مرة أخرى تسجل تونس انخفاضا في الإقبال على الانتخابات البرلمانية رغم إعادة الانتخابات مرة ثانية، وذلك في ظل الاحتجاجات على سياسة القيادة التونسية المتعلقة بالسياسة والاقتصاد، ما قد يوحي بدخول تونس لنفق مظلم مع تصاعد الاحتجاجات ضد السلطة.
حالة من عدم الرضا في الشارع التونسي عن سياسات الرئيس التونسي، وصلت مؤخرا إلى حد الدعوة إلى تنحي الرئيس، في حين يبدو أن الأخير اتخذ منحى مواجهة الاحتجاجات عبر إقرار قوانين وتعديلات على الدستور من شأنها منحه صلاحيات متزايدة، فما هي الدلالات والتبعات لهذه المواجهة في تونس.
ضعف إقبال تاريخي
الجولة الثانية من انتخابات البرلمان التونسي تم إقرارها رغم ضعف الإقبال، ونتج عنها برلمان جديد لا يشبه القديم ولا علاقة له به، برلمان يقول معارضون إن الرئيس قيس سعيّد وضع مقاساته وسهر على إخراجها الى حيز الوجود.
هيئة الانتخابات المعينة من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد، أعلنت أن 11.4 بالمئة فقط من الناخبين، صوتوا في جولات الإعادة للانتخابات البرلمانية، يوم الأحد 29 كانون الثاني/يناير الفائت، في وقت اعتبر فيه معارضون أن انخفاض الإقبال سببه عدم رضا التونسيين عن سياسات الرئيس التونسي وسيطرته شبه الكاملة على جميع السلطات في البلاد.
انتقادات أحزاب المعارضة وصلت إلى حد مطالبة سعيّد بـ”الاستقالة”، نتيجة ما وصفتها بـ”الفشل الكبير في الانتخابات”، معتبرة أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية المبكرة ستكون السبيل الوحيد للخروج من الأزمة.
لكن الرئيس التونسي رفض بالطبع هذه الاتهامات، واعتبر أن عزوف 90 بالمئة عن التصويت، “يعبّر عن عدم ثقة التونسيين بالبرلمان خلال العقد الماضي”، رافضا اعتبار ذلك دليلا على تراجع شعبيته.
الكاتبة والمحللة السياسية التونسية عايدة بن عمر، رأت أن تراجع الإقبال على الانتخابات يعود إلى أسباب عديدة، أبرزها شيطنة برلمان دستور 2014، فضلا عن السياسات الاقتصادية الجائرة التي تمارسها السلطة ضد المواطنين، وجميع ما سبق نتيجة الحُكم الفردي وتحكم شخص واحد في القوانين.
قد يهمك: اشتعال حرب في بحر الصين.. ما الاحتمالات؟
بن عمر قالت في حديث خاص مع “الحل نت”، “سبب عدم الإقبال على المشاركة في الانتخابات، هو ذات السبب لعدم الإقبال في الجولة الماضية، وهو أن الضخ المهول لشيطنة برلمان دستور 2014، وفضيحة نقص المواد وكثرة البطالة وضرب منظومة الإنتاج، والعديد من المعطيات التي رسخت المشهد المأساوي القاتم لدى المواطن التونسي، خاصة مع ما تسببه الحكم الفردي، وأكاذيب السلطة التي وصلت إلى حدّ اتهام القاضية بالزنا ثم ثبوت براءتها”.
برأي بن عمر فإن السلطات التونسية لن تستجيب لمطالب المعارضة، بشأن الانتخابات المبكرة، ذلك لأنه لا يخدم مصالح الدول الخارجية التي تتدخل بشؤون تونس، ما يوحي بضبابية المشهد خلال الفترة القادمة.
الرئيس يسيطر على البرلمان
النواب الجدد في البرلمان سيمارسون صلاحيات محدودة، فبعد أن كان البرلمان السابق يتمتع بقوة عرض مشاريع القوانين وفقا لدستور 2014، سيفقد البرلمان الجديد هذه الصلاحية بعد أن استولى عليها الرئيس الذي اكتسب حق عرض مشاريع القوانين مع أولوية النظر فيها، في حين أصبح للنواب حق عرض مقترحات القوانين بشرط أن تكون مقدمة من 10 نواب.
عن ذلك أضافت بن عمر، “في خطابه الأخير، أكد قيس سعيّد من خلال ما تبطنه السطور ألّا دور للبرلمان، فأصبح النائب عبد مأمور لا صلاحيات له ولا دور له إلا تنفيذ الأوامر، أيضا الرئيس وحده سيختص بتعيين طاقم الحكومة ورئيسها، وسيرسم أيضا توجهاتها وسياساتها العامة بدون أدنى دور للبرلمان “.
بن عمر اعتبرت أن الرئيس التونسي، يسعى إلى إرساء نظام يقطع التشاركية في السلطة، وذلك عبر التعديلات الدستورية الأخيرة، ومنح نفسه مزيدا من الصلاحيات، مع محاولة إلحاق الضرر بالمعارضة لترهيب وتخويف المجتمع، بالتوازي مع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد.
لكن مؤيدي الرئيس يرون أن البرلمان المقبل سيكون مؤثرا في التوازنات السياسية مع الرئيس، وفي تمرير مشاريع القوانين، وفي مراقبة الحكومة وسحب الثقة منها، في وقت يرى المعارضون أن البرلمان الجديد ولد ضعيفا ولا وزن سياسي لأعضائه ولا يجمعهم برنامج.
الرئيس التونسي كان قد علّق عمل البرلمان في 2021 قبل أن يحلّه لاحقا، وأقال الحكومة وبدأ الحكم بمراسيم، وهي خطوة وصفتها المعارضة بأنها انقلاب.
ولاية المجلس الجديد ستمتد حتى 5 سنوات وفق قواعد دستور 2022، الذي صاغه الرئيس قيس سعيّد بنفسه، مستبدلا النظام البرلماني المعدل بنظام رئاسوي بحسب توصيف خبراء القانون، من خلال انتزاع صلاحيات برلمانية وإضافتها إلى سلطة الرئيس.
مع ازدياد وتيرة الأزمة السياسية، بدأت تونس تفقد هامش الديمقراطية التي كانت تتمتع به منذ سنوات، وهو ما يميزها عن جيرانها شمالي إفريقيا، إذ إن هناك هامش من حرية التعبير كانت تتحرك به أحزاب المعارضة، إلا أن التعديلات الدستورية تهدد ما تبقى من الديمقراطية في البلاد.
تحت عنوان: “تونس.. خيبة أمل ديمقراطية مقلقة”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية في افتتاحيتها، إن الخمول الانتخابي الذي تغرق فيه تونس “محبط”. فهذا البلد في شمال إفريقيا الذي كان محط إعجاب قبل أكثر من عقد من الزمن، لدوره الرائد في موجة “الربيع العربي” وكان مختبرا لتجربة ديمقراطية فريدة في المنطقة، ها هو اليوم يحطم الأرقام القياسية في الامتناع عن التصويت في الانتخابات حسب وصف الصحيفة.
أزمة اقتصادية تزيد التوتر
فضلا عن الأزمة السياسية، تواجه تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وسط حالة من عدم الرضا عن سياسات الرئيس التونسي قيس سعيّد، لا سيما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي في البلاد.
الموازنة التونسية للعام الجديد، كانت قد قوبلت باستنكار واسع، بعد أن اعتمدت الحكومة زيادتها، عبر فرض المزيد من الضرائب، إذ من المتوقع أن تجمع الحكومة أكثر من 40 مليار دينار من الضرائب، أي نحو 13 مليار دولار قبل نهاية 2023، بزيادة 12.5 بالمئة عن المداخيل التي جرت تعبئتها العام الفائت.
القانون الذي دخل حيز التنفيذ مع بداية العام الجاري، يواجه انتقادات واسعة من قِبل المؤسسات والأفراد، وهو الذي شهد رفع الضرائب، على شاغلي عدد من الوظائف، مثل المحامين والمهندسين والمحاسبين، من 13 إلى 19 بالمئة، فضلا عن الزيادة في غرامات التأخير على التصاريح الضريبية ورسوم تسجيل أحكام قضائية، إضافة إلى فرض ضريبة على ثروة العقار بقيمة 0.5 بالمئة.
الحكومة من جانبها تبرر فرض المزيد من الضرائب، بتوقف المباحثات مع “صندوق النقد الدولي” حول إقراض تونس، إذ كانت الحكومة تعول خلال العام الماضي، أن تحصل على قرض بقيمة نحو 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات، إلا أن “صندوق النقد الدولي”، قرر إرجاء ملف تونس إلى أجل غير مسمى، فكان اللجوء إلى التقشف ورفع الضرائب.
لا يبدو أن هناك معطيات تشير إلى وجود احتمالات قوية لانفراج أزمة الاقتصاد التونسي، خاصة وأن حظوظ البلاد أصبحت ضعيفة للغاية في الحصول على قرض دولي، هذا يعني أن نتائج الإجراءات المحلية وحدها ستعكس الوضع الاقتصاد للفترة القادمة.
ومع تداخل السياسة مع الاقتصاد، لا يبدو أن إجراءات السلطة ستحقق أهدافها في إنهاء التوتر في تونس، على العكس فإن البلاد ربما تكون على وشك أزمة جديدة، نتيجة تحكم الرئيس بمفاصل السلطة، خاصة وأن المعارضة بدأت تعتبر أن الرئيس وحكومته والبرلمان فقدوا شريعتهم.
- كيف أثبتت حرب غزة ولبنان ضعف “استراتيجية الردع” الإيرانية؟
- من البوابة التركية.. البضائع الإيرانية تغزو أسواق إدلب
- منعطف خطير في حرب أوكرانيا بسبب كوريا الشمالية.. ما القصة؟
- بطولة شوق الهادي.. “أبو البنات” دراما رمضانية خليجية مُرتقبة
- واشنطن وموسكو على حافة صراع عسكري مباشر.. وكوريا الشمالية تعلن وقوفها مع روسيا
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.