خلال الفترة الماضية تداولت عدة فرضيات متناقلة حول مصير أيمن الظواهري وخليفته، محمد صلاح الدين زيدان الذي يحمل الاسم الحركي “سيف العدل”. فمنذ إعلان الولايات المتحدة الأميركية قبل نحو ستة أشهر عن العملية التي قالت إنها أدت إلى مقتل زعيم “القاعدة” الظواهري، ما زال التنظيم يرفض الاعتراف بفقدان خليفة مؤسسه أسامة بن لادن. وبناءً على ذلك لم يتم الإعلان بعد عن المتزعم الجديد للتنظيم.

ثم سادت تكهنات بأن زعيم التنظيم الجديد هو سيف العدل، لكن لم يتم الإعلان عنه رسميا، بسبب حساسية “القاعدة” تجاه مخاوف حركة “طالبان” الأفغانية من عدم الاعتراف بمقتل الظواهري في كابل وحقيقة وجود “سيف العدل” في إيران، وفق تقرير خاص لـ”الأمم المتحدة”.

التقرير الأممي الذي تم تداوله مؤخرا حول مكان تواجد سيف العدل، وأنه مختبئا في إيران، أكدته “وزارة الخارجية الأميركية” من جديد، وصرحت أن “سيف العدل” يقيم في إيران وصار زعيما لـ”القاعدة” بعد مقتل الظواهري. وهذا يعني أن طهران أصبحت مقر إقامة الزعيم الجديد، وبالتالي ثمة علاقة وطيدة بينهما، خاصة وأن العديد من مساعي وأهداف الطرفين مشتركة، ولعل عداء كل منهما للولايات المتحدة أحد أهم تلك الأهداف.

إن العلاقة بين “القاعدة” وإيران ليست بجديدة، فكانت واشنطن قد أعلنت في الماضي عن وجود محطتين لـ”القاعدة” داخل طهران ومدينة مشهد الواقعة شمال شرقي البلاد المحاذية للحدود الأفغانية، وذلك لتسهيل سفر عناصرها من وإلى أفغانستان.

كذلك، ثمة مؤشرات أخرى تدل على وجود ترابط ونشاط مشترك بين “القاعد” وطهران، وهو ما كشفته صحيفة “معارف” منذ فترة عن تهريب الأولى لشحنة من اليورانيوم المخصب إلى ميليشيا “الحوثي” الموالية لإيران في اليمن فسقطت أجزاء منها في أيدي تنظيم “القاعدة”، وهو ما يدلل وجود دعم إيراني غير مباشر للتنظيم، بجانب عمليات تبادل أسرى بين “جماعة أنصار الشريعة” الموالية لـ”القاعدة” وجماعة “الحوثي” مؤخرا، وفق ما نقل موقع “سايت انتلجينس غروب” المتخصص بمراقبة الجماعات الإرهابية، ما يعني أن ثمة توافق المصالح بين ميليشيات “الحوثي” وتنظيم “القاعدة”.

بالاستناد إلى هذه المعطيات، فإن هذا يدلل ويزيد من احتمالية تواجد “سيف العدل” بالفعل في إيران، وهذا يفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول أهداف إيران من احتواء زعيم “القاعدة” في أراضيها، وكيف ومتى تستخدم هذه الورقة ضد الغرب، وتداعيات ذلك على “الحرس الثوري الإيراني” من حيث تصنيفه كمجموعة إرهابية.

استبعاد “سيف العدل” زعيما؟

لجنة الخبراء في تقرير لـ”مجلس الأمن الدولي”، ذكرت أن التنظيم لم يعلن خلافة “سيف العدل” لأيمن الظواهري، الذي قتل في غارة أميركية بطائرة مسيّرة في كابل مطلع آب/أغسطس العام الماضي، مؤكدة تبني معظم الدول الأعضاء في “الأمم المتحدة” وجهة نظر أن “سيف العدل” بات زعيما فعليا لا منازع له للتنظيم.

بعد تأكيد “الأمم المتحدة”، قالت “الخارجية الأميركية” أيضا إن “تقييمنا يتوافق مع تقييم المنظمة الدولية بأن الزعيم الحالي الجديد للقاعدة هو سيف العدل الموجود في إيران”. وشرحت الولايات المتحدة بأن “العدل” أصبح زعيما للتنظيم بعد مقتل الظواهري، بيد أن حكومة “طالبان” في أفغانستان ما زالت تنفي ذلك ولم ترغب في الاعتراف بمقتل الظواهري، وربما هذا ما أخر عملية الإعلان عن الأمير الجديد من قبل التنظيم. كذلك حدد برنامج المكافآت من أجل العدالة التابع لـ”وزارة الخارجية الأميركية” مبلغ يصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى الوصول لـ “سيف العدل”.

في المقابل، استنكرت “الخارجية الإيرانية”، تقارير واشنطن و”الأمم المتحدة”، ووصفته بـ”المضللة”. وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بأن التصريحات حول تواجد زعيم “القاعدة” في طهران “كاذبة ومثيرة للسخرية”، وكتب أمير عبد اللهيان “أنصح مسؤولي البيت الأبيض بوقف لعبة رهاب إيران الفاشلة.. نشر أخبار عن زعيم القاعدة وربطه بإيران أمر مضحك”.

على الرغم من إعلان “الأمم المتحدة” و”وزارة الخارجية الأميركية”، أن “سيف العدل” بات الزعيم الحالي لـ”القاعدة”، فإن التنظيم حتى الآن لم يُعلن ذلك رسميا، ولم يعلن أيا من فروعه البيعة له، كما هو معتاد من التنظيمات الإرهابية في تأكيد البيعة للأمير الجديد.

قد يهمك: الزلزال المدمّر.. هل يشكل بيئة خصبة للإرهاب في سوريا؟

كما ذكر التقرير الأممي أن تنظيم “القاعدة” حساس تجاه مسألة قيادة “سيف العدل” بسبب إقامته في إيران ذات الغالبية الشيعية، لافتا إلى أن “مكان وجوده يثير تساؤلات لها تأثير على طموحات القاعدة لتأكيد قيادتها حركة عالمية في مواجهة تحديات تنظيم داعش” المنافس لها.

الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإرهابية، ماهر فرغلي، يستبعد أن يكون “سيف العدل” قد أصبح خليفة للتنظيم وذلك لسببين؛ الأول هو إخضاعه للإقامة الجبرية في إيران، وكل المعلومات المتاحة في هذا الشأن تؤكد وجوده في إيران، وهذا ما يمنحه عذرا دينيا وفقهيا وشرعيا يمنعه من قيادة “القاعدة”، ذلك لأنه أسير هناك، ولدى الجماعات الجهاديين، قواعد تقول أن “ولاية الأسير لا تجوز”.

أما العذر الثاني، بحسب تحليل فرغلي لموقع “الحل نت”، فهو أن “سيف العدل” كان رجلا عسكريا، حيث كان ضابطا في القوات الخاصة المصرية وليس ضابطا في الجيش، أي لديه خبرة عسكرية لكنه يفتقر إلى الخبرة الإدارية أي أنه لا يستطيع إدارة التنظيم. كما لم يعلن التنظيم رسميا عن ذلك، ولا يزال يبث رسائل صوتية للظواهري ويزعم بأنه لا يزال على قيد الحياة.

فرغلي يضيف، أنه ثمة معلومات تقول أن “سيف العدل” انتقل إلى الحدود الباكستانية الأفغانية، وإذا كان هذا الكلام صحيح، فهذا يرجح بشكل كبير أنه بالفعل يقود “القاعدة”. و”سيف العدل” من المرشحين لخلافة الظواهري، في رسالة مسجلة، ومنهم أبو الخير، وانتقلوا جميعا من إيران إلى سوريا، ومن ثم قتلوا جميعا في غارات واستهدافات مختلفة، ما عدا “سيف العدل”. ومع ذلك، فإن انتقال الأخير إلى سوريا صعب وغير مرجحا أبدا.

من هو “سيف العدل”؟

“العدل” الذي يعتقد أنه يبارح 62 عاما، هو ضابط سابق في القوات الخاصة المصرية وشخصية بارزة في الحرس القديم لـ”القاعدة”، ساعد في بناء القدرة العملياتية للتنظيم ودرب بعض الخاطفين الذين شاركوا في هجمات 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة، وفق المنظمة الأميركية “مشروع مكافحة التطرف”.

المحقق السابق في مكافحة الإرهاب بمكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي” علي صوفان، قال إن “سيف العدل” يقيم في إيران منذ عام 2002 أو 2003، حيث وُضع في البداية رهن الإقامة الجبرية، لكنه صار حرا في ما بعد بما يكفي للقيام برحلات إلى باكستان.

صوفان كتب في مقال نشر عام 2021 لمجلة “سي تي سي” الصادرة عن “مركز ويست بوينت لمكافحة الإرهاب”، أن “سيف هو أحد أكثر المقاتلين المحترفين خبرة في الحركة المتشددة العالمية، وجسده يحمل ندوب المعركة”. وأضاف أنه “عندما يتحرك، يفعل ذلك بكفاءة”.

تكتيك غربي؟

التقارير الغربية التي تقول إن “سيف العدل” أصبح زعيم التنظيم، فهذا من وجهة نظر فرغلي أن الدول الغربية تريد من خلال هذه التقارير استدراج “القاعدة” للإعلان عن زعيمها وكشفه، أي أنه “تكتيك غربي” ليس إلا. ومن ثم هناك العديد من الشخصيات لتولي قيادة التنظيم، وهم غير موجودين في إيران وليسوا أسرين، وبالتالي يستبعد فرغلي أنه القائد الجديد للتنظيم.

أما احتضان إيران لقيادات وشخصيات “القاعدة”، فهذا ليس بجديد. فهي بطبيعة الحال كانت تضم مجموعة من الشخصيات الإسلامية المتطرفة، من بينها زوجة حمزة بن لادن وعبد الله أحمد عبد الله أو كما يسمى “أبو محمد المصري”، وفق تقدير فرغلي.

الهدف الأساسي من احتواء هؤلاء الأشخاص، بحسب فرغلي، هو تأمين أمنهم مقابل عدم المساس أو التدخل بأمن وشؤون إيران، وهذا ما حدث ويحدث بالفعل، إذ لم يمرر التنظيم نشاطاته إلى الأراضي الإيرانية، و في نفس الوقت تستخدم طهران هذه الورقة ضد القوى الغربية.

مع انطلاق الرد الأميركي على أفغانستان بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة، يعتقد أن “سيف العدل” بذل جهودا كبيرة في تهريب نشطاء وعناصر “القاعدة” إلى إيران وإقامتهم هناك. حيث قطن مع أبو محمد المصري، المسؤول البارز في “القاعدة” في إيران وأعاد الاتصال بقادة التنظيم في أفغانستان وباكستان حتى أرسل المقاتلين الذين دخلوا إيران إلى هناك.

تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” ذكر في عام 2015، أن طهران ألقت القبض على “سيف العدل” و”أبو محمد المصري” في سنة 2003، بعد ممارسة ضغوط أميركية وسعودية عليها، مما سبب بتراجع دور “العدل” في نشاط “القاعدة”، وأطلقت سراحه في 2015 خلال عملية تبادل أسرى بين التنظيم وإيران.

بعد ذلك باشر “سيف العدل” يتردد على باكستان وأفغانستان، ولكنه بقي مقيما في إيران مع بعض القيود، بينما نفت طهران هذا التقرير بالكامل واستشهدت بالصراع الدامي بين “القاعدة” وإيران في سوريا حينذاك. كما أعلنت “نيويورك تايمز” في عام 2020، أن عملاء إسرائيليين اغتالوا الرجل الثاني في “القاعدة” آنذاك، “أبو محمد المصري” وذلك في العاصمة طهران في 7 آب/أغسطس من نفس العام.

قد يهمك: تزايد هجمات “القاعدة” في اليمن.. ما الدلالات؟

الصحيفة أردفت بأن المصري قتل مع ابنته مريم وهي أرملة حمزة بن لادن، نجل زعيم “القاعدة” السابق أسامة بن لادن في سيارته بالقرب من منزله الواقع في حي باسداران في شمال العاصمة الإيرانية، بعد إطلاق أربع رصاصات عليهما. وآنذاك نفت “الخارجية الإيرانية” التقارير الصحفية هذه، وقالت “الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان في بعض الأحيان ربط إيران بهذه الجماعات من خلال الكذب وتسريب معلومات كاذبة إلى وسائل الإعلام للتهرب من المسؤولية عن الأنشطة الإجرامية لهذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية في المنطقة”.

ارتباط كامل بين طهران و”القاعدة”؟

وسط فوضى الحرب الأهلية بين الحكومة اليمنية الشرعية المدعومة من التحالف العربي وجماعة “الحوثي” الموالية لطهران، تزايد نشاط الجماعة الموالية لتنظيم “القاعدة” ومسلحين موالين لتنظيم “داعش” الإرهابي المنافس في اليمن. وتعتبر الولايات المتحدة أن “القاعدة” في جزيرة العرب من أخطر فروع الشبكة الجهادية العالمية.

كما ثمة اتهامات علنية على توافق المصالح بين ميليشيات “الحوثي” وتنظيم “القاعدة”. فمع الاتفاق على الهدنة الأممية بين الحكومة اليمنية الشرعية و”الحوثيين” منذ نيسان/أبريل الماضي، تصاعدت هجمات “القاعدة” في مناطق الشرعية فقط، وتزامن ذلك أيضا مع أخبار متواترة عن إطلاق “الحوثيين” سراح عناصر من “القاعدة” كانوا في سجونها منذ سنوات، ويؤكد البعض أن ثمة صفقة بين الجانبين في إطار توجه عناصر التنظيم إلى مناطق الشرعية ومباشرة نشاطهم في مواجهتها، وتأمين مناطق تمركزهم في محافظة البيضاء اليمنية كنقطة انطلاق، وفق تحليلات مراكز الدراسات البحثية.

ما يزيد هذه الفرضية، هو إعلان “جماعة أنصار الشريعة” الموالية لتنظيم “القاعدة”، مؤخرا، أنها أجرت عملية تبادل أسرى مع “الحوثيين”، واستردت خلالها اثنين من عناصرها. بخصوص هذا الارتباط بين “القاعدة” و”الحوثيين” في اليمن، يقول فرغلي إنه لا يوجد ارتباط كامل، بل تستخدم طهران إرهابيي “القاعدة” و”داعش” طوال الوقت لتحقيق أهدافها فقط.

على سبيل المثال، قامت جماعة “الحوثي” بإطلاق سراح عدد كبير من الأشخاص في سجونها، من أجل أن تكون هناك أنشطة إرهابية في المناطق الحكومية الشرعية، ثم القول إن هذه الحكومة الشرعية لا تستطيع تأمين أمن واستقرار المنطقة. وأن “الحوثيين” فقط هم من يستطيعون تأمين الأمن، ومن ثم الرغبة في الاستحواذ على سلطة البلاد، وفق تقدير فرغلي.

القضية بالمجمل شائكة ومعقدة هناك، فمثلا جرى العديد من عمليات تبادل الأسرى بين “الحوثيين” والجماعات الإسلامية المتطرفة التابعة لـ”القاعدة”، وهذا ما يعقد الأمر أكثر فأكثر، لكنه ليس دليلا على ترابط كامل أو قوي بينهما، ولكن طهران توظفهم في أهدافها ضد الغرب والدول العربية مثل السعودية والإمارات، على حد تعبير فرغلي.

في السنوات الأخيرة أعلن بعض قادة “الحرس الثوري الإيراني” بشكل غير رسمي أنهم عملوا مع عناصر تنظيم “القاعدة” في حرب البوسنة (1995-1992)، ضد الجيش الأميركي. مؤخرا، دعا “البرلمان الأوروبي” الاتحاد إلى إدراج “الحرس الثوري الإيراني” على قائمة الكيانات الإرهابية واتهمه بأنه مسؤول عن قمع الاحتجاجات داخل إيران وعن تزويد روسيا بطائرات مسيّرة.

في هذا الإطار، يقول فرغلي إن “الحرس الثوري” سيوضع بالتأكيد عاجلا أم آجلا على لائحة الإرهاب الدولي، لكن فرغلي يرى أن العلاقة بين طهران و”القاعدة” لا تسرّع من هذا الإجراء الدولي حيال “الحرس الثوري”؛ ولكن قد تكون مرتبطة بملفات أخرى، مثل الملف النووي الإيراني والوضع الداخلي الإيراني.

في العموم، الاتهامات الدولية لإيران باحتضان “سيف العدل” غير مستبعد، لا سيما وأن طهران لها علاقات ممتدة مع الحركات الإسلامية المتطرفة الشيعية والسنية، بما فيها “القاعدة” و”داعش”، ولطالما استخدمت وتعاونت مع ميليشيات وحركات مسلحة تستخدمها من أجل تحقيق ما ترنو إليه من تهديد مصالح دول المنطقة والدول الغربية.

بالتالي، فإن وجود “سيف العدل” في طهران سيؤثر على ملف الاتفاق النووي مع إيران، ويدفع بها إلى مزيد من العزلة أمام المجتمع الدولي، وحتى دول المنطقة، بجانب فرض المزيد من العقوبات الدولية، وهذا ما سيكون له آثار سلبية جمّة على الداخل الإيراني ككل، بجانب أن طهران لن تنفك عن استخدام وتوظيف هذه الجماعات الإسلامية في تحقيق مشروعها المعادي لكل دول المنطقة والغرب أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.