بين أزمة الورق وإنفاذ السياسات.. ما هو الدور الذي تلعبه معارض الكتب الدولية؟

وسط أزمة كبرى يعانيها قطّاع النشر مع الارتفاع الكبير لأسعار الورق، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ومشاكل سلاسل التوريد التي بدأت في أعقاب جائحة فيروس “كورونا”، شهدت العديد من دول العالم، بما فيها مدن عربية، معارض الكتب التي تسعى لجذب الناشرين والمؤلفين والقرّاء على حد سواء.

مدينة اسطنبول التركية شهدت مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، “معرض اسطنبول الدولي للكتاب العربي”، بالتزامن مع “معرض الرياض الدولي للكتاب”، ثم “معرض برشلونة” في إسبانيا، وحاليا تُقام فعاليات “معرض فرانكفورت” في ألمانيا.

قد يهمك: مروان عدوان لـ “الحل نت” دور النشر ليست مؤسسات خيرية والكتاب الإلكتروني ضرورة

هذه المعارض تلعب أدوارا أبعد من كونها فعالية ثقافية، فهي بالإضافة إلى دورها في مدّ جسور التواصل بين المثقفين والكتاب من جهة، والقرّاء من جهة أخرى، تبدو “سلاحا ناعما” للدول التي تريد بشكل ما نشر سياسة معينة أو ترسم صورة ما للناس والمجتمعات، وتبدو هذه الصورة بأوضح ما يكون عبر معرضي اسطنبول والرياض سويا، فالأول تلقى انتقادات واسعة من الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره، “معرضا للكتاب الإسلامي لا العربي”. مع سيطرة دور النشر والفعاليات الإسلامية بشكل كبير أثار حفيظة الكثيرين بمن فيهم الشريحة الاجتماعية المحافظة، وذلك على عكس معرض الرياض الذي مثّل الصورة المقابلة.

المعارض سلاح دور النشر لمقاومة الأزمة

المعارض الدولية تمثل فرصة هامة لدور النشر العربية للتعريف بنفسها ومؤلفيها وبيع كتبهم ضمن فعالية ثقافية كبرى، لذا تحرص دور النشر على المشاركة في المعارض قدر الإمكان بحسب أهميتها وقوتها وتنظيمها وانتشارها، خاصة أنها تعتبر سلاحا في وجه تردد الكثيرين بشراء الكتاب الورقي، واللجوء إلى الكتب المقرصنة الإلكترونية.

في المقابل يرى الإعلامي والشاعر ياسر الأطرش في حديث لـ “الحل نت” بأنه لا يمكن اعتبار معارض الكتب في الوقت الحالي، وسيلة لعرض وتسويق وبيع الكتاب ولقاء الناشر والمؤلف والقارئ، الموضوع أصبح يتعدى هذا الأمر.

الكتاب أصبح بريستيجا، أي شخص يضع مكتبة في صدر بيته حتى لو لم يكن قارئا، لأن هذا الأمر أصبح نوع من البرستيج الاجتماعي، والكتاب أصبح وسيلة تجمل للأشخاص وكذلك للدول، بحسب تعبيره.

لكن السؤال الأبرز المطروح على الطاولة في الفترة الحالية، باعتبارها فترة الأزمات الاقتصادية، هو ما هي فائدة المعارض أصلا. وهل حقا تمثل بشكل ما حلا وسلاحا لدور النشر للمقاومة والاستمرار.

دور المعارض الدولية كمكان تنويري لم ينتهي حتى مع الأزمات المتتالية التي يواجهها الكتاب الورقي، بل هي في مرحلة تعزيز، بحسب الأطرش، يرى هذا الأمر من خلال الفعاليات الثقافية في المعارض العربية الكبرى، والتي تحتاج إلى عدة أيام للاطلاع على فعالياتها كاملة.

من جهتها ترى مديرة دار نشر فرنسية بالنيابة، الدكتورة أسماء فرنان، أن دور النشر اليوم في مرحلة جديدة، هي مرحلة ما بعد “كورونا” والتي أثرت على اقتصاديات العالم عموما وقطاع النشر بشكل خاص.

اقرا أيضا: نفور من معرض بغداد الدولي للكتاب: ما علاقة “الإطار”؟

المعارض الدولية الحالية تأتي في زمن يشهد أزمة كبيرة للورق وعندما نتحدث عن الورق نتحدث عن النشر أيضا، بحسب فرنان، فنحن أمام ارتفاع أسعار الورق بشكل مفاجئ بنسبة تتراوح بين 25 إلى 28 بالمئة، فعندما يتوجه الناشر إلى المطبعة يجد ندرة للورق من ناحية الجودة وارتفاعا في سعره.

عملية النشر أصبحت بين مطرقة غلاء الورق وسندان غلاء الكتاب، الذي يقع تحت طائلته القارئ المجبر أن يقرأ الكتاب ويدفع ثمنه، وأمام الأزمة المالية التي يعيشها النشر، تقول فرنان إن القراءة تتأثر بكل هذه التفاصيل، كما يتأثر الناشر وتتأثر المطبعة أيضا، هذه الزيادة المقدرة بالنسبة المذكورة أصبحت تثقل كاهل الناشر والمطبعة والقارئ على حد سواء.

معارض الكتاب الدولية كمؤشر على نسبة القراءة

في ظلّ غياب الدراسات والمسوحات الخاصة بنسبة القراءة في العالم العربي، خاصة مع ازدياد القراءة الإلكترونية المقرصنة، ومع محاولات إظهار منظمي وإدارات معارض الكتب حجم الإقبال الجماهيري والتفاعل الكبير، يبرز السؤال، هل يمكن أن تعطي هذه المعارض صورة حقيقية عن مدى انتشار القراءة في المجتمعات.

فرنان تجيب على هذا السؤال بالنفي، إذ ترى أن هذه المعارض لا تعطي الصورة الحقيقية لنسبة القراءة أو إتاحة الكتب للقارئ، خاصة أننا أمام أزمة وبالتالي فإن المعارض تواجه الأزمة نفسها. بالنظر إلى معرض الرياض اليوم أو برشلونة أو باريس أو فرانكفورت حتى أسعار إيجارات الأجنحة ارتفعت، وبالتالي فالناشر مرغم على رفع سعر الكتاب وفق سعر تأجير المساحة في المعرض وسعر التخليص الجمركي.

سابقا لم يكن هناك تخليص جمركي كما اليوم، التخليص الجمركي في اسطنبول كان مرهقا جدا لدار النشر بمبلغ خيالي، خاصة أن سعر صرف الدولار غير متساوي.

بالتالي إما أن نستمر ونواجه الواقع الاقتصادي والمالي بنوع من الحنكة ونوع من العقلانية أو أن نغلق الباب ونترك المكان، وفق فرنان، والتي تعتقد بأن الكثير من دور النشر المختصة بالكتب الإسلامية أو كتب الأطفال هي التي تبيع بشكل أكبر بنسب أقل، لكن باقي دور النشر التي تعنى بالرواية أو النصوص الأدبية بشكل عام مبيعاتها قليلة جدا بما كان سابقا، حيث كان البيع معقولا وتسترد على الأقل أجرة الجناح بينما اليوم نحن نخسر.

من جهته يرى الأطرش أن بعض المعارض شهدت فعاليات كثيرة للغة العربية بتعامل واقعي لا مستحضر من الذاكرة وشهد تفاعلا واسعا بالفعل، وهذا ما يعني وجود حراك ثقافي واسع، وفي النهاية المواطن في الشرق تدفعه الدولة وتلجمه الدولة شئنا أم أبينا.

معارض الكتب وسيلة لإنفاذ السياسات والقوة الناعمة

حديث الأطرش الذي ذُكر في الأعلى يأتي في ظل الانتقادات الواسعة التي طالت “معرض اسطنبول الدولي للكتاب العربي”، والذي تصفه الجهات المنظمة بأنه أكبر معرض للكتاب العربي خارج حدود الدول العربية، إذ أنه، وبالإضافة للارتفاع المبالغ فيه لأسعار الكتب، شهد سيطرة كبيرة للفعاليات الإسلامية، بشكل بدا أن المنظمين حرصوا عليه وطغى على التنوع الثقافي والفكري والسياسي المطلوب في المعارض الدولية للكتب، باعتبارها تمثل حراكا ثقافيا وفرصة للنقد وتبادل الآراء وانتشار المعرفة.

 يمكن ملاحظة هذا الأمر ليس من الأجنحة التي ضمها المعرض فقط، بل كذلك من جدول الفعاليات والشخصيات التي استضافها المعرض، ومن هذا المنطلق جاءت الانتقادات التي رصدها “الحل نت” عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

 هذه الملاحظات تشي بأن المعرض نفسه لم يكن فقط مكانا ثقافيا، والأمر نفسه ينطبق على معرض الرياض الذي ظهر بشكل مختلف يواكب عملية الانفتاح الذي تشهده المملكة العربية السعودية، والتغييرات الاجتماعية والقانونية فيها منذ مدة ليست بالقصيرة، كما أن إقامته بالتوازي مع معرض إسطنبول، يشي بأن منافسة ما وُجدت بين طرفين يمثل كل منهما نقيض الآخر.

الأطرش يرى بأن على الجميع أن يتساءل. لماذا تحرص الدول على إقامة هذه المعارض.  المعارض تعتبر قوة ناعمة تحرص عليها معظم الدول وعلى الترويج لها، بحسب تعبيره، فالثقافة قوة ناعمة وتنشر سياساتها من خلال هذه المعارض سواء بشكل علني أم خفي.

كم لعن التاريخ حاكما ولو كان عظيما لأنه أحرق مكتبة، وكم رفع من شأن حاكم آخر لأنه بنى مكتبة. بالتالي العمل على المعرفة من ضمن أساليب الحكم، وبناء على ذلك المعارض وسيلة لإنفاذ سياسات الدول خفي أحيانا، كما في معرض الرياض مثلا وبشكل علني في معرض اسطنبول، الذي يعلن عن سياسة خشنة، وفق الأطرش، حيث نجد أنه يفترض أن يحمل اسم “معرض اسطنبول للكتاب التراثي الإسلامي وليس للكتاب العربي، بالطبع لا يمنع وجود الكتب الإسلامية، لكن إشكاليتي مع التسمية بأن تكون واضحة وصريحة وهذا حق ولكن أن تكون واضحة لا ملتبسة”، بحسب تعبيره.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.