“ابني كان يحب الباربي. حاولت كثيرا أن أمنعه، لكنني كنت دوما حين أضيّعه أجده في غرفة أخته يلهو بألعابها. كانا يبدوان بغاية السعادة. لكنني كنت أنتهره بقوة حتى يذهب إلى غرفته و يلعب بالسيارات أو سواها من الألعاب المخصصة لجنسه”، بحسب حديث ريم العمر 49 سنة وأم لثلاثة أطفال، لـ”الحل نت”.

“بعد فترة شعرت بالتعب من تعقّبه، وبضغط حقيقي وفكّرت بأنني ربما أم سيئة، فأخبرت المختصة النفسية في المدرسة، وطلبت مني أن أتعامل مع الأمر بمنتهى البساطة، وقالت إن الأطفال قد يشعرون بالانجذاب لأي لعبة جديدة ويحاولون اكتشافها، كما أن المنع قد يدفعه إلى التعلّق بالباربي والعاب الفتيات أكثر”، وفق العمر.

مخاوف جنونية

العمر تتحدث عن مخاوفها في ذاك الوقت وهي مخاوف يواجهها الكثير من الأمهات والآباء كونها مرتبطة بالتنميط المجتمعي الذي يعتبر أن الفتى الذي يلعب بالباربي سيكون “كالفتيات”، وقد يؤثر ذلك على ميوله الجنسية في مرحلة لاحقة.

 “مخاوفي كانت جنونا، حين أتذكّر ذلك أضحك من نفسي، كان يمكن أن أمنح جاد مساحة أكبر لاكتشاف العالم بعيدا من قلقي غير المنطقي، الناتج عن أفكار مجتمعية مريضة. الآن أصبحتُ جدّة، ودائما ما أوصي ابنتي بترك مساحة لأبنائها” إنها دروس تعلّمتها متأخرة، تقول العمر.

قد يهمك: المساواة الكاملة بين المرأة والرجل.. هل هي من صفات الرجل النسوي؟

 جاد ما زال حتى اليوم يعاتبني من طريق المزاح ويقول إنني أمٌ ديكتاتورية، وربما هو على حق، وفق تعبيرها.

على هذه الشاكلة تقسم متاجر ألعاب الأطفال عموما بين قسم للذكور حيث الشاحنات وألعاب القوة والذكاء ويطفو اللون الأزرق والأسود والرمادي وما إلى ذلك، وقسم للفتيات حيث الباربي والصحون والغسالة وعربة الأطفال وأدوات التجميل والمكياج والشعر المستعار واللونَين الزهري والبنفسجي.

 هو تنميط يعكس صورة المجتمعات عموما وتقسيمها الجندري للأدوار، حيث “بيت المرأة جنّتها” ويختصر دورها بأعمال الرعاية والأمومة والاعتناء بالمنزل، أما الرجل فهو رمز القوة والعنف والعمل والحركة والتفكير، وهو ملك الحيز الخارجي، فيما زال دخول الفتيات إلى العمل أو الميادين العلمية محصورا واستثنائيا.

تميز جندري

” حتى الآن ما زالت متاجر بيع الألعاب مقسّمة جندريا، بين قسم للصبيان وآخر للفتيات. وهو ليس تقسيما بريئا عاديا، يفيد الترتيب أو التوضيب، بل يحضّر الأرضية الناعمة لتقسيم الأدوار في مراحل عمرية لاحقة. المركبات والطائرات والأسلحة وألعاب الخيال والفانتازيا للصبيان، مقابل قسم الفتيات الذي يعجّ بـ”الباربي” وعدّة المطبخ والغسيل وبيت الأحلام والمكياج البلاستيكي وعربات الأطفال.

التصنيف يتسم على أساس اللون، الأزرق الفاتح للفتيان والزهري الناعم للبنات. حتى إنه يمكن ملاحظة أن الشبان الناضجين قد يجدون صعوبة في ارتداء قميص زهري، لأنه ذات بعد أنثوي وفق التصنيف التقليدي للألوان. وهذا التنميط ينسحب أيضا على ثياب الأطفال، إذ يحتكر الصبيان الأزرق والفتيات اللون الوردي.

أماكن بيع ألعاب الأطفال في أنحاء العالم تقسم إلى القسم الخاص بالصبيان، والآخر الخاص بألعاب الفتيات. يقول مدير أحد محلات بيع ألعاب الأطفال فيليب روجييه، لـ”الحل نت”، “بينما نجد ألعاب الصبيان مملوءة بالخيال والتخيل، بالفانتازيا كسوبرمان وباتمان، وكذلك بالطائرات والسيارات والمركبات المعقدة، تقتصر ألعاب البنات على مفهوم وحيد هو التقليد، تقليد دور الأم في المنزل، من مكنسة، عربة طفل، أو فرن غاز”.

 ما يحاول روجييه قوله هو أنه لا خيال في الألعاب المصنفة للإناث، وهي عبارة عن أدوات منزلية، والباربي في أفضل الأحوال هي مجرد أنثى، لا تتطلب خيالا كما هي الحال مع سوبرمان وباتمان وغيرهما من الذكور بقوى خارقة و عوالم خيالية فانتازية تحفّر الخيال.

 إن مقارنة بسيطة بين قسم الملابس التنكرية المخصص للصبيان وتلك المخصصة للبنات في محلات بيع ألعاب الأطفال تظهر مقدار التمييز الفادح، “في قسم الملابس التنكرية للصبيان، نعثر على هويات مختلفة مطروحة من أبطال خارقين إلى ملابس المِهن كالبناء والإطفائي والطبيب والجندي، أما الهوية الوحيدة التي نعثر عليها في قسم الفتيات فهي هوية الأميرة، ورداء التنكر الوحيد هو فستان الأميرة”، ينطبق ما يقوله فيليب روجييه على محلات الأطفال في معظم أنحاء العالم.

حرية الاختيار

المختصة التربوية منال صوما تشير خلال حديثها لـ”الحل نت” إلى خطورة تشجيع الأطفال على ألعاب معينة، حيث تقول “مثلا نشتري للصبي ألعاب العنف والقوة ثم نطلب منه أن يكون مسالما، ولا يضرب رفاقه أو يبدي سلوكا عنيفا في التعبير عن نفسه أو قوته. وكذلك الأمر حين يركز بعض الأهل توجيه الفتيات نحو الباربي وأدوات المطبخ والمكياج ثم يُطلب منهن أن يكنّ ناجحات في الميادين العلمية والفكرية”.

اقرأ أيضا: التجميل والقوة: لماذا لا يجب أن تكبر النساء؟

صوما تشير إلى أن “الأهمية تكبر بما يشاهده الطفل من ممارسات تعلّمه أدواره في المجتمع والحياة، فإذا كان يشاهد والده غير مهتم أبدا بأمور المنزل فهو بطبيعة الحال سيقلّده لأن الطفل يتعلّم بالمحاكاة، الأمر لا يقتصر على متاجر الألعاب، بل هناك وراثة للصور والمشاهدات”.

صوما تلفت إلى خطورة أن يفرض الأهل طوال الوقت ما يعتقدونه صوابا في حياة أطفالهم وخياراتهم، بينما هذه الأفكار قد تختلف تماما في ثقافات أو مجتمعات أخرى، وفق تعبيرها.

جولة في متجر

 في زيارة لمتجر للألعاب وقصص الأطفال، التقينا بأحمد الأشقر وهو أحد العاملين هناك، رآنا نراقب الأهالي بصحبة أطفالهم يحاولون اختيار الهدايا، فسألنا إن كنا نحتاج إلى مساعدة، فأطلعناه على فكرة التحقيق.

أحمد أخبرنا أنه كثيرا ما يشاهد صبيانا يختلسون النظر إلى قسم الفتيات في المتجر، بعيدا من أنظار أهاليهم، وكذلك فتيات يحاولن اكتشاف عالم الفتيان في القسم المخصص لهم.

أوقات كثيرة يرى أحمد أطفال صغار، يبكون لأن أحد الوالدين، يمنع الصبي من اقتناء دمى تلعب بها البنات، في المقابل يرى أحمد فتيات صغار وهن يطلبن من أهلهن أن يشتروا لهن سيارة كهرباء أو لعبة لسوبر مان، لكن الأم تجبر ابنتها على الذهاب لقسم ألعاب البنات فقط.

أحمد يتابع حديثه، ضاحكا، بأن الأهل هم من يختاروا ألعاب أطفالهم في معظم الأوقات.

في جولة على قصص الأطفال، يبدو التقسيم واضحا أيضا، فيما عدد قليل من القصص يناسب بنظر الباعة الجنسَين. واللافت أن قصصا تروّج بصراحة لأفكار تنميطية وذكورية، ما زالت تُعرض وتُباع ليشتريها الأهل ويقرأوها لأطفالهم، مثل ساندريلا الفقيرة التي لا تتغير حياتها إلا حين تلتقي أميرها ومارتين التي تساعد أمها في الأعمال المنزلية، وقصص الصبيان التي تكرّسهم كأدوات للعنف واستعراض القوة الجسدية والعضلات.

العادة جرت أيضا أن تتوجه المصانع إلى إنتاج حقائب وكراسات وحافظات للأقلام ذوات لون أزرق للأولاد ولون وردي للبنات. وهو أمر ملحوظ أيضا في المتاجر التي تبيع ثياب الأطفال، وكذلك في متاجر الألعاب المناسبة لهذا الجنس أو ذاك.

بذلك، نادرا ما تحصل الفتيات على قصص علمية أو فكرية، تشجعهنّ على التفكير والبحث، وبناء حياتهن وخياراتهن بعيدا من المطبخ والأمومة المفروضة كخيار مفروغ منه.

في سؤالنا لإحدى الأمهات في المتجر عن الألعاب التي تختارها لأطفالها وإن كانت تقبل أن يشارك ابنها أخته في ألعابها، وبعد ارتباك كان جوابها “بأن الصبي هو صبي وبأن البنت بنت”. وأكملت البحث عن طقم مطبخي من البلاستيك لتلعب به ابنتها، التي لم تبدِ اهتماما فعليا باللعبة الجديدة. الأم سألت أحد العاملين: “هل يوجد طقم تأتي معه ركوة”.

التنميط والفصل الجندري القاسي بين الجنسين، يبدأ من متاجر الألعاب وينتقلان إلى المدرسة والعمل والحياة، ليستمر الإجحاف بحق حرية الفرد وقدرته على اختيار ما يشاء بدءا من المفاضلة بين الباربي والشاحنة، وصولا إلى خيارات العمل والحياة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.