بعد أقل من أسبوعين على تشكيل حكومته، أجرى رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني، سلسلة تغيرات في المناصب العليا والأجهزة الحساسة. قرارات رئيس الحكومة جاءت التزاما بما تم التعهد به في البرنامج الحكومي بإعادة النظر في جميع قرارات حكومة تصريف الأعمال لسفله مصطفى الكاظمي.

التركيز على إلغاء كل ما قامت به حكومة الكاظمي من تغييرات أجراها خلال فترة حكمه التي امتدت إلى عامين ونصف، يندرج ضمن الخصومة السياسية ما بين الرئيس السابق وقوى تحالف “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران، والتي تعتقد أنه منحاز إلى جانب غريمها زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر.

مقتدى الصدر، كان صاحب أكبر كتلة نيابية فائزة في الانتخابات الأخيرة التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، حيث سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أو بعض أطراف “الإطار“، في حين استمرت الأخير في الدعوة إلى حكومة “توافقية” وهو ما حصل بالفعل بعد أن تمكنوا من ثني الصدر عن مشروعه والانسحاب من العملية السياسية، في وقت كان يبدي رضا تاما عن الكاظمي، الذي كان يسعى هو الأخر إلى ولاية ثانية

لذلك، إلى جانب إصرار “الإطار” على التوافقية، كان هناك قرار جماعي بين قوى التحالف على عدم استمرار الكاظمي في المنصب، والذي تتهمه بعض الأطراف بأنه سببا في الأزمة التي عطلت تشكيل الحكومة لأكثر من عام، إضافة إلى انقسام القوى الشيعية فيما بينها.

اقرأ/ي أيضا: تغيّر في سياسة الميليشيات العراقية عام 2022.. ما الأسباب؟

تغييرات مضادة

الكاظمي كان قد نفذ سلسلة من عمليات التغيير الواسعة في أجهزة ومفاصل الدولة. ومن أبرز تلك التغيرات ما شمل القيادات الأمنية والعسكرية التي أمضت أكثر من 4 سنوات في منصبها، وهو ما انقسمت حوله الآراء بأن تلك التغييرات كانت لصالح “التيار الصدري“، أما استهداف للقوى المنضوية في تحالف “الإطار” من خلال إقصاء شخصيات مقربة منهم.

حيث أقال الكاظمي قادة أمنيين وعسكريين نافذين، أبرزهم أبو علي البصري القريب من جماعة “كتائب حزب الله“، من منصب رئيس خلية الصقور الاستخبارية، كما أقال قائد الشرطة الاتحادية جعفر البطاط المحسوب على حزب “الدعوة الإسلامية”، فضلاً عن تغييرات أخرى حدثت أغلبها بين عامي 2020 و2021.

غير أن السوداني ألغى جميع قرارات سلفه مصطفى الكاظمي التي اتُخذت خلال فترة تصريف الأعمال، التي أعقبت إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وهو ما يعني عمليا إجراء سلسلة كبيرة من الإعفاءات لقادة أمنيين ومسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى تغييرات في المكتب الحكومي والأمانة العامة لمجلس الوزراء.

ضمن سلسلة الإعفاءات والتكليفات الجديدة أيضا، أصدر مكتب السوداني بيانَين، أكد في الأول، توليه رئاسة جهاز المخابرات بعد إعفاء رائد جوحي الذي كلفه الكاظمي قبل فترة من مغادرته المنصب بتولي مهامه، فيما أعلن بالثاني، قبول استقالة رئيسة هيئة الاستثمار سها النجار، المقربة من الكاظمي

كما أجرى السوداني خمسة تغييرات إدارية على مكتبه، بعد أسبوع من توليه المنصب، فعين إحسان العوادي مديرا لمكتب رئيس الوزراء، وعبد الكريم السوداني سكرتيرا عسكريا للقائد العام للقوات المسلحة، وعلي الأميري سكرتيرا لرئيس الوزراء، وربيع نادر مديرا للمكتب الإعلامي، وعلي شمران مديرا لقسم المراسم في رئاسة الوزراء.

اقرأ/ي أيضا: جدل عراقي بشأن استحداث كليات طب أهلية.. ما علاقات الميليشيات؟

حكومة السوداني وعودة الدولة العميقة

في المقابل، أعفى السوداني عددا كبيرا من مستشاري الحكومة السابقة أو نقلهم لدوائر أخرى، وقائد الفرقة الخاصة المكلفة بحماية المنطقة الخضراء الفريق الركن حامد الزهيري، إلى جانب آخرين في دوائر ومؤسسات الدولة ببغداد والمحافظات، بيد أن المعينين والمكلفين الجدد جميعهم إما منتمي إلى الأحزاب “الموالية” لإيران أما مقرب منها، وهو ما أثّر الشك حول ما تسعى له حكومة السوداني، وهو ما فسره البعض إنها محاولات لإعادة تكريس مفهوم الدولة العميقة، التي عمل عليها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي خلال ولايتين 2008-2010، و2010-2014.

وفي هذا الشأن، يقول المهتم بالشأن السياسي علي جاسب، إن “التغييرات التي أُجريت من قبل حكومة السوداني وعلى الرغم من كل محاولاته في إطهار أنها بعيده عن التأثيرات السياسية لكنها واضحة، بأنها صادرة من تأثير سياسي ولا يخلو عنها هذا الطابع“.

جاسب أشار أيضا، إلى أن “التغييرات واضحة ولا تحتاج إلى تفسيرات عميقة فكل الشخوص التي تم استقدامهم، لهم خلفيات سياسية وهذا يوضح جليا إمكانية إعادة مفهوم الدولة العميقة التي سبق وكانت مسيطرة على الحكومات السابقة

جاسب، لفت إلى أن “آلية تشكيل الحكومة تفرض ذلك، فأنه وبالرغم من حسن النوايا بالسوداني، لكن المحاصصة هي بطبيعة الحال تضع الرئيس مقيد ومنصاع لرغبات ومخططات القوى السياسية التي أتت به إلى المنصب، بالتالي هو لا يمكنه معارضة ذلك، لذلك نشاهد اليوم كل المناصب التي أحالها السوداني إلى شخصيات جديدة هي كلها تابعة لجهات سياسية“، مؤكدا أن “ذلك يعني ترسيخ لمفهوم الدولة العميقة، فالقوى السياسية تريد أن تحكم قبضتها على المناصب الحساسة وهذا ما يحصل حاليا“.

من هو السوداني؟

السوداني البالغ 52 عاما، يخلف مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020، في حين كُلف السوداني وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بتشكيل الحكومة، من قِبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرة بعد انتخابه. وهو مرشح القوى السياسية “الموالية” لإيران والمنضوية في “الإطار التنسيقي“.

تولي الحكومة الجديدة مهامها يأتي بعد عام من أزمة سياسية خانقة تجلت أحيانا بعنف في الشارع، نتيجة للخصومة بين “التيار الصدري” و“الإطار التنسيقي” الذي يضم خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لـ “الحشد الشعبي“.

الأزمة كانت نتيجة صراع محتدم ما بين “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر، وتحالف “الإطار” الذي عطّل مشروع الصدر الذي حلت كتلته أولا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي كان يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها

الصراع دفع مؤخرا في نهاية آب/أغسطس الماضي الصدر إلى اعتزال السياسة نهائيا، وذلك بعد ما وجه كتلته البالغ عدد أعضائها 73 نائبا بالاستقالة من البرلمان، بعدما فشلت جهوده في تشكل حكومة “أغلبية“، ليعلن أنه لن يشترك بحكومة “توافقية – محاصصة” مجددا، وهي التي كانت السبب في غضب الشارع العراقي الذي تجلى في احتجاجات العام 2019، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كما أنها السبب في سوء الإدارة والفساد الذي أنهك العراق والعراقيين طيلة الـ 19 عاما الماضية.

اقرأ/ي أيضا: حكومة العراق الجديدة.. ما مدى إمكانيتها باسترداد الأموال المهربة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.