يوم أمس الثلاثاء جرى توقيع اتفاقية بين المغرب والسعودية لمكافحة الإرهاب، حيث وقّعها عن الجانب المغربي، المدير العام لمراقبة التراب الوطني المغربي “مخابرات داخلية”، عبد اللطيف حموشي، وعن الجانب السعودي، الوزير عبد الله بن فهد بن صالح العويس، نائب رئيس جهاز أمن الدولة السعودي، الذي يجري زيارة عمل للمملكة المغربية على رأس وفد أمني.

الاتفاقية تسعى إلى تنظيم وتطوير التعاون والتنسيق الأمني في مختلف المجالات المرتبطة بمكافحة الإرهاب وعمليات تمويله، وذلك لحرمان التنظيمات الإرهابية من كل قواعد خلفية أو مصادر للتجنيد وموارد للتمويل، بحسب البيان الذي تلا التوقيع.

سياسة مشتركة

السعودية والمغرب تشتركان في سياسة تكاد تكون متقاربة في مكافحة الإرهاب، تعتمد على عدة محاور أساسية، أبرزها العمليات الأمنية والاستخباراتية، بالإضافة إلى السياسة القائمة على الوقاية من الإرهاب من خلال تجفيف مصادر التمويل وملاحقة عمليات التجنيد، إضافة إلى إعادة تأهيل المتطرفين وفق برامج كانت قد أعلنت عنها الدولتان خلال السنوات السابقة.

آثار الإرهاب في إفريقيا

من هنا جاء توقيع الاتفاقية بين البلدين لتعزيز جهديهما في مكافحة الإرهاب الذي بات يعمل بشكل لامركزي، وبالتالي يحتاج لتنسيق على مستويات عالية لمواجهة مخاطره.

الدكتور محمد عبد الكريم، الخبير في الشؤون الإفريقية، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن جهود مكافحة الإرهاب وتحجيم انتشاره تُعد أحد أبرز سياسات السعودية والمغرب وتقاطعاتها الإفريقية، لاسيما في ضوء تصاعد أهمية سياسات المغرب تجاه منطقة الساحل الإفريقي التي ترتبط بمصالح سعودية منذ سنوات مع دعم الرياض للجهود الأوروبية  في الإقليم، ومحاولتها الراهنة لتعويض التراجع الأوروبي الحالي عن طريق الارتباط بالمغرب، ومن هنا يمكن أن يمثل الحزام الممتد من سواحل البحر الأحمر الغربية حتى المحيط الأطلسي صلة جغرافية هامة للعمل الأمني السعودي المغربي المشترك.

من جهته، المحامي والمحلل السياسي المغربي، نوفل البعمري، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الاتفاقية تهدف إلى تطوير التعاون و التنسيق الأمني بين الجانبين في المجالات المرتبطة بمكافحة الإرهاب و عمليات تمويله، وهي اتفاقية تعكس من جهة درجة التنسيق السياسي والأمني بين البلدين، ومن جهة أخرى تهدف إلى تبادل الخبرات في مجال محاربة الإرهاب بحيث ما يميّز البلدين معا هو أنهما تصديا للإرهاب و التطرف الديني الذي استهدف السعودية لسنوات واستهدف المغرب كذلك، وكان بفضل يقظة الجهازَين الأمنييَن معا أن استطاعا أن يقضيا على التنظيمات الإرهابية والجهادية، وأصبح اليوم واحد من أهدافهما المشتركة هو محاصرة التنظيمات الجهادية بالمنطقة ككل خاصة مع الضربات التي تلقاها “داعش” في العراق و سوريا ورغبة هذه التنظيمات في إعادة تمركزها بكل من منطقة الساحل و بعض مناطق التوتر بالشرق الأوسط، وهما ما جعل من التفكير في تطوير التنسيق بين الجهازين الأمنيين ضرورة أملتها تطور الجريمة الإرهابية على مستوى الاستقطاب، من ناحية التحرك والتمويل.

أما عمرو فاروق، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أن الاتفاقية تأتي في إطار المزيد من جهود مكافحة الإرهاب بين دول المنطقة العربية، والمغرب لديه أكثر من اتفاقية مع دول عربية وأوروبية، كما أن المغرب لديه تجارب في تحجيم الجماعات المتطرفة وله مقاربة شاملة في احتواء هذه الجماعات وتجفيف منابع التطرف، وعمل على العفو عن 400 عنصر متطرف خلال الفترة السابقة وتم دمجهم في المجتمع من خلال برامج محددة.

قد يهمك:المواجهة بشمال إفريقيا.. نزاع الصحراء أجج توترات جديدة بين المغرب والجزائر؟

فاروق يضيف، أن للسعودية أيضا استراتيجية تعتمد على القضاء على أي مرتكزات تنظيمية للجماعات المتطرفة كـ”القاعدة” و”داعش” على أراضيها إضافة للتهديدات الإرهابية من جماعة “الحوثيين” في اليمن، ومن هنا جاء التوافق بين المغرب والسعودية التي كانت قد أطلقت في العام 2015 ما يسمى القوة العربية الإسلامية لتعزيز مكافحة الإرهاب وربما يكون الاتفاق مع المغرب امتدادا لهذا الكيان.

اتفاقية استباقية

مشكلة الإرهاب وتزايده من أكثر التحديات خطورة وتأثيرا، وتداعياتها تؤثر على مختلف المجالات البشرية والاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها، وعلى الرغم من أن سبعة من الدول العشر الأكثر تعرّضا للإرهاب توجد في إفريقيا بحسب تشخيص التقارير العالمية الخاصة بمؤشرات الإرهاب، مما يعني أن إفريقيا هي الأكثر تعرضا للإرهاب وتداعياته المختلفة، إلا أن مكافحة الإرهاب لم تحظَ بالقدر الكافي من الاهتمام أسوة بمناطق أخرى.

الدول والمجتمعات في القارة الإفريقية مرت وتمرّ بظروف وأوضاع سياسية مضطربة وأزمات أمنية واقتصادية واجتماعية ونزاعات وحروب أهلية، فضلا عن التركيبة والتنوع المجتمعي المعقّد فيها، وقد شكلت كل هذه الأوضاع محفّزات ساهمت في جذب الإرهابيين والجماعات الإرهابية إلى الساحة الإفريقية، حتى صارت بعض الدول الإفريقية مكانا أعلنت فيه بعض الجماعات الإرهابية، مثل “تنظيم بوكو حرام” في شمال إفريقيا و”حركة الشباب المجاهدين” في الصومال وغيرهما، نشاطها، وفرضت سيطرتها على المناطق والمجتمعات المحلية بلا مواربة.

من هنا كان لا بد من تحالفات واتفاقات استباقية قادرة على مواجهة الخطر المتزايد للجماعات الإرهابية في شمال إفريقيا وعموم القارة السمراء.

بحسب عبد الكريم، يمكن النظر للتحرك السعودي في المقام الأول على أنه، في أغلبه سياسة استباقية لمواجهة التهديدات الإرهابية المرتقبة ليس في شمال إفريقيا فحسب لكن في حزام الساحل وغرب إفريقيا حيث توجد استثمارات سعودية مهمة ومرتقبة في عدد من دولها مثل موريتانيا وغانا ونيجيريا، كما تسعى الرياض لضمان نفوذ فاعل في الترتيبات الغربية الجارية في الإقليم في ملف مواجهة الإرهاب وتنسيق الجهود مع المغرب في المسألة، وكذلك في مجالات أخرى مثل مكافحة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر ومنع الهجرات غير الشرعية كأهداف مشتركة تعزز الوجود السعودي في الإقليم من بوابة المغرب، التي يُتوقع تزايد انخراطها الاقتصادي والسياسي والأمني في المرحلة المقبلة بشكل كبير وعلى خلفية مشروعات نقل الغاز والبترول من غرب إفريقيا إلى أوروبا.

من جهته، البعمري يرى أنه ليس فقط في شمال إفريقيا هناك إرهاب، فالشبكات الإرهابية تتحرك في كل المنطقة وقد أصبحت اليوم تشكل تهديدا حقيقيا لأنها تحاول تطوير نفسها و العمل بشكل عنقودي، واستغلال بعض مناطق التوتر للتغلغل فيها، إضافة إلى أن الأمر لم يعد يقتصر على التنظيمات المسلحة ذات المرجعية السلفية، بل أن التنظيمات الشيعية باتت هي أيضا تشكل خطرا على المنطقة خاصة مع تورطها في تدريب عناصر ميليشياتية تابعة لتنظيم “البوليساريو”، وهو ما يجعل من قضية مواجهة الإرهاب قضية حيوية لكلا البلدين.

النتائج المتوقعة من الاتفاقية

أساليب مكافحة الإرهاب في إفريقيا خلال الفترة الماضية تعتبر من الأساليب الانتقائية، مما أعطى التنظيمات الإرهابية فرصة التواجد في الداخل الإفريقي، لكن الإرهاب هو في الأساس ظاهرة عابر للحدود، وإفريقيا تتجه إليها الجماعات والتنظيمات لجعلها بؤرا تتمركز فيها في ظل أوضاع وظروف مواتية لها، نظرا لكونها وجدت فيها بيئة مناسبة لنشأتها وتطورها وممارسة أنشطتها، وتشير العديد من التقارير والدراسات إلى أنه إذا لم تتم مواجهة انتشار الإرهاب في إفريقيا من قِبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بالأمر بشكل سريع وجذري، فإن هذا سيهدد الأمن والسلم الدوليين مستقبلا.

جماعة بوكو حرام

لذلك قد توفر الاتفاقية بين المغرب والسعودية أرضية جديدة وملائمة لمكافحة الإرهاب في بؤر تشكله قبل أن ينتشر بشكل أكبر، كما يبيّن عبدالكريم، بأنه من المتوقع أن تعزز الاتفاقية فاعلية الدور الأمني المغربي الإقليمي بشكل مباشر بينما ستعزز في الجهة الأخرى دور السعودية في القارة الإفريقية بشكل واضح لتصبح ثمة بؤرة تركيز سعودية أخرى إلى جانب القرن الإفريقي وشرق القارة، ومكانة السعودية كشريك أوروبي وأميركي هام في الترتيبات التي تجري منذ نهاية العام الماضي لإعادة صياغة هذه الترتيبات بعد الفشل الفرنسي والألماني الراهن في الاستمرار في لعب دور بارز في هذه الترتيبات.

البعمري يرى أن الاتفاقية تتحدث عن تطوير التعاون و التنسيق، وأيضا تبادل الخبرات في مجال محاربة الإرهاب، فالمغرب يُعتبر بلدا رائدا في هذا المستوى إذ استطاعت أجهزته الأمنية تفكيك المئات من الخلايا في عمليات استباقية جنّبت المغرب الخطر الإرهابي، وامتد هذا العمل لخارج المغرب إذ سبق للأجهزة الأمنية المغربية أن كشفت مخططات إرهابية جدية في أوروبا وأميركا وهو ما جعلها تكون مرجعا في مجال محاربة الإرهاب خاصة في الجانب الاستباقي الذي أصبح الهاجس المتحكم في عمل كل المؤسسات الأمنية بمختلف بلدان العالم، إذ أن التحدي هو الكشف عن المخطط الإرهابي قبل حدوثه و أثناء التحضير له، وهنا يمكن للمغرب أن يقدم مختلف خبراته للسعودية التي لها أيضا تجربة طويلة في مواجهة التنظيمات الإرهابية على المستوى الفكري و الأمني.

اتفاقية مهمة للغاية في مجال مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله وتجنيد عناصره، إضافة إلى الاستراتيجيات الاستباقية سواء تلك التي تقوم على احتواء المتطرفين أو محاربتهم من خلال مطاردة الخلايا وتفكيكها، حيث يمكن القول أن فكرة مكافحة الإرهاب باتت تتشكل وفق رؤية جديدة لا تقتصر على النطاق الضيق إنما باتت تأخذ بُعدا إقليميا ودوليا أكبر.

إقرأ:الدبلوماسية المغربية مع إسرائيل.. الاعتراف بمغاربية الصحراء مقابل استمرار العلاقات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة