يمكن أن نصف أي عمل فني بالصفات الاعتيادية التي تطلق على نوعه، “كوميدي” أو “أكشن”.. إلخ، وأن يُطلق النقاد الفنيين صفات “عميق” “جريء” على أفلام أو مسلسلات أخرى وفقاً للموضوع وزاوية المعالجة التي اختارها المخرج لتنفيذ النص المكتوب، ومن هذا المنطلق يمكن أن يُطلق على مسلسل “موضوع عائلي” الذي انتهى عرض حلقات جزئه الثاني مؤخراً عبر منصة “شاهد” بأنه مسلسل “لطيف”، ووصف اللطف ينطلق أساساً من شخصية إبراهيم التي أداها الممثل ماجد الكدواني ويمكن تعميمها على باقي الشخصيات.

العمل يطرح سؤالاً أساسياً بُنيت عليه الأحداث في الجزئين، كيف يمكن لشخص يكره المفاجآت أن يتعامل مع أقساها وأصعبها على الإطلاق؛ مفاجأة الولادة في الجزء الأول بوجود ابنة له عمرها عشرون عاما ولا يعلم بوجودها. ومفاجأة اقترابه من الموت في الجزء الثاني.

 هذه الفكرة البسيطة حول طبيعة الشخصية سهّلت الأمر كثيراً على الكدواني وفريق العمل. ملامح واضحة للشخصية وتركيبتها وأبعادها وهو ما ينطبق على الشخصيات الرئيسية الأخرى وعلى رأسها “رمضان حريقة” الذي أدى دوره الممثل محمد رضوان وكذلك شخصية “زينب” لسماء إبراهيم، ووضوح الشخصيات هذه تعود بالأساس إلى جودة النص وفهم المخرج أحمد الجندي للشخصيات وأدوارها وقدرته على وضعها ضمن الإطار الخاص بكل واحدة منها.

اللطافة في زمن القسوة

ومن الضروري الإشارة إلى أن نجاح العمل جماهيريا وتصدره “الترند” عبر وسائل التواصل الاجتماعي يعني فتح أبواب العمل لأبطاله. وبالتالي تعويض غياب عدد مهم من النجوم المصريين الراحلين كحسن حسني وعبلة كامل على سبيل المثال واللذان شكلا ثنائيا كوميديا في عدد من الأفلام الكوميدية قبل عقدين، بالإضافة إلى لطفي لبيب وأسماء أخرى.

السمة الرئيسية لإبراهيم المحمّدي شخصية ماجد الكدواني، هي لطفه الشديد في التعامل مع كل الناس وكافة المشاكل التي تعترض طريقه، هذا اللطف الذي ينجيه من الفخاخ التي يتعرض لها مرارا ويفوز في كل مرّة، حتى لو كان يتعامل مع شخصية قاسية كـ”أم الليث” وينجو علما أن هذا اللطف هو ما يجعله يقع في مواقف لا يُحسد عليها.

لا يحتاج ماجد الكدواني لإثبات نفسه كممثل على درجة عالية من الكفاءة، شاهدناه في أفلام “الفرح” و”الأصليين” و”لا تراجع ولا استسلام”، لكن الوضع هنا مختلف ويبدو أن الكدواني يشبه نفسه إلى حد كبير وربما وجد بالفعل العديد من التقاطعات بينه وبين شخصية إبراهيم المحمّدي، وليس من الصعب اكتشاف هذا الأمر بالنظر إلى ما قاله في لقاء إعلامي مرّة، وأثناء تكريمه في مهرجان القاهرة مرّة، وعندما ذكر صديقه الراحل الممثل خالد صالح في وقت ربما نسيه أو يتناساه الكثيرون.

هذا اللطف الذي قدمه الكدواني وقبله مخرج العمل أحمد الجندي نحتاجه اليوم في زمن قاس نعيشه جميعا، ونحتاج لشخص ما يذكّرنا بأن نوعية الأشخاص كالكدواني نحتاجها في حياتنا لنستطيع المضي قدما، كما نحتاج لشخص يشبه إبراهيم حريقة وزوجته زينب.

من الجيد أيضا أن ننظر إلى أن الفرصة الممنوحة للممثلة سماء إبراهيم لشغل مساحة كبيرة للغاية في العمل والتي تميزت منذ أدائها شخصية رئيفة في مسلسل ما وراء الطبيعة، ثم نجاحها في دور “الكبيرة فحت” في الكبير قوي الجزء السادس، ولديها القدرة الكاملة على تعويض غياب أسماء كبيرة اختفت أو توفيت وملئ مكانهم على الشاشة، والأمر نفسه ينطبق على الممثل محمد رضوان، وكلاهما سماء ومحمد يعملان منذ زمن طويل وآن الأوان لإنصافهما والاستحواذ على أدوار أكبر.

شخصيات غائبة حاضرة

من المهم أن تعود الدراما العربية لتقديم شخصية الشرير الكوميدي اللطيف القادر أن يكون شريكاً في الضحك وصنع المواقف الكوميدية لا مجرد جسر عبور لنكتة البطل لكسر النمطية والتجديد وصنع شخصيات جديدة، ومن هنا يُحسب لأحمد الجندي اختيار الممثل السوري – السعودي محمد القس والرهان عليه في إضحاك المصريين، وهو تحدي يعرف الجندي قبل القس أنه صعب للغاية، لكن الأخير نجح فيه وبشكل كبير صانعا غازي كشخصية له علامة قد تستمر طويلا، والأمر نفسه ينطبق على ياسمين وافي في دور “أم الليث”، باختلاف أنها مصرية بالفعل.

هذه الإيجابيات وغيرها وهي كثيرة بالمناسبة لا يعني أن الجزء الثاني عانى بالفعل من مشكلة جوهرية تتعلق بتطويل غير مبرر للعديد من المشاهد التي كان من الممكن اختصارها، ولعلّ أبرزها مشاهد رحلة بلغاريا، في البداية فسبب السفر نفسه إلى بلغاريا غير منطقي، ثم مشاهد طويلة في الغابة وسرقة سيارة غير مبرر أيضا، وكأن فريق الكتابة وجد نفسه وقد تورّط في رحلة بلغاريا فقرر زيادة المشاهد كيفما اتفق! خاصة أن إبراهيم نفسه لم يأخذ قرارا بإجراء العملية فما الداعي للسفر إذا.

أدت مشاهد العصابة والخطف والدخول غير المتوقع لأم الليث، والأداء رفيع المستوى للقس ورضوان لتعديل الكفة قليلا وإعادة العمل إلى طبيعته ونقطة قوته، اللطف والبساطة في صناعة الضحك والكوميديا.

الكدواني والجندي تحدثا في لقاء تلفزيوني عن وجود جزء ثالث، وهو أمر معلوم بالنظر لختام الحلقة الأخيرة والتي تعد بدورها بمفاجأة جديدة، ما يعني تحديات جديدة لفريق العمل، أهمها استمرار تطوير القصة والشخصيات وعلى رأسها شخصية سارة، وأداء الممثلة رنا رئيس والتي على الرغم من حضورها اللطيف على الشاشة إلا أنها تحتاج إلى المزيد من العمل على الأداء التمثيلي والإلقاء تحديدا، إذ إن رئيس وبرغم النجومية المتصاعدة لها منذ عام 2017 إلا أن سنوات الخبرة تلك لم تنجح في جعلها تأخذ شخصية غنية بالتفاصيل كشخصية سارة في موضوع عائلي إلى مستويات أخرى برغم الفرصة الذهبية لصناعة نجمة تلعب أدوارا كوميدية في زمن قلّت فيه هذه الشخصيات.

في الختام هناك العديد من العوامل التي تجعل من مسلسل موضوع عائلي مسلسلا ناجحا وامتلك العديد من المزايا أيضا أهمها على الإطلاق الحديث مجددا عن الطبقة الوسطى في مصر والخروج من عباءة دراما “الكامباوند” أو الحارات الشعبية والبلطجة، الطبقة الوسطى في مصر موجودة والحديث عنها شبه غائب عن الشاشات وربما في طريقه للانقراض كما الطبقة نفسها، حوارات بسيطة وخفيفة لطبقة تستحق الحديث عنها وعن مشاكلها وآلامها وطموحاتها في ظل الأزمات المتتالية التي تعيشها البلاد، ليست مصر فقط بل المنطقة ككل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة