تساؤلات عديدة تبرز إثر إعادة انتخاب إبراهيم غالي زعيما لولاية جديدة لجبهة “البوليساريو”، الساعية للحصول على حق تقرير المصير في الصحراء الغربية، ولعل أبرز التساؤلات تتمحور حول مسارات توجه الجبهة خلال المرحلة المقبلة ومستقبل الصحراء الغربية، وسط الصراع مع المغرب، بجانب الانقسامات المتفاقمة داخل الجبهة نفسها.

كذلك، لا بد من طرح بعض التساؤلات حول مدى احتمالية ظهور ضغوط وتحركات مغربية تجاه الجبهة ولا سيما وأن غالي من أشد الداعين إلى التصعيد مع الرباط، ويحظى بثقة الجزائر، بالإضافة إلى مصير المفاوضات بشأن الصحراء الغربية، وتبعات استمرارية مشكلة الصحراء على دول المغرب العربي ككل.

غالي “73 سنة”، والذي يشغل منصبه منذ عام 2016، أُعيد انتخابه خلال المؤتمر الـ 16، الذي عُقد في مخيمات “تندوف” جنوب الجزائر التي تعد الحليف الرئيس لجبهة “بوليساريو”، حيث صوت له 69 بالمئة من المؤتمرين مقابل 31 بالمئة لخصمه بشير مصطفى السيد، بحسب ما نشرت “وكالة الأنباء الصحراوية” التابعة للجبهة.

لا يخفى على أحد أن جبهة “البوليساريو”، التي سيستمر غالي في قيادتها لثلاث سنوات جديدة، كانت في صراع حاد منذ 1975 مع المغرب لانتزاع السيطرة على الصحراء، التي تؤكد الرباط أحقيتها فيها، لكن قضية الصحراء لم يُحسم أمرها بعد.

مسارات وتوجهات “البوليساريو”

جبهة “البوليساريو”، بدأت يوم الجمعة الماضي، مؤتمرها الـ 16 لتجديد قياداتها، في سياق توتراتٍ شديدة بين حليفتها الجزائر والمغرب الذي يسيطر على 80 بالمئة من هذه المنطقة، بحسب ما أوردته “وكالة الأنباء الصحراوية“.

إبراهيم غالي زعيم الولاية الجديدة لجبهة “البوليساريو”

هذا وعُقد المؤتمر بحضور أكثر من 2200 عضو في الجبهة، و370 ضيفا أجنبيا على بُعد 175 كيلومترا جنوب مدينة تندوف الجزائرية، في مخيم اللاجئين بالداخلة، الذي يحمل اسم بلدة ساحلية في الصحراء الغربية، وهي منطقة غنية بالفوسفات والثروة السمكية في قلب صراع متواصل منذ نصف قرن.

المؤتمر الـ 16، نُظّم تحت شعار “تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة”. وخصم غالي، هو مصطفى السيد ومعروف بمهادنته للمغرب، في حين يُعد غالي، وهو عسكري وسياسي من الداعين إلى التصعيد مع الرباط، حتى الحصول على استقلالية الصحراء الغربية.

في ظل الانقسامات الداخلية لجبهة “البوليساريو”، والانتقاد الحاد لغالي من قِبل منافسه مصطفى السيد لاستمرار ثقافة التشبث بالكرسي، بالإضافة إلى الفوضى التي سادت المؤتمر بين الطرفين. من أنصار الحزبَين، ما يشير إلى وجود انقسامات خطيرة داخل الجبهة، وبالتالي فإن هذا يدل على وجود هيمنة وفرض رأي من الجانب الجزائري الذي يؤيد غالي ويدعم الجبهة بالمال وما إلى ذلك، حسبما يوضح الباحث السياسي الدكتور سامح مهدي.

مصادر إعلامية محلية من داخل المخيمات، أكّدت حدوث فوضى كبيرة بعد خطاب مصطفى السيد الذي تحدث عن هزائم قيادة غالي على امتداد الفترة الماضية، كما انتقد استمراره في زعامة الجبهة، وأكدت المصادر أن أنصار غالي حاولوا التدخل من أجل وقف خطاب مصطفى السيد بالقوة، وهو ما ردّ عليه مساندو الأخير بالمثل، قبل تدخل أطراف أخرى، يُرجّح أنها من الأمن الجزائري بزي مدني، لإخراج المتعاركين وإتمام أشغال المؤتمر الذي أُجّل للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام.

قد يهمك: تقارب تفوح منه رائحة الطاقة.. إيطاليا والجزائر إلى حوار استراتيجي؟

مهدي يرى وفق حديثه لموقع “الحل نت”، أن الجبهة تشهد انقسامات داخلية إلى جانب عزلة خارجية بعد أن نجحت الدبلوماسية المغربية في حشد اعترافات دولية وإقليمية بمغربية الصحراء وبواقعية مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب الذي تقترحه الرباط منذ 2007 لتسوية هذا الصراع، كأحد الحلول المطروحة.

لذلك، حسب اعتقاد مهدي، طالما أن غالي يتبع رؤية دولة الجزائر، المتمثلة في استمرار الحرب الباردة مع المغرب، فإن توجهات الجبهة خلال الفترة المقبِلة ستتّجه للتصعيد مع الرباط، وإن كانت دبلوماسيا التي من المرجح أن تتحول إلى مناوشات على الأرض. لذلك يمكن القول أنه خلال الفترة المقبلة سيكون الأمر صعبا على الجبهة ولن تحظى بأي تأييد أو دعم من المجتمع الدولي طالما أن الجزائر تتجه نحو سياسة القطيعة مع الرباط.

كما أشار مهدي، حسب تقديره، إلى أنه لو تم اختيار مصطفى السيد كقائد للجبهة، لكان التغيير في مسار الجبهة معقولا وممكنا إلى حدّ ما، خاصة وأن هذا الشخص يعتقد بإمكانية التوصل إلى تسوية ما مع الرباط، أو مقايضة تسمح له بلعب دور في جنوب المملكة المغربية، بجانب شرعية من المجتمع الدولي.

وضع “صعب” للصحراء الغربية؟

مهدي، يرى أن سيناريو المواجهة العسكرية الكبيرة أو الحرب بين الرباط وجبهة “البوليساريو” مستبعد تماما في الوقت الراهن.

لكن، بحسب مهدي، لا يمكن التغاضي عن فصل الانقسامات الداخلية للجبهة، وتأثيراته على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة الصحراوية، والتي تتزامن مع النجاحات الدبلوماسية للرباط في الأشهر الأخيرة، خاصة وأن “البوليساريو” قامت بإرسال وفد لروسيا في وقت سابق، بهدف الحصول على دعم مالي وعسكري، غير أن موسكو اختارت الحياد في هذا الشأن، وبالتالي فإن وضع الجبهة صعب ولا يبشّر بأن يكون هناك انفراجات خلال فترة ولاية غالي.

هذا ويدور نزاع منذ عقود حول الصحراء الغربية التي يسيطر المغرب على جلّ ترابها ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه مقترحا منحها حُكما ذاتيا تحت سيادته، في حين تطالب جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر باستقلالها. وهي سبب رئيسي لتوتر العلاقات بين البلدين المغاربيين حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط منذ صيف 2021.

الجدير ذكره، أنه تم خرق قرار وقف إطلاق النار الذي كان ساريَ المفعول منذ العام 1991، في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بعد انتشار القوات المغربية في أقصى جنوب الإقليم لطرد مقاتلي “البوليساريو” الذين كانوا يغلقون الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا ويعتبرونه غير قانوني لأنه لم يكن موجودا حين تم الاتفاق مع الرباط.

منذ ذلك الحين، تقول جبهة “البوليساريو” إنها “في حالة حرب دفاعا عن النفس” وأعلنت “حرب، في كل أراضي الجمهورية الصحراوية، بما في ذلك المجال البري والبحري والجوي”.

غالي تزعم جبهة “بوليساريو” منذ تموز/يوليو 2016 خلفا لزعيمها التاريخي محمد عبد العزيز، الذي توفي قبل أسابيع قليلة. وغالي هو فضلا عن ذلك رئيس “الجمهورية العربية الصحراوية”، المعلنة من طرف واحد في عام 1976.

توترات وتصعيدات

في المقابل، وعقب انتخاب غالي لزعامة الجبهة من جديد، وجه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يوم الأحد الماضي، رسالة تهنئة له بمناسبة انتخابه على رأس الجبهة لولاية جديدة، وهو ما جعل مراقبون يرجحون أن تلجأ الجبهة في المرحلة المقبلة إلى التصعيد مع المغرب، وفق تقارير صحفية.

قد يهمك: “منتدى‭ ‬السلم‭ ‬الإفريقي“.. الآفاق والتحديات في مواجهة الحركات الإرهابية

بالعودة إلى الباحث السياسي، فإن هذا مؤشر على دعم الجزائر المستمر لغالي، وأن الجزائر سوف توظف الجبهة في صراعها مع الرباط، وبالتالي يمكن القول، أن مستوى التوترات سوف يتصاعد خلال الفترة المقبلة، سواء بين الجبهة والرباط، أو الجزائر والرباط، وحالة القطيعة بين الدولتين سوف تستمر.

الباحث السياسي، يقول وفق تقديره، إن حالة القطيعة بين الجزائر والمغرب، هو السبب الرئيسي في عدم تنشيط “الاتحاد المغرب العربي”، لا سيما وأن عاصمة الاتحاد هي مدينة الرباط. وسيترتب على استمرار مشكلة الصحراء نتائج وتأثيرات سلبية على دول المغرب العربي نفسها، من حيث تفتت للعلاقات، خاصة بعد استقبال الرئيس التونسي قيس سعيّد العام الماضي زعيم جبهة “البوليساريو”.

الجبهة تحظى بدعم من الجزائر، التي قطعت علاقاتها مع المغرب صيف العام الماضي في خطوة فاقمت التوتر بين البلدين، ويُعتقد أن هذا الملف هو الذي أدى إلى اشتداد التوتر بين البلدين بشكل أكبر.

المراقبون يرون أيضا، إن تحرك الرباط بشكل كثيف في قضية الصحراء الغربية، جعل منها أن تأخذ دورا متقدما في هذا المسار، وهو ما سيجعل من الضغوط قوية على غالي في المرحلة المقبلة.

مصير المفاوضات الأممية

في سياق متّصل، يخيم جمود على مشهد المفاوضات الأممية بشأن الصحراء الغربية، حيث لم ينجح بعد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي باشر مهماته منذ أشهر في جعل أطراف النزاع تعود إلى طاولة المفاوضات.

ضمن هذا الإطار، يرى مهدي، أن المفاوضات لن تحقّق أي نتائج إيجابية لقضية الصحراء الغربية، ذلك لأن الجبهة تتبع أسلوب التصعيد مع الرباط، وتطالب باستقلالها الكامل، فيما ترفض الرباط هذا الأمر تماما وتقترح منح الصحراء الحكم الذاتي للمنطقة على أن تبقى تحت سيادتها. لا سيما أنها تسيطر على نحو 80 بالمئة من مساحة الصحراء، كما أن التعبئة الدبلوماسية الدولية التي حققتها الرباط تشير إلى أنه لن يكون هناك دعم أو اصطفاف دولي للجبهة.

بالرغم من الزيارات المتكررة التي قام بها دي ميستورا في الأشهر الأخيرة إلى الصحراء والجزائر والمغرب، إلا أنه فشل في إحراز أي تقدم في مسار المفاوضات.

في موضوع الصحراء الغربية، يصعب التكهن بما ستحمله الفترة المقبلة من تطورات، لكن الرباط حققت نجاحات ملحوظة عندما اعترفت قوى دولية مؤثرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وإسبانيا وغيرهما بحقها في الصحراء، وفتحت العديد من الدول قنصلياتها فيها، لكن الجبهة تواصل سياسة ما تسميه “الكفاح المسلح لإجبار الرباط على إجراء استفتاء لتقرير المصير”، بالتالي تبدو الفترة المقبلة مرحلة صعبة ومتوترة على مستوى الصحراء الغربية وكذلك العلاقات المغربية الجزائرية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.