التغير المناخي، بات أحد أهم المخاطر التي تشغل العالم بأسره في الأعوام الأخيرة، حيث يدور الحديث عن وجوب التحكم بدرجات حرارة الأرض في حين أن الواقع يشير إلى كوارث بيئية قد ينتج عنها آثار مدمرة في المستقبل.

في آلاسكا بدأت جبال الجليد في الذوبان بشكل كبير، حيث ذابت مليارات الأطنان من هذه الجبال في مياه المحيطات، وتشير التقارير إلى أن الجبال الجليدية تراجعت بشكل كبير خلال العقود الأخيرة، وبحسب علماء فإن ظاهرة التغير المناخي لم تؤثر فقط على الجبال الجليدية، بل تمتد آثارها إلى تهديد البيئة البحرية والثروة السمكية، كما أن استمرار ذوبان الجليد بهذا الشكل وارتفاع منسوب المحيطات والبحار يهدد كل المدن الساحلية في العالم.

تغيرات مهمة للغاية تجري في ألاسكا تدفع للتساؤل حول أسباب ذوبان الجليد، وما تأثير ذلك على الحياة وعلى المياه العذبة، وما إذا كانت هناك وسائل للحد مما يجري.

ذوبان جبال الجليد

خبراء بولاية ألاسكا الأميركية، يؤكدون أن وتيرة ذوبان ثلوج الجبال الجليدية بالولاية تسارعت في السنوات القليلة الماضية وتسببت في انحسار مساحات تلك الجبال، كما يحذرون من العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة والانهيارات الأرضية، التي تهدد المدن والمعالم السياحية، فقد تبين من نتائج الدراسات الحديثة، أنه نتيجة لذوبان الجليد في ألاسكا، لا يُستبعد تفتت الصخور وحدوث تسونامي، حيث ذابت خلال السنوات الماضية مليارات الأطنان من هذه الجبال في مياه المحيط وهذا التسارع في الذوبان لا يعوضه معدل تراكم الثلوج السنوي.

جبال آلاسكا

حول أسباب ذوبان الجليد، يبين الدكتور عبدالقادر الخراز، الاستشاري الدولي للتغيرات المناخية، وأستاذ التقييم البيئي بجامعة الحديدة باليمن، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن ذلك ناتج بشكل رئيسي عن ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض، وهذا ناتج عن التغير المناخي والذي يعود سببه الرئيسي إلى الانبعاثات المختلفة وخاصة انبعاث الكربون من الدول الصناعية الكبرى.

إقرأ:التغير المناخي يبتلع شواطئ الدول المغاربية.. مقاربة اجتماعية-سياسية للمواجهة؟

الخراز شرح أنه حتى في المؤتمرات الخاصة بالتغير المناخي، وكذلك اللجنة الحكومية الدولية الخاصة بالتغير المناخي، تم تحديد سقف معين لدرجة حرارة سطح الأرض والتي يجب ألا تتجاوز 1,5 درجة مئوية بعد أن كانت سابقا 2 درجة مئوية، وذلك من أجل منع ذوبان الجليد.

آثار ذوبان الجبال الجليدية

بحسب خبراء، فإن هناك آثارا فورية لذوبان الجبال الجليدية، فعندما تحصل عملية الذوبان تسبب انهيارات كبيرة في الجبال الجليدية، ما ينتج عنها موجات بحرية عالية تقوم بضرب كل ما يحيطها من سفن ومدن قريبة بأمواج تتجاوز العشرة أمتار.

الخبراء حذروا من أن انهيارا كبيرا من الممكن أن يحصل خلال العقدين القادمين، حيث  انهيار حدث في هذه المنطقة عام 2015 على المنحدر وأدى إلى حدوث تسونامي قطع أشجار غابة على ارتفاع 193 مترا فوق منحدر مضيق تان في ألاسكا.

أيضا هناك آثار طويلة الأمد وتعتبر أكثر خطورة، حيث يشير خبراء إلى أنه عندما يتغير المناخ، تحتاج الأرض إلى وقت للتكيف، وإذا ذاب الجليد بسرعة فقد يفاجئ المنحدرات المحيطة ويتسبب بانهيارها، واللافت في الأمر أن العلماء حتى الآن لم يتمكنوا من تفسير آلية حدوث الانهيارات الجليدية حيث لم يتمكنوا من دراسة القوة الدافعة لها.

أيضا فهناك خطر كبير ينتج عن ذوبان الجليد يتمثل في ارتفاع منسوب البحار والمحيطات بينما يتراجع منسوب المياه العذبة، وقد توقعت لجنة المناخ في الأمم المتحدة العام الماضي، ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات نحو 60 سنتيمترا، بوتيرة سريعة لا يمكن التعامل معها، بسبب هذه الانهيارات.

ألاسكا بشكل خاص، تعاني من ارتفاع درجات الحرارة، ما يزيد امتصاص تربتها الصقيعية مزيدا من أشعة الشمس، وتخزين كميات هائلة من غاز الميثان الذي يتسبب على غرار ثاني أكسيد الكربون في الاحتباس، ويحذر العلماء خصوصا من أن ذوبان التربة الصقيعية قد يجعل الأرض ناعمة ورطبة وغير قادرة على دعم الجبال التي ستنهار، هذا في الوقت الذي حذّر فيه باحثون أن الاحترار يحدث من 3 إلى 5 مرات أسرع من متوسط التنبؤات العالمية السابقة للمناخ.

بحسب الخراز، فإن تأثيرات ذوبان الجليد كبيرة من بينها ارتفاع مستوى سطح البحر، وهذه الظاهرة تُلاحظ في الكثير من المناطق من بينها البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وهناك دول حاليا تتعرض لتهديد نتيجة ذلك كما في مصر التي تتعرض لتهديد غرق دلتا النيل ومدينة الإسكندرية، إلى جانب الكثير من البلدان حول العالم.

لهذا سيكون هناك تأثير لذوبان الجليد على مستوى سطح البحار والمحيطات وهو ما سيؤدي لغرق الكثير من المناطق الساحلية، وهذا له تأثيرات كبيرة على المياه العذبة القريبة من الساحل، فهناك تداخل على مستويين، الأول تداخل الجليد الذائب وهو أصلا مياه عذبة مع مياه البحار حيث سيتحول لمالح، وإلى جانب ذلك فإن المناطق الساحلية توجد فيه مسطحات مائية عذبة، وهذه عندما يتم استنزافها كثيرا تتداخل مع مياه البحر وبالتالي تتغير خصائصها وتتحول إلى مالحة، وهو المستوى الثاني، وهنا حتى عملية تحليتها تصبح صعبة، حسب الخراز.

هل هناك حلول لمواجهة الذوبان الجليدي؟

علماء أوروبيون توصلوا مؤخرا إلى ما أسموه بالحل الثوري، قالوا إنه يحد من مشكلة ذوبان جليد القطبين المتسارع، الذي يمكن أن يؤدي إلى سيناريوهات مرعبة، مثل غرق مدن ساحلية بأكملها بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

العلماء بينوا أن بناء جدران صخرية في قاع المحيطات سيكون حلا مؤقتا يساهم في الحفاظ على المنسوب السليم من الجليد تفاديا للتبعات الكارثية المتسارعة التي تشهدها الأرض بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وستّحد هذه الجدران من سرعة ذوبان القواعد الثلجية في أعماق المحيطات، فالارتفاع المستمر في درجة حرارة الأرض، يعني بمعدلاته الحالية، تقلص المساحة الجليدية في القطب الشمالي 33 سنتيمترا في السنة، مما يعني أكثر من 4 مليارات ونصف مليار طن من الجليد.

القطب المتجمد الجنوبي

الحل بُني على مبدأ أن ذوبان الجليد من الطبقات الجليدية السفلى، لذلك جاءت فكرة الجدران، التي تتشكل من صخور وأتربة، ستقف في وجه المياه الدافئة السطحية التي تسببها درجات الحرارة المرتفعة، وتحتاج عملية بناء هذه الجدران لأطنان من الصخور والأتربة، في محاولة لضمان الحد من سرعة الذوبان، وهو ما يعتبر بمثابة عزل حراري اصطناعي.

بالنسبة للحلول، يرى الخراز أنه يجب الحد من ارتفاع درجات الحرارة لسطح الأرض، والتحول إلى الصناعة الصديقة للبيئة والتخفيف من الصناعات المؤدية للانبعاثات الكربونية والحرارية، إضافة إلى التحول إلى استخدام الطاقة المتجددة وبذلك يمكن الحفاظ على درجة الحرارة المحددة بـ 1,5 درجة مئوية، وبالتالي تخفيض حدة ذوبان الجليد.

أيضا هناك إجراءات تتعلق بحماية السواحل وتطبيق قوانين خاصة بذلك في المناطق الساحلية للحفاظ عليها والتوقع إلى أي مدى يمكن أن يكون التغير القادم واتخاذ إجراءات وقائية لمواجهته، وذلك لضمان نوع من الحماية والتكيف والتخفيف من أثر التغيرات المناخية.

لا يقتصر ذوبان الجليد على جبال ألاسكا الجليدية، فالقطب الجنوبي ليس بمنأى عن ذوبان جليد الشمال، فمنذ عام 2002 يراقب القمر الصناعي “غريس” التابع للإدارة الوطنية الأميركية للملاحة الجوية والفضاء “ناسا” كميات الجليد التي تفقدها المنطقة، ويحددها بأكثر من 100 كيلومتر مكعب سنويا، وبحسب الأمم المتحدة فإن ذوبان نحو 27 مليون كيلومتر مكعب من جليد القطب الجنوبي كارثة للبشرية عبر رفع منسوب مياه البحار نحو 58.3 مترا، ما يعني أن أجزاء كبيرة من لندن ونيويورك وكوبنهاغن وطوكيو ستُغمر بالمياه.

قد يهمك:التغير المناخي.. تحديات قادمة ومقترحات دولية للحل

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.