تمر العملية السياسية العراقية بمنعطف خطر، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها بغداد، منذ يوم السبت الثلاثين من تموز/يوليو الماضي.

وقام أتباع التيار الصدري باقتحام مبنى البرلمان مرتين: الأولى ليلة يوم الأربعاء السابع والعشرين من تموز/يوليو الماضي، قبل أن يدعوهم مقتدى الصدر شخصيا إلى الانسحاب، عبر تغريدة نشرها على صفحته الشخصية في موقع “تويتر”، قال فيها: “وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد أرعبتم الفاسدين”. وأمرهم “بصلاة ركعتين والتراجع”.

وفي يوم الخميس التالي، نشر إبراهيم الجابري، مدير مكتب الصدر في بغداد، منشورا على صفحته الشخصية في موقع “فيس بوك“، لمّح فيه إلى لجوء التيار إلى خيار المواجهة في الشارع، بقوله: “الشعب يقول: أليس السبت بقريب؟”.

إثر ذلك تجمّع أتباع الصدر في ساحة التحرير، المجاورة للمنطقة الخضراء المحصّنة في قلب بغداد،  منذ مساء يوم الجمعة، التاسع والعشرين من تموز/يوليو، واقتحموا، مع ساعات الصباح الباكر ليوم السبت، الحواجز الكونكريتية، الفاصلة بين “جسر الجمهورية” والمنطقة المعزولة وسط بغداد، واحتلوا مجددا مبنى البرلمان، كما تعرّضوا لمبنى المحكمة الإتحادية، بسبب عدم المباشرة بمحاكمة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، على إثر التسريبات الصوتية المنسوبة له.

كل هذه التطورات أثارت قلقا كبيرا بين المراقبين حول مستقبل العملية السياسية العراقية، وصل إلى حد الحديث عن “انهيار النظام السياسي، الذي نشأ بعد العام 2003”.

هل يهدف الصدر إلى تعطيل العملية السياسية العراقية؟

مقتدى الصدر نفسه، كما تبيّن تصريحاته، يرى في تحركات أتباعه فرصة لإثبات موقفه في العملية السياسية العراقية. إذ قال في تغريدة له على صفحته في موقع تويتر: “هذه فرصة لتبديد الفساد والتفرّد بالسلطة والولاء للخارج”. ودعا إلى “الاستمرار في اعتصام مفتوح داخل البرلمان، وعدم تفويت الفرصة، كما حدث عام 2016”.

وكان أتباع التيار الصدري قد اقتحموا مبنى البرلمان العراقي عام 2016، على إثر خلافات سياسية غير واضحة، بين الصدر وما يعرف بـ”البيت الشيعي”، ولكن الأول سرعان ما طالب أتباعه بالانسحاب.

ويسود اعتقاد بأن الصدر يرغب بتعطيل العملية السياسية العراقية مؤقتا، من خلال منع تمرير اسم محمد شياع السوداني، مرشح الإطار التنسيقي لمنصب رئاسة الوزراء، للتصويت في البرلمان. لأنه يعتقد أن السوداني سيكون مجرد أداة بيد خصمه التاريخي نوري المالكي. وتاليا فإنه سيشكل خطرا، ليس على الوجود السياسي للتيار الصدري فحسب، بل قد يؤدي أيضا إلى تحجيم نفوذ الصدر الاجتماعي، من خلال إغلاق مكاتبه ومصادرة أسلحة مقاتليه، كما حدث إبان عهد نوري المالكي عام 2008.

الاعتراض على شخصية السوداني لا يقتصر على الصدر، إذ سبق أن رفض المتظاهرون، خلال احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019، محاولات تمرير اسمه بديلا عن عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء آنذاك.

ويؤكد مصدر في التيار الصدري أن “الهدف الأساسي من موقف الصدر هو وضع الإطار التنسيقي في موقف محرج شعبيا، عبر التأكيد على قوته الجماهيرية، والتي ستدفع نحو التوافق معه”.

ويضيف المصدر، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “هذا التوافق سيكون محكوما بشروط عودة التيار الصدري، وتشكيله للحكومة؛ أو الاستمرار في التظاهرات حتى إسقاط العملية السياسية العراقية كلها”.

المصدر، الذي رفض كشف هويته، أكد أن “الصدر نجح بمنع تمرير مرشح الإطار التنسيقي إلى البرلمان العراقي، بعد سيطرته عليه. وتاليا فإنه أثبت أن انسحاب نوابه من البرلمان، البالغ عددهم ثلاثة وسبعين نائبا، لم يقلل من قدرته على فرض رأيه على العملية السياسية العراقية”.

انشقاق محتمل في الإطار التنسيقي

استغلّ الصدر إذا الرفض الجماهيري لشخصية السوداني لإثارة خلافه مع الإطار التنسيقي مجددا، ويبدو أنه مستعد لاحتمالية حل البرلمان، والسيطرة على الأوضاع بقوة جماهيره.

وبالمقابل فإن قادة الإطار، “يحاولون التفاوض مع الصدر، لاستبعاد تعطيل العملية السياسية العراقية، والتمهيد لعودته الى البرلمان. ولكن الأخير لا يزال متمسكا برأيه، ويرفض الرد على محاولات الاتصال به”، كما يؤكد مصدر في الإطار التنسيقي لموقع “الحل نت”.

ويشير المصدر إلى أن “اجتماع الإطار، الذي تم يوم الحادي والثلاثين من تموز/يوليو، في منزل عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، تناول هذا الشأن. كما شهد خلافات حادة بين المجتمعين، بين من يرغب بمسايرة الصدر، ومن يرفض ذلك”.

ويرى المصدر، الذي رفض كشف هويته، أن “استمرار هذه الأزمة سيؤدي بلا شك إلى انشقاق داخل الإطار التنسيقي، يترك آثاره على العملية السياسية العراقية”.

ولكن هل من الممكن أن يؤدي استمرار التظاهرات إلى انهيار كامل للعملية السياسية العراقية؟

“هذا الأمر غير مستبعد، لا سيما وأن احتلال مبنى البرلمان قد عطّل بالفعل عمل كثير من الهيئات المتواجدة في المنطقة الخضراء، إضافة الى الوزارات المرتبطة بقرارات البرلمان، مثل وزارة المالية. فضلا عن الهيئات القضائية”، بحسب مصدر في الحكومة العراقية.

وينوّه المصدر، في تصريحه لـ”الحل نت”، أنه “نتيجة هذا الاحتمال أدركت القوى السياسية إمكانية خسارتها لكافة مكتسباتها السياسية، وهو سبب مساعيها لحل الأزمة”.

بين “الحرب الأهلية” ومحاولات إنقاذ العملية السياسية

استمرار التوترات الحالية، وعدم موافقة الطرفين على التنازل، يزيد من احتمالية التصعيد المسلح. أو ما يسميه البعض “حربا أهلية شيعية”، تطيح بالعملية السياسية العراقية برمتها. لاسيما وأن طرفي الأزمة يمتلكان خزينا ضخما من الأسلحة.

وشهدت محافظة ميسان، خلال شهر شباط/فبراير الماضي، عمليات اغتيال منظمة بين التيار الصدري من جهة، و”عصائب أهل الحق”، المنضوية ضمن الإطار التنسيقي من جهة أخرى. راح ضحيتها قادة ومسؤولون من كلي الطرفين.

مصدر سياسي مقرّب من الجهتين أكد أن “العودة الى نقطة الصفر أصبحت مستحيلة في ظل الوضع الراهن. ولكن هذا لا يعني انعدام الحلول، أو نهاية العملية السياسية العراقية. إذ هناك محاولات لإرضاء الصدر، والسماح له بتشكيل الحكومة، أو الحصول على مباركته لأي حكومة يشكّلها آخرون. وتسعى عديد من القوى السياسية إلى إقناع الصدر بذلك، عبر الكيانات السياسية المتحالفة معه من الطرفين السني والكردي”.

رغم هذه النظرة المتفائلة نسبيا، فإن إصرار معظم من التقاهم موقع “الحل نت” على عدم كشف أسمائهم دليل واضح على مدى توتر الأوضاع، وقابليتها للانفجار في أية لحظة. ما يجعل الجميع معرضين للاستهداف، في حال اندلعت مواجهات تطيح بالعملية السياسية العراقية، التي لم تستقر يوما، منذ نشأتها قبل عشرين عاما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.