لا يزال التصعيد العسكري التركي في شمال العراق، يشكل خطرا بإضافة المزيد من عوامل زعزعة الاستقرار إلى منطقة تتدخل فيها قوى أجنبية بحصانة من المحاسبة. فالتوغل والتقدم التركي عبر الحدود مع كردستان العراق، في منطقة تخلو من السكان بشكل متزايد، لم يثر اهتماما عالميا يذكر مقارنة مع عمليات التوغل التي نفذتها أنقرة في سوريا.

مسؤولون أكراد يقولون بأن “تركيا ربما تصبح متورطة أكثر في الأمر إذا تعرضت قواعدها الجديدة في العراق لهجمات متواصلة، كما يمكن أن يمنح تنامي وجودها إيران الجرأة على توسيع عمليات عسكرية في العراق ضد مجموعات تتهمها بتأجيج الاضطرابات في الداخل لديها” بحسب موقع قناة “الحرة” الأميركية.

قصف تركي مستمر

القصف التركي لمناطق وقرى حدودية في إقليم كردستان، ومحافظات أخرى، مستمر وخاصة خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث تستخدم أنقرة الأسلحة المتنوعة من طائرات ومدافع وأسلحة أخرى كثيرة، مبررة قصفها بتواجد عناصر من “حزب العمال” الكردستاني في تلك المناطق، الأمر الذي تنفيه قيادات كردية أخرى، والعديد من المسؤولين المحليين في مدن الإقليم.

ثلاثة مواقع عسكرية تركية، تعترض خط الأفق، على مشارف قرية سرارو المهجورة في شمال العراق، في إطار توغل أجبر السكان على الفرار العام الماضي بعد قصف استمر لأيام.

المواقع العسكرية هي جزء فحسب من عشرات القواعد العسكرية الجديدة التي أقامتها تركيا على أرض العراق خلال العامين المنصرمين مع تكثيفها هجوما مستمرا منذ عقود على مسلحين أكراد يحتمون في المنطقة الجبلية النائية هناك، بحسب تقرير لوكالة “رويترز”.

قد يهمك: الانتهاكات التركية لشمال العراق: ما حجم الخراب الذي خلّفه عشرون عاماً من القصف؟

رئيس بلدية سرارو عبد الرحمن حسين رشيد خلال زيارة للقرية، في كانون الأول/ديسمبر التي لا تزال فوارغ القذائف والشظايا متناثرة على أرضها يقول “عندما جاءت تركيا للمنطقة للمرة الأولى، أقامت خياما صغيرة محمولة لكن في الربيع أسست مواقع بالطوب والإسمنت”.

رشيد تحدث لوكالة “رويترز” بأن “المسيرات تئز فوق الرؤوس في المنطقة الجبلية التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن الحدود، وأن لديهم طائرات مسيرة وكاميرات تعمل طوال الوقت. يعلمون كل ما يجري”، وفق تعبيره.

تقرير نشره في آب/أغسطس 2022، تحالف من المنظمات غير الحكومية تحت عنوان “أنهوا القصف عبر الحدود”، ذكر أن 98 مدنيا على الأقل قتلوا بين عامي 2015 و2021.

أخطار التدخل التركي

هناك مخاطر كبيرة لتوغل القوات التركية في مناطق الشمال العراقي، بحسب حديث الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية جبار ياور منده، لـ”الحل نت”، إذ قال إن “أكثر من 450 قرية على طول الحدود قد أخلوها سكانها ونزحوا إلى مدن أخرى مثل دهوك وأربيل وبعض المناطق التابعة لمحافظة السليمانية، حيث تركوا ورائهم مزارعهم وأرزاقهم “.

منده يرى بأن لذلك تأثير كبير على الأوضاع الاقتصادية في الإقليم وأيضا على أوضاع هؤلاء المدنيين العزل الذين تركوا قراهم، حيث كان لهم النصيب الأكبر من القصف الجوي والمدفعي التركي. وبحسب منده، فقد قتل أكثر من 200 مدنيا من هذه المناطق خلال الأشهر القليلة الماضية نتيجة ذلك القصف.

العمليات العسكرية التركية المستمرة منذ تسعينات القرن المنصرم، تسببت بخسائر اقتصادية تجاوزات مليارات الدنانير، فضلا عن تأثر القطاع الزراعي، كون أغلب هذه المناطق هي زراعية.

رئيس مجلس محافظة دهوك فهيم عبد الله، أشار في تصريحات صحفية سابقة أن “الجيش التركي قطع آلاف الأشجار من غابات المحافظة خلال العام الماضي، لأسباب مجهولة”.

دخول الاراضي العراقية والقصف المستمر للأراضي العراقية على طول الحدود، وفق منده، يشكل خرقا للاتفاقات الدولية وحسب القوانين الدولية ما بين تركيا والعراق، بأنه ليس هناك أي ترخيص أو أي اتفاق ما بين الحكومة العراقية والتركية لدخول قوات الأخيرة وقصفها لمواقع ونقاط عراقية.

مخاطر أخرى يشير إليها منده، تتمثل بوجود مقرات للأحزاب إيرانية معارضة لطهران عل طول الحدود الإيرانية العراقية، إذ ممكن أن يدفع القصف التركي المستمر ودخول القوات التركية للأراضي العراقية في بعض الحالات، إيران لقصف مواقع ومقرات هذه الأحزاب المعارضة أيضا، إذ سبق وأن هددت طهران بأنها سوف تعمل كما تقوم به أنقرة من اجتياح للأراضي العراقية للقضاء على الأحزاب المعارضة للحكومة الإيرانية، بحسب منده.

اقرأ أيضا: هجوم صاروخي يستهدف قاعدة “زليكان” التركية شمالي العراق

طهران قصفت بالفعل بالصواريخ قواعد لجماعات كردية تتهمها بالتورط في الاحتجاجات المناهضة التي تعيشها، ما أدى إلى نزوح مئات الأكراد وسقوط بعض القتلى، بحسب موقع قناة “الحرة”.

تمدد تركي

هنالك تحركات مقلقة للجيش التركي في مناطق محافظة دهوك، وعلى مناطق الشريط الحدودي المثلث بين تركيا والعراق وسوريا مؤخرا، بحسب حديث عضو “الاتحاد الوطني” الكردستاني غياث سورجي، لـ”الحل نت” تركيا لديها أطماع في العراق، تحركاتها الأخيرة، هي بهدف إنشاء قواعد عسكرية جديدة للجيش التركي.

الجيش التركي لديه حوالي 20 قاعدة عسكرية ثابتة موزعة على محافظات دهوك وأربيل ونينوى، وهنالك حوالي 50 قاعدة صغيرة غير ثابتة متحركة على المناطق الجبلية، وفق سورجي.

المناطق العراقية تشهد من جهة الحدود الإيرانية المحاذية لإقليم كردستان استقرارا أمنيا، بعد توقف القصف الإيراني لأكثر من شهرين، نتيجة الاتفاق الذي عقد أثناء زيارة رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى طهران.

التحركات الأخيرة للجيش التركي والقصف المتكرر بحجة ملاحقة عناصر “حزب العمال الكردستاني” تعطي ذريعة لإيران لإعادة قصفها وتحركاتها وتلويحها بالهجوم البري على كردستان لذات الحجة، وهي ملاحقة عناصر الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، يقول سورجي.

محللون يرون بأن الفصائل الموالية لإيران في العراق لديها مبرر للرد على الوجود التركي، مما يزيد من احتمالات التصعيد بين القوات التركية وجماعات غير “حزب العمال الكردستاني”.

حمدي مالك المتخصص في شؤون الجماعات الشيعية العراقية المسلحة في “معهد واشنطن” يوضح في تصريح لموقع “الحرة”، بأن “الجماعات الموالية لإيران مثل لواء أحرار العراق، وأحرار سنجار، أعادوا إعلان هدفهم العام الماضي ليكون مقاومة الوجود التركي”.

وفقا لتقرير صادر عن “معهد واشنطن”، فقد زادت الهجمات على منشآت عسكرية تركية في العراق من 1,5 ضربة شهريا في المتوسط في بداية عام 2022 إلى سبع ضربات في نيسان/أبريل.

بالتالي على الحكومة العراقية التحرك السريع لإيقاف تمدد الجيش التركي شمالي العراق، وقيامه بتهجير العوائل، حيث قام مؤخرا بتهجير سكان أكثر من 25 قرية، كما تستمر العمليات العسكرية في مناطق كاني مآسي والعمادية وجبل مدينة وبارفا.

مراقبون يرون أن على الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، أن تتعامل بجدية وحزم أكثر مع ملف الخروقات التركية المستمرة على الأراضي العراقية، وإنهاء هذا الملف بالوقت القريب. في وقت يشكك العديد من المختصين في قدرة الحكومة على التعامل مع هذا ملف، ما لم تكن هناك إجراءات رادعة وحقيقية، وعدم الاكتفاء بالإدانة والاستنكار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

المزيد من مقالات حول ملفات ساخنة