العام 2022، شهد العديد من التغييرات التي طرأت على التنظيمات الإرهابية، والتي كانت السبب في زيادة نشاط تلك التنظيمات، مما أدى إلى تفاقم حجم تهديدات السلم والأمن في العديد من المناطق في العالم، لا سيما تلك المناطق الهشّة على عدة مستويات.

من أبرز هذه المتغيرات، الضربات الكبيرة التي تعرضت لها التنظيمات الإرهابية في عام 2022، خاصة على مستوى اغتيال قادتها، ولعل أبرزهم مقتل زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري، بغارة أميركية، مطلع آب/أغسطس الماضي، بجانب مقتل زعيمين لتنظيم “داعش” الإرهابي عام 2022 في شمال سوريا، فضلا عن استمرار حركة “طالبان” في دفة الحكم بأفغانستان وما يتصل بذلك من احتمالية زيادة النشاط الإرهابي لتنظيم “داعش والقاعدة” في منطقة جنوب آسيا.

كذلك، تدهور الاقتصاد وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي خاصة في العديد من الدول العربية والمنطقة، بالإضافة إلى أزمتي الغذاء والطاقة إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، التي قد تشكل بيئة خصبة لزيادة نشاط التنظيمات الإرهابية، بجانب استمرار تداعيات جائحة “كوفيد – 19″ التي كانت لها تأثيرات سلبية وإيجابية على حدّ سواء بالنسبة إلى التنظيمات الإرهابية، و”تبادل التطرف” بين التنظيمات الإرهابية وبعضها، مثل الصراع بين تنظيمي “بوكو حرام” و “داعش” في إفريقيا.

والأنشطة المختلفة لحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا، وانسحاب القوات الأجنبية من مناطق النزاعات وتقليصها في مناطق أخرى، مثل تقليص الوجود الفرنسي في إفريقيا وزيادة أنشطة دول أخرى، مثل روسيا عبر شركات التأمين الخاصة بها، كمجموعات “فاغنر” الروسية، ودعم الحكومات الدكتاتورية هناك وتزويدها بالأسلحة مقابل مصالح ذاتية، مما يؤدي إلى توفر مجموعة من الظروف والسياقات التي تدفع التنظيمات الإرهابية إلى ابتكار وسائل جديدة في نشاطها سواء في هجماتها أو التجنيد.

الأمر الآخر الذي يعزز ويساعد في تنامي الإرهاب، هو استمرار حالة التأزم التي تشهدها العديد من دول ومناطق العالم، لا سيما في منطقتي الشرق الأوسط وإفريقيا، بالتالي يتطلب الأمر دراسة تلك المتغيرات وتأثيراتها على أكثر من مستوى في خريطة اتجاهات الإرهاب لعام 2023، بغرض إبراز التوقعات والاحتمالات حول النشاط الإرهابي خلال العام الجاري، سواء فيما يتعلق بصعوده أو انحساره.

 النشاط الإرهابي في إفريقيا

يبدو أن القارة الإفريقية ستكون من أكثر المناطق المستهدفة للجماعات الإرهابية، وذلك بالاستناد إلى العديد من العوامل، كبعض التحولات الجيوسياسية وصعود قوة ونفوذ دول بعينها وتراجعها في مناطق مختلفة، وعلى رأس تلك التحولات تقليص الوجود الفرنسي في مالي، ودخول روسيا إلى القارة بشكل كبير عبر وكلائها.

أيضا، حالة عدم الاستقرار وجملة الاضطرابات الداخلية التي باتت من أبرز المشاهد في دول غرب إفريقيا، وسط سيناريوهات مختلفة تلف المستقبل القريب لتلك المنطقة المهددة باتساع رقعة الفوضى والتهديدات، لاسيما في ظل الأزمات السياسية الطاحنة التي تعيشها، والأوضاع الأمنية الهشة وغياب الحكم الرشيد في عدد من دول الأقاليم، إضافة لانتشار الجهاديين، ما يزيد من احتمالية استمرار وازدياد النشاط العملياتي لتنظيمات العنف والإرهاب.

منطقة الساحل الغربي بإفريقيا تواجه العديد من التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، والتي تفاقمت بسبب الإرهاب والتطرف العنيف والعنف الطائفي واللصوصية. وبشكل خاص، تنشط بعض الجماعات التابعة لـ”داعش” الأكثر عنفا في المنطقة. خلال العامين الماضيين، وتوسعت هذه الجماعات عبر مناطق واسعة من الساحل، مما زاد من وجودها في مالي، بينما توغلت أكثر في بوركينا فاسو والنيجر. وبينما تعمل مفوضية الاتحاد الإفريقي وشركاؤها معا لمواجهة هذه التحديات من خلال مناهج مبتكرة. أدى تجدد الانقلابات إلى زيادة هشاشة المنطقة وهدد الأساس الديمقراطي للدول المتضررة.

الإرهابيون والمتطرفون، بما في ذلك تنظيمي “داعش” و”القاعدة” والجماعات التابعة لهما، استغلوا عدم الاستقرار والصراع بهدف زيادة أنشطتهم، وتكثيف الهجمات في جميع أنحاء القارة، بالإضافة إلى العنف الوحشي لهذه الجماعات التي تسببت في مقتل وجرح الآلاف.

قد يهمك: داعش” والقنبلة الموقوتة التي تواجه العالم.. الدوافع والاحتمالات؟

على إثر كل ذلك، باتت قارة إفريقيا تمثل بيئة خصبة وملاذا آمنا للجماعات الأصولية، وذلك نظرا لطبيعتها الجغرافية التي تتيح لهم التنقل بحرية تامة، مع إمكانية التدريبات المسلحة، بجانب التماهي مع الحركات الانفصالية والجماعات المسلحة التي يتم استمالتها وصبغها بالإطار العقائدي الديني.

تأكيدا على تنامي ظاهرة الإرهاب والتطرف وخطورته في القارة السمراء، قالت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، في تصريح صحفي، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إن “انتشار الإرهاب في إفريقيا، لا يمثل مصدر قلق للدول الإفريقية وحدها، بل هو تحدٍّ لنا جميعا، إن إفريقيا تتأثر بالتهديد الذي يشكله الإرهاب أكثر من أي منطقة أخرى في العالم”.

نظريا، هناك خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، تتغلغل في قارة إفريقيا الآن، ولديها صلات بتنظيم “القاعدة”، وهي “بوكو حرام” في نيجيريا، و”القاعدة في المغرب الإسلامي” شمال الصحراء الكبرى، وحركة “الشباب المجاهدين” الصومالية، وحركة “أنصار الدين” السلفية الجهادية في مالي، وحركة “التوحيد والجهاد” في غرب إفريقيا.

خلال العقد الأخير، شهدت القارة الإفريقية تطورا ملحوظا في ظاهرة الإرهاب، متمثلا في تزايد الحركات والجماعات، وارتفاع نسبة العمليات الإرهابية، من أقصى الساحل الإفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الإفريقي في الشرق، حيث إن انتشار معظم هذه الجماعات وإن كان لا يقتصر هذا الانتشار المرعب للإرهاب في القارة على منطقة بعينها، بل لا تخلو منطقة من مناطق القارة من وجود تهديد إرهابي.

هناك أكثر من 5000 إفريقي من جنسيات مختلفة ينشطون مع الجماعات الإرهابية في القارة، وفي مناطق النزاعات المسلحة الأخرى، إذ تضم 64 منظمة وجماعة إرهابية تنتشر معظمها في شرقها. مع ذلك يمكن القول إن “قوَّة وفاعلية الجماعات الإرهابية في القارة تختلف من منطقة إلى أخرى، كما أن تداعياتها أيضا تختلف من دولة إلى أخرى”.

بالتالي يمكن بيان اتجاهات النشاط الإرهابي المحتملة في العام 2023 بالقارة الإفريقية، وذلك بالنظر إلى أن التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم “داعش” المتشدد، فقدت سيطرتها وقوتها القتالية والهجومية، بعد الهزيمة التي لحقت بجماعاتها في السنوات الأخيرة وتحديدا في سوريا والعراق، وبالتالي ربما يفكر “داعش” والعديد من التنظيمات الإرهابية باللجوء إلى خيارات عديدة لتجديد نشاطه ولتجنيد مقاتلينَ ومسلحينَ في صفوفه خلال العام الجاري، وإن كان أغلبه في القارة السمراء, وبشكل رئيسي في منطقة جبال عيل مدو، شمال شرق الصومال، حيث تواجد “داعش” فيه، إذ يسعى إلى تعزيز نفوذه في الصومال على حساب حركة “الشباب”، مستغلا انشغال الحركة بالمواجهات المشتعلة مع قوات الأمن الحكومية الصومالية المدعومة أميركيا.

بحسب دراسة صادرة حديثا عن مركز “الأهرام للفكر والدراسات الاستراتيجية”، فقد أشارت إلى أن هذه القارة ستكون أحد المسارح الرئيسية للنشاط الإرهابي بشكل عام في 2023 ، في ضوء التنامي بمعدلات نشاط التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها حركة “الشباب” الصومالية، والتي تعتبرها بعض الدوائر الفرع الخارجي الأقوى لتنظيم “القاعدة” في الفترة الراهنة، وقد تجاوزت الحركة فكرة كونها تهديدا للصومال، وباتت تمثل تهديدا لدول الجوار الصومالي، وخصوصا كينيا وإثيوبيا، وتستغل الحركة استمرار بعض الأزمات السياسية في الصومال كالخلافات بين الحكومة الصومالية وبعض الولايات الفيدرالية، فضلا عن استغلالها لحالة الهشاشة الأمنية التي تتسم بها المناطق الحدودية الصومالية مع دول الجوار.

المؤشرات تصاعدت على توجه الحركة نحو التعاون مع بعض الفاعلين المسلحين من دون الدول في المنطقة، وعلى رأسهم جماعة “الحوثي” اليمني، لا سيما مع إعلان السلطات الصومالية في أكثر من مناسبة عن ضبط شحنات أسلحة قادمة إلى الصومال من اليمن، وبالإضافة لما سبق تملك حركة “الشباب” موارد تساعدها على تجنيد المزيد من العناصر وتنفيذ عمليات إرهابية.

إن الانتقال أو التركيز على مناطق في القارة الإفريقية، على غرار التنقلات لتنظيم “القاعدة” في باكستان وأفغانستان في السنوات الأخيرة، إذ تنبّأ العديد من المتخصصين بانتقال شبكات الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم، ومع عودة فصائل “القاعدة” وظهورها في دول إفريقية خاصة في الصومال ومالي ونيجيريا، فضلا عن شمال إفريقيا، سوف تصبح مستقبلا “أرض الجيل الثالث لتنظيم القاعدة” على اعتبارات أبرزها، أن تلك المناطق مناطق ذات طبيعة جغرافية وعرة وجافة، فضلا عن أنها نائية وبلا قيود للمرور والتنقلات لمسلحي التنظيمات الإرهابية.

“حركة الشباب” الصومالية التابعة لتنظيم “القاعدة”، تعدُّ اليوم من أخطر التهديدات التي تواجه شرق إفريقيا، إذ استمرت سيطرة الحركة على مناطق واسعة في وسط وجنوب الصومال بالرغم من وجود قوات “الاتحاد الإفريقي” على أراضيه، إذ تشير التوقعات إلى احتمال سيطرة “حركة الشباب” المتشددة من خلال هجماتها على شرق إفريقيا.

وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي، أصبحت منطقة الساحل الإفريقي “أكثر عنفا بشكل متزايد على مدار 15 عاما الماضية، حيث ارتفعت الوفيات بأكثر من ألف بالمئة بين عامي 2007 و 2021”.

بالنسبة لمنطقة المغرب الإسلامي، ينشط العديد من التنظيمات المتطرفة والإرهابية، من أبرزها تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، وتنظيمم “عقبة بن نافع”، و”جند الخلافة”، و”التوحيد والجهاد”. وعلى الرغم من تشرذم كافة عناصر هذه التنظيمات بين تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وعدم وجود إطار هيكلي وتنظيمي موحّد معبّر عنهم، إلا أن هذه المجموعات تعتمد على استراتيجية تركز على عمليات “الذئاب المنفردة”، أو بعض المجموعات الصغيرة التي تتواجد في بعض البيئات الجبلية وتنفّذ بعض العمليات في بعض دول المغرب الإسلامي، وقد استُهدفت دولة الجزائر مؤخرا لمخطط عملياتي لتنظيم “داعش” الإرهابي، حيث كان التنظيم يخطط لاستهداف شخصيات سياسية وضرب منشآت نفطية.

هذا الظهور في الجزائر مطلع العام الجاري، يمثل تأكيدا على مساعي التنظيم استعادة النشاط في الجغرافيا الجزائرية، كجزء من استراتيجيته الرامية إلى إحياء وجوده في منطقة المغرب الإسلامي وشمال إفريقيا بشكل عام.

بالتالي، وفي ظل عدم وجود مقاربة واستراتيجية واضحة للتعامل معمثل هذه التهديدات من قبل دول المغرب العربي،  بالإضافة إلى أن للعديد من دول المنطقة تشهد حالة من الهشاشة والرخاوة الأمنية، الأمر الذي يعزز من كونها تمثل تهديدا للأنشطة الإرهابية، وإن كان المنحى العملياتي لنشاط هذه التنظيمات في منطقة المغرب العربي ليس  كبيرا في 2023، مقارنة بدول القارة الإفريقية الأخرى، مثل مالي والنيجر و بوركينا فاسو والصومال.

النشاط الإرهابي في الشرق الأوسط

على الرغم من تراجع الأنشطة الإرهابية في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين، لا تزال بعض الدول تشهد نشاطا لتنظيمات إرهابية، وفي مقدمتها سوريا والعراق، لاعتبارات تتعلق بنشاط تنظيم “داعش”، فضلا عن استمرار النزاع في سوريا حتى الآن، وحالة عدم الاستقرار الأمني للمنطقة الشمالية السورية، نظرا لوجود خلايا نائمة لتنظيم “داعش”.

تقرير حديث لـ”معهد أبحاث السياسة الخارجية” الأميركية، حذر من تصاعد النشاط الإرهابي لتنظيمي “داعش والقاعدة” في العالم، خلال العام الجاري وفق معطيات كثيرة، وإنه بدون الاستمرار في الضغط على تنظيمي “داعش والقاعدة” من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، فإنهما قد يتمكنان من إعادة بناء شبكاتهما بالشرق الأوسط وخارجه، بحيث يصبحان قادرَين على استهداف السفارات والوجهات السياحية والمطارات.

المعطيات والمؤشرات الراهنة كلها تصب في خانة أن الأنشطة الإرهابية ستستمر في منطقة الشرق الأوسط  في كونها حاضنة وساحة رئيسية للنشاط الإرهابي على غرار السنوات الأخيرة، وذلك في ضوء استمرار النشاط الإرهابي لتنظيمات “القاعدة” و”داعش”، وحالة عدم الاستقرار والاستقطاب السياسي والوضع السياسي المأزوم، وهو ما يمكن بيانه بالتصور التالي، وهو عودة تنظيم “داعش” إلى العراق، حيث شهد عام 2022 تناميا ملحوظا في النشاط العملياتي لـ”داعش” في الجغرافيا العراقية.

التنظيم افتتح العام المنصرم بهجوم كبير على قوات للجيش في محافظة ديالي في كانون الثاني/يناير 2022، مما أدى إلى مقتل 11 جندي عراقي، واختتم العام بهجومين هما الأكبر خلال العام في 19 و20 كانون الأول/ديسمبر، الأول في محافظة كركوك، حيث أدى إلى مقتل 7 من العناصر الأمنية، والثاني بإحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى شرقي العراق، ما أسفر عن مقتل 8 أشخاص، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التحذيرات بخصوص احتمالية عودة ملف مكافحة الإرهاب في العراق إلى دائرة عام 2014، في ذروة نشاط التنظيم وسيطرته تقريبا على ثلث الأراضي العراقية.

قد يهمك: انبعاث “داعش” في الجزائر.. هل يعيد فتح ملف الإرهاب؟

هذه الهجمات المسلحة المباغتة في شمالي العراق، والتي نفذتها فلول تنظيم “داعش” الإرهابي، مثَّلت لحظة انبعاث مؤقتة تستهدف من خلالها الضغط على مخاوف قديمة من عودة “داعش” وكذلك التهديدات الأمنية للسكان.

غير أن خلايا هذا التنظيم الإرهابي فيما يبدو تكشف عن تكتيكات مغايرة لإعادة التموضع وملء مساحات جغرافية جديدة بالاعتماد على المناطق الرخوة أمنيا؛ إذ إن منطق التحركات الخاطفة هو ما تتبناه خطط “الذئاب المنفردة” أحيانا، وهي بمثابة الحيل التكتيكية للتنظيمات المتطرفة في فترات أفولها وانحسارها. فيما تتزامن هذه الهجمات، التي تؤدي دورا وظيفيا محدودا، مع تشكيل الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني والتي ما تزال تواجهها تعقيدات جمّة.

أيضا، سوريا لا يختلف الوضع فيها عن العراق، بل ربما شهدت حالة أكبر من الزخم على النشاط الإرهابي في العام الماضي، وذلك حين نفذ تنظيم “داعش” هجوما غير مسبوق على سجن “غويران” بمدينة الحسكة السورية يوم العشرين من شهر كانون الثاني/ يناير 2022،  مما أدى لمقتل حوالي 140 مقاتلا من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فضلا عن هروب المئات من عناصر التنظيم الذين كانوا يقبعون داخل السجن، وراح التنظيم على مدار العام يُنفذ عشرات العمليات الإرهابية الأخرى، كان آخرها الهجوم الذي استهدف حافلات تُقلّ عاملين في حقل التيم النفطي في ريف دير الزور الغربي الذي يُعد جزءا من البادية السورية.

الساحة اليمنية كذلك كانت إحدى الساحات الرئيسية لنشاط تنظيم “القاعدة” في 2022، خصوصا في محافظتي أبين وشبوة، وقد ربطت بعض التقديرات بين تصاعد معدلات نشاط التنظيم، وبين قدرته في الأشهر الأخيرة على تعزيز قدراته العملياتية والتشغيلية، واستقطاب عناصر جديدة، استغلالا لحالة الفوضى الأمنية التي تشهدها البلاد. هذا بالإضافة إلى زيادة التحذيرات من قبل العديد من الأطراف من احتمالية عودة ليبيا إلى بؤرة للإرهاب، وذلك في ضوء استمرار حالة التأزم السياسي التي تشهدها البلاد، وعدم حل معضلة المرتزقة والميليشيات المسلحة الموجودة في ليبيا، بجانب ظهور خلايا للإرهابيين في تونس ولبنان.

بالتالي يرجّح أن يشهد النشاط العملياتي للتنظيم تناميا ملحوظا في العام 2023 في كل من سوريا والعراق واليمن، بالنظر إلى جملة من الاعتبارات، ولعل أبرزها، رغبة التنظيم في إعادة إحياء حضوره في مناطق النفوذ التقليدية وعلى رأسها سوريا والعراق اعتمادا على خطط “الذئاب المنفردة”، التي تتبنى حرب استنزاف ضد الأجهزة الأمنية، وأيضا سعي التنظيم لاستغلال حالة التأزم السياسي التي تشهدها كل من العراق وسوريا واليمن خصوصا مع تصاعد الخلافات داخل القوى الموجودة في البلاد، بجانب تعقيد المشهد العام بشكل كبير.

على إثر المتغيرات الجيوسياسية، وتحديدا في سوريا، التي تشهد متغيرات مباغتة و جملة من التسويات التي تتم بين بعض الأطراف الإقليمية كتركيا وإيران وروسيا، وهي التفاهمات التي تلقى اعتراضا من بعض الفصائل المعارضة المسلحة كـ “هيئة تحرير الشام” التي تبنت نهجا تصعيديا على المستوى العملياتي في مواجهة هذه المتغيرات، فضلا عن استمرار حالة التأزم والفوضى الأمنية في الجغرافيا السورية، لا سيما في ظل العمليات الأمنية التي تتم بين الحين والآخر من قبل بعض الأطراف المنخرطة في الأزمة، وهي الحالة التي تستغلها التنظيمات الإرهابية لشن عمليات جديدة، وتحديد في شمال شرقي سوريا، حيث يتواجد فيه أكبر سجن لأفراد تنظيم “داعش” الإرهابي، سجن “غويران” حيث يحوي نحو 10 آلاف مقاتل إرهابي، بجانب أكبر مخيم لمعتقلي عوائل “داعش”، وهو مخيم “الهول” الذي يحوي قرابة 63 ألف عائلة، معظمهم من النساء والأطفال.

النشاط الإرهابي في آسيا

إن صعود حركة “طالبان” إلى سدة الحكم في أفغانستان قبل نحو عامين، وفّر بيئةً وملاذا آمنين للتنظيمات الإرهابية خاصة تنظيمي “القاعدة” و”داعش”. فعلى الرغم من الضغوط الدولية على الحركة لضمان عدم استخدام البلاد في التحضير لهجمات إرهابية ضد المصالح والقوى الدولية، فإنها تركز نشاطها في المناطق الحضرية وبحسب العديد من التقديرات، ربما تُخلق مساحة لهذه التنظيمات للعمل في مناطق ريفية ونائية.

وجود “طالبان” في الحكم يُعد مصدر إلهام للمجموعات النشطة في جنوب آسيا، وآسيا الوسطى أيضا، خاصة في شمال غرب باكستان مثل “تحريك طالبان”، والمجموعات التي تركز على الصين خاصة حركة تركستان الشرقية التي تشير بعض التقديرات إلى أن بعض عناصرها توجد داخل أفغانستان والهند.

الحديث عن الدعم الباكستاني لحركة “طالبان” قبل الصعود وبعده، يؤثر أيضا في النظرة للوكلاء المسلحين غير الحكوميين في المنطقة وعالميا، حيث يضفي المزيد من القوة على هؤلاء المسلحين، ما قد يدفع إلى مضاعفة قوتهم الاستراتيجية، وزيادة توظيف الدول لهم ودعمهم.

من هنا يُجدر القول، بأن المنطقة في آسيا، وفي ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة والارتدادات الأمنية الكبيرة، يُرجح أن تشهد تناميا في معدلات النشاط الإرهابي في 2023، لا سيما وأن تنظيم “داعش” الإرهابي يمثّل حضورا لافتا في منطقة جنوب شرق آسيا، إذ يتواجد التنظيم في دول الفلبين وسنغافورة وماليزيا وفيتنام، وكان من اللافت أن التنظيم قد صعّد من حملاته في الأشهر الأخيرة لتجنيد مقاتلين جدد اعتمادا على آلة دعائية إعلامية تنشر تصورات متطرفة عن الدين الإسلامي لدى سكان المنطقة من المسلمين، ويلعب على وتر بعض الاضطهادات التي تعاني منها بعض الفئات المسلمة، وذلك بالتزامن مع سعيه لتوسيع نشاطه العملياتي.

أيضا وفي ظل توجه التنظيم نحو التموضع في المنطقة كبديل لمناطق النفوذ التقليدية، يبدو أن منطقة جنوب شرق آسيا سوف تشهد زيادة أكبر في معدلات نشاط تنظيم “داعش” خلال عام 2023، وفق تحليل مركز “الأهرام للفكر والدراسات الاستراتيجية”.

النشاط الإرهابي في الغرب

على إثر الغزو الروسي لأوكرانيا،  وإفراز العديد من التداعيات السلبية على عموم العالم، ودخول الحرب في الشهر العاشر، ولا يُعرف بعد مآلات هذه الحرب ومتى وكيف وأين ستنتهي، تُنذر الحرب بالعديد من الارتدادات الأمنية المحتملة على كافة دول العالم، وخصوصا الدول الأوروبية، لا سيما على مستوى احتمالية زيادة معدلات النشاط الإرهابي في القارة العجوز، وذلك لعدة أسباب، منها أن تنظيمات العنف والإرهاب أبدت اهتماما ملحوظا بالحرب في أوكرانيا، ودعت هذه التنظيمات لا سيما تنظيمي “القاعدة” و”داعش”، إلى استغلال الحرب من أجل اختراق الجغرافيا الأوروبية، وقد أشارت العديد من التقارير الاستخباراتية إلى أن العديد من المجموعات المتطرفة من منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا انخرطت في الحرب الأوكرانية، الأمر الذي يعزز من احتمالية دخول هؤلاء إلى أوروبا كمهاجرين على سبيل المثال، والسعي لتنفيذ هجمات إرهابية.

قد يهمك: الظواهري وخليفته.. فرضيات عدة حول مصيرهما المجهول

أيضا، ربما يشهد عام 2023 نسب صعود عالية من نشأة مجموعات يمينية في أوروبا، وزيادة نشاط المجموعات القائمة، خاصة مع استمرار تداعيات جائحة “كورونا” والغزو الروسي لأوكرانيا، وما يتبعها من سياسات إغلاق وأضرار اقتصادية كبيرة، بجانب أزمتي الغذاء والطاقة وتغيرات المناخ، وما يسفر عنه من تزايد حالات اللجوء والنزوح.

خلاصة واستنتاجات

السمة الأكثر تحديدا للإرهاب الدولي في عام 2023 سيكون في تنوّعه، كما ذكره تقرير “معهد أبحاث السياسة الخارجية” الأميركية، والذي ينعكس في مجموعة واسعة من الأيديولوجيات والمظالم التي تحفّز المؤامرات والهجمات. بالنظر إلى المعطيات والمؤشرات فإن تنظيم “داعش”، والذي كان التهديد الإرهابي الأكثر أهمية منذ حملة مكافحة الإرهاب العالمية لتفكيك القاعدة في السنوات التي أعقبت أحداث 11 أيلول/سبتمبر، في العراق وسوريا، حيث فقد اثنين من أُمرائه في عام 2022. لكن، بعيدا عن منطقة الشرق الأوسط، باتت الفروع والشركات التابعة لها قوية، لا سيما في منطقة الساحل بإفريقيا وجنوب آسيا، حيث تشن ولاية “خراسان” الإسلامية تمردا كبيرا ضد “طالبان”.

إجمالا، تنذر كل المعطيات والمؤشرات إلى أنه من المرجح أن يشهد عام 2023 تناميا للأنشطة الإرهابية على مستوى العالم، فقد تزداد وتيرة نشاط بعض المنظمات الإرهابية مثل تنظيمي “داعش” و”القاعدة” اللذين على الرغم من تلقيهما ضربات موجعة طوال السنوات القليلة الماضية، فإنهما ما زالا موجودين ويعملان على إعادة تجميع الصفوف وتطوير وسائلها المستخدمة في شن الهجمات عبر عدة استراتيجيات وتكتيكات.

على اعتبار أن عام 2023، مرجحا أن يكون عاما مليئا بالأنشطة الإرهابية، وتحديدا في القارة الإفريقية، فإن هذا يتطلب جهودا وتحركات تنسيقية متسقة من حيث العمل مع الشركاء على الأرض من قِبل “قوات التحالف الدولي” بقيادة واشنطن لمكافحة الإرهاب، لضمان عدم إعادة تشكيل هذه التنظيمات. فبدون الضغط المستمر من الولايات المتحدة وحلفائها، من المحتمل أن تتمكن “داعش” و”القاعدة” وفروعهما وجماعاتهما من إعادة بناء شبكاتهما وإن كان بشكل محدود في الشرق الأوسط وإفريقيا وغيرهما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.