خلال الفترات الماضية، وتحديدا في بداية العام الجاري 2023، تزايدت أنشطة تنظيم “القاعدة” الإرهابي في عموم اليمن، ما تسبب في خسائر بشرية ومادية، وساهم في انتشار الخوف والذعر بين اليمنيين، في المناطق التي تنشط فيها عناصر هذا التنظيم.

مطلع العام الجاري، نفذ تنظيم “القاعدة” هجوما دمويا مباغتا في محافظة مأرب اليمنية، حيث قُتل في هذا الهجوم 7 جنود على الأقل. وسيلاحظ من يتابع نشاط هذا التنظيم في اليمن تنامي هذا النشاط خلال عام 2022 الماضي ومطلع العام الجاري، بعد أن تراجعت هجماته خلال السنوات الماضية.

هذه العودة لها دلالات ومؤشرات وأسباب مكّنت التنظيم من الظهور بهذا الشكل والانسيابية، وكانت لاعتداءاته فاعلية وتأثير بين عناصر الجيش والمؤسسات الأمنية الحكومية. كما أثارت عودة أنشطة التنظيم قلقا محليا وإقليميا ودوليا، خشية أن يكون قد جمع قوّته واستقطب عناصر جديدة له، حيث يتركز نشاطه في العديد من المحافظات اليمنية، ولهذا نُفذت غارة جوية يُعتقد أنها أميركية، بطائرة مسيّرة شرق محافظة مأرب قبل نحو يومين، ضد أوكار هذا التنظيم، بغية استهداف أنشطة التنظيم وتقليصه.

نتيجة لذلك، تبرز عدة تساؤلات حول استمرار التنظيم في تنفيذ هجماته في اليمن، ومؤشرات ودلالات تنامي هذا النشاط، خاصة خلال هذه الفترة بعد تراجع هجماته خلال السنوات الفائتة، وإذا ما كان استهداف واشنطن بضربة جوية ضد التنظيم يُعتبر بداية ردع أو مواجهة لإنهاء وجود هذا التنظيم في المستقبل المنظور.

تزايد الأنشطة

بداية شهر كانون الثاني/يناير الفائت، قال مصدر عسكري وسكان محليون لموقع “سكاي نيوز“، إن 7 جنود على الأقل قتلوا، في هجوم جديد نفذته عناصر تنظيم “القاعدة” في محافظة أبين بجنوب اليمن، حيث تخوض قوات تابعة للجيش اليمني معركة ضد التنظيم.

هذا الهجوم من قبل التنظيم على قوات الأمن في أبين اليمنية، يعتبر الأول منذ بداية العام الجديد، ويأتي في أعقاب هجمات نفذها “القاعدة” خلال الأشهر الثلاثة الماضية بالمحافظة نفسها.

الباحث في الحقل الديني والتيارات الإسلامية المعاصرة، مصطفى زهران، يرى من جانبه، أنه لا يمكن فصل التوثبات الأخيرة لتنظيم “القاعدة” في اليمن عن مشهد الجهادية العالمية المتشظي بوجهه عام، وكذا تنظيم “القاعدة” وأفرعه النشطة لا سيما في شرق إفريقيا ودول الساحل والصحراء، فضلا عن الجغرافية الآسيوية.

زهران وفق تقديره، يقول لموقع “الحل نت”، إن تزايد أنشطة التنظيم في الفترة الأخيرة مع تكرار الظهور الإعلامي لقائده خالد باطرفي، ينطلق نحو توظيف كافة السياقات الراهنة والتي تدفع بشكل أو بآخر نحو تمدده وظهوره القوي، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والمجتمعية والاقتصادية المتردية في الجغرافية اليمنية في السنوات الأخيرة، سواء أكانت في المناطق التي تخضع الى السيطرة المباشرة لما بات يُعرف بالحكومة الشرعية، أو ميليشيات “الحوثي” المدعومة من إيران.

قد يهمك: عراقيل وتهديدات “الحوثي” للملاحة الدولية.. إلى أين؟

مصادر محلية أخرى قالت إن التنظيم يحاول تعطيل التقدم العسكري بنصب كمائن باستخدام عبوات ناسفة ضد القوات الأمنية. ودفعت قوات الجيش اليمني بتعزيزات عسكرية إضافية كبيرة إلى أبين في إطار العملية العسكرية بالمحافظة التي أُطلق عليها اسم “سهام الشرق” قبل أربعة أشهر لملاحقة هذه العناصر الإرهابية التي صعّدت من هجماتها ضد القوات الأمنية، وفق تقرير لصحيفة “الاتحاد” الإماراتية.

دلالات تزايد نشاط “القاعدة”

التنظيم، وفق وجهة نظر زهران، يحظى بتموقع قيادي هام متمثل في باطرفي، الرجل ذو الخبرة القتالية والتنظيمية العالية، وفهمه الكبير لطبيعة التحولات التي تشهدها المنطقة وخاصة الصراعات الإقليمية الراهنة وقاعدتها اليمن. بمعنى أن زيادة هذه الأنشطة يدلل إلى امتلاك التنظيم لقدرات تنظيمية كبيرة إلى حد ما، بالنظر إلى الهجمات المتكررة والمتزايدة ولا سيما تلك التي تستهدف القوات الأمنية اليمنية.

باطرفي يهدف إلى تحقيق مسارين اثنين، أولهما؛ تحقيق مكاسب على الأرض من خلال تكثيف هجماته المباغتة للقوى الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة اليمنية، عبر استنزاف طاقاتها بطريقة حرب العصابات والتي انتهجتها حركة “طالبان” في الماضي القريب بالتعاون مع تنظيم “القاعدة” ضد الحكومات الأفغانية المتعاقبة، وفق زهران.

إبراهيم البنا، المعروف باسم أبو أيمن المصري “إنترنت”

ثانيا، توظيف السياق العقائدي والمسألة الطائفية السُّنية الشيعية، لتوسيع دائرة حاضنته المجتمعية لاستيعاب القبائل وقبول الأخيرة له ودعمه عسكريا إن استدعت الحاجة، وذلك في مواجهة ميليشيات “الحوثي”، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأخيرة والتي تعيش واقعا طائفيا واقتصاديا بالغ الصعوبة والقسوة. أي بمعنى استغلال وتوظيف الصراعات الداخلية المناطقية الموجودة في اليمن، من أجل اختراق بنية المجتمع واستقطابه، على حدّ تعبير زهران.

كذلك، هناك اتهامات علنية على توافق المصالح بين ميليشيات “الحوثي” وتنظيم “القاعدة”. فمع الاتفاق على الهدنة الأممية بين الشرعية و”الحوثيين” منذ نيسان/أبريل الماضي، تصاعدت هجمات “القاعدة” في مناطق الشرعية فقط، وتزامن ذلك أيضا مع أخبار متواترة عن إطلاق “الحوثيين” سراح عناصر من “القاعدة” كانوا في سجونها منذ سنوات، ويؤكد البعض أن ثمة صفقة بين الجانبين في إطار توجه عناصر التنظيم إلى مناطق الشرعية ومباشرة نشاطهم في مواجهتها، وتأمين مناطق تمركزهم في محافظة البيضاء اليمنية كنقطة انطلاق، وفق تقدير لـ”مركز المستقبل“.

على نهج “طالبان”؟

النقطة الأهم في هذا السياق، وفق تقدير زهران، هو رغبة باطرفي في تسليط الضوء على تجربة “القاعدة” في اليمن خاصة في ظل غياب الإعلان عن خليفة، لأيمن الظواهري بعد مقتله، مع ترصد تنظيم “داعش” الإرهابي لهما، ومع تصاعد أنشطة “حركة الشباب المجاهدين” في الصومال، المعادلة لها والقريبة منها.

قد يهمك: قمع “طالبان” للنساء والفتيات الأفغانيات.. الدلالات والأبعاد

كافة هذه العوامل والسياقات تدفع التنظيم في اليمن إلى الرغبة في الحضور والظهور القوي، خاصة وأن حركة “طالبان” نجحت في سياقات جغرافية وسياسية ومجتمعية مشابهة، دفعت بأحلام هذه الأفرع المحلية إلى الرغبة في أن تحذو حذوها وتشق الطريق ذاته.

واشنطن تسعى لتقليص أنشطة “القاعدة”

وسائل إعلام يمنية، كشفت أن مسؤول صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات في تنظيم “القاعدة”، القيادي حسان الحضرمي، قُتل بغارة لطائرة بدون طيار يُعتقد أنها أميركية، في منطقة الصمدة بوادي عبيدة بمحافظة مأرب، شمال شرقي البلاد.

الوسائل ذاتها أفادت نقلا عن مصادر محلية، أن الحضرمي قُتل مع اثنين من مرافقيه، مساء يوم الاثنين الفائت، كانوا على متن السيارة التي استُهدفت. وبحسب المصادر ذاتها، فإن الحضرمي، وهو أحد أهم القيادات في تنظيم “القاعدة” في جزيرة العرب، المسؤول عن صناعة العبوات الناسفة، قُتل إثر الغارة الجوية التي استهدفت سيارته.

الحضرمي، الذي قُتل ومرافقاه في الغارة الجوية، يشغل منصب نائب مسؤول صناعة العبوات الناسفة، إلا أن القيادة العامة كلّفته بشغل منصب مسؤول صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات، بعد مقتل عبدالواحد النجدي بغارة جوية سابقة.

الجدير ذكره، أنه تم استهداف منزل الحضرمي، الذي أصيب بالغارة، في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي. وكان الحضرمي أحد أبرز القيادات العسكرية في تنظيم “القاعدة” في اليمن، ويمتلك خبرة كبيرة في صناعة الألغام والمتفجرات، مما جعله في أعلى ترتيب أهداف القوات الأميركية.

بعد تزايد الهجمات الإرهابية من قبل “القاعدة” قبل نحو أسبوعين، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية، منتصف كانون الثاني/يناير الماضي، عن مكافأة مالية تصل إلى 5 ملايين دولار، مقابل الحصول على معلومات عن القيادي البارز في تنظيم “القاعدة” باليمن المدعو إبراهيم البنا، والمعروف أيضا باسم “أبو أيمن المصري”.

البيان الصادر عن برنامج مكافآت من أجل العدالة التابع لوزارة الخارجية الأميركية، قال إن إبراهيم البنا، هو آخر مؤسسي فرع “القاعدة” في اليمن، ولا يزال حيّا. كما أن البنا، كان متورطا في الإرهاب منذ عقود.

بالنظر إلى أن الولايات المتحدة أعلنت عن هذه المكافأة المالية لمن يقدمون معلومات عن وجود هذا الزعيم الإرهابي، فإن ذلك يشير إلى جهود ومساعي من قبل واشنطن لردع وإنهاء وجود هذا التنظيم، خاصة وأن البنا، يعتبر من أكثر القادة في جزيرة العرب صمتا وغيابا عن الواجهة، كما يُعتبر “الأب الروحي” لجهاز مخابرات التنظيم، وبالتالي غير مستبعد أن تقوم واشنطن بتكثيف نشاطها لتحيّد قادة هذا التنظيم من أجل تقليص أنشطته وأعماله الإرهابية كجزء من خطة لردع وإنهاء وجود التنظيم ككل في المنطقة بشكل تدريجي.

المراقبون يرون أن السبيل الوحيد ربما لمواجهة تنظيم “القاعدة” ومحاولة اجتثاثه في اليمن، يكمن في توفر بيئة محلية وإقليمية ودولية مواتية. ويمكن أن يتم ذلك من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية تُمكّن الحكومة الشرعية اليمنية من بسط نفوذها وتفعيل القانون وتوحيد مؤسستي الجيش والأمن، وتسليح وتدريب كل القوات على أساس ولاء وطني واحد، بالإضافة إلى تكاتف الجهود وتوحيد الصفوف لكل مكونات السلطة الشرعية.

لذلك فإن تحقيق هذا الأمر لن يتم إلا بتكاتف جهود الولايات المتحدة وكذلك دور القوى الأممية بمشاركة تحالف لدعم الشرعية في اليمن. فالتنظيمات الإرهابية والمتطرفة بشكل عام تنشط عند وجود بيئة مناسبة، تتمثل في غياب شروط الاستقرار والأمن بالإضافة إلى الظروف الإقليمية والدولية التي تعمد إلى توظيف هذه التنظيمات المتشددة لتحقيق جملة مصالح متباينة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.