تواجه مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا، تحديات عديدة لا تبدو هينة في الفترة الحالية، سيما وأن إيران تحمل معها الكثير من المنغصات والعواقب أمام المجتمع الدولي، إضافة إلى إقلاقها السلام والأمن في المنطقة، في ظل مناوراتها ومشاكساتها المستمرة، ما يرفع من احتمالات أن يكون الاتفاق النووي الذي تنتظره طهران في مهب الريح.

زعزعة الثقة

ومن دون شك، فإن ثمة أسبابا عديدة تزيد من فجوة الثقة القائمة بين الطرفين. إذ أن إيران، رغم إدعاءاتها الالتزام بمحددات المنظمة الدولية للطاقة الذرية، إلا أنها بدت حريصة على البحث عن ما يمكن تسميته بـ”ثغرات” في تفاهماتها مع القوى الكبرى، وفق حديث الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، علي جواد، على غرار إصرارها على مواصلة إجراء تجارب لإطلاق صواريخ باليستية، معتبرة أن ذلك لا يشكل انتهاكا لأي اتفاق، أو قرارات مجلس الأمن، بحجة أن المنظومة التي تمتلكها ليست مخصصة لحمل أسلحة نووية.

وفي مقابل ذلك، فإن رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران لن يتم على النحو الذي كانت تتوقعه الأخيرة، التي وجهت اتهامات مباشرة للولايات المتحدة الأمريكية، في وقت سابق، بأنها تعرقل التعاملات المالية والمصرفية بين المصارف الإيرانية والأجنبية، وتدفع بعض الشركات الأجنبية إلى العزوف عن إبرام صفقات مع شركات إيرانية خشية تعرضها لعقوبات أميركية.

منذ مجيء الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض مطلع 2021، عاد الحديث مجددا عن العودة لاتفاق 2015، بشروط منها: امتثال إيران الكامل لبنود الاتفاق، في حين اشترطت إيران رفع العقوبات أولا قبل التوقيع على الاتفاق بصيغته الأساسية أو بصيغة جديدة تفرزها مفاوضات الجانبين، إيران ومجموعة الدول الخمس الكبرى زائد المانيا (مجموعة العمل المشتركة).

وعلى مدى عام كامل، أجرت إيران مفاوضات مباشرة في فيينا مع كل من الصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، لإحياء الاتفاق النووي، بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة من خلال الاتحاد الأوروبي الذي لعب دور المنسق بين الجانبين الإيراني والأميركي.

بعد مرور عام على انطلاق المفاوضات الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني، لا يبدو واضحا ما إذا كان ما زال ممكنا الوصول إلى اتفاق. فبعد ثماني جولات، دخلت المفاوضات طور الجمود منذ 11 آذار/مارس الماضي، بسبب إصرار إيران على رفع “الحرس الثوري” من قائمة التنظيمات الإرهابية (وأيضاً اسم المرشد من قائمة العقوبات)، وهو أمر تبدو كلفته السياسية عالية على إدارة الرئيس بايدن التي تواجه تحديا انتخابيا كبيرا في الخريف المقبل، في ظل ارتفاع أسعار الطاقة، على الرغم من أن إنتاج إيران الحالي من النفط يصل تقريبا إلى مستويات ما قبل إعادة فرض العقوبات نتيجة غض طرف أميركي، تزايد خصوصا بعد اندلاع حرب أوكرانيا.

حرب جديدة في المنطقة؟

وفق مادة تحليلية نشرها موقع “العربي الجديد” فإن إدارة الرئيس بايدن لا تريد التورط في حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهو أمر محتمل، في حال واصلت إيران تطوير برنامجها النووي، وصولا إلى إنتاج سلاح نووي. فيما يحتاج الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى اتفاق يمكنه من تنفيذ وعوده الاقتصادية وتكريس حكمه، مع بروزه خليفة محتملا للمرشد، وهو يسعى من ثم إلى إنعاش الاقتصاد الذي خسر نصف حجمه بفعل الضربة الثلاثية المتمثلة بعودة العقوبات الأميركية، وانهيار أسعار النفط وتفشي وباء كورونا (انخفض ناتج إيران القومي من 430 مليارا عام 2018 إلى نحو 190 مليارا عام 2020).

في مقابل ذلك، فإن توصل مجموعة العمل المشترك إلى اتفاق مع إيران، من شأنه أن يعيد حسابات بعض الأطراف الإقليمية في مواجهة التحديات الإيرانية الجديدة بعد رفع العقوبات عنها وتحرير أصولها المالية.

ومن هذه التهديدات، احتمالات زيادة دعم الجماعات الحليفة لإيران، والتي تهدد أمن دول عدة منها: السعودية والإمارات وإسرائيل والعراق ودول أخرى، ما لم تواصل بعض الدول مثل السعودية مباحثاتها مع طهران؛ لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، وتقديم ضمانات بعدم دعم الأنشطة المزعزعة للاستقرار أو دعم الجماعات المسلحة، مثل جماعة الحوثي في اليمن.

وتأمل بعض الدول الخليجية في توقيع اتفاقية أمنية إقليمية بين دول المنطقة بما فيها إيران، بعد توقيع مجموعة العمل المشتركة وإيران على اتفاق الملف النووي، حسب تصريحات لوزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية في منتدى الدوحة في 27 آذار/مارس الماضي.

تُعتبر العودة إلى تطبيق خطة العمل الشاملة المشتركة أو التوصل إلى اتفاق عام لإبرام اتفاقات مكملة في المستقبل المنظور، محفوفة بالمخاطر. وسوف تؤدي، في أفضل الأحوال، إلى اتفاق هش. لذا يجب أن تفرض إدارة بايدن شروطا للقبول بمعاودة العمل بالخطة، وأن يترافق ذلك مع التحلي بالصبر الاستراتيجي.

ينبغي التوصل إلى اتفاق أقوى وأطول مدى من أجل تخفيف المخاطر التي تهدد استقرار المنطقة. “يمكن اعتبار المسائل غير النووية، في أي اتفاق جديد، مكملة لخطة العمل الشاملة المشتركة. ونظرا إلى صعوبة تحقيق هذا الهدف في المدى القصير، قد يكون من الأفضل النظر في إبرام اتفاق مؤقت لإنهاء المأزق الحالي المرتبط بتوسيع نطاق المفاوضات، وفي إطار هذا الاتفاق، يمكن أن ترفع الولايات المتحدة بعض العقوبات فيما توقف إيران أنشطتها النووية التي تشكل انتهاكا لخطة العمل الشاملة المشتركة. بحسب المحلل السياسي الإيراني علي أفشاري. ولكن رفع جميع العقوبات في آن واحد يتسبب بزيادة الالتباس في ما يتعلق بالسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

في الوقت الراهن، ليست إيران في موقع قوي يتيح لها أن تستمر في المعاندة، وذلك بسبب تراجع نفوذها في العراق ولبنان، فضلا عن الوضع الاقتصادي الكارثي في الداخل. يتعرض المسؤولون الإيرانيون لضغوط شديدة من أجل تقديم التنازلات ومعالجة التحديات الخارجية للتخفيف من وطأة المخاطر التي تهدد بقاءهم.

الاحتمال ضئيل بأن تُغيّر إيران استراتيجيتها. فهي تسعى إلى إنهاء مفاوضات فيينا من خلال الاستفادة من تخفيف العقوبات الذي سينبثق عن هذه المفاوضات. ولكن في ما يتعلق بالتحديات الداخلية المتعاظمة، مثل فقدان النظام للشرعية والمسائل البيئية والمشقّات الاقتصادية وتيارات الثقافة المضادة، تطرح علامات استفهام حول قدرة النظام على البقاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة