصة تشكيل حكومة مؤقتة، لمدة سنة واحدة، هي الحل الأمثل للخروج من الأزمة الحالية المعقدة، التي قد تؤدي لكوارث دموية”.

ويضيف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “طرفاً دوليا أو إقليميا يمكن أن يتولى عملية الوساطة بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، وينهي بذلك تظاهرات أنصار الصدر. والحل يتمثل بإعطاء فرصة للإطار لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ولكن حكومة مؤقتة لمدة سنة واحدة”.

وأشار إلى أنه “خلال هذه السنة سيتم التحضير لانتخابات مبكرة، ويُحلّ البرلمان الحالي، وتكون مهمة الحكومة تصريف الأعمال اليومية فقط، وهذا الحل سيرضي الإطار التنسيقي والتيار الصدري معا”.

ورشح الإطار التنسيقي الوزير السابق محمد شياع السوداني لمنصب رئيس الحكومة، لكن الترشيح لم يحظ بمقبولية إقليمية ودولية، خاصة بعد تظاهرات أنصار الصدر، بحسب عدة مصادر إعلامية.

“إيران تستغل تظاهرات أنصار الصدر للتخلّص من عبء الفصائل”

مصدر سياسي عراقي كشف لموقع “الحل نت” أن “إيران تحديدا غاضبة من بعض قيادات الإطار التنسيقي، وعلى رأسها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، بسبب التسريبات الصوتية الأخيرة، التي هاجم فيها الحشد الشعبي والمرجعية الدينية وطهران”.

وأوضح المصدر، الذي اشترط عدم كشف هويته، أن “إيران قللت اهتمامها بالعراق، وذلك بسبب انشغالها بترتيب أوضاعها الداخلية. وهي منفتحة على الحوار مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، لتقليل آثار الحصار المفروض عليها، والذي أدى لتدمير اقتصادها”.

المحلل السياسي أحمد الأنصاري يشير إلى أن “إيران لم تعد تثق بالفصائل المسلحة والميليشيات المرتبطة بها في العراق”.

موضحا، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “طهران تريد إعادة هيكلة الفصائل المسلحة، وتعتبر عديدا من قادة تلك الفصائل قد فشل في أداء مهامه، لذلك ستقوم بإعادة ترتيب الأولويات. وترى بأن تظاهرات أنصار الصدر، والأزمة السياسية العراقية عموما، فرصة مهمة لضرب بعض الميليشيات، التي تريد التخلي عنها”.

واعتبرت الخارجية الإيرانية، في تصريحات لها، أن “ما يجري في العراق شأن داخلي، ولا دخل لطهران به”. فيما أعربت السفارة الأميركية في العراق عن “قلقها إزاء الأوضاع الأخيرة، والتوترات التي حصلت في العاصمة العراقية بغداد”. في إشارة إلى تظاهرات أنصار الصدر.

وفي تغريدة على موقع “تويتر”، طالب صالح محمد العراقي، المقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الحشد الشعبي بـ”عدم زج نفسه بالخلافات الأخيرة”.

 وأكد العراقي على “الاستمرار بالتظاهر والاعتصام، لحين تحقيق مطالب الشعب بتعديل الدستور، وتغيير النظام الحالي في العراق”. وهي إشارة صريحة إلى عدم انتهاء تظاهرات أنصار الصدر في وقت قريب.

متى ستتدخل المرجعية الدينية الشيعية؟

إلا أن بهاء الأعرجي، نائب رئيس الحكومة العراقية الأسبق، يتوقع أن “تنتهي تظاهرات أنصار الصدر، بعد وساطات ستقوم بها أطراف سياسية، فضلا عن تدخل دولي”.

وفيما يخص المرجعية الدينية الشيعية في النجف قال الأعرجي، في تصريحات متلفزة، إن “المرجع الشيعي علي السيستاني سيراقب الأوضاع عن كثب، وحال حصول أي صدامات شعبية سيتدخل، ويصدر بيانات قوية لإيقاف التوتر”.

موضحا أن “رئيس تحالف الفتح هادي العامري سيلعب دورا في إنهاء الخلاف القائم بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، كونه شخصية متوازنة، ومن الممكن أن يكون محل ثقة الصدر، لإزالة فتيل التوتر الأخير، من خلال الاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة، وحل البرلمان الحالي”.

أحمد ثامر الزيدي، الكاتب الصحفي والناشط السياسي، يقول إن “المرجعية الدينية الشيعية في النجف هي الأخرى لديها ردة فعل تجاه الفصائل المسلحة الموالية لإيران، والعملية السياسية العراقية برمتها”.

وأضاف، في حديثه لموقع “الحل نت”، أن “المرجعية لن تتدخل حاليا لإيقاف تظاهرات أنصار الصدر، ما لم تتحول إلى صدامات مسلحة بين أفراد الشعب، لأنها تعدّ ما يجري حتى الآن خلافات سياسية. وسبق للمرجعية أن ترفّعت من دعم أي جهة سياسية”.

ولفت إلى أن “ما تخشاه المرجعية فقط هو أن يتطور الخلاف السياسي ليصبح اقتتالا شيعيا داخليا، وفي هذه الحالة ستخرج فتوى علنية وصريحة، تعلن فيها المرجعية تدخلها بشكل واضح، لإنهاء الخلافات والنزاعات”.

ودعا زعيم التيار الصدري مؤخرا، في خطاب متلفز، إلى حل البرلمان العراقي، وإجراء انتخابات مبكرة. وهي دعوة لاقت تأييدا من زعيم تحالف الفتح هادي العامري، والقيادات السياسية السنية والكردية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.