في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب عشر ولايات تركية وأربع محافظات سورية وأودى بحياة قرابة 37 ألف شخص حتى اللحظة، جرت أول زيارتين خليجيتين لهاذين البلدين يوم الأحد الفائت. الأولى كانت زيارة إماراتية إلى دمشق والثانية زيارة قطرية إلى إسطنبول.

بعيدا عن زيارة أمير قطر، تميم بن حمد، إلى تركيا، فإن زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى سوريا ولقائه بالرئيس السوري بشار الأسد، تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول توقيت الزيارة ودلالاتها.

على الرغم من أن زيارة بن زايد هي الثالثة خلال عام تقريبا بعد زيارتين سابقتين؛ الأولى في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، والثانية مطلع العام الجاري، في 4 كانون الثاني/يناير الماضي، فإن ما يختلف هو المعطيات والسياقات الزمنية بين هذه الزيارات، لا سيما الزلزال الذي استقطب التعاطف العربي والدولي تجاه المأساة والوضع في سوريا وتقديم جلّ المساعدات الإنسانية عبر بوابات الحكومة السورية.

الإمارات التي سعت  إلى تحسين مكانة الأسد في الشرق الأوسط للمساعدة في موازنة النفوذ الإيراني في سوريا، عبر مواقف عدة، ولعل أبرزها إعادة فتح سفارة أبو ظبي في دمشق قبل عدة سنوات، بجانب الزيارات المتبادلة بين دمشق وأبو ظبي. لذا فكيف يمكن أن تُفهم زيارة بن زايد لدمشق في هذا التوقيت، وما الحجم السياسي والإنساني لتلك الزيارة، بالإضافة إلى تساؤل حول علاقة تلك الزيارة باستدارة الإمارات لدمشق ودورها في عملية تعويم الأسد التي تتخطى المصالحة مع دمشق.

إعادة تعويم الأسد؟

في السياق، استقبل الأسد يوم الأحد الماضي، بن زايد للمرة الثالثة في العاصمة دمشق، لبحث الآثار والتداعيات الذي خلفه الزلزال في سوريا. وقالت “وكالة الأنباء الإمارتية” (وام)، إن بن زايد نقل للأسد وللشعب السوري خلال اللقاء تعازي ومواساة الرئيس الإماراتي محمد بن زايد وحاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم بضحايا الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد مؤخرا، مؤكدا التزام بلاده تقديم الدعم والمساعدة لتخطي آثار الزلزال.

الوكالة أشارت إلى أن بن زايد شكر فرق البحث والإنقاذ الإماراتية التي أرسلتها أبو ظبي إلى المناطق المنكوبة ضمن نطاق سيطرة دمشق من أجل إنقاذ العالقين تحت الأنقاض ضمن عملية أُطلقت عليها اسم “الفارس الشهم 2″، وذلك خلال زيارة الفرق أثناء عملها في مدينة جبلة بريف اللاذقية.

من جهته، قال موقع “رئاسة الجمهورية العربية السورية” إن الأسد شكر خلال اللقاء الإمارات “قيادة وشعبا على المساعدات التي تقدمها للشعب السوري”، مشيرا إلى أن أبو ظبي من “أوائل الدول التي وقفت مع سوريا وأرسلت مساعدات ضخمة إغاثية وإنسانية وفِرق بحث وإنقاذ”.

الأسد أكد خلال اللقاء أنه يقدّر مواقف الإمارات واستجابتها السريعة والتي تعبر عن عمق العلاقات والروابط الثنائية مع سوريا، والمبادئ الإنسانية التي يمتلكها الشعب الإماراتي الشقيق. يبدو أن زيارات بن زايد إلى دمشق تتركز بشكل رئيسي على تعويم الأسد سواء إقليميا أو دوليا، بجانب دعم أبو ظبي لحل سياسي للصراع السوري المستمر منذ أكثر من عقد وذلك في خطوة لانفكاك حكومة دمشق من التبعية الإيرانية، وذلك عبر تفعيل نشاط اقتصادي وخدمي داعم لدمشق واقتصادها وصولا إلى البنى التحتية كخطوة أولية، وفق تقديرات المراقبين.

قد يهمك: تغيير جذري في العقوبات المالية على سوريا.. ما النتائج؟

الكاتب الصحفي السوري، عقيل حسين، يرى أن زيارة بن زايد الجديدة لدمشق “تأتي في إطار مساعي الإمارات لإعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه كي يكون مقبولا من العالم ومن الداخل إلى حد ما”. بمعنى أن الإمارات تحاول استكمال مساعيها لإعادة تعويم الأسد ولو على مستوى كسب عدة دول أخرى جديدة لجانب دمشق.

هذه العملية التي بدأت قبل عامين بالتعاون مع الأردن اكتشف من خلالها الجميع عدم جدواها وتأثيرها بمن فيهم الإماراتيون أنفسهم، لكنهم مع ذلك يحاولون استغلال أي فرصة لعل الأمر ينجح والزلزال كان مناسبة لتجديد وتعزيز الجهود في هذا الاتجاه”، وفق تقدير حسين لموقع “الحل نت”.

بعد أشهر من زيارة بن زايد لدمشق في عام 2021، زار الأسد الإمارات في آذار/مارس 2022، وهي أول زيارة له لدولة عربية منذ اندلاع الحرب في سوريا في 2011.

السياسي على حساب الإنساني؟

بحسب “وام”، زار عبدالله بن زايد المناطق المتضررة جراء الزلزال المدمر، والواقعة شمال غربي سوريا. وفي اليوم الأول للزلزال، أعرب الرئيس الإماراتي خلال اتصال مع الأسد عن وقوف وتضامن الإمارات مع سوريا “قيادة وشعبا” جراء الزلزال، مبديا استعداد بلاده للمساعدة في تجاوز آثار الكارثة.

آنذاك، ذكرت “وكالة الأنباء السورية” (سانا)، أن الجانبين بحثا العلاقات المتميزة التي تجمع سوريا والإمارات، والتعاون القائم بينهما في العديد من المجالات، إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الشقيقين.

بالعودة إلى الكاتب الصحفي السوري، فإنه لا شك أن الحجم السياسي هو العنصر الأكثر حضورا في زيارة بن زايد لدمشق، التي توظف الحجم الإنساني لتحقيق أهدافها، وهذا ليس أمر بجديد بكل حال، فمنذ بداية الاستدارة الإماراتية تجاه دمشق كان الشعار إنساني والعنوان هو مساعدة الشعب السوري، لكن عندما يقود وزير الخارجية الإماراتي الوفد، فالإطار أو الحجم السياسي هو الحاضر بالتأكيد.

أبوظبي اقتربت من الأسد، لا سيما بعد زيارته للإمارات العام الماضي، وهذه كانت واحدة من أقوى العلامات على أن أبوظبي تحاول بشكل حثيث فك العزلة الخليجية العربية عن الأسد، وخصوصا بعد قيادة جهود خليجية وعربية من أجل الدفع بعودة دمشق لشغل مقعد سوريا في “الجامعة العربية”.

فيما يرى مراقبون أن زيارات بن زايد لدمشق ودعم الإمارات لها، خاصة بعد الزلزال المدمّر، تعني أن الأمر يتطلب مشاورات عدة للتوصل إلى حلّ أو تسوية مع الأسد، أو ربما تحقيق ما ترنو إليه الإمارات بشكل عام من إعادة تعويم الأسد مجددا، خاصة وأن سوريا بلد مهم ولا يمكن تجاوزه عربيا وإقليميا، خاصة بعد توغل إيران عبر ميليشياتها في مناطق واسعة في سوريا.

قد يهمك: العقوبات والحملة الممنهجة.. مخاوف من استغلال دمشق للزلزال سياسيا؟

هذا وأعلنت دولة الإمارات، يوم أمس الإثنين، تسيير جسر جوي من 8 طائرات، 4 منها إلى اللاذقية و4 إلى دمشق، وذلك في إطار تعزيز إمداداتها الإغاثية إلى سوريا. ويوم الأحد الماضي، أعلنت دولة الإمارات عبر تسيير 37 طائرة شحن تحمل على متنها مواد غذائية وطبية وخيم إيواء للمتضررين من زلزال سوريا وتركيا، على مدار 7 أيام، ضمن عملية “الفارس الشهم 2”.

دعم اقتصادي هشّ!

أبو ظبي ليست الوحيدة التي قامت بإعادة علاقاتها مع دمشق، لكن تركيا التي تُعتبر لاعبا رئيسيا في الملف السوري عادت إلى التقارب والمصالحة مع دمشق. فقبل أسابيع عدة، انعقدت محادثات بين وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو في أعلى مستوى معلن بين الجانبين المتنافرين منذ بدء الحرب.

غير أن عمليات إعادة العلاقات مع دمشق التي تجري لم تحسّن حياة السوريين، وما زال الاقتصاد يعاني من الدمار وأكثر من نصف سكان البلاد الذين كان يبلغ عددهم زهاء 20 مليون نسمة قبل الحرب إما نازحين أو لاجئين. وصحيح أن الإمارات قامت بإعادة العلاقات مع دمشق وتسعى لتعويم الأسد مجددا، إلا أن الحديث عن دعم اقتصادي وتحسين البنية التحتية في سوريا، لا يمكن للإمارات أو لأي دولة أن تكون مستعدة لتقديم أي نوع من أنواع الدعم الاقتصادي لدمشق قبل إنجاز خطوات كبيرة في طريق الحل السياسي، فكل ما تقوم به هذه الدول من أجل إغراء حكومة دمشق بتقديم تنازلات والانخراط الجَدّي في العملية السياسية وإن كانت وفق شروط ومحددات لا تتناسب مع سقف المعارضة.

المبعوث السابق لوزارة الخارجية الأميركية الخاص بالشؤون السورية، جويل ريبورن، لفت إلى حالة التراجع الاقتصادي المتزامنة مع زيارة الوزير الإماراتي الثانية مطلع العام الجاري، والمساعي لجمع الرئيس التركي مع الأسد، على طاولة واحدة.

ريبورن، قال عبر منصة “تويتر“، إن الأسد قدّم تسجيلا مصورا لامعا لزيارة وزير الخارجية الإماراتي مطلع العام الجاري، ويفكّر أردوغان في مقابلة الأسد أيضا، لكن الواقع في سوريا هو الانهيار التام لـ”اقتصاد الأسد ودولته”، وتزيين النوافذ لن يغيّر ذلك، وفق تعبيره.

بالتالي، فإن الموقف الأميركي من محاولات التأثير على نبذ الأسد ليس جديدا، إذ نددت الخارجية الأميركية بزيارة الأسد إلى الإمارات، في آذار/مارس 2022، واعتبرتها محاولة واضحة لإضفاء الشرعية على الحكومة السورية، وفق ما نقلته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، حينها، عن المتحدث باسم الخارجية، نيد برايس.

لذلك، فإن موقف واشنطن واضحا من إعادة تأهيل الأسد سواء إقليميا أو دوليا، وقد جددت واشنطن رفضها للتواصل معه، خصوصا بعد سعي الحكومة السورية إلى تحقيق مكاسب جمة من الزلزال الذي دمّر أجزاء كبيرة من البلاد، وضغطت بشكل مكثف من أجل رفع العقوبات عنها من جهة وإرسال المساعدات الخارجية عبر بواباتها حصريا للتحرر تدريجيا من العزلة الدولية المفروضة عليها وإعادة تعويم نفسها من جهة أخرى.

الخارجية الأميركية رفضت مقترح اغتنام فرصة الزلزال للتواصل مع دمشق، قائلة إنها ستستمر في تقديم المساعدة للسوريين في المناطق التي تسيطر عليها دمشق من خلال المنظمات غير الحكومية في الميدان وليس من خلال الحكومة السورية، وتشير البيانات الأميركية إلى عكس ما تزعمه دمشق من أن العقوبات الأميركية تقف عائقا أمام تقديم المساعدات للشعب السوري.

كذلك، وتأكيدا على عدم صدق الحكومة السورية فيما تزعمه بخصوص العوائق الأميركية أمام المساعدات الإنسانية، أعلنت “وزارة الخزانة الأميركية”، مؤخرا أن عقوبات الولايات المتحدة المفروضة على سوريا لن تُطبّق على المعاملات الخاصة بتقديم المساعدات المتعلقة بالزلزال حتى الثامن من آب/أغسطس 2023. والوزارة الأميركية أوضحت في بيان رسمي، أن هذا الترخيص سيكون ساري المفعول لمدة 6 أشهر، مشيرة على وجه التحديد إلى أنه يُسمح بتحويل الأموال من وإلى سوريا.

لذلك، وعلى الرغم من فيض التعاطف الدولي والعربي مع السوريين الذين عانوا الكثير، فإن حكومة دمشق كانت ولا تزال تحاول الاستفادة من المواقف العربية والدولية، إلى جانب المساعدات وجميع القرارات الدولية لصالحها وإضفاء الشرعية عليها مرة أخرى، وبكل الطرق الملتوية الممكنة، ويبدو أن الإمارات ترغب أيضا، في ظل مأساة الزلزال بجذب تعاطف العديد من الدول واستكمال جهود إعادة تعويم الأسد، ولكن مع وجود رفض غربي وخاصة أميركي ضد الانفتاح على الحكومة السورية واستمرار العقوبات ضدها، ما لم تغير سلوكها العدائي وتبعيتها لكل من إيران وروسيا وتنفيذها للقرار الدولي رقم 2254، فإن كل هذه المساعي ليست سوى غيض من فيض.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة