في خضم أزمة الطاقة العالمية، وخاصة في القارة الأوروبية، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا ومن ثم إيقاف خطوط أنابيب الغاز الروسية التي تغذّي الدول الأوروبية، ثمة منافسة جديدة تُضاف إلى قائمة التنافس الإقليمي الطويل الأمد بين المغرب والجزائر، حيث يتنافس البلدان على شراكات في مجال الطاقة في أوروبا.

منذ تعليق الغاز الروسي ظلت الدول الأوروبية تسعى وتبحث بشكل حثيث لتأمين بدائل لإمدادات الغاز الروسي، ويبدو أن القارة الإفريقية، وخاصة دول الشمال، هو المكان الأفضل والأنسب لهذا البديل. وبعد أن توجهت أوروبا إلى القارة الإفريقية وقدمت العديد من العروض والشركات في مجال الطاقة، اشتدت المنافسة بين الجارتين، الجزائر والمغرب، للظفر بصفقة أنابيب الغاز المتّجهة إلى أوروبا.

على الرغم من التوترات في ديناميكيات الطاقة في المنطقة منذ سنوات، فقد دخلت المنافسة بين المغرب والجزائر مؤخرا فصلا جديدا بعد أن أعلنت نيجيريا عن وصول مشروع خط الأنابيب الذي سيربطها بالمغرب ثم أوروبا مرحلة البحث عن التمويل، حسب بعض التحليلات.

بالتالي ومع ارتفاع الطلب على الطاقة بشكل أكبر في الوقت الراهن، سيتم رسم خطوط الطاقة عبر منطقة شمال إفريقيا حيث تتصاعد حدة المنافسة على قضية الطاقة الرئيسية. وهذا ما يثير تساؤلات حول كيف سيؤثر هذا التنافس الجزائري المغربي على علاقتهما المتصدعة أصلا، وكيف ستساهم هذه المنافسة على خطوط الغاز إلى نشوب معركة دبلوماسية أكبر بكثير بين المغرب والجزائر تهدف إلى بسط نفوذهما على المنطقة، ومن ثم انعكاسات المتغيرات الدولية والإقليمية على العلاقات الجزائرية المغربية، لا سيما أزمة الطاقة، وكيف سيؤثر ذلك على “اتحاد المغرب العربي”.

توترات جديدة

في سياق التنافس الطاقي في المنطقة، تحركت دولة إسبانيا لإعادة فتح خط الأنابيب المغربي الأوروبي وتعزيز إمدادات الغاز المغربي بعد أن توقف لأكثر من عام جرّاء النزاع الجزائري المغربي، وهذا الأمر أدى إلى تفاقم وضع الجزائر إلى حدّ كبير، وذلك على الرغم من تعهد مدريد بأن العقد الجديد لن يشمل إرسال الغاز الجزائري للمغرب.

بالنسبة لإسبانيا، فهي تدرك أنه لا يمكن الاعتماد على الجزائر في صادرات الغاز المستقبلية، مما دفع مدريد إلى الاعتماد أكثر على المغرب كمورّد رئيسي للطاقة، وفقا لتحليل أجراه “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى“، ونُشر مؤخرا.

كذلك، يجعل خط الأنابيب المغربي-النيجيري المرتقب، الشراكة مع المغرب أكثر قيمة بالنسبة لإسبانيا، حيث أن احتياطيات الغاز الهائلة التي تستحوذ عليها نيجيريا قد تمكّنها من أن تُصبح شريان الطاقة الرئيسي في أوروبا في ظل غياب صادرات الغاز الروسية.

في هذا السياق يرى الباحث السياسي، الدكتور العيد زغلامي، أنه لا يوجد صراع محتدم بين الجزائر والمغرب في مجال الطاقة، ذلك لأن المغرب ليست دولة كبيرة منتجة للطاقة، حيث لا يوجد فيها غاز ولا نفط، وهذا يعني وفق حديثه لموقع “الحل نت”، أن الرباط في أمس الحاجة إلى استهلاك المدّ الحيوي لإسبانيا، ذلك عبر خط أنابيب الغاز النيجيري الاستراتيجي الذي يمرّ عبر أراضي المغرب باتجاه إسبانيا.

إلا أن الخبراء يرون أن الأمر أدى إلى تفاقم الأزمة بين الجزائر والمغرب، حيث يسعى البلدان للاستحواذ على أكبر عدد ممكن من صفقات الطاقة مع الدول الأوروبية، خاصة في أعقاب أزمة الطاقة العالمية وحاجة أوروبا الملحّة، وبالتالي هذا يؤدي إلى زيادة طول أمد الأزمة بين البلدين، حيث سيؤدي إلى نشوب معارك دبلوماسية أكبر في الفترات المقبلة.

قد يهمك: سياسة البرلمان المغربي الجديدة نحو أوروبا.. تعزيز علاقات أم فراق؟

إن مسار خط الأنابيب بين المغرب ونيجيريا، مسار قابل للتطبيق لأنه يعتمد على خط أنابيب غاز غرب إفريقيا القائم فعليا والذي ينقل الغاز النيجيري إلى بنين وتوغو وغانا عبر الرابط البحري. بموجب الاقتراح الجديد، سيتم تمديد خط الأنابيب البحري هذا على طول ساحل غرب إفريقيا عبر بلدان مثل ساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو والسنغال وموريتانيا والمغرب. بعد ذلك يكون مسار نقل الغاز من المغرب إلى أوروبا عبر إسبانيا سهل، نظرا للقرب الجغرافي.

الخبراء يتوقعون أن المغرب، سيكون من أوائل المستفيدين من هذه الشركة الاقتصادية حيث سيصبح قادرا على تغطية احتياجاته من الطاقة، فضلا عن تحقيق الاستقلال في هذا المجال، وتسريع وتيرة استكمال مشاريع تمديد الكهرباء. كما ستُمكّن تلك الشراكة المغرب من إعادة تحديد علاقاته مع نيجيريا، لا سيما في قضية الصحراء، التي ستتيح للرباط حضورا أوسع في منطقة غرب إفريقيا، وهو ما قد يؤدي إلى حدوث توترات جديدة مع الجزائر.

لا يوجد تنافس؟

إذا ما تم الحديث بمنطق الجيوسياسي للطاقة، فإن الجزائر كما هو المعلوم تحتوي على مصادر للطاقة وتزوّد الدول الأوروبية بها، عبر خط الأنابيب الجزائري-التونسي-الإيطالي، وقد أكدت الزيارة الأخيرة لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني للجزائر، على ذلك وقالت إن إيطاليا ستصبح ممول الغاز الأوروبي، من خلال صفقاتها وشراكاتها مع الجزائر ودول شمال إفريقيا الأخرى.

بحسب وجهة نظر الزغلامي، لا توجد منافسة أو أزمة بين المغرب والجزائر نتيجة صفقات الطاقة مع الدول الأوروبية، بل هناك مشاكل أخرى بين البلدين، من حيث ملف الصحراء المغربية.

ملف الصحراء المغربية معقّد وطويل، والجزائر هي من تدعم جبهة “البوليساريو”، الساعية للحصول على حق تقرير المصير في تلك الصحراء، وهذا الأمر يجب حله ضمن أروقة المجتمع الدولي، ولا يجب أن يمتد إلى نشوب أزمات ضمن ملفات أخرى بين البلدين، كي لا تتفاقم الأزمة بينهما أكثر مما هي عليه.

زغلامي يرى أن زيادة حدة المشاكل بين البلدين وتركها دون حل لفترات طويلة سيؤدي إلى اندلاع أزمات أخرى، ربما كان آخرها الأزمة الرياضية التي زادت من تعقيد الأمور بين الجزائر والمغرب، وفق تعبير الباحث السياسي.

أواخر كانون الثاني/يناير بدأت ميلوني بزيارة إلى الجزائر واستمرت لنحو يومين، في أول زيارة خارجية لها منذ توليها منصبها، وبحثت آنذاك مسألة زيادة إمدادات الغاز.

قالت “وكالة الأنباء الجزائرية” إن زيارة ميلوني تعكس متانة العلاقات التاريخية بين الجزائر وإيطاليا، والإرادة المشتركة في تطوير التعاون الثنائي أكثر فأكثر، مشيرة إلى أن زيارة ميلوني هي الأولى إلى الخارج منذ توليها رئاسة وزراء إيطاليا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والزيارة الثالثة لرئيس وزراء إيطاليا إلى الجزائر خلال عام واحد.

إلى ذلك أصدرت رئاسة الوزراء الجزائرية، بيانا مقتضبا، ذكرت فيه أن ميلوني جاءت على رأس وفد وزاري هام في زيارة تأتي بعد 6 أشهر من القمة الجزائرية الإيطالية في يوليو/تموز الماضي، التي تم خلالها الاتفاق على زيادة إمدادات الغاز الجزائري إلى روما.

هذا وتسعى إيطاليا لضمان زيادة تدفق الغاز بالكميات المتفق عليها والمقدرة بـ 9 مليارات متر مكعب، في ظل تنافس عدة دول أوروبية على التّزود بالغاز الجزائري. وقد ارتفعت إمدادات غاز الجزائر إلى إيطاليا إلى 25 مليار متر مكعب في 2022، ومن المرتقب أن تبلغ 30 مليار متر مكعب بين 2023 و2024.

كذلك، إيطاليا تبحث مع الجزائر وربما ليبيا مقترحات بجعل إيطاليا مركزا لتوزيع الغاز أوروبيا بدلا من إسبانيا. ومن المرجح أيضا أن تتم إعادة إحياء مشروع أنبوب “غالسي” الرابط بين الجزائر وجزيرة صقلية الإيطالية، لأن أنبوب “إنريكو ماتي” المار عبر تونس يكاد يصل إلى ذروته البالغة 32 مليار متر مكعب.

قد يهمك: بعد تجديد ولاية غالي لقيادة “بوليساريو”.. ماذا ينتظر الصحراء الغربية؟

بالعودة إلى زغلامي، فإنه يعتقد أن سياسة الجزائر في هذا المجال بحاجتها حاليا إلى استثمارات أوروبية من أجل رفع إنتاجيتها. وعلى الدول الأوروبية الراغبة في الحصول على الغاز زيادة استثماراتها في هذا المجال بالأراضي الجزائرية. والآن أصبحت دولة الجزائر نقطة بحث لاستكشاف حقول الغاز الطبيعي، وبالتالي فهي بحاجة إلى تكنولوجيا متطورة وحديثة من قبل الدول الأجنبية، من أجل زيادة الاستثمار في البلاد. ومن ثم تحقيق ما ترنو إليه إيطاليا، وفق تعبيره.

هذا وأصبحت الجزائر المزود الرئيسي لإيطاليا بالغاز عبر خط أنابيب “ترانسميد”، الذي يربط الجزائر بإيطاليا عبر تونس، متخطية روسيا على خلفية حرب أوكرانيا. كما وأعلنت شركة الطاقة الإيطالية “إيني” في أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، عن استحواذها على أنشطة شركة “بريتش بتروليوم” (بي بي) في الجزائر، كما استحوذت على امتيازات في بعض حقول الغاز في الجزائر وهما “إن أميناس” و “إن صالح”. وتلعب شركة “إيني” الدور الأكبر ضمن خطة تأمين أمن الطاقة في القارة الأوروبية حيث تهدف إلى إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي وإيجاد إمدادات بديلة للغاز الروسي.

معادلة الصراع

بحسب بعض التقارير، فإنه حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا دخلت الرباط والجزائر في معركة محتدمة عنوانها أنابيب الغاز، وخلفيتها الصراع حول الصحراء الغربية. والمعركة أجّجتها أزمة الطاقة العالمية وبحث أوروبا المستعجل عن تنويع مصادرها من الطاقة.

كما ويتسابق المغرب والجزائر للظفر بغاز نيجيريا عبر أنبوبين متنافسين؛ الأول عابر للصحراء يمر بالنيجر والجزائر، وتعود فكرة إنشائه لسبعينيات القرن الماضي، قبل أن توثّق رسميا بين البلدين عام 2002؛ غير أن التنفيذ ظل يتعثر إلى هذا اليوم.

أما مشروع الأنبوب الثاني فينطلق من نيجيريا أيضا ليعبر 12 بلدا في غرب إفريقيا قبل أن يصل إلى المغرب ثم أوروبا. ومن المفارقات أن نيجيريا لا تنظر إلى المشروعين من زاوية المنافسة، ولكنها ترى فيهما وسيلتين متكاملتين لإيصال غازها إلى الأسواق الأوروبية.

الخبراء يقولون إن المشروع المغربي قد سجل نقاطا على حساب قرينه الجزائري، بعدما أعلن وزير النفط النيجيري، تيمبري سيلفا، أن بلاده والمغرب يعملان لاستكمال البحث عن رساميل لتمويل مشروع خط الأنابيب العملاق بين البلدين. وفكرة الأنبوب المغربي النيجيري حديثة العهد، وتعود لعام 2016 خلال زيارة العاهل المغربي محمد السادس لنيجيريا، حيث تم التوقيع على المشروع بالأحرف الأولى مع الرئيس النيجيري محمد بخاري.

في سياق متصل كتبت صحيفة “نويه تسوريخر تسايتونغ” السويسرية مؤخرا، معلقة “للوهلة الأولى تبدو نيجيريا بشكل خاص كمنقذ محتمل لأوروبا، وهي التي تعتبر ثاني أكبر مُصدر للغاز في إفريقيا وتملك أكبر الاحتياطيات، كما أنها تملك مشاريع ملموسة للتصدير إلى أوروبا”. غير أن طريق هذه المشاريع لن تكون مفروشة بالورود، ليس فقط بسبب تعقيداتها الفنية، ولكن أيضا لارتباطها باعتبارات جيوسياسية واستراتيجية.

مقابل ذلك، يعزو الخبراء اختيار إسبانيا وإيطاليا في معادلة الصراع المغربي الجزائري إلى عدة أسباب من بينها رغبة كل من إيطاليا والجزائر في تعزيز الشراكة بينهما في مجال الطاقة والإسراع في عقد الصفقات للحصول على حق التنقيب ونقل الغاز الطبيعي لأوروبا وهو ما سيفتح المجال أمامهما لتطوير مصادر الطاقة المتجددة، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر. فضلا عن ذلك، ستساهم تلك الشراكة في زيادة التعاون بين البلدين في ملفات أخرى مثل الهجرة غير الشرعية عبر البحر المتوسط، والملف الليبي وملف الصحراء الغربية.

قد يهمك: المواجهة بشمال إفريقيا.. نزاع الصحراء أجج توترات جديدة بين المغرب والجزائر؟

من ناحية أخرى، يُعتبر المغرب شريكا مرجعيا لإسبانيا نظرا لتعاونها العميق في شؤون الهجرة وموقعها الاستراتيجي الذي يسمح لها بأن تكون حليفا رئيسيا في الأمن ومكافحة الإرهاب والاستثمار في الطاقة.

التبعات والمستفيدون

في سياق متّصل، يقول العديد من المراقبين إن حالة القطيعة بين الجزائر والمغرب، هو السبب الرئيسي في عدم تنشيط “الاتحاد المغرب العربي”، لا سيما وأن عاصمة الاتحاد هي مدينة الرباط. وسيترتب على استمرار الأزمة بين البلدين نتائج وتأثيرات سلبية على دول المغرب العربي، من حيث تفتت للعلاقات.

زغلامي يرى من جانبه أن قضية “اتحاد المغرب العربي” قد طويت بسبب تعدد المشاكل والأزمات بين دول الاتحاد، إلى جانب عدم الجلوس على طاولة واحدة ووضع حلول أو أطر للاتحاد. والأزمات المتعددة بين بلدان الاتحاد أدت إلى ركود الاتحاد وعدم تنشيطه، ولا توجد مؤشرات أو دلائل يوحي بإمكانية إعادة تفعيل الاتحاد.

مما لا شك فيه أن ملفات كثيرة فاقمت الأزمة بين البلدين المغربيين، خاصة ملف الصحراء المغربية، ودعم الجزائر للجبهة الانفصالية، وفي الوقت الحالي، أدت المنافسة المحتدمة بين المغرب والجزائر على شراكات الغاز الطبيعي مع أوروبا إلى تعقيد العلاقات بين البلدين أكثر. وسيكون لذلك بلا شك انعكاسات سلبية على دول “اتحاد المغرب العربي”، سياسيا واقتصاديا وحتى مجتمعيا.

في العموم، يبدو جليا أن أوروبا ستكون المستفيد الأبرز من المنافسة على إمدادات الطاقة في شمال إفريقيا، حيث ستزود هذه التطورات المنطقة بعدة طرق جديدة لمعالجة مشكلة ندرة الطاقة في وقت تسعى فيه أوروبا إلى إنهاء اعتمادها على الغاز الروسي وإيجاد البدائل بأقل تكلفة ممكنة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.