العديد من الضربات تلقاها سوق العقارات في سوريا خلال السنوات الماضية، كان آخرها زلزال السادس من شهر شباط/ فبراير الفائت، الذي تسبب بأزمة سكن في العديد من المدن السورية، وجعل الحصول على منزل أمر بالغ في الصعوبة، الأمر الذي انعكس سلبا على ركود سوق العقارات.

في وقت يحتاج فيه سوق العقار إلى دفعة لإخراجه من حالة الركود التي يعيشها منذ سنوات، ساهمت القرارات الحكومية الخاصة بتنظيم عمليات بيع وشراء العقارات بزيادة معاناة التجار، فضلا عن الانهيار المتواصل لقيمة الليرة السورية، الأمر الذي تسبب بخوف لدى البائعين والمشترين على حد سواء من إتمام عمليات البيع.

حكومة دمشق لم تتمكن من دعم قطاع العقارات، بل على العكس حاولت استغلال الحركة المالية في السوق لدعم “البنك المركزي” السوري بالنقد، عبر قرارات عديدة ساهمت بعرقلة عمليات إتمام الصفقات المتعلقة بالعقارات، فكيف ساهمت هذه القرارات بزيادة ركود الأسواق.

ودائع عالقة في البنك

في سوريا يحتاج مَن أتمّ بيع منزل بقيمة نصف مليار ليرة سورية، إلى نحو 12 يوم عمل بدون احتساب أيام العطل الرسمية، لكي يستطيع تحصيل نصف سعر منزله، فضلا عن أنه مضطر للذهاب في كل يوم إلى “البنك” من أجل تحصيل دفعة من سعر منزله، الذي يفترض أن يكون تقاضاه من البائع، منذ اللحظة الأولى لإتمام الصفقة.

هذه الإجراءات ساهمت في زيادة الركود ضمن سوق العقارات، وتأتي ضمن قرار أصدرته حكومة دمشق قبل أشهر وقامت بتعديله قبل أسابيع، وينص على إيداع ما نسبته 50 بالمئة، من سعر العقار في البنوك، مع تجميد بعضها لمدة ثلاثة أشهر على الأقل دون أن يحق للبائع التصرف بها.

القرارات الحكومية أثرت بالدرجة الأولى على أصحاب مهنة تجارة العقارات، الذين يضطرون لإجراء صفقات سريعة وتحصيل أموالهم من أجل شراء عقارات جديدة، إلا أن هذه القرارات ساهمت بتجميد أموالهم لفترة طويلة في البنوك، هذا فضلا عن أن هناك نسبة من المَبالغ تبقى عالقة في البنوك لعدة أشهر.

قد يهمك:  مواد جديدة على قائمة الدعم في رمضان.. هل تنجح “التموين” السورية في تقديمها؟

بعض البنوك السورية لا تسمح بسحب أكثر من 20 مليونا يوميا، وهذا يعني أن العقارات التي يتم بيعها بأكثر من مليار ليرة سورية مثلا، يحتاج الطرف البائع فيها إلى المواظبة على الذهاب إلى “البنك” يوميا لمدة قد تصل إلى 25 يوم عمل للحصول على سعر عقاره، إذ ينص القرار على تحويل المشتري نصف قيمة الصفقة إلى حساب البائع في أحد البنوك المعتمدة.

أسباب القرارات الحكومية

الخبير الاقتصادي السوري أحمد أبو خميس، رأى أن زيادة نسبة الإيداع المفروضة من قيمة العقار في البنوك السورية، دليل آخر على إفلاس الحكومة السورية وبنوكها، فضلا عن تراجع ثقة المودّعين بها، مشيرا إلى أن القرارات ستساهم في زيادة الركود في أسواق بيع وشراء الأصول.

أبو خميس قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “القرار يدل على إفلاس حقيقي للحكومة، وهذه القرارات بالتأكيد تعيق حركة البيع والشراء في سوق العقارات، لا سيما فيما يتعلق بالتجار الذين يحتاجون دائما للسيولة من إجل إتمام صفقاتهم، كما أنه يقيد حرية التصرف بالممتلكات والأموال الشخصية”.

الحكومة السورية تهدف من خلال هذا القرار والتعديل الدوري عليه وزيادة النسبة من قيمة العقار الواجب إيداعها في البنك لفترة معينة، إلى زيادة الحركة والتحويلات المالية في البنوك السورية، التي بدورها تعاني من انعدام ثقة المودّعين وتراجع في الإيداعات، وهنا أوضح أبو خميس أنه “لا أحد الآن يثق بأن يودّع أمواله في البنوك السورية، لذلك هي تلجأ لمثل هذه القرارات لتوفير السيولة. وفق هذا القرار فسيكون دائما لدى المصارف مئات الملايين العالقة لبائعي العقارات والسيارات”.

عن تأثير هذه القرارات على أسواق البيع والشراء، فقد أوضح الخبير الاقتصادي أن زيادة التضييق على الأسواق عبر هذه القرارات، ستكون بمثابة ضربات متتالية في السوق، وأضاف “القرار ليس بجديد، لكن الحكومة مؤخرا زادت النسبة التي يجب إيداعها في البنك من قيمة الأصل إلى 50 بالمئة بدلا من 15، بالتالي سيتسبب القرار بمزيد من حركة الجمود في قطاع العقارات والسيارات، بسبب الأموال العالقة في البنوك”.

التأثيرات السلبية

بعض أصحاب المكاتب التجارية، أكدوا أن عمليات سحب قيمة الأصل العقاري قد تستغرق لأشهر في بعض الأحيان، لا سيما فيما إذا كانت قيمة الأصل تتجاوز نصف مليار ليرة سورية، حيث تمتنع بعض البنوك عن الإيفاء بعمليات سحب الأموال بشكل يومي، فيما تقوم بعض البنوك بعمليات صرف أقل من الحد الأدنى المقرر لكل  اليوم والذي يبلغ 25 مليون ليرة سورية، لكن معظم البنوك لا تلتزم بهذا الحد عند عمليات السحب.

ومع الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، وانهيار قيمة العملة السورية، فقد سجّلت بعض العقارات النظامية في العاصمة دمشق أسعارا تجاوزت المليار ليرة، وبالتالي فقد تعقدت عملية بيع مثل هذه العقارات، التي قد يطول أمد الحصول على كامل قيمتها بالنسبة للبائع أكثر من أربعة أشهر.

تنفيذ القرارات الحكومية الأخيرة، أدى بطبيعة الحال إلى حجب نسبة من السيولة من أيدي تجار الأصول من عقارات وسيارات، الأمر الذي أدى بكثير منهم إلى العزوف عن مهنته بسبب تعقيدات عمليات البيع والشراء، فضلا عن أن بقاء جزء من قيمة العقار في البنك بالليرة السورية، قد يعرّض البائع إلى مزيد من الخسائر بسبب احتمالية أن تنخفض قيمة الليرة السورية.

في سوريا هناك العديد من مؤشرات زيادة الركود في عمليات بيع وشراء الأصول، ففضلا عن القرارات الحكومية، جاءت كارثة الزلزال لتزيد من نسبة الركود بسبب الخوف من انهيار المباني، ما تسبب في زيادة عروض البيع مقابل انخفاض الطلب على شراء العقارات وتحديدا المنازل السكنية.

عقب وقوع الزلزال، أشارت الدلائل إلى ارتفاع جديد بأسعار العقارات وإيجار المنازل بنسبة 30 بالمئة، وذلك بسبب الأزمة الكبيرة التي تواجهها البلاد جراء تأمين سكن بديل للمتضررين، ذلك على إثر خروج الكثير من الوحدات السكنية عن الخدمة، إضافة إلى استغلال فئة من أصحاب العقارات لزيادة الطلب التي حصلت خلال الأسابيع الماضية لرفع إيجارات منازلهم، فضلا عن أن أسعار العقارات كانت بالأساس ترتفع كل شهر، نتيجة انخفاض القدرة الشرائية لليرة السورية والتي تُبرر في الكثير من الأحيان لأصحاب العقارات رفع أجور منازلهم كونها تشكل مصدر دخل لهم.

كذلك فإن الرغبة المتزايدة في مغادرة البلاد من قبل السوريين في مناطق سيطرة الحكومة السورية، ساهمت في زيادة عرض المنازل للبيع، في وقت لا يوجد فيه من يشتري بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار، وسط عدم وجود أي رؤية من الحكومة لحل مسألة الركود في سوق العقارات.

بالتأكيد قد يكون الركود كبيرا في سوق العقارات، لكن السياسة الحكومية فيما تتعلق بإدارة الأزمات الاقتصادية، جعلت معظم القطاعات الاقتصادية تعاني من ركود بنسب مختلفة، في وقت لا تراعي فيه القرارات الحكومية أبدا مصالح السوريين، فهدف القرارات الحكومية الأول إبقاء ما تبقى من هيكل الحكومة، في محاولة لإيصال فكرة أن القيادة في دمشق لا تزال تدير دولة ولديها حكومة ومؤسسات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.