منذ عام 2021، قلصت طهران عمليات المراقبة التي تقوم بها “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” في منشآت التخصيب الإيرانية، كما رفعت نسبة التخصيب في منشآتها النووية إلى مستوى 60 بالمئة، والتي لا حاجة لها في البرامج النووية السلمية. وفي الشهر الفائت، اكتشفت الوكالة آثار يورانيوم مخصب بنسبة 84 بالمئة في منشأة “فوردو”، حسب صحيفة “بلومبرغ”.

قبلها بأيام تنبه أحد مفتشي الوكالة لتغيير الترابط بين أجهزة الطرد المركزي بطريقة تختلف اختلافا جوهريا عن طريقة التشغيل التي أعلنتها إيران للوكالة، مما أثار التكهنات حول نية طهران للانعطاف ببرنامجها النووي نحو العسكرة.   

بحسب “الواشنطن إكزامينر”، تسائل النائب في الكابيتول الأميركي، هال روجرز، أنه “بالنظر إلى العراقيل الإيرانية السابقة لعمليات التفتيش النووية للأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كيف يمكننا التأكد من أن إيران لا تزيد عمدا من جهود التخصيب لاستخدامها في الأسلحة النووية”. فيما حاولت السفيرة ليندا غرينفيلد تهدئة مخاوفه بالقول، “لم يعد الوقت مناسبا للتحدث. لقد حان وقت العمل”. دون الإشارة إلى أي خطة أو جدول زمني محدد، من خلال قولها “لن أتوقع متى وكيف ستستجيب الإدارة، لكنني أعلم أن الإدارة مستعدة لذلك”.

في المقابل، اعتبر رئيس المنظومة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أن بيانات المفتشين استندت إلى عينة صغيرة “حتى غير مرئية للمجهر” والمخمن برأيه “هو حجم اليورانيوم المخزن”.

المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، فنّد ذلك بالقول، إن وجود جزيئات عالية التخصيب في كل عملية تخصيب أمر طبيعي. على سبيل المثال، في عملية تخصيب اليورانيوم إلى 20 بالمئة من تخصيب اليورانيوم، يتم رؤية نسبة 47 بالمئة من اليورانيوم المخصب، وفي عملية إنتاج اليورانيوم، ينظر إلى 60 بالمئة من اليورانيوم مع تخصيب أعلى. واصفا الأخبار الأخيرة بأنها “أغراض سياسية وتعتيم”، حسب موقع “فيرارو”. موضحا أن ما ناقشته الوكالة مع إيران يتعلق بوجود جزء من اليورانيوم بثراء يزيد عن 60 بالمئة في موقع الحصاد من خلال أخذ العينات التقليدية.

بدوره، قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي، وقبل وصوله إلى طهران، خلال زيارته يوم الجمعة الفائت، “إننا بدأنا نسجل تغييرات مقلقة في الأنشطة النووية الإيرانية في بعض المواقع، الوكالة الدولية للطاقة الذرية يجب أن تتمكن من الوصول المباشر إلى هذه المواقع لبحث الوضع عن كثب، وإزالة الشكوك التي اتسعت مؤخرا”.

التسامح الغربي وقود التسارع الإيراني

مطلع شباط/فبراير الماضي، انتقدت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” التابعة إيران لإجرائها تغييرا غير معلن في الربط بين مجموعتي الآلات المتقدمة التي تخصب اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60 بالمئة، القريبة من المستوى اللازم للتصنيع العسكري في منشأة “فوردو”، دون أن تذكر الوكالة كيف تم تغيير الترابط بين جهازي الطرد المركزي “أي آر6”. وهو انتهاك لاتفاق الضمانات الموقع بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وطهران، والذي يتطلب من النظام الإعلان عن مثل هذه الأنشطة النووية، بحسب “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”.

أندريا ستريكر، نائب مدير برنامج منع الانتشار والدفاع البيولوجي في المؤسسة، اعتبر أن “قيام إيران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة قريبة من صنع الأسلحة وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها وسائل محدودة للكشف عنه هو نتيجة مباشرة لنهج الغرب الدبلوماسي دون نفوذ، والذي سمح لطهران بالركض إلى العتبة النووية مع الإفلات من العقاب”. 

الشيء المؤكد أن المشروع النووي الإيراني هو مشروع عسكري وليس مشروع مدني، بحسب الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد أحمد رحال. إذ لو أن المشروع مدني لما استدعى وجود هذه المشاكل المستمرة بين “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” وطهران، وبين الأخيرة والدول الغربية. فالمشروع الإيراني مشروع عسكري على غرار المشروع الباكستاني والهندي والكوري الشمالي.

مضيفا، في حديثه “للحل نت”، تتلاقى مصالح الغرب مع المصلحة الإيرانية، فيما يتم الإعلان عنه من خروقات في البرنامج النووي الإيرانية، والتي تعلن عنها “وكالة الطاقة الذرية”. فالدول الغربية تجد فيها سبيل لتشديد الضغط على إيران. وفي المقابل ترى فيها طهران وسيلة لتحريك المسار التفاوضي، لاسيما مع الدول الغربية المتراخية، كألمانيا وفرنسا، التي تفضل لغة الحوار على لغة الردع. 

مدير وكالة المخابرات المركزية، وليام بيرنز في لقاء مع قناة “سي بي إس”، قال: “على حد علمنا، لا نعتقد أن المرشد الأعلى في إيران قد اتخذ قرارا حتى الآن باستئناف برنامج التسليح الذي رأينا أنه علقه أو أوقفه، في نهاية عام 2003”. وعليه، تعتقد الولايات المتحدة أن إيران لم تقرر بعد استئناف برنامج أسلحتها النووية. مضيفا، “لا نرى دليلاً على أنهم اتخذوا قرارا باستئناف برنامج التسليح هذا، لكن الأبعاد الأخرى لهذا التحدي، على ما أعتقد، تنمو بوتيرة مقلقة أيضا”.

عسكرة البرنامج النووي مطروحة باستمرار، من النظام الحاكم في إيران، حسب الكاتبة السياسية، عالية منصور. معتقدة أن تسريب خبر الكشف عن جزيئات من اليورانيوم المخصب بنسبة 84 بالمئة، هو عملية ضغط دبلوماسي إيراني، تهدف للعودة إلى طاولة المفاوضات. متابعة في حديثها “للحل نت”، أنه مجرد مناورات.

طهران اعتادت على اللعب بالدبلوماسية لتحقيق أهدافها. لذا تراها تتحالف مع روسيا، وتثير واشنطن، نظرا لإدراك طهران أن أي حرب تندلع في المنطقة ليست من مصلحة الغرب اليوم، وخصوصا الولايات المتحدة. لذا، تلعب طهران لعبة حافة الهاوية، فنسبة 90 بالمئة لتخصيب اليورانيوم هي النسبة التي وضع عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خطا أحمر، وعندما يتم الكشف عن أن إيران على وشك الوصول إلى هذه النسبة، خلال أسابيع أو أيام، فالتقدير المرجح لدى منصور، أنه عملية ضغط دبلوماسي لتسريع العودة إلى طاولة المفاوضات الدولية، الخاصة ببرنامجها النووي.

مع هذا التفسير، تتوافق الباحثة الأحوازية في معهد “الحوار للدراسات في واشنطن”، ليلى حسن. فواشنطن لا تمتلك فائض من الخيارات لكبح البرنامج النووي الإيراني على المدى القصير. لذلك، يجب أن تركّز على تجنب التصعيد مع طهران وسط تحديات أخرى بدءً من الحرب في أوكرانيا، إلى نهوض الصين. وعليه، فإن إيران تلعب بشكل ذكي يجعلها تضمن العودة للاتفاق النووي بشروطها الخاصة. وفي قراءة لما أعلنته وكالة “بلومبورغ”، عن اكتشاف “وكالة الطاقة الذرية” لآثار يورانيوم مخصب بنسبة 84 بالمئة داخل منشآت إيران النووية، وتأييد ذلك من قبل الوكالة، يؤكد أن ما يجري يأتي في إطار سياسات مدروسة من قبل النظام الإيراني لتحقيق استراتيجية الردع.

مضيفة في حديثها “للحل نت”، تقوم استراتيجية الردع الإيرانية على ثلاث ركائز أساسية، استخدام الوكلاء، والقوة الصاروخية، والبرنامج النووي. استخدمت طهران القدرتين الأولى والثانية، وتركز الثالثة على أهداف طويلة الأجل تلبي للنظام طموحه في هذا الإطار. لطالما كانت إيران مستعدة لكبح برنامجها النووي مقابل منافع اقتصادية، مع استمرارها في تعزيز قدرتها العسكرية التقليدية.

بالون اختبار

“الوكالة الدولية للطاقة الذرية” قادرة على تنفيذ ثلاثة أنواع من عمليات التفتيش في إيران، “التفتيش المعلن” المخطط له مسبقا بالتعاون مع إيران، و”التفتيش غير المعلن” حيث يصل المفتشون فجأة ويطلبون الدخول إلى موقع ما، و”التفتيش العشوائي” وهو أحد أشكال التفتيش غير المعلن إنما نادرا ما يتم اللجوء إليه، وفقا لمدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. 

ما تم اكتشافه من تغيير شبكة الأنابيب في منشأة “فوردو”، تم خلال عملية تفتيش عشوائية. مشيرا إلى أن مستوى التخصيب الجديد الذي أفادت التقارير أن إيران قد بلغته يشكل مصدر قلق جدي يتخطى بكثير “الخطوط الحمراء” بالنسبة للكثيرين. لكنه لا يعني بالضرورة أن إيران على وشك صنع قنبلة نووية. 

نظرا للتحولات الجارية، لا يبدو أن قادة إيران يخشون العزلة عن الغرب على الإطلاق، حسب حسن. على العكس من ذلك، هم مرتاحون في إبقاء البلاد على عتبة التحول إلى دولة نووية، وغير مستعدين للتخلي عن القدرات التي حققوها. وفي النهاية، الردع الكامن يمنح النظام قدرة دفاعية ذات قيمة عالية إزاء ما قد تفرضه عليه القوى الخارجية، وما يجري من مناورات التصعيد والتهدئة، تمنح طهران إمكانية تحقيق المزيد من الفوائد من خلال قبول الاتفاق وتحقيق المآرب الأخرى والأهداف طويلة الأجل، التي تركز على برنامج الأسلحة النووية لإيران. 

الباحثة الأحوازية، لفتت إلى أن إيران تزيد الضغط على الغرب للعودة إلى طاولة المفاوضات، حيث جاء التقارب الإيراني – الروسي بشكل مدروس، لأن طهران ترى في روسيا خشبة الخلاص، مستفيدة من حربها في أوكرانيا. لاسيما وأن الرئيس الأميركي جو بايدن الذي لم يرسم خطوطا حمراء، بالإضافة لعدم إمكانية فصل المفاوضات النووية عن الوضع العسكري في روسيا.

على الأرجح، يخدم التخصيب بنسبة 84 بالمئة هدفين للنظام الإيراني، حسب مايكل سينغ، المدير الإداري لـ “معهد واشنطن”. الأول، اختبار قدراته التقنية لتجاوز العتبة النووية، والثاني، بالون اختبار لمعرفة رد فعل الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل على تجاوزه عتبة صنع الأسلحة. مرجحا، أن يكون الغرض الأخير أكثر فائدة لطهران، التي ستراقب ما إذا كانت هذه الدول مستعدة للتصرف أو تبحث عن أعذار لتجنب القيام بذلك، وما إذا كان ردها منسقا أو يتسم بالاقتتال الداخلي. 

طموحات إيران الذرية

ألاعيب إيرانية، بغية تحريك الملف التفاوضي، تلك النسب الخاصة بتخصيب اليورانيوم، التي تعلن عنها كلا من إيران أو “الوكالة الدولية”، حسب رحال. مشككا، في حقيقتها، والإعلان عنها مقصود غربيا وإيرانيا. حيث تقوم تسعى طهران من ورائها لتسخين المسار التفاوضي، بعد تأزم وضعها الداخلي ومن قبله الاقتصادي. وبالتالي، تعطي المفاوضات لطهران فرصة لإسكات الداخل حتى ولو لم تحقق نتيجة. كما تمنحها فرص أو أشباهها، للحصول على بعض أموالها المحجوزة، إضافة لما قد تمنحها من فرص فك الحصار عنها أو تخفيفه.

من بين التحركات الإيرانية كان توسيع مخزونها من اليورانيوم المخصب، وتشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي، وتعزيز كفاءة أجهزة الطرد المركزي، وزيادة عدد مواقع الإثراء، أيضا تجريب الإثراء إلى مستويات عالية في خطوة واحدة بدلا من خطوات متعددة، فضلا عن نقل اليورانيوم العالي التخصيب إلى موقع في أصفهان قادر على تحويل غاز سادس فلوريد اليورانيوم إلى معدن وهو خطوة رئيسية في تصنيع الأسلحة، بالإضافة لعرقلة المفتشين النوويين. حيث تؤكد كل خطوة من هذه الخطوات الاعتقاد المتزايد أن طهران تعتزم إنتاج أسلحة نووية.

بالنظر للخطوات التي اتخذتها طهران خلال العامين الفائتين، فإنها تبدو أشبه باستعدادات لبناء أسلحة نووية بسرعة عند الضرورة أكثر من كونها محاولة لبناء نفوذ دبلوماسي للمساومة، حسب سينغ. 

وفقا لهندرسون، لا تزال إيران تواجه صعوبات تتعلق بتحويل سادس فلوريد اليورانيوم الغازي إلى معدن صلب وقولبته على شكل أنصاف كرات، حيث تصبح النواة المتفجرة لقنبلة نووية عند جمعها معا على شكل كرة. فيما يُقر المسؤولون، أن مدى معرفتهم بأنشطة إيران في مجال تصميم الأسلحة أقل بكثير من معرفتهم بأنشطة التخصيب التي تمارسها. وفي حال قررت طهران صنع قنبلة تحملها طائرة، فقد يكون التصميم الضروري أقل تعقيدا من التصميم الذي تحتاجه القنبلة المحمولة بصاروخ بعيد المدى.

حسب بيرنز، “من الواضح أن إيران تقدمت كثير في مجال تخصيب اليورانيوم. لقد تقدموا كثيرًا لدرجة أن الأمر لن يستغرق سوى أسابيع قبل أن يتمكنوا من التخصيب إلى 90 بالمئة إذا اختاروا تجاوز هذا الخط، وكذلك فيما يتعلق بأنظمة الصواريخ الخاصة بهم، وقدرتهم على إيصال سلاح نووي بمجرد تطويره”.

الضبابية والغموض، مضافا لها الفشل وتأخير إبلاغ “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” عن منشآت إيران النووية والتحديثات المستجدة فيها، ولّدت الكثير من علامات الاستفهام، وأكثر منها علامات الريبة والشك، حول طبيعة البرنامج النووي الإيراني. إلا أن الحقيقة الظاهرة هي أن طهران تسعى لامتلاك المعرفة الكاملة بدورة الوقود النووي، ومراكمة المعرفة والتجارب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة