أزمات متتالية تكاد لا تنتهي يعيشها المواطن في عموم أنحاء سوريا، لعل آخرها أزمة البصل التي ترافقت بأزمة مياه جديدة تمثلت بانخفاض منسوب نهر الفرات بنسبة كبيرة، مما تسبب بتوقف العديد من الجمعيات الفلاحية عن ضخ المياه إلى الأراضي الزراعية.

المواسم الشتوية في مناطق شرق سوريا وعلى رأسها موسم القمح الذي يُعد موسم رئيسي في المنطقة، مُهددة نتيجة هذا الانخفاض، لأنها تحتاج في هذا الوقت لري كثير لتعويض انحباس الأمطار وارتفاع درجات الحرارة.

عدد من مشاريع الري الزراعي في كلا من دير الزور والرقة، خرجت عن الخدمة نتيجة انخفاض منسوب مياه نهر الفرات، حيث بلغت نسبة الانخفاض في دير الزور وحدها منذ بداية شهر شباط/فبراير الفائت أكثر من 40 بالمئة، ما أثّر على عمل المحركات الزراعية التي تعتمد على السحب من أقنية التوريد المائي، وأصبحت بحاجة إلى تعزيل مستمر لإيصال المياه إلى مضخات السحب، وذلك وفق تصريح لمدير الموارد المائية بدير الزور المهندس محمد الرجب، لصحيفة “الوطن” السورية.

أضرار كارثية

المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية المرويّة في منطقة شمال شرقي سوريا تبلغ 325 ألف هكتار، منها 225 ألف هكتار تروى من مياه نهر الفرات، إذ تتجه المساحة نحو الانخفاض بسبب الجفاف الذي أصاب المنطقة مؤخرا وقلة مياه الري.

عدد من الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، حذّرت من أنّ ملايين الأشخاص في سوريا والعراق معرضون لخطر فقدان الوصول إلى المياه والكهرباء والغذاء، مع انخفاض مستويات المياه بشكل قياسي، وتوقعات بارتفاع درجات حرارة عالية سيشهدها هذا الصيف جراء قلة هطول الأمطار والجفاف.

قد يهمك: انخفاض منسوب مياه “نهر الفرات” يُهدّد المزارعين في دير الزور

عن الأضرار التي قد تؤدي بسبب جفاف نهر الفرات وانخفاض منسوب سدي “تشرين” و”الفرات”، يقول الخبير الزراعي المثنى سفان في حديثه لـ”الحل نت”، بإن “الأضرار تتمثل بتوقف أغلب المشاريع الزراعية التي تُروى من نهر الفرات أو من هذه السدود، وهذا الأمر سيُهدّد بشكل مباشر معيشة آلاف الأسر العاملة في المجال الزراعي، إضافة إلى تضرر عدد من المحاصيل الزراعية جراء هذا الانخفاض وشح المياه، وأهمها محصولي القمح والشعير، الذي لم ينجح عدد من المزارعين في إيصال مياه الري إلى أراضيهم لريهما، وأنّ استمرار انقطاع أو شح المياه فسوف تتوقف الحياة الزراعية في قراهم وأراضيهم”.

انخفاض منسوب مياه نهر الفرات، وفق سفان سيؤدي إلى تخفيض ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، بسبب توقف عنفات سد الفرات عن العمل. إذ إن شح مياه نهري دجلة والفرات، وجفاف أغلب روافدهما تنذر بموسم صيف هو الأشد جفافا حسب المعطيات الحالية. كما أن ما تبقى من موسم الأمطار لن يكون كافيا لإغناء منسوب النهرين أو بحيرات الخزن والسدود عليهما، بحسب تعبيره.

آثار بيئية

إنّ مياه الصرف الصحي التي تنتهي في مجرى نهر الفرات، إضافة إلى الملوثات النفطية، أسباب تؤدي إلى التلوث البيئي للأنهار، ويزداد هذا التلوث كلما اقتربنا من المدن.

انخفاض مستوى المياه في مجرى النهر، خصوصا في أشهر الصيف، يؤدي إلى نفوق الثروة السمكية والكائنات الحية الأخرى، وفق سفان، حيث تتسبب الأحياء النافقة أيضا بتلوث عضوي كبير، وفق تعبيره.

سفان يوضح أيضا بأنّ زيادة تركيز الملوثات التي يسببها انخفاض مستوى المياه في الأنهار، تزيد البكتيريا في المياه، ونمو الطحالب على ضفاف النهر، وأن تلوث النهر يؤدي أيضا إلى مشكلات صحيّة للسكان الذين يعتمدون عليه في الزراعة والشرب، بسبب انخفاض كفاءة محطات المعالجة، إذ تصبح المياه غير صالحة للشرب، كما تنتقل الملوثات عبر مياه الري إلى المزروعات.

الفلاحون في مناطق شمال وشرق سوريا يستخدمون مياه الفرات للري، وإذا انخفض منسوب المياه في النهر، فسيتعين عليهم الاستغناء عن جزء من الأراضي الزراعية والمحاصيل المزروعة مما سيؤدي على خسائر اقتصادية كبيرة.

من المسؤول؟

الحكومة السورية تتهم تركيا بحبس مياه الفرات، والتسبب بأزمة مياه كارثية في منطقة الفرات شمال وشرق سوريا، وفق صحيفة “الشرق الأوسط”.

إن حبس المياه الذي تقوم به أنقرة ألحق ضررا بمخزون المياه الجوفية، حيث زاد عمق الآبار الجوفية من 80 مترا إلى أكثر من 120 مترا، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مصادر محلية في محافظة الحسكة.

كما تسبب حبس المياه بقطع الكهرباء وتهديد الزراعات المروية في المنطقة، لا سيما القمح. ترافق ذلك مع قلق كبير لدى سكان المنطقة من كارثة قادمة مع الصيف في حال استمرت تركيا بحبس مياه نهر الفرات.

من جهتها تتهم “الإدارة الذاتية” في شمال وشرق سوريا أيضا تركيا بأنها هي المسبب الأكبر في انخفاض مستوى نهر الفرات، فأنقرة تضخ كمية لا تزيد على 200 متر مكعب في الثانية من مياه النهر إلى الأراضي السورية.

والكمية أقل من المتفق عليها بين سوريا وتركيا عام 1987، وهي 500 متر مكعب في الثانية إلى الأراضي السورية، نظرا لشح الأمطار وبناء السدود من الجانب التركي.

في هذا الجانب، يرى المثنى سفان، بأنه لا يمكن الإجابة على هذا السؤال بشكل دقيق وواضح، حيث إنّ انخفاض مستوى مياه نهر الفرات يمكن أنْ يكون نتيجة لعدة عوامل، مثلا الجفاف، قد يحدث انخفاض مستوى مياه الفرات بسبب الجفاف، أي انخفاض كمية الأمطار والثلوج التي تغذي النهر، أو الاستخدام الزائد للمياه، حيث يستخدم الفرات كمصدر رئيسي للمياه في المنطقة، وقد يؤدي الاستخدام الزائد للمياه في الري والشرب والصناعة إلى نضوب المياه في النهر.

اقرأ أيضا: انخفاض منسوب الفرات: حدث طبيعي أم قرار سياسي من الحكومة التركية؟

تغيير المناخ أيضا، قد يؤدي إلى تغيير في نظام الأمطار والثلوج، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تغيرات في مستوى المياه في الفرات، بحسب سفان. كما أن إنشاء العديد من السدود على نهر الفرات ومنافذ التخزين، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستوى المياه في النهر.

بشكل عام، يمكن القول أنّ انخفاض مستوى مياه نهر الفرات يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل ومسؤولية ذلك يمكن أنْ تقع على عدة أطراف، بما في ذلك الحكومات والمنظمات الدّولية، من وجهة نظر سفان.

سبق وأن ذكر مسؤولون سوريون أن تركيا تواصل انتهاك اتفاقية المياه الموقعة مع سوريا والعراق تحت إشراف الأمم المتحدة عام 1987. ووفقا للاتفاق فإن سوريا يجب أن تحصل على 500 متر مكعب على الأقل من المياه في الثانية، لكنها تتلقى حاليا أقل من 200 متر مكعب في الثانية.

أزمات متتالية

سوريا تعاني من أزمة قمح مزمنة منذ اندلاع الأحداث فيها، وتراجع المحصول من 3 ملايين طن عام 2011 إلى مليون ونص المليون طن العام الماضي، وخلال الأسبوع الأخير تجددت أزمة القمح اللازم لتصنيع الخبز، واضطرت الحكومة إلى رفع سعر الخبز والمعجنات التي تنتجها الأفران الخاصة، بحسب صحيفة “الشرق الأوسط”.

وزير الزراعة السورية محمد حسان قطنا، كان قد أعلن أن الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 شباط/فبراير الماضي، تسبب بأضرار كبيرة على شبكات الري الحكومية في منطقة الغاب بالشبكتين الرئيسيتين “ج1 وج2” حيث تصدعت جدران الأقنية لأنها ترابية مبطنة بالبيتون، وبالتالي باتت كلها متهالكة.

منطقة الغاب الزراعية تعد من المناطق المهمة في تزويد البلاد بالمحاصيل الاستراتيجية كالقمح والشوندر والتبغ، بالإضافة إلى المحاصيل الأساسية كالزيتون والبصل والتوم واليانسون والبطاطا وغيرها، ويأتي تضرر قطاع الري الحكومي فيها، إلى جانب تضرره في منطقة الفرات، ليفاقم أزمة الزراعات المرويّة.

الموقف الحكومي من تضرر قطاع الري؟

المهندس الزراعي المثنى سفان يعتبر أنّ المشكلة تتعلق بالواقع السّوري المتراجع، وضعف الإمكانيات الحكومية في مواجهة أي أزمة وإيجاد الحلول والطرق المناسبة لتلافيها أو معالجتها بالشكل الأمثل

على المنظمات الإغاثية، والمزارعين والسكان المتضررين من أزمة انخفاض منسوب مياه نهر الفرات، من وجهة نظر سفان، توجيه رسالة إلى كل المسؤولين ومطالبتهم فيها بالإسراع في إيجاد حل لهذه الكارثة، وإلّا فستكون هناك مأساة إنسانية وزراعية وحيوانية يمكن أن تحصل، إضافة إلى حالات النزوح وهجرة الفلاحين المتواجدين في مناطق شمال وشرق سوريا وريفها إلى أماكن أخرى أو إلى دول الجوار.

سفان يشير إلى بعض الحلول التي يمكن اتباعها لتلافي تفاقم أزمة الزراعات المروية، ومنها الاعتماد على أساليب الري الحديثة مثل التنقيط والري بالرذاذ والمرشّات، وهذا يخفض كمية المياه المستخدمة في الزراعة ويقلل الهدر، ما سينعكس بالإيجاب على الاستجرار العام من مياه الأنهار.

لكن الإمكانيات الاقتصادية الحالية للمزارعين في تلك المناطق ماتزال محدودة لتطبيق أساليب الري الحديثة، لذلك يجب على المؤسسات المعنية بالقطاع الزراعي والمنظمات العاملة في تلك المنطقة المطالبة بتكثيف جهودها والدعم بهذا المجال، بحسب سفان.

أخيرا، تواجه سوريا أزمة مياه حادة، فقد دمر الجفاف الذي بدأ في عام 2006 الزراعة فيها وأجبر أعدادا كبيرة من أبناء الريف على النزوح إلى المدن وهذا له تداعيات سلبية كثيرة. ويرى خبراء أن استمرار أزمة المياه سيكون له أضرار كارثية مضاعفة على عموم المنطقة، في حال لم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لاحتوائها من قبل الجهات المسؤولة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.