العديد من الروائيين السوريين، كتبوا كثيرا من السيناريوهات لإعمال درامية طويلة وقصيرة، ومن أهم الروائيين الذين كتبوا الراحل خيري الذهبي، عبد الكريم ناصيف، عبد النبي حجازي، والراحلين وديع سمندر، وقمر الزمان علوش.

نسبة كبيرة من الروائيين السوريين نجحوا في تحويل سردياتهم الروائية إلى سيناريوهات قابلة للتحقيق على الشاشة، بينما في الواقع الحياتي نجد العديد من الفنانين الممثلين، قد كتبوا السيناريو والرواية والقصة القصيرة ولم يحوّلوها إلى دراما تلفزيونية أو سينمائية، فالفنان الشاب يامن الحجلي نجح في تشكيل ثنائي لكتابة السيناريو مع الصحفي والكاتب علي وجيه، أما الفنان أيمن زيدان أصدر المجموعة القصصية الثانية له منذ عدة أعوام، وكذلك النجم بسام كوسا أصدر مجموعته القصصية” نص لص”، ورواية” أكثر بكثير” عن دار نينوى في العام 2022، ولم يحولهما إلى سيناريو.

 إلى جانب ذلك أخرج كوسا أكثر من عمل مسرحي، وعرض لوحاته التشكيلية في معرض فردي خاص وجماعي.

التداخل الإبداعي

 إن التداخل في الإبداع الفني يتعدد عند بعض الفنانين الذين يعملون في المجال الفني المتنوع والمتداخل بين الفنون، فقضية الإبداع مفتوحة وغير محددة لدى الفنانين، لكن يبقى السؤال الأساسي، لماذا يختار فنان ما هذا النوع الفني من الإبداع، فتكون الإجابة أحيانا أنه بعد التجريب في أكثر من نوع فني يكون الفنان المبدع، أقرب لهذا الشكل الفني في التعبير عن ذاته، بينما الشكل الأخر من النوع الفني بعيد عنه تماما، وغير قادر على إبراز ذاته فيه، كما هو قادر على ذلك في الشكل الفني الذي أختاره.

 الأساس في ذلك رغبة وحب واختيار كل مبدع للشكل الفني القادر فيه على إيجاد ذاته الفنية. وعند سؤال الفنان بسام كوسا، لماذا لا تكتب السيناريو، قال، جربت، ولم أوفّق، كما وفقت في القصة والرواية.

 حضور الكاتب الروائي بسام كوسا، يظهر في روايته” أكثر.. بكثير” من محاولاته ككاتب سيناريو في الواقع والعمل الدرامي” وراء الوجوه”، المأخوذ عن قصة الدكتور” فتح الله عمر”، ومعالجة درامية وسيناريو نجيب نصير، وإخراج مروان بركات، وبمشاركة الفنانين أيمن زيدان، سلمى المصري، جمال قبش، نادين خوري، هبة نور، مديحة كنيفاتي، وعدد كبير من الفنانين السوريين.

قد يهمك: هل الدراما السورية واقعية؟

في رواية” أكثر بكثير” يبني الفنان الكاتب بسام كوسا عالمه الروائي مقاربا الحياة السورية، ما بعد العام2011، حيث يعتمد فيها على شخصية “مبروك”، حيث حملت به أمه من صبي نجار جاء لتركيب رفوف المطبخ، وهمست في أذنه أبنها أكثر من مرة” ضاحكة أحبك يا ابن الحرام”، وتفارق أسرته كلها الحياة، ويبقى هو متنقلا بين أكثر من مهنة أهمها نساج بسط، وورشة طرق النحاس الذي تعرف بها على شخصية “إيليا” اليهودي الذي غادر دمشق بسبب وجود إسرائيل على الخريطة، “أنا اليهودي الدمشقي الذي ولدت في حي من أجمل أحياء العالم بالنسبة لي، سأغادرها، عاريا من دون قلب أو روح، مثل خرقة بالية تتطاير في الهواء”.

التعمق في الشخصيات

 إن سردية الرواية من زاوية الفضاء الذي عمل عليه الفنان كوسا، هو فضاء مدينة دمشق حيث يسكن مبروك ويتحرك في المدينة، ويعمل حارسا لبناية في حي قريب يتعرف فيها على الدكتور عادل الذي يشعر به ويحبه، ويعول عادل عليه كثيرا بعد هجرته إلى كندا كإحدى الشخصيات القادرة على التصدي للفساد، ومبروك مهجر من ريف دمشق، يعيش في منزل مشترك عربي طابقين حيث يسكن في غرفته بالطابق الثاني، ويسكن في الطابق الأرضي أبو سماح وزوجته، وعدد من الأطفال أكبرهم سماح، التي يزوجها إلى برهان لكي يتخلص من مسؤوليتها على كافة المستويات، وتحمل سماح، وتمرض أثناء الحمل، ويعالجها برهان عند شيخ وليس عن طبيب.

 

برهان صديق لمبروك، وعندما يجد سماح بهذه الحالة، يتدخل ويأخذها إلى المشفى حيث تموت هناك، ويتحول برهان من العمل في مكتب عقارات إلى شيخ يعالج الناس بالنصوص القرآنية التي لا يعرفها لأنه” أمي لا يقرأ ولا يكتب”. لكنه حفظ بعض الآيات البسيطة وكيفية كتابتها.

إن البناء المعماري لرواية “أكثر بكثير” لا يتوقف عند جانب من جوانب شخصية مبروك، إنما يتعمق في أكثر من خط في هذه الشخصية منها شرب الخمر، والسيدة التي تشرب الخمر، وتطلب من مبروك أن يتزوجها ويرفض في البداية ويندم ويبحث عنها ولا يجدها، وشريكه في الشرب أبو سماح الذي يسكر معه في أكثر من مناسبة، إلا أنه كف عن ذلك بعد أن طلب من مبروك أن يتزوج سماح، قبل أن يطلب ذلك من برهان عامل الفرن.

 الجانب الفلسفي الدستوري الذي يبني عليه عمق شخصية مبروك من خلال معلمه في النول الذي يتناول الأديان، والعلم، والفلسفة، والصراع الذي انفجر في البلد، وعاد بها إلى المربع الأول من زاوية الحرب الأهلية، والمكونات الموجودة في البلد، التي يغذيها عدم التعايش والمحبة والأصابع الخارجية التي تبحث عن مصالحها.

سيناريوهات متعددة

المعالجات الدرامية في” ما وراء الوجوه”، يعتمد فيها الكاتب بسام كوسا، هادي، على قدرته في ادعاء أنه مظلوم ويظهر موهبته في ارتداء قناع المثقف الضحية حتى انكشاف عقدته الشخصية في “الأنانية، والأنا”، التي يطبقها على زوجته الأولى لينا حوارنة، خلود، كزوجة مهجورة ومريضة على خلفية بعيدة للعقد النفسية التي يعاني منها، فهو يحول كل معاناة زوجته، وطلاقها وعودته إليها بعد إرسال ما وفرته طيلة سنوات من فلوس إليه عندما علمت أنه مريض.

اقرأ أيضا: إعادة إنتاج الأعمال الدرامية القديمة.. لم لا؟

 أثناء كتابة هادي لسيناريوهات 27 فيلم، تقرأ زوجته الثانية سيناريو فيلم منها، وتبدي إعجابها بالسيناريو، ويؤكد لها أن صاحب الشركة “مهران”، أندريه سكاف، على اقتناعه بالسيناريوهات الثلاثة التي قرأها أكثر من أحد من قراء الشركة، كما قرأ هو الأفلام الثلاثة التي أختارها هادي لهم، ويفاوضه على الكتابة والإخراج للثلاثين فيلم، الذي سوف يستكملها كتابة وإخراج، فيعرض عليه 4 مليون ليرة سورية، فيوافق على المبلغ، ويأخذ سلفة على ذلك الاتفاق، ويذهب إلى منزله لكتابة بقية السيناريوهات الثلاثة المتبقية، ويعود إلى حكايته مع خلود بفيلم التي يصبح اسمها بالفيلم سراب، التي تحاول الانتحار، واسمه يصبح نهاد، وابنته سمر.

 في المشفى حيث سمر، يقترب من أمها يخاطبها “هل فاقت.. عاد وعيها”، وهو يأخذ قرار خطير مؤلم كألم السم يسري في البدن، بعد ثواني يخاطب سراب التي تبكي بصمت، بكاء ممضا محرقا، ومع آخر كلمة لسراب تتنهد سمر، وتسير نحو أبيها الذي يحتضنها بحب غامر.

هادي يكتب هذا المشهد على اللابتوب، بينما شخصية مبروك في الرواية تبحث عن طاولة للكتابة عليها، فلا يجد في غرفته، فيذهب إلى معلمه في النول حتى يعطيه طاولة وكرسي للكتابة، ويأخذهما إلى غرفته لمحاولات الكتابة.

مع انتهاءه من كتابة فيلم خلود وابنته، تقرأ زوجته الثانية الفيلم بعد إشارة أخيها لها حول الفيلم، فتغضب وتكتشف أنانيته وتجادله بنقاش حاد حول الفيلم، ويخاطبها قائلا “لم أحب أحدا في هذه الدنيا مثل حبي لك، فلا تغضبي”، فتقول له بأنها “مقهورة ومنزعجة، من كل شيء”، فيهرب من ذلك النقاش قائلا لها ” إنه ذاهب إلى حسام، محمد الأحمد”.

معاناة الكاتب

فعل الكتابة الروائية كجزء واقعي وحقيقي في حياة الفنان بسام كوسا، يظهر مقدار المعاناة التي يعاني منها الكاتب الروائي في إيجاد شخصيات مناسبة لبناء النمو الدرامي للشخصيات الروائية ومعاناتها، بينما تمثيل فعل الكتابة السيناريو في الدراما كجزء من الشخصية الدرامية في المسلسل، هو فعل أمام كاميرا المخرج.

الخطوط الروائية الدرامية التي يعمل كوسا عليها أيضا لاستمرار نمو الشخصيات الروائية حيث ينهي حياة “سماح”، لتبيان من الذي أحبها أكثر مبروك أو برهان.

 أخيرا أن عوامل الكتابة سواء كانت روائية أو درامية تحتاج إلى الموهبة والإبداع الموجود في شخصية الفنان بسام كوسا سواء في الحياة الحقيقية أو في الشخصيات الدرامية التي يقدمها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.