في خطوة لافتة، أعلنت المملكة العربية السعودية، في 18 من الشهر الجاري، تغير طريقة تقديمها للمساعدات لحلفائها حول العالم، واشتراطها إجراء “إصلاحات” بدلا من “تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط”.

الإعلان عن هذه الخطوة جاء على لسان وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي أكدّ خلال مشاركته في منتدى “دافوس” الاقتصادي العالمي” بأنّ “السعودية تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها وتشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية”.

هل تحمل تلك الخطوات والتوجهات الجديدة أبعاد سياسية، وتدخل ضمن منظور استراتيجي يعود بالنفع على اقتصادها بالمقام الأول، أم أنّ الأمر يُعد تصويبا للعهد السعودي السابق، وفتح صفحة جديدة قائمة على الإصلاح وتصويب المراحل السابقة التي استمرت لعقود متواصلة.

خطوة نوعية

الداعية السعودي أحمد بن قاسم الغامدي، يؤكد في حديثه لـ”الحل نت”، بأن “الكثير من الدول باتت تتبع هذه الخطوة، وذلك بأن تشترط ما تقدمه من مساعدات وأن يكون هناك برنامج معين، وهو أمر منطقي سواء كان يخدم أبعاد سياسية، أو له منظور آخر يعود بالنفع على اقتصاد الدولة التي تقدم هذه المساعدات”، ويعتبر بأنّها خطوة نوعية تخدم الجهات التي تتلقى هذه المساعدات، لأنّها تحتاج أيضا إلى المشورة، فحينما تكون هناك اشتراطات معينة لتقديم هذه المساعدات، فإنّ الدول المحتاجة تقدم أولوياتها وتنشط لتقديم برنامج معين يخدم المواطن، بدل أن تكون تلك المساعدات فيها الكثير من العشوائية.

هذه الخطوة يعتبرها الغامدي خطوة إيجابية، لأنّها تخدم جميع الاتجاهات فهي خطوة نوعية وكان من المفترض أن تكون في السابق، فما قدمته السعودية في بلدان معروفة منذ القِدم لم ينتفع منه مواطنو تلك الدول، ولم يُؤسس به ما يخدم المصالح العامة للدولة، وكذلك لم تكن هناك أي توجهات إصلاحية نحو سياسة المنطقة، على حدّ قوله.

قد يهمك: التنمية في الشرق الأوسط.. سبيل للتخلص من الخلافات والنهوض بدول المنطقة؟

 الغامدي يعتبر بأنّه “من الخطأ تصنيف جميع المساعدات، على أنّها مساعدات إغاثية بل أنّ الكثير منها هي مساعدات ذات طابع  داعم لتلك المناطق والدول الفقيرة والمحتاجة، وبالتالي فإنّه من الطبيعي أن تكون هناك أبعاد سياسية واستراتيجية تخدم اقتصاد هذه البلدان التي يتم دعمها، والرياض حينما تشترط مثل هذه الاشتراطات، فإنّها تنمّي هذه المساعدات في تلك البلدان، وتوفر خدمة واقعية ثابتة على أرض الواقع، ولا يمكن أن تصل إليها الأيدي غير النزيهة، فتستقطعها لنفسها أو تُوظف بطريقة خاطئة ويتم استغلالها في أمور فوضوية وعبثية لا ينتفع منها، فهذه الخطوة ستسعى لتقديم الأولويات ضمن برنامج محدد وهذا ينفع الطرفين”.

من هنا يستبعد الغامدي أنّ تذهب السعودية باتجاه تحقيق أبعاد سياسية لها في هذا الأمر، لأنّها تنظر فيما يخص المساعدات سواء الإغاثية أو غير الإغاثية إلى الجانب الإنساني، بالإضافة إلى  البُعد العروبي والقضايا التي فيها حق تقرير مصير، فهي تدعم هذه الجوانب دون أن تنظر إلى الأبعاد السياسية، مع أنّها لو أخذت هذا الجانب فلا حرج بحسب رؤية الغامدي، وهذا أمر وارد ومن الطبيعي أن يستفاد من ذلك لتحسين مواقف المنطقة ولتصحيحها ومعالجتها، وهذا كله يصب في خدمة الطرفين ممثلا في السعودية والدول التي يتم تقديم المساعدات لها.

لها أبعاد اقتصادية إستراتيجية إصلاحية

“اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك. نعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات”، بحسب تصريح لوزير المالية السعودي خلال منتدى “دافوس” الاقتصادي.

هنا يؤكدّ الكاتب والمحلل السياسي السعودي عمر عبدالوهاب العيسى، خلال تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، بأنّه وخلال السنوات القليلة الماضية تحركت السعودية ودول خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر بشكل متزايد نحو الاستثمار بدلا من تقديم مساعدات مالية مباشرة.

العيسى يتفق تماما مع من يرون أنّ “الخطوة السعودية بالغة الأهمية، وجاءت في توقيت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من عدة أزمات، لأنّه في كثير من الحالات كانت الأموال لا تصل إلى الجهات التي تحتاجها، ويجب أن تكون المساعدات لصالح الشعوب، وبالتالي فإنّ هذه الخطوة مهمة وتُثبت أن هناك تغيرا في سياسات السعودية الخارجية، وفي كيفية توجيه الأموال لخدمة مواطني البلد المستفيد وليس الوصول لحكومات أو أحزاب أو أشخاص معينين”.

العيسى يشدد على ضرورة تلمّس حاجة الشعب والبلد المستفيد حيث توجد دول فقيرة وتحتاج مساعدات إنسانية في مجال البنى التحتية والتعليم والصحة، وفق تعبيره.

بالتالي فإنّ هذه الأموال بحسب رؤية العيسى، يجب أن “تذهب لدعم وتعزيز مواطني البلد المستفيد، ويمكن أن يكون ذلك عبر إنشاء مراكز جديدة، بدلا من توجيه المال لرئيس دولة ما ليقوم بالتصرف بها حسب أهوائه”، ويعتبر بأنّ “تلك الخطوة جاءت في وقت حساس، حيث يشهد العالم ركودا اقتصاديا وعليه، فإنّ المال لن يُمنح كما في السابق بشكل مجاني، لأنّ في ذلك ضررا على الاقتصاد، بل سيكون دعما استراتيجيا، بشرط أن يمتلك البلد حكومة فاعلة رشيدة وقيادات رزينة بعيدة عن الفساد”.

أرقام وإحصاءات

حسب الأرقام المنشورة على موقع “منصة المساعدات” الحكومية السعودية، فإنّ الرياض قدمت أكثر من 64 مليار دولار أميركي على شكل مساعدات لنحو 167 دولة حول العالم خلال السنوات الماضية، كان الجزء الأكبر منها على شكل مساعدات تنموية، واحتلت مصر، المرتبة الأولى في إجمالي مبالغ المساعدات بنحو 13.7 مليار دولار، تلتها اليمن بنحو 10 مليارات وباكستان بـ7 مليارات.

حسب وسائل إعلام سعودية رسمية قد نشرت في وقت سابق من الشهر الحالي، فإن السعودية قد تعزز استثماراتها في باكستان التي تعاني ضائقة مالية لتصل إلى عشرة مليارات دولار، إضافة إلى أنّها ستُزيد سقف الودائع في “البنك المركزي” الباكستاني إلى خمسة مليارات دولار.

اقرأ أيضا: تسارع العلاقات التركية السعودية.. “النقلة النوعية” نحو شراكة استراتيجية؟

كما وقّعت السعودية في حزيران/يونيو الماضي اتفاقات بقيمة 7.7 مليار دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، كما وأكدت أنّها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية.

العيسى يكشف بأنّ السعودية أسست شركات في مصر والأردن والبحرين والسودان والعراق وعُمان سعيا إلى استثمارات تصل إلى 24 مليار دولار هناك، ولكونها في ظل رؤية 2030 أصبحت ترى العالم من منظور استراتيجي يعود بالنفع على اقتصادها بالمقام الأول، ومن ثمّ على الاقتصاد العالمي.

الدول تسعى خلال مؤتمر “دافوس” إلى ترميم أساسيات العولمة لكن بطريقة جديدة، حيث يشير العيسى، بأننا “دخلنا مرحلة جديدة من العولمة الاستراتيجية المقنّنة في الإنفاق والمبادرات وتوزيع المساعدات وضبطها من أجل انتشال الدول الفقيرة، وهذا لا يعني تقليص الدعم السعودي، بل توجيهه بالاتجاه الصحيح في خطوة جديدة لها أبعاد اقتصادية استراتيجية تحفيزية إصلاحية، وليست ذات أهداف سياسية، وتعود بالنفع على اقتصاد المملكة وأيضا اقتصادات البلدان المستفيدة وتلمس احتياجات شعوبها حتما”.

مساعدات من أجل البناء والتنمية

على مدى عقود طويلة قدمت السعودية مساعدات مالية كبيرة لكثير من الدول العربية والإسلامية بدون أن تدقق في مصير هذه المساعدات.

هذا ما يؤكد عليه أستاذ الإعلام بجامعة الملك عبد العزيز أحمد قران الزهراني، في تصريحات خاصة لـ “الحل نت”، الذي يشير إلى أن “هذه المساعدات كانت موجهة لتنمية هذه الدول وشعوبها وإنشاء الجامعات والمدارس والطرقات والمستشفيات وكل المشاريع التي تخدم الشعوب، ولأن السعودية لم تكن تحبذ التدخل في الشؤون الداخلية للدول، فإنها لم تدقق في مصير هذه الأموال”.

بالتالي فإنه وبحسب رؤية الزهراني أن “ما كان يهم السعودية هو الوقوف مع أشقائها العرب دون أن تشعر تلك الحكومات بأنها تراقب أموال المساعدات، لكن مؤخرا اكتشفت الرياض بأن تلك الأموال لم تُصرف بشكل مباشر في المشاريع التنموية، وإنما استفاد منها مجموعة من المتنفذين في تلك الدول دون أن يترك أثرا إيجابيا تجاه السعودية من شعوب تلك الدول”.

الزهراني يضيف في سياق حديثه بالقول “ولأن تلك الاستراتيجية لم تحقق أهدافها على الأرض المتمثلة في البناء والتنمية وإنشاء مشاريع بنية تحتية تستفيد منها الشعوب، رأت السعودية أن تغير استراتيجيتها وهي أن تكون المساعدات المالية موجّهة بشكل مباشر إلى مشاريع على الأرض، يتم تنفيذها من قبل الحكومات ولكن تكون تحت إشراف من السعودية حتى تكتمل تلك المشاريع وتعمل لخدمة الشعوب”.

من هنا يشدد الزهراني أن السعودية في هذا الأمر لم تقل إنها لن تقدم مساعدات مالية كما كانت في السابق، بل ربما تزيد المساعدات عن السابق، ولكن وفق آلية جديدة تضمن وصول هذه المساعدات المالية إلى من يستحقها فعليا وهي شعوب تلك الدول.

في نهاية الأمر يمكن القول أنّ السياسة السعودية التي ينتهجها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حتما ستختلف اختلافاً كاملاً وتاماً عن العهد السابق، فلم تعد السعودية تتبع سياسة الجمعية الخيرية التي كانت تتدفق فيها الأموال بلا رقيب ولا حسيب في الفترة السابقة، وإنّما تدخل السعودية عهد تقنين المصروفات وإنفاقها في المكان الصحيح، لتطوي صفحة امتدت لعقود من الزمن تعاملت فيها السعودية على الدوام وفق سياسة حُسن النّية تجاه الشعوب العربية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة