صناعة النشر تشهد تطورات ملحوظة لمواكبة المنافسين لها في مجالات أخرى، فظهرت الكتب الصوتية والإلكترونية والمنصات المخصصة للقراءة وغيرها من التحركات للحفاظ على الكتاب وقيمته.

كان من الضروري أن تشهد الصناعة تطوراً وأن تبدي مرونة في مواجهة التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم تكنولوجياً وباتت تهدد عرش الكتاب كمصدر أساسي للمعرفة أو للترفيه مع انتشار المنصات المتنوعة العلمية والترفيهية بشكل كبير، ولكن يبدو أن صناعة النشر في العالم العربي والتي تعاني ما تعانيه من صعوبات وسط الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغلاء الأسعار الناتج عن الأزمات العالمية، تفتقد لركن أساسي وضروري فيها وهو “الوكيل الأدبي”.

الوكيل الأدبي يلعب عموماً صلة الوصل بين الكاتب ودور النشر، ويكون مسؤولاً عن الاتفاقيات القانونية وحقوق موكله والخطط التسويقية لاسم الكاتب والترويج لأعماله في الصحافة وحتى لدى شركات الإنتاج كذلك، بما يشبه دور مدير أعمال ممثل. وبالتالي يساهم في تفرّغ الكاتب لعمله الأساسي وهو الكتابة دون الانشغال بتفاصيل مرهقة قد لا يملك القدرة على إدارتها أصلاً، وهو ما يسهل في تنظيم عملية نشر الكتب وتسويقها على الشكل الأمثل من جهة، وزيادة الجرعة الإبداعية لدى الكاتب من جهة ثانية.

عن أهمية وجود الوكيل الأدبي

النشر وتحوّله إلى صناعة متكاملة أمر ضروري لاستمرارها وتطورها أيضاً، ويشكّل الوكيل الأدبي الضلع الثالث في مثلث الناشر والكاتب، الضلعين الأساسيين في العملية عدا عن العناصر الهامة الأخرى من منتج ومحرر ومدقق لغوي وعناصر أخرى.

بالرغم من ازدياد عدد الكتّاب والمؤلفين في العالم العربي حتى مع عدم وجود إحصائيات دقيقة حول هذا الأمر، إلا أن الوكيل الأدبي غائب برغم ضرورة الظهور والحضور، لكن لهذا الغياب أسبابه التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وأن يتم معالجتها كذلك.

مدير دار “سرد” للنشر فايز علام، يشرح  لـ”الحل نت” أهمية عمل الوكيل الأدبي، بأنه “من يتولى مهمة بيع الحقوق نشر أعمال الكاتب بلغته الأصلية أولاً ثم النسخ المترجمة في مقابل نسبة يحصل عليها الطرفين من حصة الكاتب والذي يملك بدوره نسبة من مبيعات كتبه”.

علام يوضح أن “عمل الوكيل الأدبي يأتي على اعتبار أن الكاتب ينشغل بالإبداع لا بالتسويق الذي يحتاج لمتخصص أيضاً”، وهو ما يتقاطع مع حديث الشاعر ياسر الأطرش بأن الوكيل الأدبي”يتولى عملية التخطيط للنشر والتعاقدات والتسويق، ويضمن حقوق الكاتب ويؤمن أفضل العروض له، إذ إنه خبير بالسوق أكثر، ويعرف توجهات دور النشر وتخصصاتها، لذا يعرف كيف يحصل على أفضل عرض وأفضل تسويق للكتاب”.

الأطرش يشير إلى أن “تكامل أركان عملية النشر وتحولها إلى صناعة أدت إلى مأسسة عملية النشر”، وهذه النقطة التي يشير إليها الكاتب التونسي كمال الرياحي في حديثه لـ”الحل نت”، بأن الوكيل الأدبي “عنصر أساسي في عملية صناعة الكتاب الأدبي وترويجه ويتموقع بين الكاتب والناشر”.

الوكيل الأدبي اكتسب أهمية كبرى للكتّاب والمؤلفين في الوقت الحالي، إلى مرحلة “لم يعد الناشر هو المهم بالنسبة للكاتب بل وكيله الأدبي القادر على العثور والتعاقد مع أفضل الناشرين لمعرفته بكيفية تسويق الكتاب وتقديمه”، بحسب الرياحي. والذي يصف التعاقد مع وكيل أدبي جيد بمثابة “الجائزة والحلم في بعض الأحيان”.

لماذا يغيب الوكيل الأدبي عن صناعة النشر؟

برغم الأهمية الكبيرة التي يكتسبها وجود وكيل أدبي للكتّاب العرب والدور الذي يلعبه لتطوير صناعة النشر في العالم العربي وزيادة ارتباط الأدب بالسينما والتلفزيون إلا أنه غائب إلا في ما ندر. هناك بالفعل تجارب في العالم العربي إلا أنه بالنسبة والتناسب مع عدد الكتّاب العرب المتزايد يبدو قليلاً للغاية.

سبق أن أعلنت “هيئة الأدب والنشر والترجمة” السعودية عبر موقعها الرسمي في عام 2021 عن “تعاقدها مع سبعة وكلاء أدبيين سعوديين في سابقة هي الأولى في العالم العربي” بحسب وصفها، قبل أن تعود الهيئة نفسها للإعلان عن الترخيص لتسعة وكلاء وأربع وكالات أدبية جديدة نهاية عام 2022.

هذه الأهمية والتحركات السعودية الأخيرة خلال عامين تفتح الباب للتساؤل حول غياب الوكيل الأدبي عن صناعة النشر في العالم العربي، خاصةً مع ازدياد أعداد القرّاء وانتشار المعارض الضخمة في مدن القاهرة والرياض والشارقة، والمعارض الدولية في باريس وبرشلونة وإسطنبول، وفي هذه المدن الأجنبية جاليات عربية ضخمة تعتمد على شراء الكتاب الإلكتروني أو شراء النسخ الورقية عبر الإنترنت نظراً لضعف حضور المكتبات العربية فيها.

الكاتب التونسي كمال الرياحي يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أن قلّة من الكتاب العرب “نجحوا بأن يكون لهم وكيل أدبي قوي وحققوا نجاحات هامة، كالكاتب المغربي الراحل محمد شكري والروائي السوري خالد خليفة والكاتب العراقي أحمد سعداوي”.

غياب الوكيل الأدبي في العالم العربي بنظر الرياحي طبيعي؛ لأن غيابه مرتبط بأزمة النشر والكتاب نفسه، النشر في العالم العربي شبه عشوائي ولجان القراءة غير موجودة أو شكلية كما العقود القانونية وتورّط الكاتب أكثر من كونها تحافظ على حقوقه ولا تحترم مواعيد نشر الكتاب، ووصل الحال إلى معارك علنية بين الكُتّاب ودور النشر، طبعاً إلا ما ندر من الدور المحترمة.

من جهته يتساءل مدير دار “سرد” للنشر فايز علام، أن “أي مهنة تزدهر عندما تكون قادرة على تحقيق موارد مالية تدفعها للاستمرار، الوكيل الأدبي يحصل على نسبة مئوية من مبيعات الكاتب والأمور التسويقية الأخرى، فإن كان معظم الكتاب العرب لا يبيعون أكثر من 200 نسخة من الطبعة الأولى التي تكون عادة ألف نسخة مع وجود حالات استثنائية بالطبع، فما هي المبالغ التي سيحصل عليها الوكيل الأدبي في هذه الحالة في العالم العربي”.

طبقا لعلام، “فكل عوائد عملية الكتابة في العالم العربي قليلة بعكس صناعة النشر في الدول الأوروبية والتي تصل إلى طباعة 200 ألف نسخة للكاتب الواحد والقادر على الحصول على عوائد مالية من أمور أخرى كالندوات واللقاءات الخاصة وغيرها”.

لا يبدو أن مشاكل صناعة النشر وشكلها الحالي في العالم العربي السبب الوحيد لغياب الوكيل الأدبي، إذ يشير الشاعر السوري ياسر الأطرش إلى نقطة في غاية الأهمية تمنع تحوّل هذه الصناعة الهامة للغاية إلى صناعة احترافية بكافة تفاصيلها، وهي “العلاقة الشائكة بين الكاتب والناشر في العالم العربي والمحكومة بالارتجال والشللية والحسابات غير المهنية غالباً” بحسب رأيه، بالإضافة إلى حديثه عن النقاط التي أشار إليها فايز علام بخصوص العوائد المادية وفق تصريحاته لـ”الحل نت”.

حلول متاحة في حياة الكتاب العرب

في ظلّ أزمة النشر العربية وتحوّل مراكز النشر الرئيسية من مدن دمشق والقاهرة وبيروت وبغداد إلى مدن في الخليج العربي كالشارقة والرياض، والإمكانيات اللوجستية والقانونية والموجودة في تلك المدن والتسهيلات القادرة على تقديمها، يمكن أن تشهد الفترة المقبلة ظهور وكلاء أدبيين يلعبون دوراً حيوياً في تطور صناعة النشر، خاصة مع التحركات السعودية الأخيرة باتجاه الاهتمام بالنشر كصناعة.

لم يسبق لياسر الأطرش التعاقد مع وكيل أدبي، كذلك الأمر بالنسبة للروائي المصري أحمد الفخراني، والذي يقول لـ”الحل نت” إن فكرة وجود الوكيل الأدبي “ليست فكرةً راسخةً في العالم العربي”، مشيراً إلى انتظاره لشخص يلعب هذا الدور”.

الفخراني يربط بين استقرار حصول الكاتب على حقوقه من دور النشر من خلال مبيعاته، وأن تكون مبيعاته مرتفعة حينها سيتواجد الوكيل الأدبي في حياة الكُتّاب العرب بشكل طبيعي.

فيما يقول الكاتب التونسي كمال الرياحي، إن “كنا عاجزين عن إطلاق مؤسسات الوكالة الأدبية بشكل احترافي، فيجب علينا التفكير في شخصية الوسيط الأدبي، إي الأشخاص القادرين على الوصول بالنصوص إلى وكلاء جيدين حتى لا يبقى انتشار الأدب العربي رهين الحظ والصدفة والجوائز والعلاقات العامة وسطوة المال الذي يدفع دور نشر أجنبية أن تنشر أعداداً قليلة من الترجمات في مقابل التكفل بطباعتها وأحياناً تتحول بدورها إلى مؤسسات ابتزاز”، بحسب رأيه.

بنظر الكاتب قاسم المحبشي، فإن الحاجة باتت ماسة اليوم أكثر من أيّ وقت مضى لمهنة الوكيل الأدبي الذي يقوم بدور الوسيط بين الكتاب والمجتمع بمختلف مؤسساته ويضطلع بأدوار كثيرة منها دور الطباعة والتنسيق والتصحيح والإخراج والترويج والتعاقد والتوقيع والتصدير والبيع وغير ذلك من الوظائف التي تخفف من على كاهل الكاتب الكثير والكثير من الهموم المضنية وتجعله يمنح كل وقته وفكره للكتابة والنشاط الإبداعي الجدير بالقيمة والأهمية والاعتبار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.