مع غياب الأنشطة الإرهابية في دولة الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية، واستمرار الأنباء عن القضاء على الخلايا الإرهابية وما إلى ذلك، عاد تنظيم “داعش” الإرهابي إلى الظهور مؤخرا في البلاد، وهو ما يكتنفه العديد من التساؤلات، خاصة وأن الإعلان عن تفكيك شبكة تابعة للتنظيم الإرهابي كانت تخطط لاستهداف شخصيات سياسية وضرب منشآت نفطية أعاد إلى الأذهان سنوات العشرية السوداء.

هذا المخطط، يمثَّل لحظة انبعاث مؤقتة تهدف من خلالها إلى الضغط على المخاوف القديمة من عودة “داعش” وكذلك التهديدات الأمنية للسكان، فضلا عن تساؤلات حول رغبة التنظيم في استعادة نشاطه في تلك المنطقة، خاصة وأنه كان موجودا في منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا في السابق.

لذلك لا بد أيضا من طرح التساؤل حول مدى الخطر الذي يشكله الإرهاب على الجزائر، وهل ما تم الكشف عنه من خلية تابعة لتنظيم “داعش” هو بداية رأس الخيط لمحاولات أخرى سرّية للغاية من قِبل هذا التنظيم من أجل إيجاد موطئ قدم داخل الجزائر ومن ثم المنطقة بشكل عام، إلى جانب العناصر التي تساعد التنظيم على الظهور وانعكاسات هذه الأنشطة الإرهابية على البلد والمنطقة ككل.

“محاولة” للعودة مجددا

السلطات الجزائرية كشفت عن إحباط محاولة اغتيال شخصيات مهمة وتنفيذ عمليات إرهابية ضد أهداف اقتصادية ومنشآت نفطية في جنوب البلاد، وقالت إن المصالح الأمنية نجحت في تفكيك خلية موالية لتنظيم “داعش”.

زعيم الخلية مراغني الحاج علي

هذا وبث التلفزيون الجزائري، قبل أيام، ما قال إنها “اعترافات زعيم الخلية مراغني الحاج علي المدعو عقيل، حول كيفية التجنيد الذي يتم عبر مواقع التواصل والمخططات التي كان يحضر لها”. وذكر فيها “أنه سبق له النشاط ضمن تنظيم أحرار الشام في سوريا، قبل أن يقرر العودة للجزائر ويتوقف عن النشاط”.

زعيم الخلية، وفق التلفزيون الجزائري، زعم أنه مع مطلع أيلول/سبتمبر 2022، عاود الاتصالات، مع “جماعة ولاية غرب إفريقيا” التابعة لتنظيم “داعش”، وذلك بعد أدائه لبيعة وثّقها عبر فيديو أرسله إلى مسؤولي التنظيم وعرض عليهم مخططات المجموعة الإرهابية الجديدة، على غرار ضرب منشآت نفطية بالجنوب وكذا استهداف مسؤولين سامين بالدولة.

كذلك، أوضح أنه بعد حصوله على الموافقة، بدأ “مرحلة التجنيد” وانتقل إلى الجزائر العاصمة، حيث ربط اتصالا مع المدعو “ح. ص” الذي سبق أن تورط معه في تهريب شخص مطارد أمنيا عبر الحدود الليبية، قائلا إنه اقترح عليه “القيام بعمل إرهابي في العاصمة من خلال اغتيال شخصيات كبيرة عبر عملية قنص وذلك بهدف خلق صدى إعلامي كبير”.

قد يهمك: الظواهري وخليفته.. فرضيات عدة حول مصيرهما المجهول

الباحث المتخصص في قضايا الأمن الإقليمي، محمد فوزي، يرى من جانبه، أن إلقاء السلطات الجزائرية القبض على الخلية الخاصة بـ”داعش”، يمثل تأكيدا على مساعي التنظيم استعادة النشاط في الجغرافية الجزائرية، كجزء من استراتيجيته الرامية إلى إحياء وجوده في منطقة المغرب الإسلامي وشمال إفريقيا بشكل عام.

مجموعة “اعتبارات”

أما بالنسبة للحالة الجزائرية على وجه الخصوص، وفق تقدير فوزي لموقع “الحل نت”، فيوجد مجموعة من الاعتبارات التي يمكن في ضوئها تفسير توجه وسعي التنظيم نحو إحياء وجوده في البلاد، أولها أن التنظيم يسعى إلى توظيف فكرة وجود بعض الجيوب والمجموعات الصغيرة و”الذئاب المنفردة” الموجودة في الجزائر والمرتبطة به فكريا، والتي تبقت من تنظيم جند الخلافة الذي تحول اسمه لاحقا إلى “ولاية الجزائر”، وبعض المجموعات “الداعشية” الأخرى، من أجل تنفيذ بعض المخططات الإرهابية التي تخدم فكرة تعزيز حضوره.

أما الاعتبار الثاني فيرتبط بمسألة “العائدون” من “داعش”، فعلى الرغم من كون الجزائر من أقل دول الشمال الإفريقي، من حيث عدد انخراط مواطنيها في صفوف التنظيم منذ عام 2013، إلا أن العديد من الدوائر الأميركية والجزائرية أكدت أن هناك المئات من الجزائريين قد انضموا فعليا لـ”داعش”، وهي العناصر التي تمثل مصدر تهديد أمني محتمل بالنسبة للجزائر، خصوصا مع توجيهات “داعش” لقواعده بضرورة إحياء النشاط الإرهابي في الجزائر، وتزيد تهديدات العائدين من “داعش” في ظل عدم وجود مقاربة واستراتيجية واضحة للتعامل مع هذا التهديد من قبل الدولة الجزائرية، على تقدير فوزي.

بينما الاعتبار الثالث يرتبط بالتهديدات الأمنية القادمة من الخارج ومن دول الجوار، سواءً ليبيا أو تونس أو المغرب أو مالي أو النيجر أو موريتانيا، إذ يتخذ عناصر تنظيم “داعش” وتنظيمات العنف بشكل عام من المناطق الحدودية والجبال الموجودة فيها مواضع للتمركز والانطلاق لشن الهجمات الإرهابية، وعلى سبيل المثال أعلنت السلطات التونسية في أيلول/سبتمبر 2022، أن وزارة الدفاع استطاعت تصفية 3 إرهابيين من تنظيم “داعش”، في جبال السلوم التابعة لمحافظة القصرين، وسط غرب البلاد، على الحدود مع الجزائر، وفق فوزي.

بشكل عام تشهد المناطق الحدودية لدول الجوار الجزائري حالة من الهشاشة والرخاوة الأمنية، الأمر الذي يعزز من كونها تمثل تهديدا كبيرا بالنسبة للجزائر.

مشاهد سوداوية

بحسب مراقبين، فإن اعترافات الحاج، لا سيما أنه للمرة الأولى تقدم فيها السلطات للرأي العام مقاتلا جزائريا عائدا من سوريا، على اعتبار أن الأرقام الرسمية تتحدث عن 100 جزائري التحقوا بتنظيم “داعش” في سوريا، أغلبهم من الشباب المهاجرين المقيمين في دول غربية، أعادت إلى الأذهان مشاهد العنف والدمار التي عرفتها البلاد خلال سنوات التسعينيات، ما خلق نوعا من التخوف لدى فئات من المجتمع على الرغم من التطمينات الرسمية.

الرئيس عبد المجيد تبون وفي مقابلة مع جريدة “لو فيغارو” الفرنسية، أوضح أن “الإرهاب أصبح من الماضي ولم يعد يشكل أي خطر على الجزائر”، متأسفا لرفض الغرب الاعتراف بذلك.

تنظيم “داعش”، برز في الجزائر تحديدا بين سنتي 2014 تاريخ ظهوره و2016، ثم اختفى نشاطه الإرهابي تماما، بعد تلقيه ضربات قوية من قبل الجيش الجزائري. كما أن الجزائريين، كانوا بشهادة التقارير الدولية الأقل حضورا في صفوف هذا التنظيم بسوريا مقارنة بدول عربية أخرى، وفق تقارير صحفية.

هذا وكانت أول عملية للتنظيم في الجزائر في 21 أيلول/سبتمبر 2014، إثر إعلانه اختطاف المواطن الفرنسي إيرفي غوردال وإعدامه، في منطقة تيزي وزو شرقي البلاد، وذلك في فيديو صادم بثّه التنظيم على مواقع التواصل، واعتبر أنه رد على مشاركة فرنسا في هجمات التحالف الدولي على التنظيم، وبداية له للنشاط في الجزائر.

قد يهمك: مشاركة إريتريا في الصومال.. تحالف إقليمي آخر يحتاجه القرن؟

ثم تبين أن مؤسس التنظيم هو عبد المالك قوري، الذي كان ينشط تحت راية تنظيم “القاعدة” في بلاد المغرب قبل أن ينشق عنه، وهو يعتبر العقل المدبر للهجمات الانتحارية التي استهدفت قصر الحكومة ومقر “الأمم المتحدة” في العاصمة الجزائرية في 2007.

خطورة “داعش”

في قراءته لواقع التنظيم بالجزائر، ذكر تقرير لمعهد “أميركان إنتربرايز” بواشنطن، مؤخرا، أن “التنظيم فشل في ترسيخ موطئ قدم له بالجزائر، على الرغم من أنه بدا مهيأ لكسب موطئ قدم في البلاد، معتبرا أن هذا التنظيم “فشل في كسب عدد كبير من الأتباع، نظرا للوعي الذي انتشر بين الجزائريين من خلال تجاربهم السابقة”.

التقرير أبرَزَ أن عدة عوامل أدت إلى هذا التراجع، بما في ذلك “تحسين القدرات العسكرية الجزائرية وتعزيز التعاون العسكري مع دول المنطقة”، من جهة، وكذا تحسن الأوضاع الاجتماعية من جهة أخرى، نظرا لأن “الحالة الاجتماعية غير المستقرة آنذاك كانت من أسباب انتشار الفكر المتطرف”.

لكن، يبقى حاليا الخطر الإرهابي الأكبر في الجزائر، آتيا من تنظيم “القاعدة” في المغرب الذي يقوده أبو يوسف العنابي. وقد تأسس هذا التنظيم في الجزائر على أنقاض الجماعة السلفية للدعوى والقتال أبرز الجماعات الإرهابية التي زرعت الرعب في البلاد، وامتد إلى منطقة الساحل وهو يتبع تنظيم “القاعدة” الدولي.

بالعودة إلى فوزي، فإنه يرى في العموم أنه يوجد إشكال كبير على مستوى جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، فمع حالة التأزم الكبيرة سياسيا وأمنيا في دول مثل ليبيا ومالي، وكذا التوتر الكبير في العلاقات بين الجزائر والمغرب، تغيب فكرة التنسيق الأمني والاستخباراتي وتضاؤل، الأمر الذي يعزز من فرص التنظيم لتنفيذ مخططاته، وهو سياق يسعى تنظيم “داعش” لاستغلاله.

هذا فضلا عن أن خطورة توجه “داعش” نحو إحياء وجوده في الجزائر، تتمثل في إمكانية تجاوز التنظيم لفكرة تنفيذ عمليات نوعية عبر بعض “الذئاب المنفردة”، إلى السعي لتشكيل وجود مستدام في الجزائر، استغلالا للاعتبارات السابقة ذكرها، وهو أمر يتجاوز في تهديده حدود الوضع الأمني في الجزائر، إذ يمثل تهديدا للأمن الإقليمي في المنطقة بشكل عام، وفق فوزي.

المراقبون من جانبهم، أشاروا أيضا إلى أن “داعش يعدّ جيلا تنظيميا من الإرهاب لا ينبغي الاستهانة به، وهو تنظيم أخذ ينتشر في المناطق التي تعاني من غياب السلطة وفشل الدولة لذا يمكن أن يعيد هذا التنظيم شن هجمات إرهابية داخل الجزائر وتجنيد بعض الأفراد الذين يمكن أن يقعوا تحت تأثير دعايته الإعلامية خصوصا بعد تمكّنه من تأسيس قواعد خلفية في دول الساحل الإفريقي وتأسيسه تنظيم ولاية غرب إفريقيا”.

بالتالي يُعتبر تنظيم “داعش” الإرهابي تهديدا حقيقيا للوضع الأمني في الجزائر والمنطقة بشكل عام.

في مواجهة هذه الجماعات، ذكرت وزارة الدفاع الجزائرية، أنها تمكنت سنة 2022 من تحييد 39 إرهابي، إلى جانب “توقيف 371 عنصر دعم للجماعات الإرهابية وكشف وتدمير 64 مخبأ للإرهابيين و97 قنبلة تقليدية الصنع، مع استرجاع 623 قطعة سلاح، منها 16 رشاشا ثقيلا من مختلف العيارات و6 قاذفات صاروخية و56 كلاشينكوف و499 بندقية من مختلف الأصناف، بالإضافة إلى 39 مسدسا آليا و7 أنظمة تفجير عن بعد”.

لذلك، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها العديد من الدول المستهدفة من قبل التنظيم، ومنها الجزائر، للقضاء على الأنشطة الإرهابية وخلاياه النائمة، إلا أن خطورة تنظيم “داعش” لا يزال قائما، لذلك من الضروري توحيد الجهود من قبل العديد من دول المنطقة لمكافحة خطر هذا التنظيم الإرهابي في المنطقة عموما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة