في خطوة وصفت بمحاولة للضغط على المجتمع الدولي من أجل تحقيق مكاسب سياسية، وعلى أمل التخفيف من الضغوطات الاقتصادية التي تمر بها؛ قررت طهران إلغاء تفويض معظم مفتشي “الطاقة الذرية”، الذين يعملون في إيران تحت اتفاق ضمانات “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”، الأمر الذي ترك الباب مفتوحا على احتمالات عديدة، قد تدفع بمفاقمة معاناة النظام الإيراني.

الخارجية الإيرانية عزت، الأسبوع الماضي، الخطوة إلى ردّ طهران على مواقف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وألمانيا وفرنسا، خلال اجتماعات “مجلس الحكام” التابع لـ “لوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وذلك بعد أن أكد المدير العام لـ “لوكالة الدولية للطاقة الذرية” رافاييل غروسي، إلغاء إيران اعتماد عدد من مفتشي الوكالة.

القرار الإيراني الذي شمل مفتشينَ يقومون بتفتيش منشآت تخصيب اليورانيوم في البلاد؛ أدانته الوكالة الدولية، ودعت طهران إلى العدول عنه، والعودة إلى مسار التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وقالت في بيان لها، إن المفتشين الذين ألغت طهران اعتمادهم، هم من بين خبراء الوكالة الأكثر خبرة، ويتمتعون بمعرفة فريدة بتقنيات التخصيب. وقد أجروا أعمال تحقق مهمة في منشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية بموجب ضمانات الوكالة.

ما مبررات إيران لإصدار القرار؟

المفتشون الذين ألغيت اعتماداتهم هم ألمان وفرنسيون، وإن القرار شملهم بناء على ردّ إيران على بيان فرنسا وبريطانيا وألمانيا وأميركا، خلال الاجتماع الأخير لـ “مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، حيث أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أن الإلغاء هو ردّ على استغلال واشنطن والترويكا الأوروبية “مجلس حكام الوكالة” لأغراض سياسية.

مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية/ (رويترز)

إيران تدعي أن الدول الأوروبية الثلاث وأميركا؛ استغلت أجواء “مجلس الحكام” لأجل أغراض سياسية، بمطالبها المتزايدة بهدف تخريب فضاء التعاون بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، بالرغم من التعامل الإيجابي، والبناء، والمستمر، من قبل إيران مع الوكالة، وفق كنعاني، الذي أشار في بيان نشرته الخارجية الإيرانية، إلى أن القرار جاء بعد تحذيرات سبق ووجهتها بلاده من ما وصفه أي استغلال بهدف تسيس عمل الوكالة.

لذلك، لجأت طهران بحسب كنعاني، لإصدار قرارها بناء على أساس حقوق السيادة المصرّح بها في المادة التاسعة لاتفاق الضمانات الشاملة، بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، وجاء ذلك بعد أن كانت زيارة غروسي إلى طهران، مطلع آذار/مارس الماضي، قد توجت باتفاق مع محمد إسلامي رئيس “منظمة الطاقة الذرية الإيرانية” حول خارطة طريق لحل الخلافات بين الطرفين. 

فبعد الاتفاق بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، و”منظمة الطاقة الذرية الإيرانية”، بدأت وفود فنية من الوكالة بزيارة إيران، فضلا عن زياراتٍ لوفود إيرانية فنية إلى مقر الوكالة في فيينا لبحث القضايا العالقة، إلا أنه من المتوقع أن يؤدي قرار إلغاء تفويض بعض المفتشين الدوليين، إلى عودة التوتر بين الجانبين، بما يدفع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية لاتخاذ قرارات تصعيدية ضد طهران.

تعليقا على ذلك، يرى الخبير في الشأن الإيراني، وجدان عبدالرحمن، أن منع إيران بعض مفتشي الوكالة الدولية من دخول البلاد، دون أدنى شك ستكون له عواقب كبيرة من قبل “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، التي عبّرت عن موقفها من خلال رئيسها غروسي الذي أدان القرار، ومن قِبل دول “الاتحاد الأوروبي” التي سرعان ما أدانت إيران، مبيّنا أن هذه المواقف تؤشر على بداية الضغوطات فيما يتعلق بالقرار الإيراني.

عبدالرحمن، وفي حديث لموقع “الحل نت”، قال إن القرار سيكون له تبعات سياسة وعواقب خطيرة على مستوى إيران، لاسيما في الوقت الذي تدخل طهران فيه بمواجهة مباشرة مع الدول صاحبة القرار، مثل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، من خلال الحرب الروسية على أوكرانيا والتي تنخرط طهران فيها من خلال تقديم الدعم لموسكو، بالإضافة إلى التحالف مع الصين، قبل أن تختتمها بقرار إلغاء تفويض المفتشين الدوليين.

تبعات سياسية واقتصادية تتحملها إيران

بحسب الخبير في الشأن الإيراني، أن تدخّل إيران بمثل هذه الملفات، ومع إصدارها هذا القرار، وبينما تخالف الاتفاق الدولي حول الملف النووي، بامتلاكها أكثر من 18 ضعف من المسموح لها من اليورانيوم، بالإضافة لاستمرارها في تطوير أجهزه الطرد المركزي وتطوير الصواريخ والطائرات المسيرة؛ فإنها تعلن مواجهتها مع المجتمع الدولي.

رافائيل غروسي رئيس وكالة الطاقة الذرية/ إنترنت + وكالات

ذلك لأن كل تلك الأمور تنافي الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران عام 2015 مع الدول السّت الكبرى، بحيث أصبحت تمثل تهديدا لحفاء الدول الغربية في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما إسرائيل، وفق عبدالرحمن، الذي لفت إلى أن قرار طرد المفتشين الدوليين يسمح لطهران إنتاج المزيد من اليورانيوم مع عدم اطلاع الوكالات الدولية على ذلك، بالتالي هذا سيدفع المجتمع الدولي للتحرك دبلوماسيا وسياسيا ضد طهران.

على هذا الأساس، إن من شأن ذلك أن يزيد من عزلة إيران الدولية، ما يعني فرض المزيد من العقوبات التي ستنعكس على مستوى ارتفاع معدلات التضخم في الداخل الإيراني، يبين الخبير في الشأن الإيراني، ويلفت إلى أن القرار الإيراني يأتي في سياق سياسات طهران التي تسعى من خلالها الضغط على خصومها، إذ إنها تعتقد أن الضغط على “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”، سيحقق لها مكاسب تجاه الدول الغربية.

عبدالرحمن أوضح، أن إيران تحاول الحصول على امتيازات من الدول الغربية، وذلك على غرار ما فعلته في ملف السجناء الأميركيين، حيث استطاعت من خلال استخدام ملف السجناء في الإفراج عن بعض أموالها المحجوزة، لذلك هي تريد أن تكرر تطبيق المعادلة على الملف النووي، التي تسعى للحصول على بعض التنازلات فيما يخص هذا الملف.

غير أن ما تفعله إيران في هذا الجانب، لا يمثل سوى هروب إلى الأمام، بحيث أنها لم تعد قادرة على العودة إلى الوراء، حيث أصبح ذلك صعبا جدا، ما يعني عمليا أن طهران ورّطت نفسها في سباق ستكون الخاسر الوحيد في نهايته، كما يؤكد الخبير في الشأن الإيراني، ويلفت إلى أن هذه التحركات والقرارات، ستنعكس سلبا على الوضع الاقتصادي الإيراني المتأزم أساسا.

إذ سيزيد ذلك من الضغوطات على النظام الإيراني أكثر مما هو عليه الحال الآن، الأمر الذي سيولّد ضغوطا داخلية، ستنعكس أيضا على النظام، فالشعب الإيراني، بحسب عبدالرحمن، يواصل تضيقه على النظام بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة نتيجة سياسات النظام، بالتالي أن مثل قرار إلغاء تفويض المفتشين الدوليين، سيؤدي إلى اتخاذ المزيد من العقوبات من قبل الدول الغربية على إيران التي ستولّد جميع تلك المشكلات للنظام الإيراني.

نقطة الخلاف بين إيران و”الطاقة الذرية”

بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية” العديد من الخلافات، من أهم النقاط الخلافية، قضية التحقيقات التي تجريها الوكالة حول ثلاثة مواقع إيرانية، كانت قد أعلنت الوكالة أنها عثرت فيها على جزيئات اليورانيوم المخصّب، مما شكل إحدى أهم نقاط الخلاف بين الطرفين.

إيران تسحب تفويض مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية/ (AFP)

ذلك لأن الطرفين، توصلا عدة مرات إلى تفاهمات لحل هذا الملف، لكنها أخفقت، وتحولت قضية المواقع الثلاثة إلى عقبة رئيسية أمام الاتفاق النهائي في المفاوضات النووية المتوقفة برغبة غربية، منذ أيلول/سبتمبر الماضي، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.

بناء على ذلك، كان المدير العام لـ “لوكالة الدولية للطاقة الذرية” قد صعّد من انتقاداته لإيران، خلال الاجتماع الأخير لـ “مجلس محافظي الوكالة”، قائلا إن الوكالة لا يمكنها التأكيد على أن البرنامج النووي الإيراني “سلمي بالكامل”، داعيا الحكومة الإيرانية إلى تقديم توضيحات بشأن آثار يورانيوم اكتشفت سابقا في المواقع الثلاثة آنفة الذكر، في حين عبر عن أسفه من “تصعيد نووي” تمارسه إيران.

يشار إلى أنه، مع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى السلطة، عادت المفاوضات النووية لإحياء الاتفاق النووي من جديد في 2 نيسان/أبريل 2021 في فيينا، بمشاركة أعضاء الاتفاق المتبقينَ، إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا، إلا أن المفاوضات كانت بالأساس مباحثات غير مباشرة بين وفدي طهران وواشنطن في فيينا، حيث رفضت الحكومة الإيرانية إجراء أي مفاوضات مباشرة مع الإدارة الأميركية.

الطرفان أجريا ثماني جولات من المفاوضات في فيينا، وجولة في الدوحة، لكنها لم تفضِ إلى اتفاق لإحياء الصفقة النووية بسبب خلافات جوهرية مرتبطة برفع العقوبات، والضمانات التي طلبتها طهران، فضلا عن خلافات عالقة بين إيران و”الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

تقدّمٌ كبير تحقق في بعض الأحيان خلال المفاوضات، وزاد التفاؤل بإمكانية التوصل إلى اتفاق اعتبره بعضهم في حينه قريبا، غير أن شنَّ روسيا، التي كانت وسيطا بارزا بين طهران وواشنطن أثناء المفاوضات، حربا على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، وما تبعه من توتر العلاقات بين روسيا والغرب، أنهى الوساطة الروسية، مما شكل ضربة كبيرة للجهود الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة