في محاولة لنشر ثقافة الابتكار الاجتماعي، على المستويات كافة، بما يعزز تنمية المواهب في المجتمع السعودي، والانتقال لمرحلة الاستثمار بالعقل البشري، اختتم الخميس الماضي في الرياض النسخة الثانية من “منتدى الابتكار الاجتماعي 2023″، الذي ينظمه “مركز إسبار للدراسات والبحوث”، بمشاركة 200 متحدث محلي وعربي ودولي وخبراء ومختصين.

العام الماضي، شهد انعقاد النسخة الأولى من “منتدى الابتكار الاجتماعي” في المدينة المنورة؛ وهو ملتقى سعودي دولي، يعمل على مناقشة مجالات الابتكار الاجتماعي، أملا في الاستثمار بطاقات المجتمع، ويقام بمشاركة عدد من الخبراء والمختصين في مجال الابتكار الاجتماعي محليا وعربيا وعالميا، ويقدم فرصة لقادة الجهات والمشاريع الاجتماعية والممارسين من جميع أنحاء العالم للتواصل وتبادل الأفكار في مجال ريادة الأعمال الاجتماعية والاستثمار الاجتماعي.

هذه السنة، وفي نسخته الأولى، ناقش المنتدى وعلى مدى يومي 15-16 الماضيين، أبرز مستجدات وتحديات الابتكار الاجتماعي في عدة جوانب ومجالات مختلفة، مؤكدا على أهمية دور المؤسسات في تطوير المجتمع وتأهيل أفراده ولا سيما الشباب لسوق العمل، مشددا على أن الاستثمار في رأس المال البشري من شأنه المساهمة في بناء عقليات إبداعية وابتكارية.

محاور “منتدى السعودية الابتكاري

جدول أعمال المنتدى ركز على عدد من المحاور منها دور الحكومات والمنظمات العاملة مع الشباب لدعم الابتكار الاجتماعي، وبرامج دعم رواد الأعمال الاجتماعيين، ودور التوازن البيئي في تنوع الحياة الفطرية والمجتمع والإنسان، واسهامات السياسات الأدبية والثقافية في تحقيق مجتمع مستدام، إلى جانب دور الابتكار الاجتماعي في تحسين جودة الحياة للشباب، والابتكار والتجديد في الممارسات الوقفية، ودور الذكاء الاصطناعي في ريادة الأعمال.

جلسات المنتدى اشتملت على عدة موضوعات كان من أبرزها نشر ثقافة الابتكار الاجتماعي والابتكار الاجتماعي في المجال التعليمي، والابتكار الاجتماعي والشباب تعزيز الإبداع والابتكار في البيئات المختلفة، وتحديات الابتكار الاجتماعي والاستدامة، والمبادرات المبتكرة لاستدامة بيئية، وتحسين جودة الحياة للشاب، والقيم في الابتكار الاجتماعي، ودعم الابتكار الاجتماعي في سياق “رؤية السعودية 2030″، ودور القطاع الخاص في تنفيذ مبادرات الابتكار الاجتماعي والرقمنة.

اقرأ/ي أيضا: تجاهل إفريقي واستياء مصري.. ما وراء غياب السيسي عن قمة أديس أبابا؟

إلى جانب تلك الموضوعات، تحدث المشاركون خلال جلسة بعنوان “دور الابتكار الاجتماعي في تحسين جودة الحياة للشباب” عن نماذج في الابتكار بالممارسات الوقفية، مثل متطلبات العصر ورسائله الحديثة، وحاجة المجتمع إلى دعم الابتكار، مبينين أن ما يقدمه الخبير من أفضل الحلول المتوقعة، خاصة إذا كان الابتكار يتميز بالاستدامة فإنه يحقق عوائد مالية وأثرا مجتمعيا لما يتميز به من قابلية التطور والنمو مستقبلا حسب حاجة المجتمع.

كذلك أشاروا إلى أهمية صنع الفرص الوظيفية في الابتكار في مجالاته كافة، وأهمية دعم الفرد للوصول إلى آفاق جديدة في عالم الابتكار الذي يعود بالنفع على أفراد المجتمع، لافتين الانتباه إلى أهمية مثلث “الإنسان والاحتياج والفرصة” في مجالات الابتكار.

لكن مع كل ما اشتمله المنتدى، وما يمكن أن يمثله من أهمية عالية على مستوى تطوير الابتكار الاجتماعي، ولعل هي أفضل وسيلة للاستثمار في العقل البشري، لخلق حالة من التنافس الإبداعي، والاستفادة من الطاقات الشبابية الوطنية فيما يخص دعم الحركة التقدمية في مجالات الحياة كافة، ما سينعكس بالضرورة على مستوى تطور الدولة، والنهوض بها إلى مصافي الدول المتقدمة، برزت بعض التساؤلات مثل؛ ما يمكن أن يحققه منتدى بهدا الحجم في سياق “رؤية السعودية 2030″، وإذا ما كان مخرجاته ستصب في صالح تطوير الاستثمار في العقل البشري، الذي سيتمخض عنه دفع عجلة تطور مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا وغيرها في السعودية.

قبل ذلك، إن “رؤية السعودية 2030” هي خطة ما بعد النفط للمملكة العربية السعودية أُعلن عنها في 25  نيسان/أبريل  2016، تتضمن مشاريع عملاقة تبلغ كلفة الواحد منها ما لا يقل عن 3.7 مليار ريال وتصل إلى 20 مليار ريال، كما في مشروع مترو الرياض، ويشترك في تحقيقها كلا من القطاع العام والخاص وغير الربحي.

في السياق، الباحث السعودي في مجال التخطيط الحضري عبد الرحمن الصايل، يشرح حول أهمية المنتدى وما يمكن أن يحققه في إطار تطوير الاستثمار في العقل البشري، بالقول إن السعودية ومن خلال رؤيتها الطموحة تحاول إيجاد حلول غير تقليدية لتحديات الحياة المعاصرة، وذلك في ازدهار الاقتصاد ونموه، وكذلك في إيجاد حلول مبتكرة لنمط الحياة؛ مثل منها في تصميم المدينة.

أهمية المنتدى في صالح “رؤية 2030”

الصايل الذي شارك في فعاليات المنتدى بقطاع المدينة، أوضح في حديثه لموقع “الحل نت”، أنه في إطار تلك الحلول صار من الممكن إيجاد المدن الإبداعية؛ مثل منطقة الربيع، بالتالي أن هذا يؤكد حرص المملكة على استخدام أساليب الابتكار الاجتماعي والابداع في تحقيق مستهدفات الرؤية الطموحة، ومن هنا جاءت فكرة “منتدى الابتكار الاجتماعي” لتحفيز العقول واستثمارها واستخدام أساليب الابتكار الاجتماعي لتحقيق مستهدفات الرؤية في كافة القطاعات.

مثلا على ما يمكن أن يحققه الابتكار الذي يسعى المنتدى تحفيزه، بين الباحث في مجال التخطيط الحضري، أن “المدينة هي أفضل وأعظم اختراع صنعه البشر، ولذلك حاولنا من خلال المشاركة في المنتدى تسليط الضوء على أهمية صياغة المكان كأسلوب لتحفيز الابتكار وجعل المدينة صديقة للإنسان، وتوفر له سبل الابداع والابتكار”، مشيرا إلى أن هذا كله من شأنه أن يزيد من معدل الابتكار والاختراع في المدينة، ما يصب في صالح باقي القطاعات.

كما أشار إلى أن المدن تزدهر بفضل الابداع، والابداع لا يأتي إلا بمثل هذه اللقاءات والمنتديات التي يتم التبادل فيها الأفكار، لافتا إلى أن مخرجات المنتدى ساهمت بشكل كبير في تطوير الاستثمار في العقل البشري من خلال تبادل الرؤى والأفكار التي طرحت في المنتدى، بالتالي أن هذا كله يغذي الاقتصاد ويحقق مستهدفات الرؤية الطموحة التي تؤكد مشاركة كافة القطاعات.

اقرأ/ي أيضا: “لا جدوى من عزل سوريا”.. خطوة سعودية نحو إعادة العلاقات مع دمشق؟

من جهتها، قالت الباحثة في الشأن السعودي مريم الجهني، في حديث لموقع “الحل نت”، إن “منتدى الابتكار الاجتماعي” يساعد في الإثراء المعرفي على الصعيد التكنولوجي والاقتصادي و ما ترنو إليه “رؤية 2030″، مبينة أن المنتدى ليس فقط لتغيير الموجود في السعودية و إنما يخاطب العالم و الشرق الأوسط تحديدا، لاسيما في ظل مشاركة خبراء من كل أقطار العالم، مشيرة إلى أن ما يصبو إليه المنتدى هو إثراء العالم في طرح الأفكار الابداعية و تحقيقها في الواقع في سياق تحقيق أهداف “رؤية 2030” التنموية.

بحسب “رؤية 2030″، فإن المملكة السعودية تحتاج إلى مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين، والتخلص من وضعها بوصفها دولة ريعية معتمدة على عائدات صادرات النفط، بدلا من ذلك، ستدمج المملكة اقتصادها في سوق المال العالمية باعتباره وجهة لأموالها ومصدرا للاستثمار على السواء، في حين سيتولى “صندوق الثروة السيادي السعودي” أكثر من 10 بالمئة من القدرة الاستثمارية للعالم.

عمليا ووفقا لتقارير، فقد شهدت السعودية بالفعل تغيرات اجتماعية هائلة خلال السنوات الأخيرة، بيد أنها تعثّرت في طريقها نحو بعض الأهداف المالية الطموحة، إذ ما زالت المملكة في انتظار الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر الذي وعدت به، بينما استنزف الاحتياطي الأجنبي لديها بسبب خطة النمو.

كذلك، لا تزال العديد من المشاريع العملاقة لم يتم العمل بيها. ومع ذلك، بدأت التجربة السعودية مؤخرا عملية إعادة توجيه للاقتصاد، إذ أدركت قيادة البلاد أن نموذج المملكة القديم، المعتمد بالأساس على دولة رفاه قائمة على أموال النفط والفصل الصارم بين الجنسين، لم يعد قابلا للاستمرار.

مظاهر “رؤية 2030”

تحليلا نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية مطلع العام الماضي، أشار إلى أن القادة السعوديون يسعون إلى تأسيس اقتصاد يحركه قطاع الخدمات، وخلق نزعة استهلاكية على الطريقة الأميركية، ويعد الاتجاه الجذري لدى الدولة نحو خفض النفقات العامة وبيع الأصول والصمود أمام موجة انخفاض الطلب العالمي على النفط تجليات لهذا التحول. 

وسط ذلك، ووفق ما جاء في التقرير فإنه بالرغم من جائحة “كوفيد-19″، وعامين من تذبذب أسعار النفط، استطاعت الحكومة السعودية الالتزام بالسياسة المالية المنضبطة إلى حد بعيد، وهي سياسة تعد المملكةَ لمواجهة التحديات الاقتصادية في المستقبل.

بناء على ذلك، توسع القطاع الخاص السعودي، فبعد تقلص دام سبعة أرباع سنوات متتالية، بدأ الاقتصاد أخيرا ينمو من جديد في الربع الثاني من عام 2021، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5 بالمئة، كما ارتفع نمو القطاع الخاص خارج قطاع النفط بنسبة 7.5 بالمئة في النصف الأول من العام ذاته.

بالمقابل، وكما جاء في إحصائيات التقرير الأميركي، فقد انخفض الإنفاق على أجور القطاع العام من مستوى مرتفع يصل إلى 510 مليار ريال بنهاية عام 2019 إلى نحو 490 مليار ريال بنهاية 2021، وبالنسبة إلى الإنفاق العسكري، فقد انخفض من 540 مليار ريال عام 2019 إلى 440 مليار ريال بنهاية عام 2021.

في السياق، بدأت النساء تتولى أدوارا جديدة في سوق العمل، في ظل تحسين سهولة الوصول إلى الحراك الاقتصادي في أنحاء البلاد، وتعمل الآن 25 بالمئة من السعوديات في سوق العمل، مقارنة بـ15 بالمئة فقط عام 2018، وهناك اتجاهات مماثلة بين الشرائح السكانية الأخرى، حيث تبلغ نسبة مشاركة الرجال في سوق العمل من الفئة العمرية بين 20-24 عاما 55 بالمئة، مقارنة بـ40 بالمئة في 2018.

في ظل هذا المشهد، فعلى ما يبدو أن المملكة العربية السعودية ماضية بشكل أكثر موثوقية تجاه إحداث نقلة اقتصادية في البلاد، بل وعلى مستوى الثقافة العامة؛ خصوصا فيما يتعلق بالاستثمار والتعامل مع الاقتصاد، والعمل أكثر نحو الابتكار للنهوض بمستوى البلاد لمصافي الدول المتقدمة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.