في سابقة خطيرة، وافق وزير التعليم العالي الجديد في العراق، نعيم العبودي، على افتتاح كليات طب جديدة، فيما وجه بخفض مستوى معدلات القبول في الطب الأهلي وطب الأسنان والصيدلة إلى 89 بالمئة، في وقت لم تقبل كليات الصيدلة الحكومية لهذا العام معدلات دون 98.29 بالمئة، والطب العام 99 بالمئة.

الوزير الذي ينتمي لميليشيا “عصائب أهل الحق” المسلحة والموالية لإيران، أثار قراره موجة جدل واسعة، حيث طالب مسؤولون عراقيون إلى جانب النقابات الطبية والأكاديمية، وقف استحداث كليات الطب الأهلية في البلاد، فيما ناشدوا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للتدخل الفوري.

الجدل حول استحداث كليات طبية، سببه عدم اعتمادها لمعايير عالية في قبول الطلاب مقارنة بنظيراتها من الكليات الحكومية، وهو ما عده كثيرون من الأكاديميين نذير شؤم، لما يحتمله من نتائج سلبية لتخريج آلاف الطلاب سنويا غير المؤهلين علميا لممارسة مهنة الطب، مؤكدين أن تلك الكليات تسعى لتحقيق الأرباح فقط على حساب التعليم.

يأتي ذلك في الوقت الذي تتوفر فيه أكثر من 20 كلية طب حكومية في العراق، بينها 6 كليات في العاصمة بغداد، بحسب تقارير، في حين بلغ عدد الجامعات الأهلية بالمجمل أكثر من 66 جامعة، في وقت لم تتجاوز العشر جامعات أهلية قبل العام ٢٠٠٣، وهو ما أثار التكهنات عن أسباب منح الإجازات لهذا الكم من الجامعات التي تخرّج الآلاف من الطلبة غير المؤهلين، وإذا ما كانت هناك حاجة فعلية لها في سوق العمل.

اقرأ/ي أيضا: حكومة العراق الجديدة.. ما مدى إمكانيتها باسترداد الأموال المهربة؟

من المستفيد من الجامعات الأهلية؟

التزايد غير المعقول، والعودة إلى منح الإجازات مجددا، بعد ما كانت وزارة التعليم العالي قد قررت منذ نحو عامين وقف افتتاح الكليات الأهلية في تخصص الطب العام، ومع ما يوفره من مردودات مالية ضخمة، حيث تصل الأقساط السنوية لدراسة طالب واحد في الأقسام الطبية إلى نحو 10 آلاف دولار، فتح الباب حول مَن يقف خلف تلك الجامعات، وأسباب الاستمرار بمنح الإجازات لافتتاحها.

هو ما أوضحه الأكاديمي والصحافي هاشم حسن في حديث لموقع “الحل نت“، قائلا إن “أصحاب هذه الجامعات يجنون مبالغ طائلة منها، وهي تضيف إلى قوائم العاطلين الممتلئة أصلا، أعدادا جديدة كل عام، دون أن تتمكن الحكومة من إيقاف منح الإجازات الرسمية لافتتاحها“، مشيرا إلى أن “هناك بالأساس أيادٍ خفية داخل المؤسسة التعليمية لها حصص في تلك الجامعات، وهي من تسهّل إجراءات افتتاحها“.

حسن أشار إلى أنه “عندما يدخل زعماء متنفذين وسياسيون فاسدون على خط التعليم الجامعي، ويملكون عددا من الجامعات الأهلية، يمكننا أن نتصور نوعية الكوادر التي ستتخرج منها لتتولى قيادة البلد في المستقبل القريب“، مؤكدا أن “الجامعات الأهلية في العراق، عبارة عن مشاريع تمويل للأحزاب والمليشيات النافذة في البلد، ومن يديرها هم أدوات وواجهات تابعة لهم“.

واستدرك بالقول، إن “الجامعات الأهلية توفر أرباحا هائلة، وهو ما تبحث عنه الجهات السياسية ومن يسندها من الخلف من جماعات مسلحة، بالتالي لا شك ستكون مثل هذه المشارع هدفا استراتيجيا لها، وستعمل بكل قوتها للسيطرة عليه، واستدامته بما يسمح لها نفوذها من شبكة زبائنية داخل المؤسسة التعليمية، وإلى جانب ما تمتلكه من تأثير سياسي داخل البرلمان واللجان المعنية بذلك“، مبيّنا أن “جميع مَن في اللجان التي وافقت على استحداث الكليات الأخيرة يجب أن تُحاسب، كما يجب أن يُعاد النظر بكل الجامعات التي افتُتحت منذ العام 2003”.

حجم الجامعات الأهلية

في سياق ذلك، أكدت مصادر في وقت سابق أن من بين عشرات الجامعات الأهلية، هناك 21 جامعة في بغداد وحدها، منها 16 جامعة تعود ملكيتها لأحزاب وكتل سياسية وميليشيات، إذا أن تلك الجهات تتعامل مع مشاريع بناء العديد من الجامعات الأهلية في العراق، كجزء من عمليات غسيل الأموال، التي تحصل عليها هذه المليشيات والأحزاب النافذة بطرق غير شرعية.

بدوره، عضو لجنة الصحة في البرلمان السابق، جواد الموسوي، أكد في بيان، أنه “تم أمس الأول الإثنين استحداث ثلاث كليات طب عام أهلية على الرغم من قرارات مجلس الوزراء بالتريث في استحداث الكليات الأهلية، وتوصيات لجنة القرار 92 وبيانات النقابات المهنية، وكتب أعضاء البرلمان ولجنة التعليم البرلمانية“، معتبرا ذلك الإجراء “من المخالفات الجسيمة لقانون التعليم العالي الأهلي، وقرارات وزارة التخطيط“.

بحسب البيان، قال الموسوي، إن “العراق لديه 36 كلية بالتخصصات الطبية حاليا، وهي أكثر من كليات الطب في بريطانيا“، مضيفا أنه “في عام 2027 سيكون عدد الأطباء في العراق أكثر من 95 ألف طبيب، وكل هذه الزيادة بالخريجين من الأطباء يرافقها نقص شديد بالبنى التحتية للكليات الطبية، وخاصة المستحدثة والأهلية، مع عدم توفر كوادر التدريس، وعدم وجود مستشفى تعليمي يتضمن أدنى متطلبات الوزارة، وبالإضافة إلى نقص شديد في المستشفيات“.

عضو لجنة الصحة النيابية السابق، أكد أنه “لا يمكن استمرار فتح دكاكين تجارية لتخريج أنصاف أطباء“، معتبرا أن الهدف “هو الربح المادي فقط، وبضغط من جهات معروفة، حيث تم تغيير أعضاء لجان الاستحداث الرصينة واستبدالهم بآخرين“.

 داعيا إلى “تشكيل لجنة رصينة لتدقيق الملف وإحالة المقصرين إلى القضاء“، محمّلا المسؤولين عن هذه الاستحداثات، وخاصة اللجان التي وافقت على الاستحداث، المسؤولية الكاملة، “لأنهم إما خضعوا للضغط أو ضللوا الوزارة“، كما دعا هيئة النزاهة ولجنة النزاهة والتعليم البرلمانية إلى فتح “تحقيق فوري بالموضوع“.

اقرأ/ي أيضا: اغتيال مواطن أميركي في بغداد.. ما الرد المتوقع؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.