الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، ألقى بظلال من الشك على إمكانية إجراء الانتخابات التركية في موعدها المقرر منتصف أيار/مايو القادم، وخصوصا بعد إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في الولايات التركية العشر المتضررة، وسط توقعات بأن تخلط آثار هذه الكارثة والتعامل معها الأوراق على الحكومة التركية بقيادة “العدالة والتنمية” والمعارضة.

حتى الآن لم يُحسم بعد قرار إجراء الانتخابات في موعدها المحدد الذي جرى تبكيره، وسط تضارب في المعلومات وحتى في قراءات مواد الدستور التركي بخصوص إمكانية تأجيل الانتخابات.

محللون أتراك رجحوا خلال حديثهم لـ”الحل نت”، أن يعمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ قرار تأجيل الانتخابات، نظرا لاستحالة إجراء الانتخابات في أيار/مايو القادم في الولايات العشر المتضررة (أضنة- أدي يمان- ديار بكر- غازي عنتاب- هاتاي- كهرمان مرعش- كيليس- ملاطيا- عثمانية- شانلي أورفا).

الانتخابات التركية أمام ثلاثة سيناريوهات

المحلل السياسي وعضو حزب “العدالة والتنمية” التركي، يوسف كاتب أوغلو، ناقش خلال حديثه لـ”الحل نت” ثلاثة سيناريوهات متوقعة لتوقيت إجراء الانتخابات التركية بعد الزلزال المدمر، مبينا أن السيناريو الأول هو تأجيل الانتخابات لمدة لا تقل عن نصف عام، وذلك نظرا لفداحة الكارثة واستحالة إجراء انتخابات في البلاد بعد 3 أشهر (منتصف أيار/مايو)، قبل لململة كل هذه الجراح التي خلفتها الكارثة، والأمر ذاته ينطبق على إجراء الانتخابات في موعدها السابق الذي ينص عليه قانون الانتخابات أي في منتصف حزيران/يونيو القادم، ويعلق بقوله: “البلاد غير مستعدة أيضا، والملايين غيروا مكان إقامتهم”.

أما السيناريو الثاني، وفق كاتب أوغلو، هو إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، لكن باستثناء الولايات العشر، لكن هذا السيناريو يبقى قليل الحظوظ، بانتظار القرار من أردوغان، وفي مثل هذا السيناريو لا يتم إعلان النتائج كاملة إلا بعد إجراء الانتخابات في الولايات المتضررة.  

أيضا ثمة احتمال ثالث، بموجبه يتم إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، دون إشراك الولايات المتضررة في عمليات الانتخابات، أو وضع آلية معينة تسمح بمشاركة سكان هذه الولايات في الانتخابات لكن خارج ولاياتهم. وبصرف النظر عن القرار الذي سينتهي إليه توقيت إجراء الانتخابات، فإن تركيا بحاجة إلى الوقت لاستيعاب تداعيات الزلزال، ما يجعل كاتب أوغلو أميل إلى تأجيل الانتخابات.

لكن وكالة الأنباء الفرنسية “فرانس برس”، أكدت نقلا عن خبراء أتراك أنه لا يمكن لأردوغان تأجيل الانتخابات إلى موعد أبعد من حزيران/يونيو، من دون تعديل الدستور، موضحة أن ذلك يحتاج غالبية الثلثَين في البرلمان، أي 400 صوت، علما أن أردوغان يملك مع حلفائه 333 صوتا، ما يعني أنه سيحتاج إلى المعارضة لدعم تأخير أطول.

الوكالة نقلت عن الخبراء قولهم إن الانتخابات في أيار/مايو باتت غير واردة، ولكن يمكن أن تتم في حزيران/يونيو، الذي يعد آخر موعد لإجرائها وفق الدستور.

المادة الخامسة من الدستور التركي تنص على أنه “في حال قررت الجمعية الوطنية التركية الكبرى عدم إمكانية إجراء انتخابات جديدة بسبب الحرب، يتم تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة عام، وفي حالة عدم اختفاء سبب التأجيل يمكن تكرار هذه العملية حسب الإجراء الوارد في قرار التأجيل”.

المحامي والباحث في القانون الدستوري بجامعة “مرمرة”، فرحات كوتشوك، يقول في تقرير نشرته “الجزيرة نت” إن “النطاق الدستوري والقانوني لهذه القضية واضح للغاية بالفعل، مضيفا “أكثر جوانبه وضوحا أن الانتخابات لا تؤجل إلا في حالة الحرب أو حالة العجز عن إجرائها”.

 أما رئيس المحكمة الدستورية السابق يكتا غونغور أوزدن فقال: “يمكن دائما إعلان حالة الطوارئ مع وجود مبرر، ولكن لا يمكن أن يكون الأمر هو تأجيل الانتخابات أو عدم إجرائها، لا توجد مادة في الدستور تنص على قانونية عدم إجراء الانتخابات في مثل هذه الأحوال”.

في المقابل، أكد العضو السابق باللجنة الدستورية المشتركة في البرلمان، أتيلا كار، أن المادة 78 من الدستور تسمح باتخاذ قرار تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية “إذا لم يكن من الممكن إجراء الانتخابات بسبب الحرب”. مضيفا “إذا أصبحت الانتخابات مستحيلة، فقد يقرر مجلس النواب باعتباره السلطة المخولة تأجيل الانتخابات لمدة عام واحد”.

بدوره، اقترح رئيس مجلس النواب السابق، بولنت أرينتش، تأجيل الانتخابات إلى تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، أو دمجها مع الانتخابات المحلية، المقرر إجراؤها في عام 2024، وفي حالة الخلاف بين الخيارين دعا إلى تحديد موعد تتفق عليه جميع الأطراف السياسية، وقال: “يجب تأجيل الانتخابات، إنها ليست ممكنة قانونيا وفعليا بعد الزلزال “.

المعارضة لا تدعم تأجيل الانتخابات

تأجيل موعد الانتخابات لا يخدم المعارضة التركية، التي تريد انتهاز الانتقادات الشعبية للحكومة على خلفية الحديث عن التأخر في اتخاذ الإجراءات العاجلة ما بعد الزلزال. 

في هذا الإطار تقول رئيسة حزب “الجيد”، ميرال أكشنار، إن “الانتخابات قد تتأخر حتى حزيران/يونيو، لكن تأجيلها لمدة عام غير ممكن، وإنه لا بد من أن نقوم بدورنا لإجراء الانتخابات”، أما القيادي الكردي المعارض، صلاح الدين دميرتاش فقال في بيان منسوب إليه: “أصدرت الحكومة تعليمات لمجموعة من المحامين لتأجيل الانتخابات، يستعدون لتجاهل الدستور بفرض الأمر الواقع، لا يمكن تأجيل الانتخابات إلا من قبل البرلمان، وبقرار إعلان حالة الحرب رسميا، ولا يوجد استثناء لهذا، الزلزال كارثة، وليس نعمة”.

نائبة رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، جوكتشا جوكتشن، تقول إن “المعارضة لن تعترف بأي أحكام طوارئ إذا تمت إساءة استخدام سلطاتها”، وذلك في إشارة منها إلى رفض خيار تأجيل الانتخابات علما أن تحالف “الطاولة السداسية” لم يتفق، حتى الآن، على مرشحه الموحد الذي سينافس أردوغان على الرئاسة التركية.

تداعيات ثقيلة على الحكومة والمعارضة

مهما كان الحال الذي سينتهي إليه موعد إجراء الانتخابات، فإن الزلزال فرض تداعياته الثقيلة على الحكومة والمعارضة. في هذا الصدد يقول الكاتب والباحث التركي، فراس رضوان أوغلو لـ”الحل نت”، إنه بإمكان المعارضة التركية استثمار صدمة الزلزال ضد الحكومة والائتلاف الحاكم.

على الطرف المقابل، يرى رضوان أوغلو، أن العمل الجاد من الحكومة التركية ودفع التعويضات للمتضررين يمكن أن ينقلب لصالحها، ويقول: “هناك أعمال كثيرة يتعين على الحكومة التركية الشروع بها، وبالتالي سنسمع في الفترة اللاحقة أصوات ماكينات العمل على الأرض، وليس تصريحات”.

مع ذلك، يقر الكاتب التركي بصعوبة المرحلة القادمة على الحكومة، لكنه يقول: “تبقى حظوظ الحكومة أقوى من المعارضة التي لا زالت مشتتة، فهي لم تتخذ أي مبادرة بخصوص الزلزال، ولم تعلن بعد عن برنامجها، بخلاف أردوغان الذي أخذ زمام المبادرة سريعا، وقال خلال عام سنعمر ما دمره الزلزال”.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان قد تعهد بإعادة تعيد إنشاء الولايات العشر المتضررة من الزلزال خلال عام واحد.

وقال الرئيس التركي، “سيعاد إعمار المناطق المنكوبة في أسرع وقت ممكن خلال عام واحد كما حدث في الزلازل السابقة، والدولة لن تترك أي مواطن في الشارع، وأن المساعدات ستقدم للجميع”.

لكن زعيم حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، كمال كليتشدار أوغلو هاجم أردوغان، متهما إياه بالفشل في جعل تركيا متأهبة للزلازل، وأضاف “إذا كان هناك شخص واحد مسؤول عن هذا (الزلزال) فهو أردوغان”.

في هذا الاتجاه، يرى يوسف كاتب أوغلو، أن مصداقية الحكومة التركية ستتضح من خلال تطبيق الوعود التي أطلقها أردوغان. مضيفا أن “لدى الأخير مصداقية كبيرة، بخلاف المعارضة التي تحاول تسيس الكارثة، علما أنها لا تمتلك برنامج عمل حقيقي”، على حد تقديره.

عليه، يُنتظر أن تكون الأيام القادمة حاسمة لجهة البت في موعد إجراء الانتخابات، ومع ذلك فإن تداعيات الزلزال ستكون فرصة لتسجيل نقاط بين الحكومة والمعارضة، حيث ستسعى الأخيرة إلى كسب أصوات الشارع في الولايات المتضررة والتي يتمتع في غالبيتها “العدالة والتنمية” بشعبية واسعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.