الجزائر هي أول مورّد للغاز الطبيعي في روما، نتيجة لعملية فصل الإمدادات الروسية التي اعتمدتها إيطاليا كإجراء مضاد بعد الغزو لأوكرانيا بأمر من فلاديمير بوتين، لذلك يبدو أن الجزائريين يتوقعون من هذه العلاقة معالجة القضايا المتعلقة بمنطقة الساحل وليبيا، وكذلك الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها، مع إبقاء الانتباه مرتفعا من وجهة النظر الاقتصادية.

بناء على ذلك، يوجد بين الطرفين مذكرات تفاهم مطروحة على الطاولة تم إعدادها مسبقا لمواصلة العمل وتوحيده، أما على المستوى الاقتصادي فإن إحدى أهم القضايا قد تتعلق بكيفية تسريع عملية افتتاح مصنع سيارات “فيات” في الجزائر وكيفية ربط هذا المصنع بمورّديه المحليين، وتعد هذه أولوية للسوق الجزائري التي تأتي منها العديد من الطلبات، بقدر ما يتعلق الأمر بملف الطاقة، فإن هذا يمثل أبرز ما في العلاقات بين البلدين. 

وسط هذه العلاقات، تلعب الوكالة الوطنية للمحروقات الإيطالية “إيني إس بي إيه”، دورا رئيسا في مساعدة الشركات الجزائرية في مجال الطاقة المتجددة، وبهذا حيث سيكون من الممكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة للاستهلاك المحلي والغاز فقط للتصدير إلى الخارج، ووفقا لذلك يتطلع الجانبان إلى مناقشة خط التوصيل البحري لتصدير الكهرباء إلى إيطاليا، والذي من المتوقع إجراء مناقشة تشغيلية حول كيفية الوصول إلى توقيع اتفاقية بشأنه، الأمر الذي قد يمثل انطلاق للجزائر لتكون مصدرا أساسيا للطاقة لأوروبا.

خطة تطوير مشاريع الغاز

خطوات بدأت مع إعلان شركة “سوناطراك” الجزائرية توقيع اتفاقية مع شركة “إيني” الإيطالية بغرض تسريع وتيرة تطوير مشاريع إنتاج الغاز الطبيعي وزيادة حجم الغاز المصدّر باستخدام القدرات المتاحة لخط أنبوب الغاز “ترانسمد”، حيث تسمح هذه الاتفاقية للشركتين بتحديد مستويات أسعار مبيعات الغاز الطبيعي تماشيا مع معطيات السوق وذلك لسنة 2022-2023 ووفقا للبنود التعاقدية المتعلقة بمراجعة الأسعار.

بحسب هذه الاتفاقية يأمل الجانبان لزيادة كميات الغاز تدريجيا لتبلغ تسعة مليارات متر مكعب في 2023-2024، وهو مؤشرا لمدى استعداد إيطاليا للعمل مع الجزائر لتطوير الطاقات المتجددة واستغلال الهيدروجين الأخضر، وتسريع الانتقال في مجال الطاقة وخلق فرص للتنمية والتوظيف، وذلك في سياق إعلان إيطاليا تحركها بسرعة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

اقرأ/ي أيضا: تفاعلات عراقية تركية لاحتواء أزمة المياه.. ما النتائج؟

في الأثناء، تتطلع إيطاليا إلى أن تكون إمدادات الغاز الإيطالية أكثر أمانا في الشتاء المقبل، حيث ستكون إيطاليا لديها ما يكفي من الغاز في عامي 2023 و2024، من دون انقطاعات إذا ما تمكنت من زيادة الواردات من الجزائر، الأمر الذي تراهن عليه شركة “إيني إس بي إيه” في شراكتها مع الجزائر.

يشار إلى أن إيطاليا تستورد نحو 95 بالمئة من الغاز الذي تستهلكه، وهي من أكثر الدول الأوروبية اعتمادا على الغاز الروسي الذي يمثل نحو 45 بالمئة من احتياجاتها، بينما تزودها الجزائر بنحو 30 بالمئة، وهو ما ينذر بمستقبل كبير بين الجزائر وإيطاليا في حال التوصل إلى تفاهمات تمكن الجزائر من أن تكون بديلا موثوقا لإيطاليا.

هذا وتعد الجزائر ثاني مزود للغاز لإيطاليا بعد روسيا، التي تشهد أزمة مع كل شركائها الأوروبيين منذ اندلاع حرب أوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، في حين ارتفعت إمدادات غاز الجزائر إلى إيطاليا إلى 25 مليار متر مكعب في 2022، ومن المرتقب أن تبلغ 30 مليار متر مكعب بين 2023 و2024.

إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، أنه في ظل تزايد احتياجات أوروبا للغاز والنفط، فإن هناك فرصة معقولة أمام الجزائر للاستفادة من التنافس الأوروبي، وأن بوادر ذلك قد بدأت بالظهور، حيث بات الإقبال الأوروبي نحو الجزائر يتزايد، كما أن الأخيرة بدأت تعمل في ضوء خطط استراتيجية طويلة وقصيرة الأمد متجنبة المعرقلات التي لا تصب في صالحها وذلك للناجح في تقديم نفسها كبديل لروسيا.

الهماشي لفت في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن تعزيز العلاقات التي تعود لعقود بين بلدان شمال إفريقيا ودول “الاتحاد الأوروبي” لن يكون بالأمر السهل، ففي حالة إيطاليا والجزائر ترجع العلاقات إلى ما قبل نيل الاستقلال، فيما كان أنبوب نقل الغاز “ترانسميد” الذي يضخ الغاز الجزائري إلى السواحل الإيطالية منذ عام 1983 أول خط أنابيب يجري إنشاؤه في المياه العميقة في العالم، وأن العلاقة تاريخيا اتسمت بالقوة والترابط، لذلك من الوارد جدا أن تنجح الجزائر في تحويل إيطاليا إلى محطة لنقل الطاقة التي تصدرها لأوروبا، ما سيوفر مكاسب كبيرة لإيطاليا ذاتها.

مكانة الجزائر في سوق الطاقة

هذا وتحتل الجزائر المركز الـ11 عالميا من حيث احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة فضلا عن أنها تأتي في المرتبة الثالثة من حيث احتياطي الغاز الصخري بعد كل من الصين والأرجنتين، الأمر الذي يحفز المساعي الأوروبية للابتعاد عن الغاز الروسي، والاعتماد على الجزائر كبديل موثوق يمكن الاعتماد عليه بشكل دائمي، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي.

لذلك من وجهة نظر الهماشي، فإن الشركات الغربية ترغب في تعزيز تواجدها في الجزائر والاستفادة من احتياطيات الغاز الصخري الذي تمتلكه، فيما تتطلع إلى مشاريع الطاقة المتجددة التي يجري العمل عليها من جميع الأطراف بشكل حثيث، ما سيؤدي الضرورة إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية في الجزائر، مبينا أن الجزائر أصبحت في وضع جيد أيضا للاستفادة من خبرتها في مجال النفط والغاز وخطوط أنابيب الغاز، وهو ما يعني فتح باب جديد من الاستثمارات في مجال الطاقة التي يمكن أن يوفرها ذلك من مشتقات.

كما لفت إلى أن ذلك سيؤدي إلى زيادة استثمارات “الاتحاد الأوروبي” في المشاريع الخضراء التي ستؤدي إلى زيادة إنتاج الكهرباء لصالح الاستخدام المحلي، مما يمهد الطريق أمام تخفيض الاستهلاك المحلي للغاز في الجزائر لصالح زيادة الصادرات، مشيرا إلى أن تطوير مصادر الطاقة المتجددة يتطلب استثمارات كبيرة من القطاع الخاص، ما سيحفز الجزائر على إيجاد بيئة استثمارية جذابة بما يشمل تغييرات وإصلاحات تنظيمية لتعزيز تواجد الشركات الأجنبية التي تتخذ من الجزائر مقرا لها.

اقرأ/ي أيضا: مستقبل مقعد الرئيس في لبنان.. الاعتصام النيابي سبيل للخروج من الأزمة؟

في نهاية المطاف ستحصل إيطاليا على 40 بالمئة من غازها من الجزائر، وللقيام بذلك استثمرت “سوناطراك” 40 مليار دولار حتى عام 2024، وأمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بزيادة إنتاج الغاز في الجزائر لإنتاج 100 مليار متر مكعب من الغاز. 

فيما أوضح وزير الطاقة السابق عبد المجيد عطار في تصريح سابق لوكالات الأنباء أن الجزائر تصدر نحو 22 مليار متر مكعب عبر أنبوب “ترانسميد”، ومع قدرة لتصدير عشرة مليارات متر مكعب أخرى. وأضاف عطار الذي سبق له إدارة مجموعة “سوناطراك”، أنه يمكن أيضا أن يتم تسييل الغاز وإرساله من خلال ناقلات الغاز الطبيعي، مع العلم أن وحدات التسييل الموجودة في الجزائر يتم استغلالها فقط بنسبة 50 إلى 60 بالمئة من قدراتها.

مع ذلك، فإن الجزائر لا يمكن أن تعوض وحدها الانخفاض في إمداد الغاز الروسي” بحسب عطار، ولكن على المدى المتوسط في أربع أو خمس سنوات ستكون الجزائر قادرة على إرسال كميات أكبر، مشيرا إلى ضرورة تطوير احتياطات جديدة تتكون أساسا من الغاز غير التقليدي، في حين تخطط الجزائر لاستثمار 40 مليار دولار بين 2022 و2026 في استكشافات النفط والإنتاج والتكرير وكذلك استكشاف الغاز واستخراجه.

يشار إلى أن الجزائر تحتل حاليا المرتبة الثانية في صادرات الغاز إلى أوروبا بواقع 75 مليون متر مكعب يوميا بعد النرويج بـ 253 مليون متر مكعب يوميا، وتعد الجزائر لاعب حاسم ليس فقط لأمن الطاقة في إيطاليا بل في أوروبا، كما أن هناك أيضا خطة مدروسة بجدية كبيرة قيد الدراسة لبناء خط أنابيب غاز جديد “غالسي”، الذي سيربط الجزائر والشمال الشرقي الجزائري مباشرة بسردينيا التي تمثل ثاني أكبر جزيرة في البحر المتوسط، وذلك لتزويد إيطاليا بـ 10 مليارات متر مكعب أخرى من الغاز. 

مسار الشراكة الإيطالية الجزائرية

مشهد يمكن أن يحول إيطاليا إلى منصة لتوزيع الغاز الجزائري لفرنسا وسلوفينيا، هذا من جانب. ومن جانب آخر، يتوقع الجزائريون تنفيذ تعاون ثنائي مع إيطاليا نحو النشاط الاستراتيجي العالمي، كما تشير الدراسات بأن هذه الديناميكيات الاستراتيجية بين البلدين تستند إلى العلاقات التاريخية التي بدأت من الثورة الجزائرية ومن العلاقات الخاصة مع شركة “إيني”، لا سيما فيما يتعلق بأنشطة التنقيب عن الغاز في الجزائر.

الشراكة الاستراتيجية والتكامل الاقتصادي بين البلدين تشير إلى أن إيطاليا لديها استثمارات مهمة في الجزائر، تشمل أيضا تلك الشركات العاملة في قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين، وهو ما قد يؤكده حديث مصادر من وزارة الطاقة الجزائرية عن وجود خطة لبناء خط أنابيب الكهرباء الغواصة، فيما تنظر الشركات الجزائرية الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى إيطاليا على أنها مثال لشركاتها العديدة.

الجانبان يسعيان إلى التقارب مستفيدان من انتعاش العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وبينما تهدف روما إلى تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، ترمي الجزائر إلى جعل إيطاليا منصة لتوزيع الغاز في أوروبا وتدفق مزيد من الاستثمارات.

الأمر الذي قد يؤكده وصول رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، الأحد الفائت، إلى الجزائر في زيارة لإزاحة أي شكوك حول استمرار الشراكة الاستراتيجية بين روما والجزائر، بعد سقوط اليسار الإيطالي وصعود اليمين المتطرف إلى الحكم.

فبحسب وسائل إعلام إيطالية، إن هذه الزيارة التي تستمر على مدى يومين سيتم التركيز خلالها على الطاقة في إطار ما يعرف بخطة “ماتاي” التي تنوى ميلوني إطلاقها لجعل بلادها مركزا متوسطيا للغاز الطبيعي، إضافة لملفات تخص قطاعات الصناعة والابتكار والمؤسسات الناشئة والصغيرة.

أهم ملف ستسعى ميلوني لبحثه مع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال زيارتها هو ضمان زيادة تدفق الغاز بالكميات المتفق عليها والمقدرة بتسعة مليارات متر مكعب في ظل تنافس عدة دول أوروبية على التزود بالغاز الجزائري، حيث ارتفعت إمدادات غاز الجزائر إلى إيطاليا من 21 مليار متر مكعب في 2021، إلى 25 مليار متر مكعب في 2022، ومن المرتقب أن تصل إلى 30 مليار متر مكعب بين 2023 و2024.ش

على هذا النحو، فإن العلاقات الاستراتيجية بين الجزائر وإيطاليا يمكن أن تحول البلدين إلى شريكين استراتيجيين على المدى الطويل، حيث تستثمر الجزائر مصادرها لأن تكون بديلا لروسيا وشريكا رئيسا لأوروبا في مجال الطاقة، وذلك مقابل توسعة الاستثمارات الإيطالية التي ستدر أرباحا كبيرة على الطرفان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.