من جديد تعود أزمة الدولار لتُلقي بظلالها على المشهدين السياسي والاقتصادي في العراق، وسط تحذيرات من انهيار العملة المحلية، في مشهد يعيد للأذهان ما حدث مؤخرا في دول عديدة، أبرزها لبنان وسوريا وإيران.

الدولار سجّل ارتفاعا كبيرا أمام الدينار العراقي، ما أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والأشياء العينية الأخرى، في وقت حذّر عدد من المراقبين من أزمة اقتصادية خانقة، وزيادة معدلات الفقر والبطالة.

إجراءات حكومية

البنك المركزي” العراقي أكد عبر تصريحات أدلى بها محافظه مصطفى مخيف إن، “أزمة سعر صرف الدولار، أزمة مؤقتة ناتجة عن عوامل داخلية وخارجية تزامنت مع نهاية السنة، فيما اتخذ المركزي العراقي، سلسلة من الإجراءات تعزز الاستقرار النقدي وتدفع باتجاه عودة أسعار الصرف إلى وضعها الطبيعي”.

سلسلة الإجراءات للحد من تلك الأزمة ذهبت إلى تخفيض سعر بيع الدولار للمستفيد أي حامل البطاقة، الذي يستخدمها أثناء السفر أو تسديد مشترياته عن طريق الإنترنت بسعر 1465 دينارا للدولار الواحد.، بحسب مخيف.

الوضع النقدي في العراق بأحسن أحواله، يقول مخيف، ولا داعي لتلك الأزمة التي تسببت في إثارة مخاوف الرأي العام، كما أن وضع العراق أفضل بكثير من أوضاع دول أخرى، وفق تعبيره.

حظر للمصارف

الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، خلال حديثه لـ”الحل نت” علّق على الارتفاع الحاصل في أسعار صرف الدولار مقابل الدينار العراقي.

العقوبات التي فرضها “البنك الفيدرالي” الأميركي على المصارف العراقية، بحسب حنتوش، أدت لهذا الارتفاع، كما أن المتعاملينَ مع هذه المصارف المحظورة أصبحوا بلا غطاء رسمي، فلجأوا إلى السوق الموازي، فسبّب هذا الأمر زيادة في الطلب على الدولار.

قد يهمك: الدينار العراقي يتراجع أمام الدولار.. هل سيؤثر على رواتب الموظفين؟

“البنك الفيدرالي” الأميركي يتجه نحو تضييق الخناق على سيولة الدولار اليومية، وهذا مؤشر خطر جدا، وإذا كانت هناك نية لتطبيق معايير صعبة على “البنك المركزي” ستكون هنالك مشاكل كبيرة جدا، تؤثر على السوق العراقية، من وجهة نظر حنتوش.

الدولار موجود في البنوك العالمية ويتم إعطاء العراق حصته لأيام قليلة، يقول حنتوش، وإذا كانت هناك عقوبات جديدة فنحن أمام أزمة، وبالتالي يجب أن يقوم رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، بزيارة سريعة للولايات المتحدة لمعالجة الأمر، على حد تعبيره.

السوداني كان قد أكد أن، هناك زيادة واضحة بأسعار صرف الدولار، وأنه، تم رفض حوالات لشركات وهمية، وهناك أسعار مُبالغ بها في نافذة بيع العملة.

عمليات التضخيم بالأسعار في نافذة بيع العملة، بحسب السوداني، هدفها إخراج الدولار من البلاد، وأن “الحكومة كانت وما زالت تراقب سياسة البنك المركزي، بما يضمن استقرار السوق”.

السوداني طمأن الجميع بأن “الحكومة لديها السيطرة على أسعار المواد الغذائية وتأمين مفردات البطاقة التموينية”.

إيران هي السبب

العراق يُعد الممر الرئيسي للعملة الصعبة “الدولار” إلى إيران، بسبب العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليها.

مصادر صحافية تشير إلى أن، “المصارف التي تم حظرها، هي عائدة لشخصيات سياسية وفصائل مسلحة موالية لطهران، ومتّهمة بتهريب الدولار إلى إيران، عبر شراء كميات كبيرة يوميا من البنك المركزي العراقي”.

أزمة الدولار فجّرت الكثير من المواقف المعارضة لهذا الوضع الحرج الذي يمر به البلد، إذ أكد “الإطار التنسيقي” الذي يضم أحزابا وفصائل سياسية مقرّبة من إيران أن “ارتفاع سعر صرف الدولار في الأسابيع الماضية، مثيرة للقلق وستكون على رأس محاور اجتماعاته القادمة”.

عضو “الإطار التنسيقي” كاظم الحيدري قال في حديثه لـ”الحل نت” إن ” هناك ثلاث طرق سيلجأ لها الإطار التنسيقي في سبيل إيجاد مخرج لأزمة الدولار التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من سنتين مضت، من خلال ضخ كميات كبيرة من الدولار في الأسواق، إذ إن الكثير من التجار لا يعتمدون في معاملاتهم على البنك المركزي في شراء العملة الاجنبية، فعلى سبيل المثال إن تاجرا ما كان يستورد بمليون دولار من خارج العراق، وهو يلجأ إلى المصارف الخاصة في سبيل شراء المواد التي يحتاجها، فالمصرف كان يسيء استخدام هذه الخطوة لمصالحه الخاصة”.

“البنك الفيدرالي” الأميركي، وفق الحيدري، وضع يده على هذه المصارف الأهلية والتي كانت متنفذة بالدولة، بحيث باستطاعتها ترويج معاملاتها بسهولة عبر الفواتير المزوّرة، ويؤكد أنه “من غير الممكن أن يستورد كميات كبيرة من بضاعة معينة لا تتناسب مع الحاجة الفعلية للسوق”.

التاجر الحقيقي عندما يود تغيير العملة وهو فعلا مستورد حقيقي، فينصدم بوجود عوائق كبيرة أمامه، مما أدى الى عزوف التجار الحقيقيين من الشراء من البنك المركزي العراقي، بحسب الحيدري، في حين توجد آليات عديدة ممكن أن يتخذها “البنك المركزي” منها فتح نظام “أل سي”وهو نظام معروف عالميا، يكون البنك هو الوسيط في التعاملات التجارية، ويشير إلى أنه “ومن المتوقع أن تكون الآثار الإيجابية للخطوات المقبلة سيكون أثرها واضح لنهاية السنة الحالية” وفق تعبيره.

النائب في البرلمان العراقي رائد المالكي، أعلن عن جمع تواقيع نيابية لمناقشة سياسات وإجراءات “البنك المركزي” بشأن ارتفاع أسعار صرف الدولار وانخفاض صرف العملة، وذلك بحضور محافظ “البنك المركزي”.

حيلة ذكية للتهريب

الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، حذّر خلال حديثه لـ”الحل نت” من تهريب عملة الدولار عن طريق الحوالات الخاصة بالصيرفات، حيث يلفت إلى أهمية فتح اعتمادات للتجار وتحويل الدولار للدولة المراد الاستيراد منها، من دون أن يمنح الدولار نقدا “كاش”، وفق تعبيره.

السيطرة على سعر صرف الدولار، بحسب الكناني، بحاجة إلى اتخاذ إجراءات من قبل “البنك المركزي”، عن طريق وضع ضوابط من قبل المصارف التي تمنح الدولار إلى التجار، فضلا عن السيطرة على البورصات ومنع تهريب الدولار.

اقرأ أيضا: لماذا تراجعت حكومة العراق الجديدة عن تغيير سعر الدولار؟

المحلل السياسي كمال محمد، خلال حديثه لـ”الحل نت” اتهم الأحزاب والميليشيات الموالية لإيران، بأنها تسعى للتسبب بأزمة اقتصادية كبيرة، وانهيار العملة المحلية.

“الدولة العراقية ستنهار، وسيتجاوز سعر الدولار مبلغ 200 ألف دينار لكل 100$، وهذا يعني أننا أمام تكرار للمشهد اللبناني والسوري”، على حد قوله.

هذا يؤكد أن، الميليشيات والأحزاب المرتبطة بإيران لايهمها مصير العراق الاقتصادي ولا أوضاع المواطنين، لذلك يستمرون بتهريب الدولار عبر طرق مختلفة إلى إيران، ومن بين تلك الطرق استهلاك مواد عديدة لا يحتاجها البلد وبكميات كبير.

وسيلة ضغط أميركية

الباحث في الشأن السياسي محمد الحكيم، يقول خلال حديثه لـ”الحل نت” أن ارتفاع سعر الدولار في الأسواق العراقية، هي وسيلة ضغط من الولايات المتحدة الأميركية لإسقاط حكومة محمد شياع السوداني”، حسب تعبيره.

الحكيم يقول إن “العراق أرض خصبة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، معربا عن اعتقاده أن ارتفاع سعر الدولار هو محاولة أميركية لإسقاط حكومة السوداني كما أسقطت سابقا حكومة عادل عبدالمهدي”، وفق وصفه.

حكومة السوداني هي الإسعاف الأخير للنظام السياسي ونجاحها يحتاج لمعجزة إلهية، بحسب الحكيم، إذ أن هذه الحكومة هي الفرصة الأخيرة للنظام السياسي القائم منذ 2003.

الحكيم يرى أن “السوداني سيقوم خلال الأيام المقبلة بزيارة الولايات المتحدة، ويبحث عدة ملفات مع المسؤولين الأميركيين منها سعر صرف الدولار، وضرورة ضخ كميات أكبر من العملة الصعبة، لمنع انهيار البلد”.

عدد من المراقبين للشأن العراقي توقّعوا خروج تظاهرات واحتجاجات كبيرة في بغداد ومحافظات البلاد المختلفة، في حال عدم إيجاد الحكومة الحالية برئاسة السوداني الحلول لقضية ارتفاع سعر الدولار.

مجموعة من الكتل السياسية والنواب في البرلمان، قدمت مقترحا لتوزيع رواتب الموظفين في العراق بالدولار، وذلك لغرض السيطرة على ارتفاع سعر صرفه في الأسواق، وتقليل نسبة الضرر على المواطنين، وخاصة من ذوي الدخل المحدود.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة