مزدوجو الجنسية، باتوا ورقة النظام الإيراني الرابحة، للإفراج عن أمواله المجمدة أو عملائه المحكومين بالإرهاب لدى الدول الغربية، أو للأمرين معا. في إطار عمليات القرصنة السياسية التي تتبناها إيران، منذ رهائن السفارة الأميركية في طهران عام 1979، والتي تم تطويرها لاحقا وتوظيفها كأحد أدوات الضغط الوجه للغرب.   

مؤخرا، حكمت محكمة طهران على عامل الإغاثة البلجيكي، أوليفييه فانديكاستيل بالسجن لمدة 40 عاما، بالإضافة إلى 74 جلدة. في خطوة فُسرت على أنها محاولة إيرانية لفرض تبادل للسجناء مع بلجيكا، والتي يقضي فيها الدبلوماسي الإيراني السابق، أسد الله أسدي، حكما بالسجن لمدة 20 عاما بتهم تتعلق بالإرهاب.

بالتوازي مع احتجاز حميد نوري في السويد، والمتهم بالتورط في الإعدام الجماعي لأعضاء منظمة “مجاهدي خلق” عام 1988. هددت إيران بإعدام أخصائي طب الطوارئ السويدي، أحمد رضا جلالي، والمعتقل لديها منذ عام 2016 بتهمة التجسس. وهي التهمة الموجهة لفانديكاستيل، والذي قدم إلى طهران بمهام إنسانية، في شباط/فبراير 2022. إضافة لتهم تهريب وغسل الأموال والتعاون مع الحكومة الأميركية.

مزدوجو الجنسية.. بيادق الصراع

بداية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سُمح لسياماك نمازي، وهو أميركي – إيراني مسجون في إيران منذ نحو سبع سنوات بتهم تتعلق بالتجسس، بالخروج من سجن إيفين بطهران في إجازة مدتها أسبوع. فيما سمح لوالده، باقر نمازي، المسؤول السابق في الأمم المتحدة، الذي أدين أيضا بتهمة “التعاون مع حكومة معادية”، بمغادرة إيران لتلقي العلاج الطبي. وبحسب وكالو “رويترز”، فإن مزدوجي الجنسية الأميركية – الإيرانية، بيادق الخلاف بين البلدين، في مفاوضات إعادة إحياء الاتفاق النووي. 

بالتزامن مع مغادرة باقر نمازي إيران، أشارت وكالة أنباء “إيران” الرسمية، إلى مفاوضات ترعاها دولة خليجية، للإفراج المتزامن عن سجناء إيران والولايات المتحدة، مع الإفراج عن سبعة مليارات دولار من موارد إيران المجمدة.

قبلها أفرجت طهران في آذار/مارس 2022، عن الصحفية نازنين زاغري والمهندس أنوشه آشوري، واللذان يحملان الجنسيتين البريطانية – الإيرانية، بعد اعتقالهما لسنوات بتهم التجسس، حسب المزاعم الإيرانية. مقابل 530 مليون دولار، من الأموال الإيرانية المجمدة في البنوك البريطانية. فيما أقدمت على إعدام حامل الجنسيتين البريطانية الإيرانية، علي رضا أكبر، في رسالة سياسية موجه إلى لندن، حسب المرصد المصري.

 الممارسات التي يقوم بها النظام الايراني تمثل انتهاك للشرعة الدولية لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني بشكل عام، بحسب الأستاذ فضل الشقفة، مدير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”. إذ من المفترض أن تقوم الدولة بحماية مواطنيها، لا أن تستخدمهم لأنهم حملوا جنسية دولة أخرى، فتمارس عليهم ابتزازها في سبيل ابتزاز الدولة الأخرى التي يحملون جنسيتها. والتصرف الإيراني يعاكس واجبات الدولة الحديثة، والتي يفترض فيها حماية مواطنيها، والوقوف إلى جانبهم في حال ابتزازهم من قبل الحكومات الأخرى. 

ما نشهده أن النظام الإيراني هو من يقوم باعتقال مواطنيه من حملة الجنسيات الأخرى للحصول على مكاسب مالية أو سياسية من هذه الدول. حصل ذلك بقضية مزدوجي الجنسية الإيرانية البريطانية، نازنين زاغري وأنوشة آشوري، وحصل ويحصل بقضية عائلة نمازي الحاملين للجنسيتين الإيرانية الأميركية. ويمارسه النظام الإيراني بشكل أقسى تجاه بلجيكا أو السويد للإفراج عن الإرهابي الإيراني أسد الله أسدي. 

بدورها، قالت منظمة “العفو” الدولية في وقت سابق، إن جلالي محتجز كرهينة لدى إيران. “تستخدم إيران جلالي كعملة سياسية للضغط على بلجيكا والسويد فيما يتعلق بقضيتين ضد مسؤولين إيرانيين سابقين. إن إعدام جلالي سيكون عملا انتقاميا وتحذيرا للدول الأخرى”. وكان الأكاديمي السويدي الإيراني أحمد رضا جلالي، قد اعتقل بتهمة التجسس، خلال زيارة عمل إلى إيران. وفي خريف عام 2017، حكم عليه بالإعدام.

مدير مركز “نورس” للدراسات، إياد حمود نوه في حديثه “للحل نت” لولادة القرصنة الدبلوماسية والاستغلال السياسي الإيراني، خلال أزمة الرهائن الأميركيين عام 1979، والتي حرض عليها من قبل، واستغلها لاحقا “مرشد الثورة الإيرانية” روح الله الخميني، في تمرير الدستور الجديد. حيث نظر الكثير من المتابعين لأزمة الرهائن على أنها مناورة سياسية هدفها تقسيم مواقف المعارضة ضد الدستور، المعد للاستفتاء بعد شهر من الحادثة، والتخلص منهم أو من قسم منهم أيضا. 

فالليبراليون المعارضون للحكم الديني عبروا عن رفضهم المسبق لحكم رجال الدين وكذلك لعملية احتجاز الرهائن، في حين وضعت المنظمات اليسارية خلافها على الدستور جانبا، وسارت في الخط “المناهض للإمبريالية” واحتلال “عش الجواسيس” حسب التسمية الخمينية للسفارة الأميركية.

مبادلة الأبرياء بالإرهابيين

مجلس النواب البلجيكي أقر في 20 تموز/يوليو 2022، معاهدة للتعاون مع إيران، فيما يتعلق بـ “نقل الأشخاص المحكوم عليهم”. وينص الاتفاق، أن الإيرانيين المدانين في بلجيكا يمكنهم قضاء عقوبتهم في وطنهم، والعكس صحيح، إلا أن محكمة الاستئناف في أنتويرب جمدت في 22 من الشهر ذاته أي إمكانية لتسليم أسدي إلى إيران على رغم إقرار المعاهدة، بناء على شكوى معارضين إيرانيين في الخارج. بعد أن أثارت المعاهدة جدلا في بروكسل، باعتبارها تمهيدا للإفراج عن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي المدان بـ “الإرهاب”. فيما تراها الحكومة البلجيكية فرصة لإطلاق مواطنها أوليفيه فانديكاستيل الموقوف في إيران، حسب “العربية نت”.

الشقفة من جهته يميز بين تصرف الدولة صاحبة الجنسية الأصلية (الإيرانية) وتصرفات الدولة صاحبة الجنسية الفرعية الغربية وسواها. ففي الوقت التي تمارس فيه حكومة الجنسية الأصلية الابتزاز تجاه حكومات الجنسية الفرعية، تقوم الأخيرة بمفاوضات ووساطات وضغوط من أجل حامل جنسيتها، ولو لم تكن الأصلية، وهي بذلك ترسل رسالة لشعبها وللشعب الإيراني أنها أكثر اهتماما بمواطنيها من حكومة جنسيتهم الأصلية. 

“الحكم على جلالي هو محاكمة صورية، في حين أن الحكم ضد أسدي هو قرار مشروع”، وفقا للمحامي ريك فانروسيل. مؤكدا، أنه وموكليه يشعرون بالارتياح لأن جلالي قد يتم نقله إلى بلده، “ولكن بهذه الطريقة يتم تبادل الأبرياء مع الإرهابيين”. مضيفا، من قال إن إيران لن تكرر ذلك في كثير من الأحيان، من قال إن هؤلاء المجرمين لن يخططوا لهجمات مرة أخرى”.

منذ عام 1979 حتى الآن، يقوم النظام الإيراني بأخذ رهائن غربيين أو مزدوجي الجنسية لمبادلتهم بمكاسب مالية أو سياسية، بعد أن اكتشفت طهران سعة المكاسب المتأتية من هذه التجارة، حسب الحمود. اللافت بالأمر تكرار تهم “التجسس والتعامل مع دول معادية” لجميع الرهائن الغربيين، واللافت أكثر الإفراج عن بعضهم رغم تهمة “التجسس”، مقابل مكاسب سياسية أو مالية، كزاغري وآنوشة، مقابل الإفراج عن مبلغ 530 من الأموال الإيرانية المجمدة لدى الحكومة البريطانية، وإعدام غيرهم، كعلي رضا أكبري، لإرسال رسالة سياسية للحكومة البريطانية. 

دبلوماسية الرهائن الدنيئة

في رسالته للرئيس الأميركي جو بايدن، كتب نمازي: “كل ما أريده هو دقيقة واحدة من وقت أيامك السبعة المقبلة مخصصة للتفكير في محن الرهائن الأميركيين في إيران”. “دقيقة واحدة فقط من وقتك لكل سنة من حياتي فقدتها في سجن إيفين بعد أن كان بإمكان حكومة الولايات المتحدة أن تنقذني لكنها لم تفعل”. واصفا نفسه بـ “لقب لا يحسد عليه وهو أطول رهينة إيراني أميركي محتجز في التاريخ”. مشيرا في رسالته لدبلوماسية الرهائن الدنيئة، التي أفسدت حياة العديد من الرجال والنساء الأبرياء وعائلاتهم.

الشقفة في حديثه “للحل نت”، لفت إلى أن ما تقوم به الحكومة الإيرانية هو عملية لا يمكن وصفها إلا بلطجة دولة، وهذا يعني أن الحكم فيها لم يعد حكم شرعي، وإنما حكم مافيوزي شبيه بما عهدناه من حليفه في دمشق. حيث تقوم دمشق بابتزاز مواطنيها الحاملين لجنسيتين، سورية-أميركية/غربية، في تصرف يدل على الانحطاط الرسمي للدولة.

خلال مؤتمر صحفي في 24 كانون الثاني/يناير الفائت، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، قبل بدء اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، “لقد حان الوقت بالنسبة لنا نحن الأوروبيين للتفكير بشكل صحيح في كيفية الرد على سياسة الرهائن الحكومية هذه التي تنفذها إيران. يجب أن يكون هذا جزءا من كيفية اتخاذ قراراتنا في المستقبل “. وتأتي فرنسا على رأس الدول الغربية، من حيث أكبر عدد من السجناء في إيران. 

حيث تعتقل طهران سبعة فرنسيين، منهم الزوجان سيسل كولر وجاك باريس، اللذان سافرا إلى إيران عطلة عيد الفصح، ربيع العام الفائت، والتي تزامنت مع زيادة الاحتجاجات من قبل الثقافة والعمال. وجاء الاعتقال بسبب اجتماعهم مع بعض النقابيين من المعلمين والعمال في إيران.

مزدوجو الجنسية ورقة مالية وسياسية مهمة لدى النظام الإيراني، يستثمرها بخسة في مواجهة الحكومات الغربية لتحقيق مكاسب، أو فرض شروط سياسية، أو لإلغاء أو تخفيف شروط تفاوضية، خلال المفاوضات التي تجريها بعض الحكومات الغربية مع نظام طهران.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة