في خطوة استقبلها المواطنون والخبراء بفرح كبير، صادقت الحكومة العراقية على قرار تعديل سعر صرف الدولار إلى 1300 دينار للدولار، بدلا من 1470 دينارا مقابل كل 100 دولار، وذلك بعد أن ارتفع سعر الصرف إلى 177 ألف دينار عراقي لكل 100 دولار، ما انعكس بشكل كبير على الحياة العامة، وأسعار السلع الاستهلاكية التي تفاقمت إلى مستويات كبيرة جدا، ما جعل البلاد ترزح تحت وطأة الكساد والتضخم.

مع اعتماد السعر الرسمي الجديد للصرف، تراجعت أسعار صرف الدولار بالسوق الموازي إلى نحو 1450 دينار للدولار الواحد، بعد أن كانت ارتفعت لأكثر من 1770 دينار للدولار الواحد، قبل صدور القرار، ويتوقع محللون أن تبدأ الأسعار في التراجع أكثر خلال الأيام المقبلة لتقترب من سعر الصرف الرسمي المعتمد منذ يوم الأربعاء الماضي.

قبل ذلك، ربطت العديد من التقارير والمختصين ارتفاع سعر صرف الدولار بضعف السياسات النقدية في البلاد، وسيطرة جهات حزبية وأخرى مسلحة على السوق المالية، وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج، مع تحكم شركات معينة تعمل بمجالات الحوالات الخارجية في سعر الدولار من خلال شراء الدولار من “البنك المركزي” العراقي بالسعر الرسمي، ومن ثم بيعه في أسعار قياسية.

أسباب اضطراب الدولار في العراق

في الواقع، يرتبط تقلب الدينار ببدء امتثال العراق لبعض معايير نظام التحويلات الدولي “سويفت” الذي بات ينبغي على المصارف العراقية تطبيقه منذ منتصف تشرين الأول/نوفمبر الماضي للوصول إلى احتياطات العراق من الدولار الموجودة في الولايات المتحدة، وليتمكن العراق من الوصول إلى تلك الاحتياطات التي تبلغ 100 مليار دولار، عليه حاليا الالتزام بالنظم التي تلتزم بأحكام مكافحة غسيل الأموال العالمية، وأحكام مكافحة تمويل الإرهاب، وتلك المرتبطة بالعقوبات.

بحسب تقارير، فإن فرض نظام “سويفت” على العراق من قبل “البنك الفدرالي” الأميركي، جاء في سياق التأكد من أن العملة الأجنبية التي يمنحها الفدرالي للعراق، بات ينتهي بها المطاف في دول تقع تحت العقوبات الدولية؛ مثل إيران وسوريا والصين ولبنان، وأن ذلك يتم من خلال جهات موالية لإيران تعمل على سحب الدولار من العراق ومن ثم تحويله إلى الخارج. الأمر الذي دفع “الفدرالي الأميركي” فرض المنصة الدولية على التعاملات العراقية.

اقرأ/ي أيضا: زلزال تركيا وسوريا.. هل يغير تقنيات الإنشاء العمراني في الشرق الأوسط؟

“سويفت” هي منصة عالمية، تستفيد من خدماتها حوالي 11 ألف مؤسسة على مستوى العالم عبر 212 دولة، وأغلب المؤسسات المستفيدة من آلية “سويفت” هي البنوك، وإن كانت هناك مؤسسة أخرى بخلاف البنوك تستفيد من هذه الخدمة، مثل المؤسسات المالية غير المصرفية وشركات المقايضة، وعبر تقنية “سويفت” تنقل الأموال من بلد إلى بلد خلال 24 ساعة، ويستخدم هذا النظام أيضا داخل البلاد، إلا أنه أكثر إفادة في التعاملات الخارجية بين البلدان.

أما إخراج أي دولة من نظام “سويفت”، بمعنى أن نشاطاتها الاقتصادية ستتجمد بشكل كبير، وخاصة إذا كانت لا تمتلك مصادر قوة وحركة في المحيط الدولي، وإذا ما نُفّذ هذا الأمر على أي بنك رئيسي لأي دولة في العالم، وكذلك جهازها المصرفي، فإن ذلك يعني أن حركة الصادرات والواردات السلعية والخدمية ستصاب بالشلل، وستفقد جزءا كبيرا من تجارتها الخارجية.

على هذا الأساس، حاول “البنك الفدرالي” الأميركي، وضع حدّ لتهريب العملة من العراق، والتي غالبا ما تصل إلى إيران، بحسب تقارير، والتي تكون عن طريق وصولات تجارية مزورة، وهو ما أكده رئيس وزراء الحكومة العراقية، الأسبوع الماضي، بالقول إن تهريب العملة إلى الخارج كان يتم عبر تحويلات تتم على أساس فواتير مزورة لواردات كان يتم تضخيم أسعارها.

كيف تخرج الأموال من العراق؟

وفقا للسوداني، فإن الأموال كانت تخرج من العراق ويتم تهريبها للخارج، متسائلا “ما الذي كنا نستورده مقابل 300 مليون دولار يوميا”، لاسيما مع عدم فقدان الأسواق إلى أي من المواد الرئيسية حتى مع تراجع مبيعات “البنك المركزي” العراقي إلى حدود 30 مليون دولار يوميا، مؤكدا أنه “حتما هذه الأموال كانت تخرج من العراق وهذه كانت مشكلة مزمنة منذ سنوات”.

وسط ذلك، جاء تعديل سعر الدولار للمرة الثانية خلال 3 أعوام، إذ سبق وقامت الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، برفع سعر صرف الدولار إلى 1460 دينار عراقي لكل دولار واحد، بعد أن كان 1200 دينار لكل دولار، وذلك ضمن ما اعتبر وقتها بالسياسة الإصلاحية للحكومة، نتيجة مواجهة البلاد لأزمة مالية خانقة بفعل انخفاض أسعار النفط وانتشار جائحة “كورونا”.

اقرأ/ي أيضا: دعم الكويت لحلفائها يتوقف.. ما الذي يعنيه ذلك؟

الأمر الذي أثار تساؤلات حول إذا ما كان تعديل سعر الصرف خلال فترة وجيزة، سيكون له أثر على مستوى الاقتصاد الوطني، أو إذا ما كان هذا الإجراء في محاولة للتّكيف مع العمل على منصة “سويفت”، وحول ذلك أوضح الخبير الاقتصادي صالح الهماشي في حديث لموقع “الحل نت”، إن تعديل سعر الصرف قرار حكومي جريء، إذ تتخوف الكثير من الحكومات من الإقدام على هكذا خطوة، لما قد يتسبب به من تبعات على مستوى إرباك السياسية المالية في البلاد.

لكن وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن الأمر في العراق مختلف تماما، إذ أن تعديل سعر صرف الدولار جاء مع ما يتلاءم مع قدرت العراق المالية، وما يشهده خزين العراق من ارتفاع في الحساب الجاري لميزان المدفوعات، حيث لامست الاحتياطيات الأجنبية لدى “البنك المركزي” 115 مليار دولار، بالتالي أن القرار لم يأتي بشكل عبثي، بل أن الاستمرار دون إجراء كهذا أمام الارتفاع المستمر لسعر الدولار لربما كان قد يترك آثارا خطيرة جدا.

الخبير الاقتصادي بيّن أن تعديل سعر الصرف جاء بعد مباحثات مع “البنك الفدرالي” الأميركي، وواقعا أن الزيادة في قيمة مبيعات الدولار في العراق بدأت تتضح من خلال الزيادة الحاصلة بكمية المبيعات التي بدأت ترتفع، وهذا ما يعني أن هناك تعويض من العرض أمام تزايد الطلب، بالعكس من السابق، حيث كانت معدلات الطلب مرتفعة أمام قلة العرض، وهو ما تسبب في استمرار ارتفاع سعر الصرف، مبينا أن منصة “سويفت” تتطلب التكيف معها، لكن هذا لا يعني أن تعديل سعر الصرف هو لغرض التّكيف.

التكيف مع “سويفت”

الهماشي استدرك بالقول، إن التّكيف يتطلب تدريبات، وتعويد على التعامل مع المنصة، وهذا يشمل العاملينَ والتّجار، لافتا إلى أن من عوامل التّكيف هو تقديم التسهيلات من حيث خفض الحكومة للضرائب التي تفرض على التجار، إذ أن التجار في السابق كانوا يتعاملون مع حوالات غير رسمية وتكلفتها وإجراءاتها بسيطة، الأمر الذي يشكل حافزا لإصرارهم على التعامل معها، بالتالي عندما تكون هناك خطة لتكيّف التجار مع المنصة بما لا يشعرهم أن هناك فوارق كبيرة بين التعاملات السابقة والحالية، بل أن الحالية أكثرا ضمانا فسيكون هناك إقبال على المنصة.

أما أن يكون تعديل السعر هو فقط لخفض سعر الدولار، بمحاولة للتكيف مع منصة “سويفت” فهذا غير منطقي، كما أنه لا يمكن تعديل سعر الصرف باستمرار في أوقات زمنية قليلة، لأن الأمر سينعكس على الاستقرار الاقتصادي للبلاد، ما يتسبب باضطراب السوق، وتضرر المواطنين، إلى جانب الأثار التي سترافق ذلك على مستوى موازنة الدولة التي ستكون فوارقها كبيرة، ما يضطر الحكومة لإقرارها بعجز كبير، لسبب أن تعديل سعر الصرف بشكل مفاجئ سينعكس على حجم نفقات الدولة في الموازنة العامة، على حدّ قول الخبير الاقتصادي.

القرار يستهدف ترويض التضخم الذي تصاعدت معدلاته خلال الأسابيع الماضية بوتيرة مقلقة، حيث ارتفعت أسعار السلع والمواد الغذائية والأدوية والخدمات، وهو ما أثقل كاهل المستهلك العراقي، الذي سيتفاد من هذا التخفيض بسعر الصرف، ويعزز من قدرته الشرائية وينعش وضعه المالي.

سعيا إلى الحفاظ على السياسية المالية وتجاوز العقبات، زار الخميس الماضي، نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي وزير الخارجية فؤاد حسين العاصمة الأميركية واشنطن على رأس وفد حكومي رفيع، يضم عددا من الشخصيات المالية والمصرفية، ومن المفترض أن يلتقي حسين، نظيره الأميركي أنتوني بلنكن، كما سيعقد بمعية الوفد حواراته مع الجانب الأميركي والتي ستتركز على دعم السياسة النقدية للعراق وتبادل الدعم المالي والمصرفي بهدف تعزيز رؤية الحكومة العراقية من إجراءاتها بشأن سعر صرف الدولار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.