منذ تسعينيات القرن الماضي، تستمر كوريا الشمالية في توريد الأسلحة إلى الشرق الأوسط، متجاهلة أن تلك الأسلحة غالبا ما تنتهي بيد جماعات إرهابية مثل “حزب الله” اللبناني، وميليشيا “الحوثي” اليمنية، مستغلة في ذلك زيادة الطلب على الأسلحة من دول لطالما تسعى إلى تعزيز قدراتها العسكرية لمصالح توسعية، أو أمنية لفرض السيطرة على شعوبها، مثل إيران وسوريا وليبيا واليمن، إلى جانب جهات غير حكومية، وذلك في سياق تجاهل تام للاتفاقيات الدولية للحد من انتشار الأسلحة في العالم.

السبب من استمرار العاصمة الكورية بيونغ يانغ، في انتهاك قوانين حظر بيع الأسلحة ظلّ محل تساؤلات عدة، مثل؛ ما وراء دوافع كوريا الشمالية في تحمّل عقوبات دولية مقابل بيعها للأسلحة، وإذا ما كانت هناك خليفات سياسية أو أيدلوجية تدفع بيونغ يانغ إلى توريد الأسلحة لجماعات مثل “الحوثيين”، الأمر الذي عزا تقرير نشرته صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية حديثا، أسبابه لحاجة كوريا إلى المال، وهو الأمر الذي سيحاول موقع “الحل نت” التوقف عنده وتحليل أبعاده من خلال التحدث إلى خبراء مختصين.

بيونغ يانغ أصبحت منعزلة وبائسة بشكل متزايد ما بعد انهار “الاتحاد السوفيتي” عام 1991، ومع ضعف اقتصادها باتت أكثر استعدادا لبيع الأسلحة المتطورة للشرق الأوسط، الأمر الذي تحوّل إلى تجارة مستمرة حتى يومنا هذا، حيث تبيع كوريا الشمالية السلاح لعدد من دول الشرق الأوسط منذ عقود، خاصة إلى إيران وبعض الجهات غير الحكومية، الأمر الذي وصل إلى أبعد من ذلك، لاسيما بعد اندلاع الحرب اليمنية عام 2014، لتبدأ دول تُصنّف ضمن حلفاء الولايات المتحدة المناهضة للسياسات الكورية، بشراء الأسلحة الكورية، وهو الأمر الذي سيأخذنا إلى مدى جودة تلك الأسلحة وسبب اللجوء إليها.

كوريا ومراحل تطور بيع الأسلحة إلى الشرق الأوسط

لا تزال إيران تعتمد بشكل كبيرعلى كوريا الشمالية في الأسلحة التقليدية، مثلما فعلت في أثناء الحرب الأهلية السورية، فيما ذهبت العديد من تلك الأسلحة للوكلاء مثل “الحوثيين” و”حزب الله” اللبناني والميليشيات الإيرانية الأخرى، هذا وبالتوازي لاستمرار استخدامها من قبل المقاتلين الإيرانيين، حيث صدّرت كوريا الشمالية منذ الثمانينيات أسلحة رخيصة وغير متطورة إلى حدّ ما للدول النامية، غير أن 90 بالمئة من هذه الأسلحة وصلت آنذاك إلى إيران وليبيا.

لكن بعد عام 1991، كانت صادرات بيونغ يانغ من السلاح إلى الشرق الأوسط أكثر أهمية بكثير من الصادرات في أثناء الحرب الباردة، وعلى الرغم من أنه كان لكوريا الشمالية مبيعات أسلحة بارزة لإيران في الثمانينيات تتضمن أسلحة تقليدية وصواريخ “سكود بي/سي”، لكن مع بداية التسعينيات تطور الأمر إلى مرحلة بناء كوريا لمنشآت لتصنيع الصواريخ في إيران، مع استمرار بيعها السلاح.

اقرأ/ي أيضا: ساحة نفوذ جديدة لتركيا.. مصالح من تحمي أنقرة في السودان؟

يضاف إلى ذلك، أن كوريا الشمالية باعت لإيران أيضا صواريخ “نو دونغ” وصواريخ “موسودان” وعناصر من صواريخ “تايبو دونغ”، كما تعاونت في مشاريع مثل بناء منصة إطلاق صواريخ وزنها 80 طنا، ويُرجّح أنها للصواريخ الباليستية العابرة للقارات، بحسب بروس بيشتول، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “أنغلو ستيت” الأميركية، الذي يكتب عن تجارة السلاح في كوريا الشمالية.

فيما يخص سوريا فقد اشترت صواريخ “سكود سي” و”سكود دي” الكورية، إلى جانب أسلحة كيماوية، كما باعت كوريا الشمالية بالإضافة إلى هذه الأنواع من الأسلحة؛ الكثير من الأسلحة التقليدية لها ولإيران ووكلائهم، بيد أنه بالرغم من التعاون العسكري لسنوات بين بيونغ يانغ وطهران، إلا أن الحديث فيما يتعلق بالتبادل التكنولوجي بين الدولتين ظل محل شك دائم، لكن مع ذلك تسعى إيران للاستفادة من برامج الصواريخ الكورية التي تشتريها، وذلك في محاولة لتطوير برامجها الخاصة. 

غالبا ما تنتهي الأسلحة الكورية في أيدي جهات غير حكومية في الشرق الأوسط، ففي العام 2002 استولت البحرية الأميركية على سفينة شحن كورية تحمل 15 صاروخا باليستيا من نوع “سكود” في طريقها إلى اليمن، لكنها أفرجت عنها لأن الشحنة لم تكن غير قانونية وفقا للقانون الدولي، وكانت تلك الشحنة هي الأخيرة في سلسلة من الشحنات التي بدأت في التسعينيات عندما طلبت صنعاء صواريخ من بيونغ يانغ.

لكن بعد ذلك وتحديدا في العام 2015، اتضح مصير تلك الأسلحة الكورية، حيث بدأ الحوثيون في إطلاق صواريخ باليستية ضد السعودية. استولوا عليها من مستودعات الأسلحة اليمنية، وذلك بعد مدة قصيرة من تدخّل المملكة السعودية في الحرب الأهلية اليمنية، وقد بدا أن الصواريخ هي نفسها أحد مشتقات صواريخ “سكود” الكورية التي باعتها للجيش اليمني من قبل وتسمى “هواسونغ 6”.

ما وراء تجارة الأسلحة الكورية

بينما كانت الأسلحة الكورية مخصصة للجيش اليمني السابق، سعت بيونغ يانغ لتسليح “الحوثيين” مباشرة في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض على اليمن، وفي 2019، كشفت لجنة من خبراء الأمم المتحدة أن كوريا الشمالية تزود المتمردين “الحوثيين” في اليمن بأسلحة خفيفة ومعدات عسكرية أخرى باستخدام مهربي السلاح السوريين كوسيط.

في العام 2019، كشفت لجنة من خبراء “الأمم المتحدة” تزويد كوريا الشمالية ميليشيا “الحوثيين” في اليمن بأسلحة خفيفة ومعدات عسكرية أخرى من خلال استخدام مهربي السلاح السوريين كوسيط لذلك، في انتهاك صارخ لحظر الأسلحة المفروض على اليمن.

كما هو معلوم أن كوريا الشمالية تنخرط في تحالفات اقتصادية وعسكرية مع القطب الذي يجمع إيران وروسيا والصين، بمواجهة الحلف الغربي الذي يضم الاتحاد الأوروبي ودول عربية عديدة، تتركز أغلبها في الخليج العربي، والذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، يقول الخبير الأمني والسياسي عقيل الطائي، ويشير إلى أنه بحكم هذه القطبية تصاعدت العلاقات الكورية-الإيرانية في السنوات الأخيرة، لترتقي إلى مستوى التعاون في برامج عسكرية كبيرة يسعى الجانبان إلى تطويرها.

اقرأ/ي أيضا: تقارب تفوح منه رائحة الطاقة.. إيطاليا والجزائر إلى حوار استراتيجي؟

وبحكم هذه العلاقة، والتي ربما تجلت غالبا بين كوريا الشمالية وإيران في الجانب العسكري، أوضح الطائي في حديث لموقع “الحل نت” أن نظام بيونغ يانغ، يستمر في توريد الأسلحة إلى طهران لدعمها في مخططاتها بالمنطقة والتي تشمل اليمن وسوريا والعراق ولبنان.

فيما أشار إلى أن الحديث عن توريد كوريا للأسلحة لجماعات غير حكومية قد يكون مجانبا للصواب، لسبب أن هذه الجماعات في الغالب هي تابعة لإيران، ما يعني أن كوريا ليست مضطرة لبيع الأسلحة لهذه الجماعات والدخول في متاهة العقوبات وتجاوزات القانون الدولي، فكل ما تحتاجه في هذا الأمر هو توريد السلاح إلى حليفتها إيران، وتأخذ الأخيرة مسؤولية إيصاله إلى باقي الجماعات التي تدعمها.

وفقا لهذا السيناريو، بحسب الطائي، فإن العلاقات الكورية الإيرانية التي تركز في الجانب العسكري، هي جزء من تحالف يحمل أبعادا سياسية، ولا تقتصر على الجانب المالي، مشيرا إلى أن الفائدة الاقتصادية التي كانت تسعى لها كوريا تمثلت بمرحلة معينة، سعت من خلالها إلى دعم اقتصادها الوطني الذي كان يعاني من ضغوطات دولية، غير أنه ومع التوسع في الصادرات وتنويعها، لم تعد كوريا بحاجة إلى المجازفة من خلال بيع الأسلحة، وهو ما يؤكد أن تجارة الأسلحة بين الجانبين هو جزء من علاقات استراتيجية يعمل الطرفان على ترسيخها.

الأسلحة الكورية ومتطلبات الحاجة البسيطة

من جانب أخر، يرى الخبير الأمني والسياسي، أن لجوء بعض الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط إلى شراء الأسلحة الكورية، مثل الحديث عن الإمارات، يأتي في إطار سياسية الاقتصاد في ضخ الأموال، إذ أن الإمارات وغيرها من الدول التي تصنف ضمن التحالف الغربي تقوم بشراء السلاح من كوريا لسبب أنها تلبي الحاجة في عمليات بحجم مواجهة جماعات مسلحة غير حكومية، وبأسعار مناسبة قياسا في أسعار الأسلحة المتقدمة في السوق.

عمليا وقياسا بالحاجة التي تتطلبها، يشير الطائي إلى أن الأسلحة الكورية يمكن تصنيفها بالمتقدمة والملبّية للحاجة في مثل هكذا صراعات، فهي تتمتع بتكنولوجيا يمكن اعتبارها جيدة نسبيا لحاجتها، كما أنها تمتاز بالدقة والمديات البعيدة، وهو ما تحتاجه الإمارات في مواجهتها لـ “الحوثيين”، في حين أن الأسلحة الغربية التي تعتمد عليها الإمارات وغيرها من الدول الحليفة في تجهيز جيشها بها تكون ذات قيمة عالية من القوة والتطور، وأسعارها مرتفعة جدا، لذا فالإمارات ليست بحاجة لاستهلاك مثل هذه الأسلحة وأن اللجوء إلى أسلحة متوسطة ومناسبة هو الخيار الأمثل.

هذا وتوجهت قوى شرق أوسطية، لشراء أسلحة من كوريا الشمالية تعد حديثة نسبيا، ففي 2017 اتضح أن رجال أعمال مصريين طلبوا 30 ألف قذيفة صاروخية من بيونغ يانغ كجزء من صفقة قيمتها 23 مليون دولار نيابة عن الجيش المصري، في وقت كانت القاهرة تدعي قطع كل العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية، التي تعود إلى وقت الحرب الباردة، ليدفع هذا الأمر إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتجميد 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر.

في حين اشترت الإمارات قبل عامين، أسلحة من كوريا الشمالية بمبلغ 100 مليون دولار، لاستخدامها في حملة التحالف بقيادة السعودية ضد “الحوثيين” في اليمن، لكن ولتجنب العقوبات الأميركية، أجرت أبو ظبي هذه الصفقات العسكرية باستخدام شركات خاصة، فيما أشار سكوت كارداس محلل آسيا في شركة “Rane” لاستخبارات المخاطر، مقرها الولايات المتحدة الأميركية، أن إيران ربما ترغب في العمل مع كوريا الشمالية لتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، لتمنح نفسها المزيد من الخيارات على سلم التصعيد.

مع ذلك، أن مبيعات الأسلحة الكورية في المنطقة لاتزال كبيرة مثلما كانت في العقود الماضية، حيث من المرجح أن تتضاءل في وقت من الصعب فيه تتبع هذه المبيعات نظرا لغموض هذه الصفقات، لكن ربما أن تلك المبيعات ستبقى في إطار ذات الدول المشترية، إذ من غير المرجح أن تنتهك الدول الواقعة تحت المظلة الأمنية الأميركية العقوبات، لأن ذلك سيكلفها أكبر مما ستجنيه من تلك الأسلحة.

في غضون ذلك، استأنفت كوريا الشمالية وإيران التعاون في تطوير صواريخ بعيدة المدى في عام 2020، وفقا لتقرير صادر عن “الأمم المتحدة”، أكد أن بيونغ يانغ تواصل انتهاك مختلف القرارات بشأن الأسلحة النووية. في حين ترتبط كوريا الشمالية وإيران بمصير مشترك من ناحية الموقف الأميركي، الذي يصفهما بالخطر المستمر على أمن الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة