منذ بدء المواجهة بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي على خلفية الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، عمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى استخدام الغاز الذي يمدّ به أوروبا، كسلاح لفرض شروطه على الدول الأوروبية.

هذه السياسة أفضت إلى حرب خارج الميدان، وهي حرب الطاقة، فردت أوروبا كذلك باتباع استراتيجيات لمساعدتها على الاستغناء عن الغاز الروسي، فبدأت بمليء احتياطياتها، وتحديد سقف لسعر الغاز الروسي، والبحث عن بائعين آخرين في سوق الطاقة، فهل فشل بوتين في الرهان على سلاح الطاقة.

انخفاض في سعر الغاز

سوق الطاقة في أوروبا شهد خلال الأسابيع الماضية، انخفاض سعر الغاز إلى أدنى مستوى له، منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، وذلك تزامنا مع دخول فصل الشتاء بدرجات حرارة معتدلة، ما خفف أيضا من الضغط على الطلب.

تقرير لصحيفة “البيان” الإماراتية، أشار إلى أن السوق بدأ العام الجديد 2023 بضغوط أقل حدّة، كما أن توقعات الأرصاد الجوية تشير إلى درجات حرارة أقل من المعتاد في فصل الشتاء بالنسبة لمعظم منطقة أوروبا في الأسبوعين المقبِلين، ما يساعد أوروبا على تجنب استنفاد مخزونها في وقت قريب للغاية وهي تجتاز فصل الشتاء.

الخبير في شؤون الطاقة حسن الشاغل، رأى أن انخفاض أسعار الغاز مرتبط بشكل رئيسي في نجاح الدول الأوروبية في تهيئة بنيتها التحتية على أساس تخفيف اعتمادها على الغاز الروسي، مشيرا إلى عدم قدرة روسيا حاليا على قطع أو تخفيض الغاز عن العالم بسبب حاجتها للعوائد المالية من قطاع الطاقة.

تشييد محطات طاقة

الشاغل قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “السبب الرئيسي لانخفاض الأسعار، هو بدء بعض الدول الأوروبية في تشييد محطات تسييل الغاز، وبالتالي استقبال الغاز المسال. ألمانيا بدأت بهذا الموضوع، وهي بصدد بناء ثلاث محطات لتسييل الغاز، إضافة لمحطتين لإنتاج الهيدروجين الغاز، هذا سيعوض جزء من استهلاك الغاز“.

قد يهمك: سيول وواشنطن تناقشان إجراء مناورات نووية.. ما مستقبل التوتر بين الكوريتين؟

من الدول كذلك التي بدأت بتشييد محطات تسييل الغاز بلجيكا، الأمر الذي سيساعدها على استيراد الغاز المسال الذي يتم نقله بواسطة بواخر في البحر، وبالتالي تخفيف الاعتماد على الغاز الطبيعي.

وحول دور المخزونات الاحتياطية في تخطي أوروبا لأزمة نقص الطاقة، أوضح الشاغل أن المخزونات لا تكفي لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر في أفضل الأحوال، لذلك لا يمكن التعويل عليها، إلا كونها جزء من خطة تجاوز الأزمة.

الشاغل أضاف قائلا، “نعم المخزونات هي جزء من الخطة، أيضا الطقس المعتدل كان له دور في قلة الاستهلاك، لكن لا أعتقد بقاء الوضع بهذا الشكل، فالشتاء في أوروبا طويل، بالتالي دول الاتحاد الأوروبي تطمح أن تجد منتجين جدد في السوق لتمويلها، على سبيل المثال الولايات المتحدة الأميركية، تعمل حاليا في ذروة كبيرة لتصدّر الطاقة إلى أوروبا، وقطر ومصر أيضا، في النتيجة دخول منتجين جُدد إلى السوق العالمية ساهم أيضا في انخفاض الأسعار“.

بالرغم من فشل بوتين في استخدام الطاقة كسلاح في وجه أوروبا، إلا أنه وبحسب رأي الشاغل، لا يمكن تجنب روسيا في معادلة سوق الطاقة في العالم، خاصة وأنها المنتج الأول للغاز وتستطيع التأثير في سوق الطاقة عبر تخفيض الإنتاج.

روسيا والعوائد المالية

حول ذلك زاد الشاغل بالقول، “بالمقابل بوتين لا يستطيع استخدام هذا النوع من السلاح بشكل كامل، بمعنى أن يقوم بتخفيض الإنتاج، وذلك لأن روسيا تعتمد حاليا بدرجة كبيرة على الموارد المالية التي تأتي من قطاع الطاقة، خاصة بعد العقوبات الاقتصادية، لذلك هو سلاح ذو حدين لا يستطيع استخدامه بشكل كبير، لانعكاسه السلبي بشكل مباشر على خزينة الدولة الروسية“.

الشاغل أشار كذلك إلى وجود توازن بدرجة كبيرة في السوق الدولية للغاز، ومما ساعد بذلك الظروف المناخية المعتدلة حتى الآن، ووجود منتجين جدد في سوق الطاقة، فضلا عن أن “دول الاتحاد الأوروبي تعمل على إنشاء بنية تحتية قائمة على تسييل الغاز“.

بالعودة إلى أسعار الطاقة في أوروبا، ووفقا لتقرير صحيفة “البيان“، فقد بِيع الغاز بنسبة أرخص بخمس مرات تقريبا، مما كان عليه في آب/أغسطس، لكن المحللين يحذرون من عدم القدرة على التنبؤ بحركة السوق في الأشهر المقبلة.

السعر المرجعي للغاز الطبيعي في أوروبا يُحتسب لكل ميغاوات ساعة يتم تسليمه في الشهر التالي على أساس عقد “تي تي أف” في السوق الهولندية، والإثنين كان هذا السعر بحدود 73 يورو، وهو الأدنى منذ 21 شباط/فبراير 2022.

أسعار الغاز في أوروبا، بدأت بالارتفاع قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها انفجرت عندما بدأ الغزو أواخر شباط/فبراير الماضي، حيث أدى إغلاق العديد من خطوط أنابيب الغاز بين روسيا وأوروبا التي كانت حتى ذلك الحين أكبر زبائنها إلى زيادة السعر على نحو تلقائي نظرا لوصول كميات أقل من الغاز إلى القارة.

انخفاض استهلاك الغاز الروسي

شركة “غازبروم” الروسية، أعلنت الإثنين أن صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي وسويسرا تراجعت بنسبة 55 بالمئة في عام 2022. الشركة الروسية سلّمت 62 مليار متر مكعب إلى أوروبا في عام 2022 مقارنة مع 138 مليارا في عام 2021.

في إطار حرب الطاقة بين أوروبا وروسيا، اتفقت حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل أسابيع، على حد أقصى لأسعار النفط الروسي المنقول بحرا قدره 60 دولارا للبرميل، مع آلية تعديل لإبقاء سقف السعر أقل بخمسة بالمئة من سعر السوق.

فرض الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي، يأتي ضمن محاولة الغرب للضغط على عائدات “الكرملين” النفطية مع الحفاظ على الإمدادات العالمية ثابتة وتجنب زيادة الأسعار، وصُمم هذا الحد على أنه طريقة للسماح لروسيا، أكبر مصدر للنفط العالمي، بتزويد الأسواق، من دون أن تحصل موسكو على الفائدة الكاملة من بيعها النفط.

في الأسابيع الأخيرة كان هناك تراجعا بأسعار النفط بشكل كبير وهذا يضر بمدخولات روسيا، أيضا الجانب الآخر المهم في هذا الموضوع، هو الحد من مبيعات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، لكن حتى الآن يجب الإشارة إلى وجود خلافات كبيرة بين عدد من الدول التي تريد وضع سقف لسعر البرميل بـ 30 دولارا مثل بولندا ودول البلطيق، ودول أخرى تريد تحديد سقف سعر البرميل بـ 60 دولارا أي بأقل من السعر العالمي بـ 5 دولارات.

من شأن تحديد سقف سعر النفط عند هذا المستوى أن يضع أسعار الخام الروسي أقل بكثير من المعيار الدولي المسمى “برنت“، والذي تم تداوله عند نحو 87 دولارا للبرميل الخميس الفائت، وأشار المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذين قادوا دفع الحد الأقصى للسعر، إلى أنهم يؤيدون تحديد الحد الأقصى عند 60 دولارا للبرميل.

هذا التحديد له آثار اقتصادية كبيرة تبدأ من تراجع واردات الخزينة الروسية، وعجز في الموازنة الروسية للسنوات الثلاث القادمة، وقد يصل هذا العجز إلى 5 أو 6 بالمئة، وسيؤدي إلى تراجع إنتاج النفط بشكل كبير، إضافة إلى تأثير سلبي على الأسعار بالنسبة للنفط الروسي وللأسواق العالمية.

يمكن القول إن روسيا في طريقها للفشل في الرهان على الطاقة كسلاح حرب، خاصة وأن الدول الأوروبية نجحت خلال الأشهر الماضية في إيجاد العديد من المصادر البديلة للحصول على الغاز الطبيعي في شمالي إفريقيا مثلا، فضلا عن أن روسيا لن تستطيع الصمود أكثر في منع الغاز، بسبب اعتمادها على العائد المالي الكبير الذي يأتي من بيع الطاقة والغاز تحديدا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.