على إثر رفض الجزائر الاستجابة إلى شرط المغرب فتح المجال الجوي المغلق بين البلدين نتيجة توتر دبلوماسي، انسحب المنتخب المغربي من المشاركة في “كأس إفريقيا للمحليين” (شان) المقام بالجزائر. هذا الانسحاب المباغت، يمثّل حدثا لافتا، ليس على مستوى التوتر الموجود أصلا بين المغرب والجزائر منذ فترة طويلة، ولكن لأن هذا التوتر بات يؤثر وينتقل إلى جوانب أخرى في الحياة، مثل الرياضة التي كان ينبغي أن تكون وسيلة تقارب وليس العكس.

أزمة الصحراء، الملف الذي أدى إلى اشتداد التوتر بين البلدين منذ عقود بسبب دعم الجزائر لجبهة “البوليساريو” التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، بينما يعتبرها المغرب جزءا لا يتجزأ من أرضه ويقترح منحها حكما ذاتيا تحت سيادته.

لكن، حدّة التوترات اشتدت خلال الأيام الماضية، على إثر شرط المغرب السماح لطائرة الخطوط الجوية الملكية، الراعي الرسمي لمنتخبه لكرة القدم، العبور إلى مدينة قسنطينة شرق الجزائر، مباشرة من مطار “سلا” بالرباط، وهو ما رفضته الجزائر عبر “الاتحاد الإفريقي لكرة القدم” (الكاف)، واقترحت التنقل عبر الخطوط الجوية التونسية أو التركية وفق ما تم تداوله.

بالتالي، أعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عدم مشاركة المنتخب المغربي في بطولة “شان”. الحكومة الجزائرية بررت هذا الأمر، بأنها “مسألة سيادية”، وبالتالي لا بد من طرح تساؤل حول قيام الجزائر بمثل هذا التصرف، ولماذا يتم خلط الأمور السياسية بالرياضة، بجانب التساؤل حول مسار واتجاهات التوترات الجزائرية المغربية وتبعات ذلك على المنطقة ككل.

امتدادا لصراع الصحراء؟

الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، قالت في بيانها، إن سبب عدم مشاركة المنتخب الفائز بالنسختين الماضيتين من البطولة، في نسختها السابعة المقامة الآن في الجزائر، هو عدم حصول رحلته على الترخيص الذي يتيح لها الانطلاق من مطار الرباط في اتجاه مطار قسنطينة بواسطة طائرة الخطوط الملكية المغربية.

وفق البيان، فقد عملت الجامعة في وقت سابق على تحصيل رخصة للرحلة، من خلال إبلاغ سابق لـ”الاتحاد الإفريقي لكرة القدم”، حيث تم الحصول على موافقة مبدئية، إلا أن الجامعة لم تحصل على الترخيص النهائي للسفر.

بيان الاتحاد المغربي لكرة القدم، جاء ليفيد غياب المنتخب عن البطولة بسبب إغلاق الجزائر مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية.

الاتحاد أوضح في بيانه أنه بعث بطلب إلى “كاف” في 22 كانون الأول/ديسمبر للحصول على ترخيص لرحلة جوية مباشرة إلى مدينة قسنطينة، مؤكدا أن هذا الطلب “قوبل من حيث المبدأ”، لكن من دون الحصول على ترخيص نهائي.

رئيس الـ “كاف” باتريس موتسيبي، قال “أمضيت الأيام الماضية في عمل كل ما بوسعي من خلال محادثات مع الحكومة الجزائرية لمعالجة المشكلة”، وأوضح “قلت للحكومة الجزائرية اسمحوا لهم بالمجيء، لكنهم قالوا إنها مسألة سيادية”، مضيفا “نحن ملتزمون بروح الأخوة الإفريقية ونريد العمل معا في سياق كرة القدم وإظهار الجانب الأمثل لكرة القدم الإفريقية”.

قد يهمك: الجغرافيا الاجتماعية والسياسية للاحتجاجات التونسية.. إلى أين تتجه الأوضاع؟

ضمن هذا الإطار، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة “الجزائر”، الدكتور عربي بومدين، أنه “يجب التفريق بين الجزائر كدولة، وهيئة كروية ممثلة في الكاف، ذلك لأن تنظيم هذه المسابقة يعود لهذه الأخيرة، كما لا يمكنها إجبار الجزائر عن العدول عن قرار إغلاق المجال الجوي عن الطائرات المغربية، حيث إن هذا الإغلاق يعود الى قرار أشمل وهو قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب”.

بالتالي، وفق اعتقاد بومدين لموقع “الحل نت”، فإن تصرف الجزائر هو نابع من مسألة سيادية وفق رؤيتها، إذ ترى الجزائر أنه لا يمكن فتح المجال الجوي في ظل علاقات دبلوماسية مقطوعة أصلا. مبينة أنه على بعثة المغرب التنقل إلى تونس أو إسبانيا ودخول الجزائر، أو السفر عبر خطوط أخرى غير الطائرات التي تحمل ترقيم مغربي.

في حين، يرى مراقبون من الرباط، أن “الاتحاد الإفريقي هو الذي ينظم البطولة في حين أن الجزائر هي البلد المحتضن لذلك يجب عليها تسهيل تنقل الفرق المشاركة”.

بومدين، نوّه إلى أنه في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي نظمتها الجزائر الصيف الماضي تنقل بعثة المغرب عبر تونس ودون أن يتطرق الجانب المغربي لمشكلة الخط الجوي المباشر، مبديا استغرابه لتصرف الرباط هذه المرة.

الدكتور العيد زغلامي، الباحث والأستاذ بكلية “الإعلام والاتصال” بالجزائر، لموقع “الحل نت”، يقول إن قضية غلق الحدود والمجال الجوي ما هو إلا نتيجة التوترات القائمة منذ فترة طويلة، غير أن الجزائر ترفض المساومة والمقايضة وتعتمد الواقعية السياسية والبراغماتية فضلا عن عدم خلط الأمور الرياضية بالسياسة رغم التوظيف التقليدي لكل منهما.

في الأثناء، يتنافس كل من المغرب والجزائر على احتضان منافسات “كأس الأمم الإفريقية” لعام 2025، وقد قدّم البلدان ملفّيهما لتنظيم البطولة. وسحب اتحاد الكرة القاري التنظيم من غينيا لسوء الاستعداد، وبات المغرب والجزائر أكبر المرشّحَين للاستضافة، إلى جانب ملف مشترك بين نيجيريا وبنين ثم ملف من زامبيا.

“القوة الناعمة”

هذا وأغلقت الجزائر مجالها الجوي منذ 22 أيلول/سبتمبر 2021 أمام كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط.

زغلامي، يرى أنه في حالة ارتباط الأمور بالقضايا السيادية فيتم استخدام الرياضة كمثل غيرها من القوة الناعمة للضغط والتأثير على الطرف الآخر.

بالتالي، وفق بومدين، الأمر طبيعي ويدخل في سياق الاستقطاب الإقليمي والتنافس بين الدولتين الأكبر في منطقة المغرب العربي، والرياضة هي أحد أدوات القوة الناعمة التي يجري استخدامها والتأثير بها.

أما المراقبون من المغرب، يرون أن هذه المسألة تبدو أنها اختبار لقوة البلدين على صعيد المجال الإفريقي، وكان يجب أن تكون الرياضة مجالا لتقريب الشعبين وزيادة التعاون في مختلف النواحي فيما بعد، لكن يبدو أن التوترات والمشاكل السابقة الموجودة بين البلدين، قد حوّلت كل الأمور تقريبا إلى نقطة خلاف.

إعلان انسحاب المغرب يأتي قبل يوم واحد من انطلاق هذه البطولة في مدينة قسنطينة الجزائرية. وكان المنتخب المغربي هو الفائز في النسخة الأخيرة من هذه البطولة، التي لا يمكن إلا للاعبين الذين يتنافسون في دوريات بلدانهم الأصلية المشاركة فيها.

مسار التوترات إلى أين؟

المحلل الجزائري، بومدين، يعتقد أن أمورا مثل هذه قد عقّدت من الأزمة الموجودة بين الجزائر والمغرب، ووصلت إلى نقطة اللاعودة، وبالتالي فإن قنوات التفاهم ضئيلة جدا إن لم تكن معدومة.

قد يهمك: زيارة مدير الاستخبارات الأميركية إلى ليبيا.. رهان بين التغيير والفوضى؟

طبقا لتقدير بومدين، فإن الأزمة الجزائرية المغربية تتجه نحو سيناريو القطيعة التامة، وقد تتطور الأمور أكثر بما فيها خيار المواجهة، إذا استمر حدة التوترات بينهما، سواء دبلوماسيا أو استخباراتيا.

بينما يقول زغلامي، إن ملف الصحراء الغربية تحت رعاية “الأمم المتحدة” و”الاتحاد الإفريقي” ويجب ترك المهمة لهما في إيجاد صيغة للحل بدلا من خلق التوترات والاستقواء بالدول الأخرى.

هذا وقد استبعد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حدوث حرب بين المغرب والجزائر، بالنظر إلى ما خلفته الحرب الروسية الأوكرانية من تهديدات على المنتظم الدولي، مبرزا ذلك أثناء حوار مطوّل أجرته معه صحيفة “لوبوان”، مؤخرا، أنه لا يمكن تصور نشوب نزاع مسلح في منطقة المغرب الكبير.

كما دعا إيمانويل ماكرون إلى “تهدئة التوترات بين الجزائر والمغرب، القوتين المتنافستين في المنطقة. وقال إنه لا يؤمن بحرب بين هؤلاء الجيران، مشيرا إلى “التكهنات لدى البعض، والخيال لدى آخرين، وحتى إرادة الحرب لدى البعض”. بالنسبة لباريس، يورد ماكرون، إن الاستقرار في شمال إفريقيا مهم وضروري.

كرة القدم فتحت أبوابا جديدة من التوتر بين المغرب والجزائر، ليُضاف إلى الملفات الساخنة الموجودة أصلا، إذ وسعت الهوة بين الدولتين الجارتين.

واقع الحال، يبدو أن قضية التوتر بين الجزائر والمغرب باتت تتطلب تدخلا إقليميا ودوليا لإنهاء هذه الخلافات، ولكي لا تتحول إلى تصاعدات أكبر بين الدولتين، لما له من تداعيات سلبية جمة على الإقليم ككل، لا سيما وأنهما يشكلان النسبة الأكبر  من “اتحاد المغرب العربي”، الاتحاد الإقليمي الذي تأسس في شباط/فبراير 1989 بمدينة مراكش بالمغرب. وفي حال تم حل كل الخلافات بينهما وبات التعاون من أولوياتهما، فإن هذا سيوفر فرصة لأن يصبحا شريكَين أكثر جاذبية واستقرارا للتجارة وأشكال التعاون الأخرى في القارة الإفريقية. كما أنه سيمكّن البلدان من الدخول في اتفاقيات ثلاثية متبادلة المنفعة مع الكتل الإقليمية الأخرى المنتشرة حول العالم، مما يفتح الباب أمام تعاون معزز في مجالات أخرى، مثل مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد، فضلا عن إعادة إنعاش وتفعيل “اتحاد المغرب العربي”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة