العلاقات السعودية-الأردنية تبقى تأخذ طابع الشدّ والجذب، وذلك في ضوء التطورات المتسارعة خاصة على وقع القضية التي عرفت بقضية الفتنة قبل أكثر من عامين حيث يقبع أحد أبرز مستشاري ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وهو الدكتور باسم عوض الله في السجن للعام الثاني ولقضاء عقوبة بمقدار 15 عاما.

لكن تلك العلاقة تأخذ طابع الهدوء تارة والحذر تارة أخرى، حيث تحرص الأردن والسعودية على علاقة متميزة نظراً لطبيعة الجوار بينهما، وهذا ما تمثل في مواقف الأردن السياسية تجاه إيران على سبيل المثال لا الحصر، ويمكن التعريج على موقف عمّان من التفجيرات التي استهدفت البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران حيث استنكر ذاك العمل المخالف للعلاقات الدولية والأعراف الدبلوماسية.

وزارة الخارجية الأردنية آنذاك استدعت السفير الإيراني لدى الأردن، وأبلغته إدانتها الشديدة والرفض المطلق لمبدأ الاعتداء والتعرض للبعثات الدبلوماسية، معتبراً بأنّ تلك الاعتداءات مرفوضة ومستهجنة على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، وإحراقها وتدمير موجوداتها.

موازنة المصالح المشتركة والسياسات المتباينة

في سياق العلاقات بين الرياض وعمّان يمكن التعريج على موقف الأردن من جماعة “جهيمان”، وكذا اغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز، ووقوف الأردن مع “التحالف العربي” لمواجهة “الحوثيين” أداة إيران في اليمن.

في ظل التطورات الحاصلة في الأراضي الفلسطينية وإدانة السعودية الاقتحامات التي حصلت للأقصى، فإنّ مثل تلك الأحداث من الممكن أن تؤدي إلى تحريك المياه الراكدة بين الطرفين ويعمل الجانبين على الدفع بتطوير هذه العلاقات.

من هنا يؤكدّ السفير والوزير الأردني الأسبق بسام العموش، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أنّ الأردن لا ينكر الدعم السعودي المباشر وغير المباشر المتمثل في بناء مستشفى الحسين للسرطان وكذا الطريق الصحراوي وطريق العمري وقبل ذلك في حرب 1967 حيث جاءت القوات السعودية للدفاع عن الأردن، كما يشترك البلدان في كثير من المواقف السياسية مثل الملف الفلسطيني واللبناني والعراقي والسوري. 

كل ذلك لا يمنع بحسب رؤية الوزير الأسبق من وجود اختلاف وجهات النظر في بعض القضايا مثل: قضية باسم عوض الله الذي هو أردني قبل أن ينال الجنسية السعودية، مشدداً على أنّ ما سُمي قضية “الفتنة” يعد أمراً حساسا بالنسبة للأردن ولا أشك أنّ السعودية لن تفرط بعلاقاتها مع الأردن إذا كان ثمة خلاف في قضية عوض الله.

العموش عرج قائلاً: “كلنا يعرف أن الأردني مثلا لو قام بشيء مخالف للقانون في السعودية أو غيرها فإنّ القانون المحلي هو النافذ باعتبار سيادة الدول وهناك مساجين عرب في البلدان العربية والأجنبية”، معتبراً بأنّ الأمر مرتبط برغبة العاهل الأردني الملك عبد الله إذا أراد إصدار عفو خاص عن عوض الله تلبية لرغبة السعودية في حال ما إذا كانت هناك رغبة سعودية أصلاً.

العموش بدوره أشار إلى أنّ بين الأردن والسعودية مشاريع اقتصادية مقبلة، ولهذا سيبقى هذا الأمر وفق تقدير الملك فهو صاحب الحق في إصدار العفو بشقيه العام والخاص.

العلاقات الأردنية السعودية تتسم بالرسوخ

العلاقات ما بين الأردن والسعودية تتسم بالرسوخ والاستقرار المبنية على تحقيق العديد من المصالح الحيوية لكلا الطرفين، فمنذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وخاصة بعد استلام الملك الراحل الحسين بن طلال مقاليد الحكم في الأردن، ترسخت هذه العلاقة مع السعودية بشكلٍ واضح، حيث أثّر بزوغ نجم القوميين العرب ووصولهم للحكم في عدد من الدول العربية، الذين اعتبروا أنّ الممالك العربية من الُنظم الرجعية مقابل ما يمثلونه هم من التقدمية، وكذلك التهديدات التي أتى بها الصراع مع الكيان الصهيوني، مما انعكسا إيجابيًا على زيادة التنسيق وتطوير العلاقات بين الأردن والسعودية واستقرارهما في مواجهة هذه التطورات والتهديدات ذلك الحين.

هنا يؤكدّ المحلل والكاتب السياسي الأردني، الدكتور محمود بدر الحديد، في حديث خاص لـ”الحل نت”، بأنّ العلاقات تطورت بين الطرفين، خلال عقد السبعينات، وتحديداً بعد حرب 73 مع إسرائيل، وزيادة الدعم الخليجي، على رأسها السعودية، لدول المواجهة التي كان من بينها الأردن، الأمر الذي أفاد في تحقيق رخاء اقتصادي وتطوير البنية التحتية لهذه الدول، كما فتحت أبواب أسواق العمل في السعودية ودول الخليج للأردنيين، مما أفاد الطرفين، وزاد من تطوير العلاقات البينية بينهما وترسيخها واستقرارها.

مع ذلك يرى الحديد بأنّ العلاقات بين الأردن والسعودية واجهت بعض الأزمات الحادة، مثل ما حدث بعد احتلال العراق للكويت، وما نجم عنها من انقسام الصف العربي إلى قسمين متنازعين، كانت السعودية به في طرف والأردن في الطرف الآخر، إلا أنّه سرعان ما وجد الطرفين؛ أنّه من غير المجدي، تحقيقًا لمصالحهما الحيوية، السير بالقطيعة والتنافر، وكانت النتيجة العودة التدريجية لاستقرار العلاقات بينهما.

من أهم النتائج التي يمكن استخلاصها من هذه الأزمة بالنسبة للأردن بحسب رؤية الحديد، أنّه ولأهمية العلاقات مع السعودية في إدارة مصالح الأردن الحيوية، ألّا يضع نفسه في مواجهة مباشرة وخصومة مع السعودية، وفي أقصى حد عند تقاطع المواقف، هو اتخاذ سياسات متوازنة، مثل الموقف الذي أتخذه الأردن في الخلاف الخليجي القطري، وفي موقف الأردن تجاه الحرب ضد “الحوثيين” في اليمن، وكذلك الأمر فيما رشح عن عدم توافق الطرفين من حجم التدخل الأردني، المطلوب سعوديًا، في بداية الأزمة السورية.

هذه الخبرات المتراكمة، عند الطرفين، في إدارة العلاقات بينهما، في الشدة والرخاء، من المتوقع أن يكون لها دور في نزع فتيل أي أزمة قد تؤثر على العلاقات بين البلدين قد تصل إلى حد القطيعة والتنافس الحاد نتيجة بما يعرف بقضية “الفتنة” التي تمّ ربطها بالأمير حمزة بن الحسين الأخ غير الشقيق للملك عبد الله الثاني، وبوجود متهم آخر مهم هو رئيس الديوان الملكي الأردني السابق، ومستشار ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان.

ما يؤكد على هذا الاستنتاج بحسب ما يذهب إليه المحلل السياسي محمود الحديد، هو موقف القيادة السعودية بإعلانها تضامنها الداعم للأردن عند الإعلان عن قضية “الفتنة” وكذلك في تصريح الملك عبد الله الثاني لشبكة “سي إن إن” الأميركية في تموز/يوليو من العام الماضي، عن احتمالية أنّ للسعودية دور بهذه القضية، حيث صرح الملك عبدالله، ردًا على ذلك، أنّ هذه القضية تمّ التعامل معها على أنّها “شأن داخلي” في الأردن، بما يعني نفي التهمة عن السعودية.

الحديد يرى أنّه من غير المستبعد أن يكون لهذه القضية بعض التبعات المؤثرة، خاصة على الأردن، ومن أهمها الدعم المالي في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها الأردن، حيث فُسر تصريح وزير المالية السعودي في مؤتمر “دافوس” مؤخرا أنّ السعودية لن تقدم أي دعم مالي دون شروط، بما يؤكد على هذه التبعات، فرغم أن الأردن ليس فقط هو المقصود بهذا التصريح إلا أنّه على الأغلب يشمله.

أهمية العلاقات بين البلدين، من وجهة نظر الحديد في ظل الظروف المحيطة بهما في الإقليم، وأهمها وصول الأحزاب المتطرفة في إسرائيل إلى الحكم والتهديدات التي من المتوقع إحداثها نتيجة ذلك، وكذلك تداعيات ما سمي بالهلال الشيعي وتهديداته لاستقرار المنطقة، يحتم على كل من السعودية والأردن العودة التدريجية لسابق عهدهما من الاستقرار والتعاون، ولا يُعتقد أن تصل الشروط السعودية مستقبلاً، لدعم الأردن ماليًا، إلى حد يؤثر على استقلالية قراراته وحيوية اتخاذها إزاء ثوابت الأردن وقضاياه المختلفة.

علاقات شد وجذب

رغم أنّ العلاقة من الناحية المعلنة والظاهرية تأخذ في طبيعتها طابع العلاقة التشاركية والتعاونية في كثير من المحطات، إلا أنّ البعض يرى أنّ العلاقة بين الجانبين هي علاقات صراعية، وهذا ما يراه عضو المكتب السياسي لـ”الحركة الشعبية في الأردن”، محمد الروسان، فيذهب برؤية مغايرة لكلا من العموش والحديد، مؤكداً في تصريحات خاصة لـ”الحل نت”، أنّ العلاقات الأردنية-السعودية تاريخياً من تحت الطاولة هي علاقات صراعية بالمعنى الأفقي والطولي، “لأنّ من أنهى حكم الهاشميين في الجزيرة العربية هم آل سعود والصراع مستمر وعلينا أن نعود إلى الحقبة التاريخية السابقة، لكن فوق الطاولة تظهر العلاقات على أنّها ذات صفة تعاونية”، بحسب رؤية الروسان.

أما فيما يتعلق بمسألة الفتنة، يعتقد الروسان أنّ العلاقات بين الطرفين لا تزال في غاية السوء، خاصة بعد أحداث الجنوب الأردني فهي بطريقة أو بأخرى بدفع سعودي، لأنّ الأردن يخضع لصراع أميركي-بريطاني، عبر أدواته السعودية والإمارات وأنّ الصراع على الأردن بين السعودي والإماراتي هو انعكاس للصراع الأميركي-البريطاني على الأردن والمنطقة برمتها أيضاً.

من هنا فإنّ العلاقات بين عمّان والرياض تأخذ شكل الصراع من الناحية الخفية ولن تتطور في القريب العاجل، في ظل تغير السياسات السعودية والتي كان آخرها ما صرح به وزير المالية السعودي محمد الجدعان، خلال مشاركته في منتدى “دافوس” الاقتصادي العالمي في سويسرا، الذي أكدّ على أنّ المساعدات التي ستقدمها السعودية للدول الأخرى ستكون مشروطة بإصلاحات، وأنّ السعودية تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.

الروسان يكشف أنّ الأردن أرسلت رسائل إلى السعودية، أنّه ماذا تعنون بهذا القول لدول الجوار، فالمسألة معقدة والمنطقة في حالة سيولة مخابراتية وفي حالة سياسية ودبلوماسية سلبية.

خلاصة القول أنّ العلاقات بين عمّان والرياض لا تزال في حالة الركود حتى وإن بدت ظاهراً أنّها علاقات متميزة وأنّها لا تشوبها شائبة في العلن، إلا أنّه في الأمر يأخذ طابع الصراع أحياناً والتنافس في أحيان أخرى مع عدة قدرة الأردن على النفوذ مقارنة مع السعودية التي تمتلك أدوات تؤهلها على المستوى السياسي والاقتصادي والديني إيجاد موطأ قدم لها في العديد من دول المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة