خلال الأيام الماضية، أشارت معظم المعطيات التي طرأت، والروايات الرسمية الخاصة بخط العلاقة المستجدة بين أنقرة ودمشق، إلى أن هذا المسار تُقطع محطاته المرسومة بآلية “ثلاثية” تتولاها موسكو، فيما لم يُعرف بالتحديد الدور الخاص بطهران، وما إذا كان غيابها مما يحصل يشي باستبعاد أم بحضور، تبتعد تفاصيله عن الطاولة.

على الرغم من أن إيران بالفعل ليست طرفا مباشرا في مسار الحوار الثلاثي، إلا أن لها مصالح ووجود وتأثير سياسي على دمشق. هذا التأثير لا يمكن تجاهله في مسار العلاقات المحتملة بين أنقرة ودمشق، وتشير تقارير إلى أن التيار المتشدد المحسوب على الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والحكومة، متريث في الحكم على لقاء موسكو، في حين لم يخف التيار الإصلاحي خشيته من دور التقارب بتقليل نفوذ إيران في سوريا.

التقارب التركي السوري الأخير والاجتماعات في موسكو، وغياب طهران عن كل ذلك يدعو للتساؤل حول نظرة إيران إلى هذا التقارب، وما مصالح إيران في عودة العلاقات بين الطرفين، ومدى تأثيره على التواجد الإيراني في سوريا.

كيف تنظر إيران للتقارب التركي السوري؟

الناطق باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، قال يوم الإثنين الفائت في تصريحات صحفية، “إيران دائما تعتقد أن الحل في سوريا حل سياسي، وإن روسيا وسوريا وتركيا على علم بدور إيران الحاسم في مكافحة الإرهاب في سوريا، ودعمها لشعب وحكومة هذا البلد”، مضيفا أن هذه الدول تدرك أهمية هذا الدور لإيران في استكمال العملية السياسية السورية، دون أن يقدم أي تفاصيل عن الآلية الثلاثية التي بدأتها تركيا والنظام السوري، وقطعتا مرحلتين منها، بالاجتماع استخباراتيا، ومن ثم على مستوى وزارات الدفاع.

وفد تركيا لاجتماعات موسكو مع سوريا

تقارير تشير إلى عدم وجود رضا إيراني بشكل ضمني عن هذه المفاوضات في غياب طهران عنها، وهو ما تسبب بانقسامات داخل التيارات السياسية الإيرانية.

هاني سليمان، الباحث في الشؤون الإيرانية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن إيران تنظر بنوع من الترقب والشك لتطور العلاقات التركية السورية، حيث تعتقد طهران أن ذلك ربما يشكل مساسا بمساحة نفوذ إيران وتواجدها في الداخل السوري، خاصة أن التواجد الإيراني في سوريا بُني على استراتيجية الخوف والحرب والمواجهة والصِدام، وبالتالي وجود قنوات تقارب تركي سوري من شأنه أن يقلل من ماهية الأزمة التي تتذرع بها إيران في سوريا، خاصة بعد تراجع المواجهات وحسم المعركة لحد ما لصالح حكومة دمشق.

إقرأ:تركيا والمعارضة السورية: ما مصلحة أنقرة في التطبيع مع حكومة دمشق؟

أيضا وعلى الرغم من أن هذا التقارب من الممكن أن يمس بالنفوذ الإيراني، وخاصة إحداثه خللا في ميزان القوى للتواجد الإيراني داخل سوريا، لكن في النهاية فإن التأثير للتقارب على التواجد الإيراني سيكون هشا؛ خاصة أن إيران أحد أهم العوامل والدعائم الرئيسية التي ثبتت حكومة دمشق وبالتالي فليس من السهل المساس بالنفوذ الإيراني بشكل كبير.

مصالح إيران في التقارب التركي السوري

تقارير تشير إلى أن إيران لن تعطل أي انفتاح على حكومة دمشق، وخاصة من تركيا، التي تُعد اليوم آخر الدول الداعمة للمعارضة السورية، إضافة إلى أن طهران تُبدي مرونة كبيرة في هذا السياق، لأنها تعلم أن نفوذها في سوريا بات أكبر من أي وقت مضى، وخاصة في الشق الاقتصادي.

أيضا يرى بعض المختصين، أنه من حيث الشكل والهيكل، فإن التفاعلات الأخيرة بين موسكو ودمشق وأنقرة تعني استبعاد إيران وتهميشها، ولكن من حيث المحتوى والنتيجة المحتملة، فهي تتماشى أيضا مع مصالح طهران.

في هذا السياق، يعتقد سليمان أن أهم مصلحة إيرانية في عودة العلاقات التركية السورية تتمثل في تنظيم وتقسيم النفوذ والمصالح بين إيران وتركيا وروسيا، وإعطاء مساحة أكبر لتلاقي المصالح وليس للصِدام، خاصة أن تركيا تُعتبر الداعم الأكبر للمعارضة السورية في مواجهة إيران وحكومة دمشق، وفي النهاية فإن ما يجري تهميش وتحييد للدور التركي وهو ما سيصب في صالح إيران.

لكن بحسب سليمان، هناك إشكالية رئيسية تتمثل في أن كلّا من تركيا وإيران، هي دول إيديولوجية لدى كل منها مشروعها الخاص في سوريا، سواء المشروع الإيراني الفارسي، أو المشروع التركي العثماني وهو ما يمكن أن يؤدي لخلافات ولكنها محدودة.

تقاطع في أهداف واختلاف في أخرى

إيران وتركيا وروسيا تُعتبر دولا ضامنة لمسار “أستانة السوري”، ومنذ عام 2017 تجمع أطرافا من المعارضة السورية والحكومة باستمرار، من أجل بحث قضايا ميدانية وسياسية في آن واحد.

خلال الأشهر الماضية بدا تركيز هذا الثلاثي على أهداف متقاطعة تتعلق بالوجود الأميركي في شمال وشرق سوريا، وضرورة إخراجه من المنطقة، مع ضرب القوات التي تدعمها الولايات المتحدة، والمتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

الرئيسان التركي والسوري “أرشيف”

على الرغم من أن أنقرة وموسكو وطهران تشترك في القاسم المشترك المذكور، إلا أنها نادرا ما نسّقت سويا بخصوص مسارات أخرى، إذ تختلف طبيعة التواصل الروسي التركي على نحو أكبر من التواصل التركي الإيراني.

لكن بالنظر إلى أن العلاقات التركية الروسية قوية جدا، وتنامت بشكل كبير بعد حرب أوكرانيا، كان من الطبيعي أن تلعب موسكو دور الوساطة بين أنقرة ودمشق، وهو ما لم تنجح به طهران عندما عرضت في وقت سابق أن تكون وسيطا بين أنقرة ودمشق.

بالنسبة لإيران فمن المهم لها أن ينجح هذا التقارب على الرغم من بعض التخوفات القائمة لديها منه، فهي سوف تسعى لأن تكون هذه المصالحة خطوة أولى نحو إخراج القوات الأميركية من الشمال السوري، بتنسيق الأطراف المنضوية تحت عباءة “أستانة” بالإضافة إلى سوريا.

أيضا فإن إيران ترى أن كل تواجد أجنبي على الأراضي السورية خارج دعوة الحكومة السورية تواجد غير شرعي، ولذلك فإن المصالحة التركية السورية سوف تعيد المناطق السورية التي تقع تحت سيطرة تركيا إلى سوريا.

لكن وبحسب هاني سليمان، فإن عودة العلاقات التركية السورية سيشكل تقليلا من مركزية وأهمية دور إيران في سوريا، ومدى الحاجة من قبل حكومة دمشق للوجود الإيراني في هذه المرحلة، ولكن على الرغم من ذلك سيكون هناك مساحات لتقاسم النفوذ وقد يكون عليها بعض الصدام المؤقت، وبالتالي فإن العنوان العريض للتقارب التركي السوري وعلاقته بإيران “بعض المكاسب لإيران والكثير من المخاوف والأسئلة والتحفظات”.

تقارب تركي سوري لم تتضح نتائجه بعد، وهل يمكن أن يستمر على مستويات أعلى تضم رؤساء الدول أم يمكن أن يتجمد مجددا، خاصة مع المعارضة الأميركية للتطبيع مع حكومة دمشق، والعقوبات المفروضة عليها وحالة العزلة التي فرضتها دول غربية والولايات المتحدة.

كما تؤكد الدول الغربية والولايات المتحدة باستمرار على أن الحل في سوريا لا يمكن أن يخرج عن بنود القرار الأممي 2254، وذلك ما أشارت إليه أنقرة على لسان وزير دفاعها، خلوصي آكار، قبل أيام، وعقِب ساعات من اجتماع موسكو، وهو ما ترفضه حكومة دمشق وإيران، الأمر الذي قد يشكّل عائقا في المرحلة القادمة من المباحثات التركية السورية.
إقرأ أيضا:اتفاقية أضنة جديدة بين دمشق وأنقرة.. هل تتحقق؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة