لا يزال الغموض يحيط بالتحركات الأخيرة لتنظيم “القاعدة” الإرهابي، حيث أن التنظيم حتى الآن صامتا بشأن الاعتراف بمقتل زعيمه السابق أيمن الظواهري، الذي قُتل في غارة أميركية بطائرة مسيّرة في كابل مطلع آب/أغسطس العام الماضي، لكنه في الوقت نفسه اعترف بمقتل القيادي البارز في التنظيم حمد بن حمود التميمي، في غارة قال إن الأميركيين نفذوها في شمال اليمن، الشهر الماضي.

منذ إعلان واشنطن قبل نحو ستة أشهر عن العملية التي قالت إنها أدت إلى مقتل زعيم “القاعدة” الظواهري، ما زال التنظيم يرفض الاعتراف بفقدان خليفة مؤسسه أسامة بن لادن. والتكهنات تدور حول أن زعيم التنظيم الجديد هو محمد صلاح الدين زيدان الذي يحمل الاسم الحركي “سيف العدل”، لكن لم يتم الإعلان عنه رسميا، بسبب حساسية “القاعدة” تجاه مخاوف حركة “طالبان” الأفغانية من عدم الاعتراف بمقتل الظواهري في كابل وحقيقة وجود “سيف العدل” في إيران، وفق تقرير خاص لـ”الأمم المتحدة”.

بالتالي، فإن كل هذا يُثير تساؤلات عدة حول هذا الإقرار بمقتل التميمي، وصمته حيال مصير الظواهري، إلى جانب تساؤلات حول عدم اعتراف “القاعدة” بمقتل الظواهري حتى اليوم، وأبعاد مقتل الظواهري في كابل بعد حكم “طالبان” وانعكاس ذلك على الخلافات بين الأجنحة المقربة من “القاعدة” في حركة “طالبان”.

أسباب عدم الاعتراف بمقتل “الظواهري”

تنظيم “القاعدة” اعترف بمقتل القيادي، التميمي، في غارة اتّهم الولايات المتحدة بشنّها شمال اليمن الشهر الماضي. وأعلن التنظيم، في بيان نقله موقع “سايت” الاستخباراتي المعني برصد منشورات التنظيمات الإرهابية، أن التميمي، المعروف أيضا بعبد العزيز العدناني، قُتل في غارة شنتها طائرة دون طيار في 26 شباط/فبراير الماضي، استهدفت منزله في قرية بمحافظة مأرب في شمال البلاد.

مسؤولان حكوميان يمنيان، أحدهما أمني والآخر سياسي، كانا قد أفادا لـ”وكالة الصحافة الفرنسية“، يوم الأربعاء الماضي، بمقتل التميمي، في غارة يُشتبه بأنها أميركية في اليمن. وبينما كان المسؤولان اليمنيان قد ذكرا أن التميمي قاضٍ يشغل منصب رئيس شورى التنظيم؛ قال بيان “القاعدة” إن التميمي كان مسؤولا إعلاميا في التنظيم، وقام في السابق بإدارة عمليات خارجية للتنظيم تشمل استهداف مصالح أميركية. ووفق بيان التنظيم، فإن مسؤولا إعلاميا آخر يدعى أبو ناصر الحضرمي، قُتل أيضا في الهجوم.

الباحث المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، يقول إن هناك اختلاف ما بين القياديين، فالتميمي قياديٌّ بارز ولكنه ليس في رتبة ودرجة أيمن الظواهري التنظيمية في “القاعدة”، فالأخير هو زعيم للتنظيم والاعتراف بمقتله ربما يستتبع الحديث عن من  سيخلف الظواهري وهذا ربما يكون أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تأجيل الإعلان عن مقتله.

كما أن هناك سبب آخر رئيسي بأن هذا الإعلان عن مقتل الظواهري، سوف يحرج حركة “طالبان” في أفغانستان، ذلك لأن الظواهري قُتل في حيّ سكني كان على مقربة من السفارات الأجنبية وعلى بُعد أمتار قليلة من “مجلس الوزراء الأفغاني”، وبالتالي الاعتراف بمقتله يؤكد بأن “طالبان” كانت وما زالت توفر حاضنة لتنظيم “القاعدة” من جانب ولأيمن الظواهري من جانب آخر، خاصة وأن حركة “طالبان” ما زالت تبحث عن اعتراف دولي، ولعل مقتل الظواهري في أفغانستان ووجود “القاعدة” هناك يمثلان العقبة أمام هذا الاعتراف الدولي، وبالتالي الاعتراف بمقتله ليس لصالح الحركة ولا التنظيم أيضا، حسبما يوضح أديب لموقع “الحل نت”.

قد يهمك: زعيم “القاعدة” في إيران.. كيف توظفه طهران في حروبها مع الغرب؟

هذا فضلا عن أن خليفة الظواهري سيف العدل، وبحسب عدة تقارير أممية واستخباراتية تفيد بأنه مقيم في طهران، وسيف العدل ربما لا يستطيع أو لا يرغب بالخروج من طهران وهو ما يدعي التنظيم لعدم الإعلان عن مقتل الظواهري أو توضيح مصيره، وفق تعبير أديب.

خلال الأسابيع الماضية ذكرت “وزارة الخارجية الأميركية”، أخيرا، أن سيف العدل يُعتقد أنه الزعيم الجديد لـ”القاعدة”. وأكد المتحدث باسم الوزارة، نيد برايس، حينها، أن تقييم واشنطن يتّسق مع تقرير “الأمم المتحدة” الأخير الذي يعتقد أن سيف العدل موجود حاليا في إيران. وأشار المتحدث برايس إلى أنه عندما يتعلق الأمر بوجود سيف العدل في إيران، فإن توفير ملاذ آمن لهذا التنظيم هو مجرد مثال آخر على دعم إيران واسع النطاق للإرهاب. إلا أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خرج بعدها ونفى في تدوينة له عبر منصة “تويتر” أوردتها وكالة “رويترز”، ما ذكرته واشنطن عن وجوده في إيران.

من هو التميمي؟

وسائل إعلامية أفادت بأن التميمي، هو رئيس “شورى القاعدة” في اليمن، ويُشكل مقتله ضربة قوية للتنظيم؛ خصوصا أن الرجل أصبح المسؤول الشرعي في هيكل التنظيم الإرهابي، ويترأس “مجلس الشورى”، ويُعد أحد أبرز القضاة الشرعيين في “القاعدة”.

من وجهة نظر المراقبين فإن التنظيم يعتمد بشكل أساسي على قسمين؛ الأول العسكري الميداني، والآخر الشرعي، والأخير يشمل “القضاء ومجلس الشورى والمجلس الدعوي، وهو الجانب الذي يتحكم في حركة التنظيم وقراراته وأعماله الميدانية”.

ما يسمى بـ”مجلس الشورى”، لديه دور وحضور قوي جدا بالتنظيم وهذا يظهر في أبحاث “القاعدة” الشرعية الذي تداول مؤخرا سواء ما ينشر في مجلة “أمة واحدة” أو أبحاث مثل “حكم القتال في صفوف الحكومات المرتدة” كذلك دراسة نشرتها الوحدة الشرعية للتنظيم عن العلمانيين العرب، وفق الخبراء.

التميمي يُعتبر أحد أبرز القيادات الأجانب الذين ظل تنظيم “القاعدة” في اليمن لأعوام  يبقيهم في دائرة الظل حتى لا يخسر مصادره المالية، إذ تُعدّ العناصر الأجنبية أحد المصادر المالية للتنظيم، والتي جفت مؤخرا بشكل كبير. وحسب إصدار سابق للتنظيم، فإن التميمي بدأ في طلب العلم الشرعي عام 2002، وله إصدارات كثيرة، واعتُقل عام 2007، وأودع بسجن الطرفية بالقصيم بالمملكة العربية السعودية، قبل أن يتم الإفراج عنه عام 2012، ليلتحق بعدها بفترة قصيرة بالتنظيم في اليمن، وفق تقارير صحفية.

قد يهمك: تزايد هجمات “القاعدة” في اليمن.. ما الدلالات؟

مطلع شباط/فبراير الماضي، تم استهداف قيادي تنظيم “القاعدة” حسان الحضرمي، مسؤول صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات، بطائرة دون طيار شمال شرقي اليمن. ويرى المراقبون أن الطائرات الأميركية دون طيار تُنفذ بين حين وآخر غارات مشابهة في محافظات يمنية عدة، أسفرت عن تكبيد “القاعدة” مئات القتلى والجرحى.

أبعاد مقتل الظواهري

خلال الفترة الماضية تداولت عدة فرضيات حول مصير الظواهري وعدم وفاته، وحول مكان تواجد خليفته، سيف العدل. فمنذ إعلان مقتل الظواهري في كابل، وآلة دعاية تنظيم “القاعدة” الإرهابي تبث، مثلما فعلت خلال الأسابيع الماضية، رسائل بالصوت أو الفيديو غير مؤرخة للظواهري، من دون تأكيد أو نفي وفاته.

موقع “سايت”، ذكر على الإنترنت في 23 كانون الأول/ديسمبر الماضي، أن تنظيم “القاعدة” نشر فيديو مدته 35 دقيقة يزعم أنه بصوت زعيمه الظواهري، والتسجيل غير مؤرخ، ولم يشر النص بوضوح إلى إطار زمني محدد لتوقيت تسجيله، بحسب وكالة “رويترز”. وهانز جاكوب شندلر، مدير مركز “أبحاث مشروع مكافحة التطرف” (سي إي بي)، قال لـ”وكالة الصحافة الفرنسية”، إنه “أمر غريب حقا. لا يمكن لشبكة أن تعمل في غياب قائد لها. إنها تحتاج لشخصية يدور حولها كل شيء”.

الباحثون في الشؤون الأصولية، قالوا إن فرضية عدم وفاة الظواهري، مستبعدة تماما، لأنها لو كانت صحيحة لاستغلتها “القاعدة” وأحرجت الإدارة الأميركية بهكذا أمر.

بالعودة إلى أديب، الباحث المتخصص في الإرهاب الدولي، فإن أبعاد مقتل الظواهري أثّرت بلا شك بشكل كبير على حركة “طالبان” وربما أدت إلى خلاف لا يزال قائما وموجودا داخل الحركة، ذلك لأن هناك مجموعات داخل “طالبان”، كانت ترى ضرورة الاحتفاظ بالظواهري وتوفير الحماية لتنظيم “القاعدة”.

بينما يرى آخرون في “طالبان” أن هذا قد يسبب مشكلة حقيقية للحركة في المستقبل، وبالتالي فإن مقتل الظواهري أحرج الحركة بشدة، ولهذا السبب قالت إنها لم تعثر على جثة الظواهري بعد. ولم يعترف التنظيم أيضا بمقتله ولم يُعلن سيف العدل حتى الآن زعيما له، وفق تقدير أديب.

تصريحات سابقة لمسؤولين في الإدارة الأميركية، قالت إن عملية تحديد مكان الظواهري وقتله كانت نتيجة عمل دقيق ودؤوب من جانب وكالات “مكافحة الإرهاب والاستخبارات”؛ إلا أن الناطق باسم حركة “طالبان”، ذبيح الله مجاهد، قد ذكر في آب/أغسطس الماضي، أن الحركة لم تعثر على جثمان الظواهري.

المراقبون يرون الأمر من منظور سيناريو آخر فيقولون إن صمت “القاعدة” فرضته عليها حركة “طالبان”. فقد قُتل الظواهري في حيّ راقٍ في كابل، حيث لم تتمكن الحركة من أن تتجاهل وجوده. وإن “قرار طالبان عدم التعليق على قتله يمكن أن يكون جزءا من جهودها لإدارة علاقاتها الهشّة ولكن العميقة مع القاعدة”، مع مراضاة واشنطن التي وعدتها بعدم السماح للتنظيم بأن يتصرف كما يحلو له.

بالتالي، فإن تنظيم “القاعدة” من كل بد يواجه إشكالية وخلافات جمة في إعلان سيف العدل زعيما للتنظيم؛ لأنه لو أعلن ذلك فلا بد له أن يعترف بمقتل الظواهري، وأين قتل، وهذا سوف يثير أزمة للتنظيم بحد ذاته، ومن ثم سيسبب مشاكل وإشكاليات جمة لحركة “طالبان” أمام الغرب، وأولها عدم الاعتراف به لفترات طويلة جدا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.