تغيّر واضح ولافت في سياسة الميليشيات العراقية الموالية لإيران منذ مطلع العام الجاري 2022، تمثل بالابتعاد عن استهداف الوجود الأميركي في العراق، نحو استهداف أهداف أخرى، فما هي الأسباب.

الميليشيات “الولائية”، كانت تستهدف الوجود الأميركي وقواعد ومنشآت “التحالف الدولي” بشكل شبه يومي عام 2021، حتى أن ذروتها كانت في آب/أغسطس من ذات العام، عندما شهِد تسجيل 43 هجوما، بحسب دراسة نشرها “معهد واشنطن” مؤخرا.

التغير في سياسة الميليشيات العراقية الموالية لإيران، تَمثل بالابتعاد عن استهداف المصالح الأميركية منذ مطلع هذا العام، واستهداف المصالح الكردية في إقليم كردستان العراق، والوجود التركي غير الشرعي في شمالي العراق، فما وراء هذه السياسة.

الخشية من نتائج سلبية

بحسب الخبير العسكري إحسان القيسون، فإن تغير سياسة الميليشيات بالابتعاد عن استهداف الوجود الأميركي، أمر طبيعي ومعقول، سببه انسحاب القوات الأميركية من العراق، نهاية العام المنصرم.

نهاية العام الماضي، أعلن العراق عبر مستشار “الأمن القومي” للبلاد قاسم الأعرجي، انسحاب القوات العسكرية الأميركية من العراق، والإبقاء على عناصر استشارية ليست عسكرية، لتقديم الاستشارة والدعم اللوجستي للقوات العراقية.

الانسحاب الأميركي، كانت نتيجة أفضت عنها 4 جولات من “الحوار الاستراتيجي” العراقي الأميركي، التي جرت بين عامي 2020 و2021، في عهد حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والرئيس الحالي جو بايدن.

القيسون يقول لـ “الحل نت”، إنه لا مبرر لاستمرار استهداف المصالح الأميركية بعد الانسحاب العسكري؛ لأن الهدف المعلن من قِبل الميليشيات هو “المقاومة” كما تدعي، و”المقاومة” تنتهي مع انسحاب القوات الأميركية، بحسب تعبيره.

الميليشيات تدرك أن استمرار استهداف الوجود الأميركي بعد الانسحاب، سيجلب نتائج سلبية، لعل أخطرها قد تكون ضربة جوية تستهدف بعض قيادات الميليشيات، على غرار ضربة المطار التي استهدفت قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، وفق القيسون.

في نهاية 2019، قُتل متعاقد أميركي في قاعدة “كاي وان” العسكرية بمحافظة كركوك شمالي العراق، عبر قصف صاروخي لميليشيا “كتائب حزب الله” العراقي، لترد إدارة ترامب حينها، بضربة جوية عند مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020، قتلت قائد “فيلق القدس” الإيراني وقتها قاسم سليماني، وبصحبته نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس.

لماذا استهداف المصالح الكردية؟

منذ آذار/مارس 2022 بدأت الميليشيات تستهدف بشكل متكرر المصالح الكردية في إقليم كردستان، لا سيما حقول النفط في محافظتي أربيل والسليمانية، وبلغت الاستهدافات ذروتها في شهر حزيران/يونيو المنصرم، وفق “معهد واشنطن”.

السبب في استهداف المصالح الكردية بسيط جدا، بحسب القيسون، وهو سياسي ولا يمثّل سياسة “المقاومة” التي تروّج لها الميليشيات، ويتمثّل بكونه رسائل للإقليم، بسبب تحالف أربيل مع “التيار الصدري” لتشكيل حكومة أغلبية تُقصي قوى إيران من المشاركة بها.

“التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، كان الفائز الأول في الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وتحالفت أربيل معه لتشكيل حكومة أغلبية، لكن الصدر لم ينجح في مسعاه، فانسحب من العملية السياسية، تاركا تشكيل الحكومة الجديدة بيد قوى إيران.

ما يدلّل على أن استهداف المصالح الكردية، هو سياسي لا غير، انعدام استهداف الميليشيات لإقليم كردستان، منذ بدء مفاوضات تشكيل الحكومة بعد تحالف الكرد مع “الإطار” الموالي لإيران وحتى اليوم، كما يقول القيسون.

بعد انسحاب “التيار الصدري” انتهى تحالفه مع الكرد والسنة، وبالتالي أصبح أمر تشكيل الحكومة العراقية بيد “الإطار”، ما دفع بالكرد والسنة لتشكيل تحالف مع قوى إيران، عُرف بـ “تحالف إدارة الدولة”، نتج عنه تشكيل حكومة جديدة بقيادة محمد شياع السوداني، نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

سبب استهداف الوجود التركي

منذ الربع الأول من العام الجاري، بدأت الميليشيات “الولائية” تستهدف الوجود العسكري التركي في العراق، لا سيما الانتشار التركي في قاعدة “زليكان” بناحية بعشيقة في محافظة نينوى، وقاعدة “بامرني” في محافظة دهوك.

الاستهداف الذي طال الوجود التركي، الذي لا يحمل أي صفة رسمية ولا موافقة من الحكومة العراقية، ازداد من معدل 1،5 ضربة في الشهر خلال الربع الأول من عام 2022 إلى 7 هجمات في نيسان/أبريل المنصرم، وازدادت أكثر في تموز/يوليو الفائت، وفق “معهد واشنطن”.

الميليشيات ولكي تُشرعن استمراريتها، لا بد لها من البحث عن هدف تعاديه تحت عنوان “المقاومة”، وبعد الانسحاب العسكري الأميركي، فإن الوجود التركي، خاصة وأنه غير شرعي، كان أفضل فرصة يمكن للميليشيات استغلالها لتدعيم دعاية “المقاومة” التي تتبناها، على حدّ قول إحسان القيسون.

القيسون يشير، إلى أن الميليشيات ستستمر باستهداف الانتشار العسكري التركي بمديات مختلفة، ترتفع حدتها مرة وتخف مرة أخرى، وذلك يرتبط لحجم التهديد التركي للداخل العراقي، ولن تتوقف عن ضرب المصالح التركية، لحين انسحاب أنقرة من شمال العراق، بحسب تعبيره.

بالمحصلة، فإن تغير سياسة الميليشيات ارتبط بتغير الأحداث، من انسحاب عسكري أميركي إلى أزمة تشكيل الحكومة، وصولا إلى الانتشار العسكري التركي غير الشرعي، كل ذلك دفع بالميليشيات الموالية لإيران، إلى تغيير سياستها وفق المتغيرات التي حصلت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.